تساؤلات عن العُزلة العُمانية ..! 2





الرؤية /البلد





يبرز أمامنافي هذه المقالة التساؤل التالي : هل العزلة في صالح عُمان ..؟!


سلطة سلطنةعمان أقرت مفهوم ثابت كاشفت من خلالها موجب سياستها على المستوى الداخلي والخارجيوجاءت في عبارة : " عدم التدخل في شؤون الغير وكذلك عدم القبول بتدخل ذلكالغير في شؤوننا " ..!


هذه السياسةلم تفصل عُمان كدولة وحدها بل فصلت شعب بأكمله عبر تلك الأعوام ؛ فمن هم في الخارجحتى دول الجوار لا يعرفون عما يحدث في عُمان على عكس بقية الدول التي يصل أخبارهاالجميع عبر وسائل الإعلام والصحف بأنواعها ووسائل التواصل ؛ فالشأن التونسي تحمّسله الجميع وكان حديث العالم كما الشأن الليبي والسوري والمصري الكل يناقش ويعرضوجهات نظره سواء من تلك الدول أو خارجها حتى البحرين تشارك الجميع في شأنها وعرضتفاصيلها باستثناء عُمان ظل الحديث عنها غالبا مختصرا على العمانيين أنفسهمبالتحليل والنقد والتعاطي وهذا كله تبعات سياسة السلطة في عُمان ، بل إن وجودالإنسان العماني عبر شبكات التواصل في البداية كان مقلا مقارنة ببقية دول الخليج وبرزعن ذلك تساؤلات واضحة تداولها أبناء دول الخليج عبر وسائل التواصل الاجتماعية وهميتساءلون عن اختفاء العماني في حين بروز الإماراتي والسعودي والكويتي والقطري والبحريني..!


قد تكون سياسةعُمان منعزلة أو طبيعتها تميل للانعزال والشعب العماني دأب على فكرة العزلةوانغرست في الأذهان من جيل إلى جيل وكانت الأمور تمضي كما قررت شرائع الدولة تماماولكن ولد مع هذا الجيل شباب مختلفون ينبذون فكرة الانغلاق والتبعية مع تأثيراتعوامل لا يمكن تخطيها كثورات الربيع العربي وانغماسه في عوالم التواصل الاجتماعية هذهالتأثيرات المشتملة غيرت التركيبة الإنسانية والإنسان العماني هو جزء لا يتجزأ منتلك التركيبة التي جرفتها التغييرات كما جرفت غيره بمعدلات متفاوتة حسبما سياسة كلدولة ؛ فرض العزلة على الشعوب في الداخل أو في الخارج هي سلطة لا مكان لها اليوم ؛فمفهوم العزلة اختلف وقد تفرضها سياسة الدولة وقوانينها ولكن لن يلتزم بها الشعوب فيهذا العصر الذي يهيئ مفهوم الانطلاق والانفتاح ويردم مفهوم العزلة العتيق كمعنىشامل وكقيد وقد تعدى الجوانب التقليدية وكسر كل الاختلافات على عدة أصعدة دينيةواجتماعية وسياسية ؛ فمن يشجب اليوم العزلة على ملبس أو لهجة معينة أو مذهب معينفهو إنسان لم يستوعب بعد التفجر التواصلي عبر البشر؛ وهي متاحة للجميع ومن خلالهذا برز لدينا مفهوم جديد أنجبه هذا العصر وفق تصوري الشخصي وهو مفهوم "عزلة السلطة وانفتاح الشعب " ..! مع التوضيح أن عزلة السلطة بلغة هذاالزمن هي " الهدوء " والحيادية " فهناك شعوب في العالم موجودة ولاأحد يعرف عنها سوى المكتشفين وتتمثل فيها العزلة بمفهوم حقيقي وعميق وكبير كشعوب" البيراها " وهي شعوب بعيدة عن كل وسيلة انفتاح ..هذه العزلة المقدسةوالغريبة فرضتها بعدهم عن عالم التكنولوجيا ..!


أما عزلة عُمان و غيرها من الدول كالمغرب مثلاهي عزلة انتقائية أي منعزلة عن شيء وفي الوقت نفسه منفتحة على شيء وقد طرح مرةكاتب سعودي مفهوم " المعتزلة السياسية " وأطلقها على دولتين هما "عُمان" و" المغرب " ورأى أن هذا يريحهما من المشاكل التي تقع حين تتدخلالدول في سياسات الآخرين ؛ هذا المعنى بمفهومه الكلي ليس صالحا في كل الظروف ؛ فهناكظروف تستدعي تدخل لحل خلاف دولي أو مناصرة دولة كما يحدث في سوريا اليوم وكما حدثمع سابقتها ليبيا ؛ فلو أن الدول العربية تعاضدت لما دخل الأجنبي الأرض الليبيةوعينهم على الثروة النفطية ..! هناك قضايا لا يمكن أن تتخذ بعض الدول العربيةحيالها موقف " المتفرج " أو " المحايد " أو " الهادئ" ؛ فـ" المتفرج " شعاره : لا أرى ولا اسمع ولا أتكلم ..! أما " المحايد " فهو الذي يقف فيالوسط وإذا ما أصابته رصاصة لا يعلم من أين تلقاها..؟! أم " الهادئ " هوأشبه ما يكون مختزلا في مثال الملكة الفرنسية " ماري أنطوانيت " التيردت بهدوء على ثائرة شعب و جوعه يهتف : نريد خبزا ..! بقولها : لماذا لا تأكلون البسكويت إن لم تجدوا الخبز..؟!


هنا الشعبتفاعل وناقش لكن السلطة انكفأت ؛ اليوم إذا ناقشنا مفهوم العزلة يجب أن نضع أولاالشعب في الصورة وليس الحكومة لا يوجد في عصر التكنولوجيا شعب منعزل ولا حكومةمنعزلة كليا ؛ فمقياس العزلة هو الانعزال عن مسايرة التكنولوجيا.. وعلى مستوى الشعبينستطيع القول أن الشعب العماني مزق ستار عزلته وقضى على مفهوم العزلة التي دأبوسار عليها طوال أعوام ماضية وعبّر عنها بشكل هادئ والفضل في وسائل التواصلالاجتماعية الفيس بوك والتويتر ، ومن هنا يبرز فشل الإعلام العماني في توصيل صوتالإنسان العماني وصورته للخارج كما وصفته إحدى الدول من وقت قريب الإعلام العمانيهو إعلام ميت ..! ونتيجة فشل هذا الإعلام هو تردي المستوى السياحي في عُمان مقارنةببقية الدول التي بنت من خلال الإعلام وحده بنية سياحية فاقت الآفاق رغم أن عُمانلديها طبيعة تؤهلها لتتمركز في المستويات العليا في الجذب السياحي ..!


والانفتاحيحقق مكسب سياحي عظيم لكل دولة ناهيك عن منافع تبادل ثقافات وتبادل خبرات وتطوّرورضا على مستوى إنساني وسياسة الانكفاء لا تخدمنا على مستوى الترويج السياحي والضخالإعلامي لخدمة السياحة ضرورة كخطوة أولى وبنجاح هذه الخطوة الأولى تكون خليقةبتحقيق الهدف المرجو تكملها الخطوات التالية ..


وعلى مستوىالانفتاح السياحي التجربة " التركية " مثال جيد التي لم نكن نعرف عنها قبلسنوات ؛ لأن أخبارها كانت بعيدة عن محيط عوالمنا العربية ، ولكن السياسة التركيةنهجت منهجا مختلفا في السنوات الأخيرة والتي ضربت عدة عصافير بحجر واحد وازدهراسمها على عدة أصعدة إعلاميا واجتماعيا وسياسيا خاصة " السياحي " وروجتعن نفسها من خلال المسلسلات التركية التي يتابعها معظم فئات المجتمع ونجحت فيتحفيز المشاهدين للتوجه إليها وضخّ العملية السياحية ، والضجة السياحية تصب فيمصلحة الشعوب دون شك ؛ فهاهي " مصر" التي شهدت سنوات مديدة في الترويجالسياحي وكان لها تأثيراتها في تشغيل معظم فئات الشعب ولكن مع الظروف الأخيرة تقلّصهذا الجانب وخلّف عن حالة بطالة واضحة في المشتغلين بها كمصدر زرق أساسي ، واليومما تحتاجه " مصر" هي دعاية سياحية كي تستعيد طلتّها المعروفة والمشهودبها ..


وتتعاظم مفهومالعزلة الداخلية عندما تقوم الدولة بعزل الشعب سوف تنشأ بينها والشعب حالة منالتوتر وتفغر هوة عدم الثقة وتتمادى الفوضى ويفرض التمرد نفسه وهو أمر ليس في صالحالشعب ولا في صالح السلطة ..! وتتفشى حالة من لا توازن ما بين فكر الحكومة وفكرالشعب كما يساهم في هدم الثقة بينهما وسوف يشعر الشعب بأنه محاصر وضائق على حرياتهفتنبثق المشاكل ولن يفرق الناس من هو الخائن الذي له أجندة ومن هو المواطن الصالحالذي يريد لوطنه أن تغدوا منارة يهتدي بها وإليها الجميع ..!


هو جزء من هذهالتركيبة وجب على السلطة أن تستوعبه وأفكاره وطموحاته وما هي أهدافه .. وعليها أنتؤمن بأن له الحق في أن يطالب ، في أن يقرر ، في أن يشارك في منظومة بناء الدولة ؛فالوطن للجميع والشعب هو كل الوطن ..


استيعاب رغباتالشعب لا يعني تنفيذ مطالبهم فقط ؛ فالمطالب الشعبية لا حدود لها وإرضاء الناسغاية لا تدرك ولكن يعني أن تضعهم في الصورة بكل أبعادها و أن يكون المواطن هوالطوب الأساسي لكل مشروع وفي كل قانون يراعى رأيه وحقوقه عبر استفتاءات واسعةوشاملة مع وضع قوانين تطبق على الجميع ليتحقق معنى العدل الكلي ؛ فإن معظم أسبابهلاك المملكات وسقوط الدول هو تفشي الفساد وإسقاط معنى الحقيقي للعدل وتطبيقه علىفئة دون فئة كما يقول " ابن خلدون " : " إذا زال العدل انهارتالعمارة وتوقف الإنتاج فافتقر الناس واستمرت سلبية التساقط حتى زوال الملك "..!


اختلف مفهوم العزلةوباختلاف مفاهيمه هو أمر غير صحي في هذا الوقت من الزمن على مستوى أفراد ومجتمعاتوعلى مستوى دول ..!


وعلى مستوىأفراد ها هو الشعب العماني مثله مثل باقي الشعوب يرسم له خطا بعيدا عن العزلة التينشأ عليها وسار عليها آباؤه طوال الزمن الماضي ..





ليلى البلوشي


Lailal222@hotmail.com