منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 4 من 4
  1. #1
    Moderator
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    فلسطين - رام الله
    المشاركات
    355

    وآلمَ كلَّ حُرّ !!

    وآلمَ كلَّ حُرّ !!


    آلمني وآلمَ كلّ حرّ نزعُ الثقة من إرادة الشعوب وهي في أتون النزال والكرّ ، وكأنّ أقدار الشعوب أن تظلّ في حالة تقاعس وفرّ ، مسلوبة إرادتها ، مرهونة عزيمتها ، ليس لها من شيء من الأمر ! حتى إذا ما رأينا من شعوبنا حالة استنهاض ، ووقفات عزّ وعناد ، انبرى فئام من أبناء جلدتنا ممّن يتكلّمون بألسنتنا انبروا يمطرونها بالشبهات ، ويطعنون في مقاصدها والنيّات ، ويشكّكون في صدق الولاءات ، وراحوا يقذفون بالغيب من مكان بعيد إذ يتشدّقون بالقول : إن حركة الشعوب نحو تغيير واقعها المرير وتحقيق إصلاحات ، ليست بقرارات أصيلة من صنع الذات ،إنّما هي مخططات تُرسم لها وإملاءات.
    وليس هذا بالشأن المستحدَث ، فالإرجاف والمرجفون حالة ما فتئت تتبدّى وتتكشّف ، كلّما لمع في أفق الأمّة شعاع من نور، يبث في النفوس الأمل لمحو الظلمة وإزاحة الديجور!

