اللغةالإنجليزية في ورطة ..!

جريدةالرؤية العمانية

تناولت مرة فيمقالة تدعى " سجين لأنه عربي " مبعث تفوّق اللغة الانجليزية في حياتنا نحن _ العرب _من خليجنا إلى محيطنا ، ولا نبالغ قط إن أشرنا بأن الخليج العربي يكاد يصبح الخليجالانجليزي ؛ نتاج تحدث أهلها هذه اللغة حتى فيما بينهم وأبناؤهم الصغار مما شكّلإشكالية جسيمة لا يمكن تفاديها مطلقا هو تزحزح مكانة اللغة العربية وتراجع أهميتهابين العرب ..!
وهل ثمة لومعلى من جعل الانجليزية لغته الرسمية وهو مواطن عربي وفي وطن عربي ..؟! في وطن جعلاللغة الانجليزية لها الأولوية ولها الصدارة في كل شيء ؛ في الوظيفة وفي التعليموالتواصل ومن لا يتقنها فهو رجعي ومتأخر ويفقد ما يفقد من مؤهلات وطموحات تؤهلهللرقي والتقدم في وطنه ..!
ليس هكذا فقطبل قمة القهر أن تذهب إلى مطعم عام .. فيأتيك العامل العربي ويستقبلك بتحية انجليزيةمرموقة وحين يعرف أنك عربي تقل وهج التحية أو يختار الصمت غالبا وينسحب ..! أوعامل أجنبي يتقدم إليك ويضع أمامك قائمة الطعام بالانجليزية وحين تطلبها بالعربيةيعتذر بأن ليس لديهم قوائم طعام سوى بالانجليزية ونحن في عقر دارنا العربي ..!
في هذاالمجتمع العربي تكون مطاردا بهاجس عدم إتقان اللغة الانجليزية وتضطر إلى التسجيلفي معاهد تعليم اللغة الانجليزية ؛ كي تتحدث بها مع عامل المطعم أو مع مسؤول العملأو مع زائر أجنبي لبلدك يسألك بلكنته ومن العار ألا ترد عليه بلكنته الانجليزيةوكأنك أنت الزائر العابر وهم الدائمون ..!
لكن لندع أزمةاللغة العربية جانبا ؛ فهي غائرة ومتمددة وكاشفة للجميع بالمقابل لنسأل أنفسنا هلتزّعم اللغة الانجليزية في صالحها بالمعنى الكلي ..؟! وما أبعاد التأثير وما نتاجهعليهم وعلى بقية اللغات ..؟!
وهذهالاستفسارات ناقشها وعرضها من زاوية عميقة قلّ أن جسها أو فكّر بها الآخرون ؛فالباحث والكاتب الفرنسي " جورج ستينر " لاحظ وهو يتحدث عن اللغات أناللغة الإنجليزية وبفضل انتشارها العالمي هي العامل الأساس في تخريب التعدد اللغويالطبيعي وقد يكون هذا التدمير الأكثر استعصاء على العلاج بين الثورات الأيكولوجيةالتي يعانيها العصر ، ذلك أن اقتصار الإنجليزية على حقول التجارة العالميةوالتكنولوجيا والسياحية لها آثار ضارة على الانجليزية نفسها ..!
فالحضورالمطلق على وفق تفسير " ستينر " دائما يوّلد تغذية سلبية لهذه اللغةوالتوحيد اللغوي والثقافي يتولد منه الضجر والرتابة والاختناق فالفناء ..!
ويتابع تفسيره بأن مع انفراط لغة تنفرط إلىالأبد خيوط تواصل الإنسانية مع الأمل ، والتعددية لا تؤمن ثراء حياة الإنسانالمعنوية والذهنية فقط بل تؤمن حياة أو الحيوات المجاورة ..
وهذا يشير إلىانعطافة مهمة وهي أن اللغة الأنجليزية فقدت خصوصيتها من هذا الشيوع وهذا كما وفقتنبؤات الباحث الفرنسي " جورج سيتنر " قد يتسبب في فنائها عبر حقب الزمن..!
فإذا ما كانتاللغة الإنجليزية في ورطة الشيوع ، فإن اللغة العربية في ورطة الاندثار قبل أنتحقق شيوعها المستحق ؛ لهذا وجب أن تتكالب الجهود لصون اللغة العربية وحمايتها وهناكبالفعل جهود لا يمكن نكرانها أو التغاضي عنها كمبادرة مجلس محمد بن راشد للسياساتحيث تبنوا مبادرة تعزيز مكانة اللغة العربية ؛ وهي محاولة جادة لإعادة هيبة اللغةالعربية ومكانتها التي تأثرت بشكل كبير جدا خلال السنوات العشر الأخيرة مما أدىإلى تراجعها مقارنة باللغات الأخرى وهو أمر لا يمكن تقبله والرضوخ له ..
وإذا علمنا أنثلاث دول من أصل خمسة تمتلك حق " الفيتو " في العالم لا تجيد "الإنجليزية " يجعلنا نتساءل بقوة : لماذا نحن لا نرد الاعتبار للغة "الضاد " إذن ونفرض شرعية ممارستها كلغة مهمة في كافة أرجاء العالم ..؟!
مما لا شكحفنة من الرأسماليين استجلبوا ثقافة الاستهلاك إلينا وداسوا على هويتنا العربيةحين أجبرونا أن نتحدث مع عمالهم بغير لغتنا ونحن في عقر دارنا .. ومن هنا اقترح أنتفرض المؤسسات الحكومية المختصة على كل موظف يأتي للعمل في بلداننا أن يأخذ دورةتأسيسية في العربية ؛ حفاظا على لغتنا العربية من التهميش والتكسر والألفاظالدخيلة ..
وعندما يتاحالأمر سيغدو سهلا ومقبولا من قبل الجميع .. من ذلك قابلت منذ فترة قريبة في مدينةدبي بائع " صيني " في إحدى المحال التجارية وعندما سألته بالإنجليزية عنسعر البضاعة ردّ عليّ بلغة عربية نقية وفصيحة فاجأتني جدا وحينئذ بادرته بالسؤالعن كيفية تعلمه واتقانه اللغة العربية بذاك الثراء والوضوح ؛ فأجابني بأنه تعلماللغة العربية في إحدى معاهد تعليم اللغة العربية في الصين على نية السفر لدولةعربية ؛ كي يباشر عمله كبائع .. سبحان الله .. فلماذا لا نتيح لهؤلاء العمالوغيرهم فرصة لتعليم اللغة العربية في بلداننا أو تعليمها في بلداهم قبل استقدامهمكعمال أو كموظفين ..؟!
ومن هذاالموقف خرجت بقرار مهم هو أنني لن أتحدث سوى بلغتي العربية في أي مكان أكون فيه وأصادفأجنبيا في بلدي فهو الزائر لا أنا ..!
وكما يقول "ابن خلدون " : " غلبة اللغة من غلبة أهلها " .. استشهد بهذاوذاكرتي على خبر ذيع مؤخرا عن تعزم أمريكا على تعليم اللغة الصينية في مدارسطلابها ؛ بعد أن أظهرت الأخيرة تفوقها الإقتصادي الساحق ..!
يا ترى متىسنكف عن تخضيع هوياتنا لمبدأ الغلبة والقوة ..؟! ومتى نسعى إلى فرض هيبتنا لمجردأن ذلك حق إنساني ووجودي وحضاري في كل بقعة نكون فيها ..؟!

ليلى البلوشي
Lailal222@hotmail.com

__._,_.___