منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1

    رمضان شهر الحرية

    رمضان شهر الحرية , هذه حقيقة إسلامية بلا منازع فيما أعتقد , فإذا كنّا نتوق للحرية نقية من كلّ الشوائب التي تنحرف بها عن مسارها , لتصبح أيقونة نفع للعباد , تحقق التوازن بأدق معاييره بين حقوقهم وواجباتهم ورعاية مصالحهم الدنيوية والأخروية على سواء دونما تعارض أو تفريط بشيء منها على حساب الآخر . أقول : شهر رمضان بما احتواه من الفضائل الكبرى والمعاني الرّاقية هو الطريق الأوحد لنيل هذه الحرية . بيد أني أؤكّد جزماً أن هذه الحرية نادى بها القرآن الكريم , فمن وعى نداء القرآن وأدرك غايته أيقن أن الحرية في تضاعيف كلماته الربانيات , وأما من مرّ بهذا النداء مروراً عابراً ليس غير فلا ولن يقترب من أسوار حصن الحرية هذا ألبتة .
    نداء الحرية : يقول الحق عزّ وجلّ : (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ . ) البقرة (185) . في تلافيف هذه الحروف , وراء أسوارها الشاهقات يتردد نداء الحرية بأنصع صورها وأرقى معانيها , فهي الحرية المنشودة بحق , لا تلك الحرية الجوفاء التي ينادى بها النفعيون هنا وهناك لتحقيق ما تصبو إليه نفوسهم وتشبع شهواتهم وما هي في حقيقتها إلاّ مجرّد فخ لاستعباد الناس , وإطلاق العنان للأهواء ,حتى نصل إلى الإباحية والفوضى . تعال معي أخي في الله .. وأنت أيضاً أختي في الله نصغ بعمق وتأمّل لنداء الحرية المنبعث من وراء الكلمات وصدى الحروف النيرات .
    ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه .. ) شهود الشهر هو الخطوة الأولى , أرى هلال رمضان أو تبلغني رؤيته بوسيلة إعلامية, وأنا كامل الأهلية, صحيح البدن , سليم العقل , سديد التفكير. أي أنا مهيّأ إذاً لأن اضع قدميّ على الطريق ومعي زاد وافر هو استجابتي لأمر الله بالصوم,فالطريق التي سأمضي فيها ليس لها مثيل أو نظير من بين تلك الطرقات التي مضى عليها غيري من الناس , بل هي الوحيدة . زادي ليس الطعام والشراب وما لذّ وطاب , وإنما زادي في السير في هذا الطريق , زاد آخر , هو العزم على التخلص من سطوة النفس وتنقيتها من كدورها التي جعلت منها نفساً أرضية تمسكت بحطام الدنيا وانحرفت عن منهج ربها , فأصبحت فاقدة للحرية وحرمتني منها فبت عبداً لنفسي لا عبداً لربي , وهذا حال الناس اليوم , إنهم عبيد أنفسهم فحسب , ولا تهولنك هذه الحقيقة , ألق نظرة على واقع العباد اليوم هنا وهناك ترى ما يؤكّد هذه الحقيقة . وإليك ومضات من ذلك :
    1- من يفرّط بفريضة الصلاة كسلاً وتهاوناً , ترى أهو عبد لنفسه أم لربّه ؟
    2- من يجاهر بالإفطار في رمضان متحدياً ربه وضارباً بمشاعر الصائمين عرض الحائط , هازئاً بهم , متهكماً عليهم , أهو عبد لنفسه أم لربه ؟
    3- الّذي يشرب الخمر أو يزني أو يقتل الأبرياء بلا ذنب ويدمّر ويخرب أهو عبد لنفسه أم لربّه ؟
    وهكذا كلّ من نراه من المعاصي يؤكّد أن الناس عبيد نفوسهم لا عبيد ربهم , لأنهم فعلوا ما فعلوه تحت إغراءات النفس ورعوناتها . (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ . ) يوسف (53) .
    إذاً الحرية التي مضيت على طريقها في رمضان كامنة في امتلاك قدرتك على تهذيب نفسك وتنقيتها من الزغل , لتعود من جديد إلى فطرتها التي فطرها الله عليها نفساً ربّانية مطمئنة إلى ربها راضية مرضية , عندئذ تكون حرّاً , لأنك استطعت أن تتخلّص من سلطان النفس عليك , فتصبح عبداً لله بكل ما تفرزه العبودية من راقي المعاني وعظيم الفضائل , وأعلم أن قمة الحرية هي في تحصيل العبودية لله ربّ العالمين . وصوم رمضان هو الطريق إلى ذلك , لأنه قهر للنفس وتحدّ لها , وحدّ من شهواتها , والمضي بها على طريق الطاعات لترقى وتشرق وتصفو من عكر الدنيا.فيكون شهر رمضان غنيمة لك حيث ظفرت بحريتك وأطعت ربك وتحررت من سلطان نفسك . ولنعلم جميعاً أنّ عبد نفسه لا ولن يكون حرّاً مهما طال عمره , ومهما نادى بالحرية , فنداؤه صرخة جوفاء لا تأتي بفائدة أبداً.