    في ضوء ذلك : ألم تر أنه لمن الموافقات العجيبة ، والمغازي المهيبة ،أن تتبدى أحوالُ المرجفين ، وتتكشف للناظرين ، في غزوة مثل غزوة الأحزاب ! التي تنادى فيها أعداء الملة والدين ، فتحزّبوا وتكتبوا وتجيّشوا لاستئصال شأفة الإسلام والمسلمين ، إذ تأججت في قلوبهم الأحقاد الدفينة ، فيمّموا وجوههم شطر المدينة ، يبغون بالقتل محمدا وصحبه، ويرومون بالمساءة دينه..
    ذلك أنه عندما يُتحزب ضد أمة الإسلام ، ويحاصرها عدوّها بإحكام ، تتكشف معادن النفوس ، فمنهم من يلبس للتصدّي والمرابطة اللبوس، وآخرون من دونهم يتسربلون سرابيل الخذلان ، ويتقمصون أقمصة النكوص ، يغشاهم الهلع ، ويخيم عليهم الفزع، لينقلبوا أعينا خئونة خلال الصفوف المؤمنة تجوس .. فيتضح وقتئذ ويفتضح أمر من اتخذ الدّيانة كلماتٍ طائرة ، وأماني مرفرفة ، من شعائر مجردة وطقوس ، فتراه يتحاشى النزال ومنه يتوارى ، وإذا ما سئل الفتنة ف
    عن إتيانها لا يتوانى ، بل يغوص في ظلمات بحرها اللجيّ !
    من هنا كشفت سورة الأحزاب أنّ الناس عند الزحاف على ثلاثة أصناف ، تجدها صورة مكرورة ؛ فما فتئت هذه الأصناف تتكرّر فتظهر في كلّ مرّة تهبّ فيها الشعوب تروم حالة استنهاض وتغيير للواقع الأليم ، وهذه الأصناف هي :
    إما أهل أصالة وإنصاف ( ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليما ) [ سورة الأحزاب آية 22 ]
    أوأهل خيانة وإرجاف (وإذ قالت طائفةٌ منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا )[ سورة الأحزاب آية 13] .
    أو أصحاب عزلة وانكفاف (وإن يأت الأحزاب يودّوا لو أنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم ) [ سورة الأحزاب آية 20].
    وكلا سنتلوا عليكم منه ذكرا ، ونقص من خبره عظاتٍ وعِبَرا …
    أما أولئك الذين يخرون صرعى في معترك المواجهات يوم الزحف والتلاق ، فهم أشرف الخلق على الإطلاق ، ولا أدل على ذلك من أنهم اصطفوا لمجاورة الملك الخلاق ، لتسرج أرواحهم في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى قناديل معلقة في عرش الرحمن ، لتجري عليهم الحياة والأرزاق ، فهم (أحياء عند ربهم يرزقون )[ سورة آل عمران 169 ] .
    فقد خرجوا جهادا في سبيل الله وابتغاء مرضاته ، لم ترهبهم غطرسة العدو عند ملاقاته ، ففي صدورهم إيمان بالله ورسوله، ويقين بما وعدهم ربهم في محكم آياته ، وإنهم وإن أجلب عليهم عدوهم بخيله ورجله وآلة البطش والحرب، ونشر الدمار والخراب في كل درب ، معتقدا أن سفك دمائهم قربان يُديم عليه ملكه ويحقّ له الأرَب ، كل ذلك لم يكن ليفت في عضدهم ، حتى وإن تداعت قوى الشرّ ضدهم ، فهم يواجهون مكر عدوهم المستطير ، يبغون بذا التحرر والتحرير ، فإذا ما تكالبت عليهم الأمم ، كانوا في ثباتهم كالطوْد الأشمّ ، وما قصر حالهم عما وصفهم به ربّهم الأعز الأكرم
    ( ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليما ) [ سورة الأحزاب آية 22 ].
    فهم أهل أصالة وإنصاف ، أنصفوا دينهم وأمتهم ومقدساتهم من أنفسهم، أولئكم سلام عليهم في العالمين .
    بيد أنه في خضم كلّ صراع ، يطلع علينا فئام من الناس ، تتباين مواقفهم عمّن سبقهم ، فليس لهم في ساحات الوغى بلاء ولا مراس ، إنما يجنحون لتحقيق مآرب سرعان ما تتكشف لكلّ ذي لبّ بلا التباس ، فلهم في الجهاد وأهله وأنصاره أغراض وأعراض ، لا تنمّ إلا عن نفوس عششت في قلوب أصحابها الفتنُ والأمراض ، حسبك أنه إذا ما داهم الأمة خطر ، جَدّوا في إشاعة أجواء الخوَر ، واستشرفت أنفسهم للمخادعة والغرَر ، يبغون بذا الفتنة والضرر ، فهم أهل عمالة وإرجاف. وحالهم هذا مفهوم ، ومن قديم الزمان معلوم ، وقد شخصت غزوة الأحزاب نموذجا يحكي حال هؤلاء الذين فقدوا الرّشد والصواب ، فمّما جاء بحقهم في آي الكتاب : (وإذ قالت طائفةٌ منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا )[ سورة الأحزاب آية 13 ].
    ففي قولهم
    (يا أهل يثرب) انسلاخ من الأصالة ، ومغازلة لأهل الزيغ والضلالة، ودليل كونهم أهل خيانة وعمالة ، وأنهم إذا ما حزبهم أمر استحالوا حثالة، ذلك أن المصطفى صلى الله عليه وسلم نهى عن تسمية المدينة بيثرب ، مبيّنا بلسان عربي مبين ، أن هذا من صنيع المنافقين ، فقال : ( يقولون يثرب وهي المدينة ) [ متفق عليه ].
    ذلك أن مُسمّى يثرب من الثرب وهو: الإفساد ، أو من التثريب وهو : التعيير والاستقصاء في اللوم والتوبيخ، ومنه قول يوسف عليه السلام لاخوته
    (لا تثريب عليكم اليوم)[ سورة يوسف الآية 92 ]. وهذا المعنى لا يليق بدار هجرته ، وموطن نصرته ، ومغرز رايته ، ومنبت دعوته صلى الله عليه وسلم ، والمؤمن الصادق إنما يتشبث بمبادئه ، ويستمسك بثوابته ، ويستعصم بأصالته ، إذا ما حفته المكاره ، ونزلت بساحته الفوازع ، في حين يحيد عنها في مثل هذه الظروف كل منافق مُخادع ، أو مستسلم مُستكنّ مُوادع ، كأولئك المنافقين الذين كان الأوْلى بهم أن يتنادوا للجهاد ، ويتواثبوا على الاستشهاد ، ذوْداً عن العباد والبلاد، فيوصي بعضهم بعضا أن (تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا) لكنهم تقاعسوا ، فإذا بهم يصدعون بقولهم (لا مقام لكم فارجعوا)
    واعجباه ! فمن أي مراتع الجبن رتعوا ؟!ومن أي مراضع الهون رضعوا ؟!
    ولا جرم أن الأمّة على مر عصورها – لا سيما في واقعنا المعاصر – تبتلى بأمثال هؤلاء المرجفين الذين يجدّون في توظيف ما يطرأ من شتات في الصف ، وهيمنة لعوامل الضعف ، لدى أمة المصحف والسيف ، لتمرير حلول ، وتهيئة القبول ببنود ، تستساغ بزعمهم نظرا لطبيعة الظرف الموجود ، في حين أغمضت أبصارهم ، أو عميت بصائرهم ، عن البشائر المنعقدة ، بنواصي همم الشعوب المتقدة ، فأولئك هم المرجفون فآحذرهم ! ولا تأبه لدعواهم بل ذرهم ، فمواقفهم ساعة الزحاف أفتك في جسد الأمة من السمّ الزعاف .
    وفي خضم الزحاف يطلع علينا صنف آخر من أهل الإرجاف ، يزيّنون لحلولٍ يلبسونها لبوس النصر والظفر ، ويحيطونها بهالة من الفخر ، على أنها مكاسب أنجزت ، وحقوق انتزعت ، فلا تذهب النفوس بعدها حسرات على ثورة الشعوب إن هي أخمدت، إذ يخيلون للعوام أن نفرة الشعوب قد حققت الهدف المنشود ، وأحرزت الغرض المقصود ، معوّلين على ما قطع لهم من وعود ، ومواثيق أشهد عليها وعهود ، يرومون المخادعة ، وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ، لأن أهل الجهاد حفتهم عناية رب العباد ، كما نوّه القران بذا وأفاد ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) [ سورة العنكبوت الآية 69] قال سفيان بن عيينة : (إذا رأيت الناس قد اختلفوا، فعليك بالمجاهدين وأهل الثغور فإن الله تعالى يقول :(لنهدينهم سبلنا) [ القرطبي 13/378].
    فحذار حذار! من دعاوى هذا الصنف الذي يؤسس بنيانه على شفا جرف هار ، لا يلبث أن ينهار..
    ومنهم صنف أقحم نفسه في غبْنٍ مستطير ، وواقعهم يفجر في النفس الأسى الكبير ، إذ تجدهم بدل أن يكرسوا وقتهم ، ويستفرغوا جهدهم لتفعيل الصمود ، وتعزيز سبل المرابطة والمراغمة ، ويوصّدوا في وجه عدوهم أبواب المساومة ، جنحوا إلى تبادل العتاب والملاومة ، مع مؤسسات وهيئات دولية ، يطرقون أبوابها بصفة يومية، لاستصدار قرار واستخلاص تقرير ، يدين العدو ويظهر أنه المعتدي الشرّير ، وكأن العدو يقيم لتلك القرارات أو المؤسسات وزنا – إلا ما أشرب من هواه – وكأن إدانتها له تقوّم مسارَه وممشاه ، وكأن هذا التقرير سوف يُسمن الشعوب المنكوبة ويغنيها من جوع ، ويضمد جرحها النازف ويكفكف لثكلاها الدّموع ، ويبعث الأمل لدى البراعم الشموع، ويطفئ لهيب القلب الموجوع ، جرّاء فراق أهلٍ وأحبةٍ عاشوا بين ظهرانيهم في أحضان التلال والرّبوع ، غيّبهم تحت الثرى فتكُ غاشم ، وبطشُ ظالم .. وكان الأجدى بهم بدل أن يشكوا الظلم للظلاّم ، أن ترتفع أكفهم لذي العز الذي لا يضام ، ويستفيقوا من أحلام اليقظة والمَنام ، ليدركوا أن من يستجيرون بهم سوف يمرّون على مآسيهم مرور اللئام ..

