المتعالقات النصية
Transtextualité
ترجمة الدكتور حسيب الياس حديدجامعة الموصل-كلية الاداب
المتعالقات النصية(وتسمى ايضا بالمتعاليات النصية) عبارة عن مجموعة من العلاقات النصية المتناظرة المباشرة وغير المباشرة. وتم تعريف المتعالقات النصية بكونها كل ما يجعل نصَ يتعالق مع نصوص اخرى بصورة صريحة او ضمنية. او كل ما يجعل نصا ما في علاقة ظاهرية او ضمنية (خفية) مع نصوص اخرى. ويتضمن التعالق النصي عادة التداخل اي عندما نقوم بالاستشهاد بابيات شعرية او نص معروف او مثل من الامثال يتم وضع الاستشهاد او الاقتباس بين قوسين. وهناك من عرف المتعالقات النصية بانها علاقة حضور متزامن بين نصين او عدة نصوص عن طريق الاستحضار. وتتخذ عادة صيغة حضور نص داخل نص اخر ولا يعد ذلك سرقة ولكن من الممكن اعتباره قرضا غير مصرّح به. ولا يمكن ملاحظته بسهولة الا من قبل القارئ النابه والذكي وكثير الاطلاع والذي لديه رصيد معرفي واسع وغزير. وينبغي عدم الخلط بين المتعالقات النصية والتناص مع العلم ان خطوط التماس بينهما وبين المصطلحات الاخرى الخاصة بالمتعالقات النصية وثيقة يصعب فصلها الا بدقة كبيرة. فالتناص علامة توجد بين نص ادبي مع اخر سابق له ويبدو الاخير جزء من الاول اما المتعالقات النصية فانها تعالق نص مع نصوص اخرى ويتم وضع الاستشهاد او الاقتباس بين قوسين.اطراس الحواريةالتناص Intertextualité يعرّف التناص بكونه العلاقة التي توّحد نصاًَ ادبياً مع نص اخر سابق الوجود له او حضور نص في اخر مثل الاستشهاد بمقولة او بيت شعري او اي نص اخر. ويتم تعريفه ايضا بانه يتضمن بنية نصية ما مأخوذة من اكثر من بنية نصية سابقة وتدخل معها في علاقة وتبدو وكأنها جزء من ذلك. او عبارة عن مجموعة نصوص يمكن تقريبها من النص سواء أكانت في ذاكرة الكاتب او القارئ ام في ذاكرة الكتب. وبذلك يكون التناص عبارة عن نص يستوعب عدداً من النصوص. ومن المهم ان نشير الى ان مصطلح التناص ورد باللغة العربية بمصطلحات مختلفة الا ان دلالتها واحدة فقد ورد بالمصطلحات الاتية: التناص والمتناصة والتناصية والنصوصية والتفاعل النصي.المتعالقات النصيةجوليا كريستيفا وجيرار جينيت([*])النص وتناسل النصوص شهد النصف الثاني من القرن العشرين تطورات مثيرة ومتسارعة في مجال الدراسات النقدية والادبية اذ ظهرت مدارس وتيارات نقدية وروى جديدة لم يكن لها وجود في السابق ولم يتطرق اليها احد من النقاد من قبل. وكان لدراسة النص الادبي حظه الوافر في هذه التطورات. فلم يعد النص بمعناه العام والمجرد الذي كان يتناوله النقاد بدراسة عامة والاكتفاء بكلمة النص Texte وانما توسع ذلك واصبح متعدد الانواع. ونتج عنه ما اكد عليه جيرار جينيت عام (1983) في كتابه (الاطراس) بالمتعالقات النصية وحسب سياقاته حدد خمسة انواع هي : التناص Intertextualité والمتناص Métatextualité والمتعالقات النصية Transtextualité والمناص Paratextualité ومعمارية النص Architextextualité- فضلا عن وجودhypertextualité التنصيص او المتشعب. ولعل جوليا كريستيفا الرائدة في هذا المجال اذ انها تحدثت عام 1966 حول مسالة التناص لاول مرة. ونظرا لتعقيد هذا الموضوع وتشعّبه وخطوط التماس بين كل هذه الانواع من النص كان لزاما علينا ان نقدم للقارئ الكريم ما يمكّنه التمييز بين هذه المصطلحات المتشابهة والمتناظرة والمختلفة في مدلولاتها لكي يكون على بينة من الرؤية الجديدة التي يمكن ان ندرس من خلالها النص الادبي.معمارية النصarchitextualité وتعرف بانها مجموعة الخصائص العامة او المتعالقة التي ينتمي اليها كل نص بصورة مستقلة وهي عبارة عن علاقة صماء وضمنية او مختصرة لها طابع تصنيفي يختص بنص ما. ويعد هذا النمط الاكثر تجريداً ويأخذ بعداُ مناصياُ. ويعرف هذا النوع ايضا بـ (جامع النص) الذي يتضمن مجموعة من السمات التي ينتمي لها كل نص في تصنيفه مثل الرواية او الشعر اوالمسرحية.