    وما بكم من نعمة فمن الله

  2. #2
    Moderator
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    فلسطين - رام الله
    المشاركات
    355
    (واعلم أن قمة الحرية هي في تحصيل العبودية لله ربّ العالمين)

    قد حكمت أخي الحبيب أسعد فعدلت ، وقد أجدت وأفدت وبلغت أعماق الحقيقة النفسية فيما سطّرت !
    أجل أخي الكريم "فالحريَّةُ حريَّةُ القلْب، والعبودية عبودية القلْب، كما أنَّ الغِنى غِنى النفْس" فــ "الرِّقُّ والعبوديةُ في الحقيقةِ هو رِقُّ القلْب وعبوديته، فما استرقَّ القلبَ واستعبده فهو عبدُه... وكذلك طالِب الرئاسة والعلوِّ في الأرْض قلبُه رقيقٌ لمن يُعينه عليها، ولو كان في الظاهر مُقدَّمَهم والمطاعَ فيهم، فهو في الحقيقة يرجوهم ويخافهم فيبذل لهم الأموالَ والولايات، ويعفو عما يَجترحونه؛ ليطيعوه ويعينوه، فهو في الظاهرِ رئيسٌ مطاعٌ، وفي الحقيقة عبدٌ مطيع لهم،والتحقيق أنَّ كِليهما فيه عبوديةٌ للآخَر، وكِليهما تاركٌ لحقيقةِ عبادةِ الله" لذا فإنّ " أسْر القلبِ أعظمُ مِن أسْر البدن، واستعباد القلب أعظمُ مِن استعباد البَدن؛ فإنَّ مَن استُعبِد بدنه واسترقَّ وأُسِر لا يُبالي إذا كان قلبُه مستريحًا مِن ذلك مطمئنًّا، بل يُمكنه الاحتيالُ في الخَلاص،وأمَّا إذا كان القلبُ - الذي هو مَلِك الجِسم - رقيقًا مستعبدًا متيمًا لغيرِ الله، فهذا هو الذلُّ والأَسْر المحْض والعبودية الذليلة لما استُعبِد القلْب"
    من كتاب العبودية لابن تيميّة (أنظر ص: 81-91).

  3. #3
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته , أخي في الله أحييك على هذه الكلمات التي سطّرت , ولها في العقل والقلب وقع راسخ , لقد قرأت الموضوع بعمق وتأمّل فجاء التعليق رائعاً بل أكثر من رائع , وهذا ما أتوسّمه في فيك فأنت رجل فكر وعلم نفع الله بك الأمة وأطال عمرك ليدوم النفع على يديك . سلام عليك وعلى تلك الأرض المباركة التي نتطلع لزيارتها عندما يأذن الله بذلك .
    وما بكم من نعمة فمن الله

المواضيع المتشابهه

  1. مهر الحرية ..
    بواسطة محمد فتحي المقداد في المنتدى فرسان الخواطر
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 06-27-2013, 11:29 AM
  2. يوم الحرية في غزة
    بواسطة يسري راغب شراب في المنتدى من روائع الشعر
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 10-19-2011, 03:25 AM
  3. رمضان مبارك لا رمضان كريم
    بواسطة محمود ابو اسعد في المنتدى فرسان المناسبات
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 09-01-2010, 09:23 AM
  4. الحرية
    بواسطة يونس محمود يوسف في المنتدى الشعر العربي
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 07-12-2009, 12:53 PM
  5. الحرية
    بواسطة ناهد حسن في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 05-16-2008, 06:16 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •