صيني مع شايكرك وهندي مع شاي أخضر ..!

جريدةالرؤية العمانية

حين تكون فيمدينة دبي يتعاظم فيك إحساس بأنك في كل الأماكن وهذا ما أشعر به دائما حين أكون فيدبي .. وهي مدينة تتميز في كونها تجامع تحت سقف واحد مختلف الثقافات والحضارات لدرجةيصعب على المرء التمييز بأنها دولة خليجية بل هي خليط سكاني متعدد الفكر والثقافاتوالهويات وفي مثل هذه المدن يقابل المرء العجائب وتجتمع أمامه الدهشات ويجد نفسهمتعاطيا ومتلقيا ومستمتعا بها ومعها ..
ومن الغرائبالتي استوقفت نظري أثناء تواجدي في هذه المدينة هو تعاطي الناس ببساطة مع كل ما هومختلف ومع كل ما لا ينتمي إلى ثقافتهم ؛ ففي " دبي مول" رأيت رجلا منجنسية هندية يتأمل على إحدى المقاعد الفراشات الصناعية البيضاء التي تتدلى كأسرابمن قبّة السقف بينما يحتسي بهدوء راهب شايه الأخضر .. وحين عرجت على " سوقالتنين " فاجأني صيني يحملق في جهاز الآي باد وهو يأكل شطائر الجبن مع كوبشاي كرك كبير ..!
ورأيتنيأتساءل : ترى هل ما رأيته هو " تمازج ثقافات" أم أنه " تصادمحضارات " ..؟!
لا شك أنالانفتاح الذي يحياه العالم اليوم أحدث انقلابا هائلا في الأفكار وفي تعاطيالثقافات بمختلف أنواعها ، دون أن نشك لوهلة أن هذا التطور يكاد يساوي بين جميعالدول فــ" لندن " كــ" دبي " والصين" كــ" الهند "من هنا تشكلت هوية مختلفة يتعاطى منها ومعها الجميع دون أن ننكر الحذر السائد فيعملية التعاطي ، فكما هو معروف دائما العالم الغربي منفتح بشكل أكبر وأعمق على كلثقافة جديدة تحمل معها تحديات واستحداثات جديدة ؛ فالشعب الغربي يقبل على المغامرةبهدف اكتشاف لبّ المغامرة نفسها ومراكمة معرفة جديدة على رصيدهم المعلوماتي ؛ علىنقيض الشعوب العربية التي كانت في موضع متوجس ومتفرج ومن ثم متلقي حذر ومعظم الإقبالعلى الوسائل المستحدثة بقي لزمن بتسويغ تقليد أعمى ونتاج إشباع فضول من ناحية أخرى..
ولكن حالياالثقافة العربية أخذت تقبل باندفاع حقيقي وواضح على مختلف الفكر والثقافات لارتفاع منسوب الوعي والنتاج المعرفة والرغبةفي التلقي .. دون أن ننكر أن مع انفتاح الحضارة الإسلامية بدأ يتدفق خوف من قبلأوروبا في استقبال كل ما هو عربي لما يحمله من نظرة إسلامية بدأت تكتسح دولهمنتيجة هجرات العرب والمسلمين ..
لعل توجسالحذر للأمم من الانفتاح عائد إلى تفاقم الشعور من فقدان ماض عريق بالأصالة أو إسقاطلقيم نبيلة يتمتع بها تاريخهم ؛ وهذا ما عانته اليابان حين انفتحت بعد خسائر الحربعلى كل ما هو مستحدث وأمريكي توجس معظم كتابهم ودعاتهم من هذه الخطوة الجريئة فيالتعاطي مع هويات أخرى وهذا ما دعا أديب عظيم بحجم " يوكيو ميشيما " إلىالانتحار لاستعادة الروح اليابانية النبيلة نتيجة انجراف اليابانيين خلف العولمة..!
لكن انفتاحاليابان تسامق بمكانتها عاليا كدولة صناعية كبرى وذات هيمنة اقتصادية ؛ فهي عرفتجيدا كي توازن ما بين معطياتها العريقة كإمبراطورية وما بين روح العصرنة والحداثةوحققت ذلك بجسارة دون خوف أو وجل ..
على نقيضفرنسا ؛ فمعظم الفرنسيين باتوا لا تثيرهم الوسائل الحديثة ذاك الاهتمام كالعولمةوالانترنت وذلك ناجم عن خوف أن هذا سوف يؤثر على مكانتهم وثقافتهم ولغتهم فهم يرونأن العولمة مرادفة اليوم للأمركة ؛ لهذا يمتعضون من افتتاح مطعم للوجبات السريعةفي حيهّم .. كما أنهم حانقون على هوليود والـNNوديزنيوالميكروسوفت وغيرها من أشياء ليست من أصول فرنسية ..!
هنا الحداثةتغدو مثار شبهة حتى في بلد مزدهر ومتطور كفرنسا ؛ فدولة كعراقة تاريخ فرنسا تخشىمن فقدان هويتها أمام تحديات هويات أخرى بدأت عن طريق الانفتاح العولمي تحتل حدوداوتصل لآفاق شتى ..
عصرنا يشهدتحديات عديدة والإنسان كائن متحول ومتغير في طبائعه وذوقه وفكره وثقافته فإذا ماكان الهنود أصبحوا يفضلون الشاي الأخضر والصينيون استعاروا منهم الشاي كرك هنا تظلالمسألة حاصرة في منتج واحد مختلف في مذاقه وطريقة إعداده ولكن أن ينكّب الفرنسيونعلى الموالح والهريس والبرياني بالمقابل العرب يهجمون على أفخاذ الضفادع المشوية ونودلزالأندومي فهنا المسألة تكاد تكون غريبة ومدهشة ودمج وتلاقح حضاري عميق ..
واتفق مع ماذهب إليه " أمين معلوف " في كتابه " هويات قاتلة " حين قال : "إن الانقلابات التكنولوجية والاجتماعية التي تحدث حولنا تشكل ظاهرة تاريخية ذاتتعقيد واتساع كبيرين ، يستطيع كل فرد أن يستفيد منها ولا أحد قادر على السيطرةعليها ولا حتى أمريكا .. "

وللروائيالتركي " أورهان باموق " رأي عن التصادم الحضاري عبّر عنه بقوله :" أنا لا أؤمن بالصدام بين الحضارات ، فأنا أؤمن بالوئام والتواصل بينالحضارات ، فالثقافات دائما متداخلة وهذا هو الثيمة الأساسية لكتبي " ..
وأضيف أخيرا :من الجميل أن نحيا تنوعنا دون أن نفقد ذاكرة أو كرامة ..

ليلى البلوشي
Lailal222@hotmail.com

__._,_.___