التشعب النصي Hypertextualité اي ان النص اللاحق يكتب النص السابق بطريقة جديدة او النصية المتفرعة او التنصيص وهي العلاقة التي من خلالها يمكن لنص ما ان يشتق من نص سابق عليه بواسطة التحويل البسيط او المحاكاة. واخيرا تستند الكتابة المبتكرة الى النصوص الادبية مع تطبيق التداخل النصي مع انتهاج منهج جديد يتمثل بالتاريخ الادبي اي تاريخ العمليات التي بواسطتها يتم اعادة الكتابة بالاعتماد على نصوص اخرى بحيث تسير العملية وفق حركة تتمثل بالتأويل والتقليد والمحاكاة والتحويل والتجاوز المتواصل.الادب المقارن و المتعالقات النصية تهتم بحوث الادب المقارن مثلما تدل عليها تسميتها بكل ما يتجاوز حدود النص الادبي الفردي. وهذا بدوره يفتح افاقاً واسعة للبحث لاحدود لها. وفي خضم اعمال الحلقات الدراسية ليس من الممكن الاحاطة بكل انواع المتعالقات النصية ولعل مصطلح التناص يأتي على رأس قائمة هذه المتعالقات النصية. فان اول من استخدم هذا المصطلح جوليا كريستيفا (Julia Kristeva) منطلقة من فكرة مفادها ان اي نص ادبي لا يمكن كتابته من الصفر. وان كل نص من النصوص له سوابقه فهو تناص او نص متداخل يمثل جزءاً من شبكه متكاملة ومع ذلك يذهب التناص الى ابعد من ذلك اذ يمكن قراءة اي تاريخ كنص وان كل نص مادي لا يمكن ان يكون الا جزءاً من نص عام. وفي الحقيقة يقع هذا المفهوم الساحر في نقطة تحول من البنيوية الى ما بعد البنيوية. ومن جهته تقدم جيرار جينيت بمصطلح اخر ليخلف التناص فوضع المتعالقات النصية Transtextualté بغية بلورة اصطلاح اكثر دقة. وطبقا لراي جينيت فان المتعالقات النصية هي كل ما يجعل نصا يتعالق مع نصوص اخرى سواء أكان هذا التعالق صريحاً ام ضمنياً. وفي سياق الاستعمال نلاحظ ان مصطلح التناص فرض نفسه على المجال العلمي. الا ان جينيت اقتفى طريقاً يتجاوز المستوى النصي مع البقاء متعلقاً بمفهوم النص. فالتناص عبارة عن تفاعل نصي واخذ الكثير من الحوارية (dialogisme) التي عرضها ميخائيل باختين الذي يعتبر الرواية عبارة عن فضاء متعدد الاصوات يتضمن مكونات لغوية واسلوبية وحضارية. اذن اقترض مصطلح التناص فكرة من باختين مفادها ان الادب يولد من تحول مختلف العناصر الحضارية واللغوية الى نص خاص. وشهد مصطلح التناص تطورا جديدا خلال العقدين 1970 , 1980 اذ ان رولاند بارت اخذ هذا المصطلح في مقالة "نظرية النص" واكد على ان كل نص هو تناص وان جميع النصوص موجودة فيه بمستويات مختلفة وتحت صيغ معترف بها نوعا ما : نصوص الثقافة الماضية ونصوص الثقافة المحيطة. فان كل نص هو نسيج من اقتباسات متطورة. وتطور المصطلح وشهد توسعا اذ ظهرت اعمال ميخائيل ريفاتير Michael Riffaterre الذي بحث عن اثر التناص في سلم الجملة او النص. وحسب وجهة نظره يرتبط التناص بصورة جوهرية بآلية الخاصة للنص الادبي. اذ يجد القارئ ان النص ادبي لانه يلاحظ العلاقات بين الكتاب والكتب الاخرى التي سبقته او التي تبعته وجلب جينيت في كتابه (الاطراس) عام 1982 عنصرا رئيسا اطلق عليه تسمية التناص او التفاعل النصي (Intertexualité) وادخل هذا العنصر ضمن مجموعة اطلع عليها تسمية المتعالقات النصية (Transtextudalité) التي تحلل العلاقات التي تربط اي نص من النصوص بنصوص اخرى. وفي خضم هذه النظرية يتبقى مصطلح التناص مكرسا للحالة التي فيها نص فعلي داخل نص اخر. وبهذا الخصوص ميّز الاقتباس والاشارة او المرجعية الاقتراض الادبية الصريحة والانتحال والمرجعية الادبية الضمنية والتلميح (allusion). وفيما يتعلق بالاقتراض الصريح والضمني ينبغي على القارئ الذي ان يكشف ذلك. ويعد هذا المفهوم حديثاً واتخذ مكانته المهمة جداً في المجال الادبي وهو لايزال يشهد مزيداً من التطور والبلورة منذ عام (1970). ومن جهته يؤكد بيير – مارك دي بياس Pierre – Marc de Biasi ان مصطلح التناص لم يكتمل بعد ولذلك دخل في الوقت الحاضر في مرحلة جديدة في اعادة التعريف.