    وأما أهل الانكفاف
    فقوم نأوا بأنفسهم عن الأحداث ، فلم يولوا قضايا أمتهم أي اكتراث ، حتى وإن تحزبت الأمم على أمتهم وأطبقوا عليها الالتفاف ، أو مورس عليها التعذيب والبطش والتنكيل والإبادة والاجتثاث ، أو صلى العدو بحرابه أمتهم صليّا ، سيتخذون ذلك كله وراءهم ظهريّا ، ويعيشون عن الأحداث في عزلة نفسيّة وحسيّة ، ولن تجد من أقلامهم أو جهدهم أو أموالهم ما اتخذ لنصرة القضية سُخريّا ، فلم يواسوا بما أوتوا مَنْ أقعدته الأحداث جثيّا، ولم ينفعوا بها من المرابطين إنسيّا ، لذا جازاهم القرآن بأن جعلهم نسيا منسيّا ، فأخمد ذكرهم ،وحط شأنهم ، ولم يعبأ بمصيرهم، إلحاقا بهم بأشياعهم وأضرابهم ممن جاء في سورة الأحزاب التنديد بهم ( وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسئلون عن أنبائكم )[ الآية 20 ] أو في سورة الأعراف من إغفال لمصيرهم (وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً قالوا معذرةً إلى ربكم ولعلهم يتقون ، فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون )[ الأعراف الآيتان 164، 165]
    فبينت الآيات مصير الناهين عن انتهاك الحرمات ، ومآل من اجترح السيآت ، في حين أهل الانكفاف كان أن لفّتهم أزمنة النسيان ، وتجاوزتهم عناية الرحمن ، فأغفل القرآنُ ذكرهم ، ولا يخفى ما في هذا الإغفال من امتهان لهم وخذلان ...