المشكلات المفهومية للتناص هنالك مفهومان متضادان بخصوص العلاقة بين التناص والادب. اذ يعتمد فريق من المؤلفين ان التناص يرتبط ارتباطا جوهريا بالجانب الادبي. ويسمح بتعريف ادبية اي نص من النصوص ضمن الاطار الذي باستطاعتة قارئ النص ان يميز بين النص الادبي والتناص او التفاعل النصي. في حين هناك فريق اخر من المؤلفين يعتبرون ان المفهوم ينبغي ان يشهد اتساعا فيما يخص مجموعة النصوص. وبناء على ذلك يعد التناص حالة خاصة من التفاعل الاستطرادي او الاستطراد المتداخل interdiscursvité اذ يعد ذلك ملتقى خطابات اة حوارية مثلما نظرها ميخائيل باختين.البعد المتعالق والبعد التحويلي ثمة تبسيط معين للمفهوم ادى في بعض الاحيان الى تشخيص التناص والبحث عن اشارات الى نص سابق. وفي هذه الحالة لا يمكن ان يكون النص الا صيغة في نقد المصادر. ومثلما هو معروف ان التناص عبارة عن انتاج نص مرورا بتحول نصوص سابقة. وبهذا المعنى لا يكون التناص وبكل بساطة مجرد وجود اشارة الى نص اخر وانما طريقة حقيقية لانتاج النص ووجوده ولا يمكن فهمه الا بمقدار ما يحول في نصوص سابقة اي الا بمقدار ما يستطيع المؤلف في ان يقوم بعملية تحول لنصوص سابقة. وضمن هذا الاطار لا يمكن التفكير بالعلاقة بين النصوص بالمسار الاتي من النص الاصلي الى النص المدروس وانما من النص المدروس الى النص الاصلي. وفي الحقيقة عندما يتم استعمال نص سابق لا بد للمؤلف من ان يقوم ببعض التعديلات على حالة هذا النص اذن يتعلق الامر هنا يعملية معقدة تتجاوز كثيرا مسالة تطبيق الاقتباس او الاقتراض والمرجع الادبي.المناص Paratextualité يعرف المناص بكونه بنية نصية تشترك مع بنية نصية اصلية مقام وسياق معينين والعمل على مجاورتهما من اجل المحافظة على البنية الكاملة والمستقلة وهذا واضح في المعارضات الشعرية مثلا. ونجد المناص عادة في المقدمات العناوين والخاتمة. وكلمة الناشر والصور وافضل مثال على ذلك رواية جيمس جويس "اوليس", اذ اعطى جويس عناوين فرعية لكل فصل من الفصول علما ان هذه الطريقة تخلى عنها في الطبعة الثانية ولكن على الرغم من ذلك بقيت في مخيلة القارئ والناقد على حد سواء.ومن الاهمية بمكان ان المناص عرف ايضا بالتوازي النصي ويمثل في هذه الحالة العلاقة التي يقيمها النص مع محيطه النصي المباشر مثل العنوان والعنوان الفرعي او العناوين الفرعية والعناوين الداخلية والتنبيه والملاحظات وغيرها.وتعد هذه اشارات تكميلية ترتبط ارتباطا وثيقا بالنص الاصلي. وتكون هذه الاشارات عادة داخل النص او تتقدم عليه او تتاخر عنه الا انها في جميع الاحوال تقع في محيطه. الميتانص métatextualité ما وراء النص الميتانص عبارة عن علاقة التفسير التي تربط نصا من النصوص بنص اخر ادانه يتحدث عنه دون ان يلفظ به بالضرورة. عرفة جيرار جينيت بانه عبارة عن علاقة النص بالنصوص التي تحلله اي النصوص النقدية التي تتناول النص الاصلي بالتحلل والتفسير. وعنه البعض الاخر انه علاقة التعليق التي تربط نصا باخر يتحدث عنه دون ان يذكره في بعض الاحيان. ويأخذ الميتانص بعداً نقدياً محضا في علاقة نصية وهي التحليل مع بنية نصية تتمثل بالنص الاصلي واكد حينيت ان بعض الكتاب يعطون تلميحاً بطريقة مبهمة وغير جلية اي كتاب اخر دون ذكره بصورة صريحة.


[*] - Julia Kristeva: Sémiotik,Le Seuil,1969
- Gérard Genette: Palimsestes-La littérature au second degré