    وبعد : فسيظل هذا الإغفالُ حظ المتوارين عن ساحة الإصلاح ونصيبَهم ؛ إذ ستخلو من تخليد ذكرِهم وذكراهم صحائفُ الزمان، ولن يكون لهم لسانُ صِدْقٍ في الآخِرين ، فبذا جرت سنة اللهِ ربّ العالمين ...


  2. #2
    هناك حدود فاصلة بين الحق والباطل سواء من الشعوب ان غيرها..ولكن لايخفى ان هناك من يتدثر بثوب الحمل لكنه وحش حقيقي..موضوع عميق ولي عودة دكتور
    إذا كنتَ لا تقرأ إلا ما تُوافق عليـه فقط، فإنكَ إذاً لن تتعلم أبداً!
    ************
    إحسـاس مخيف جـدا

    أن تكتشف موت لسانك
    عند حاجتك للكلام ..
    وتكتشف موت قلبك
    عند حاجتك للحب والحياة..
    وتكتشف جفاف عينيك عند حاجتك للبكاء ..
    وتكتشف أنك وحدك كأغصان الخريف
    عند حاجتك للآخرين ؟؟

  3. #3
    Moderator
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    فلسطين - رام الله
    المشاركات
    355
    شرفتُ بمرورك أستاذتي الفاضلة رغد ، وأنتظر عودتك

    تحيتي وتقديري

  4. #4
    نعم معك حق استاذة رغد واضيف ان الادب لكل جلاله لم يستطع محو الشعور بالقهر بالنسبة لهم.
    تحيتي لك دكتور.
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

المواضيع المتشابهه

  1. ** هكذا كلُّ جَميلةْ..مصطفى السنجاري
    بواسطة مصطفى السنجاري في المنتدى الشعر العربي
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 01-24-2012, 01:52 PM
  2. مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 02-27-2010, 04:43 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •