كل شيء مقبول من دون المساس بحرية الوطن..


الأديب عدنان كنفاني: لا نستطيع أن نضع جملة الكتّاب في عباءة واحدة



دمشق/جريدة تشرين


ثقافة


الخميس 13 تشرين الأول 2011


أجرت الحوار: سوزان الصعبي


لا تتوه المفردة عنه ولا يصعب عليه انتشالها من يمٍّ عميق يسمىالذاكرة. فهو ابن الماضي وقافلته التي لم تحمل الحرير والعطور، بل أُثقلت بالأرضالمستباحة والطفولة المسفوحة والوجوه الحائرة غير المصدقة لما حدث. فاصفر الوطنوحشد جيشاً من الصفحات في العمق، وما على الأديب إلا أن يتذكر كم كان كل شيءضائعاً، وكم مازالت الأرض تمتص الدم، والسماء تحتفي بالأرواح الطاهرة.
عدنان كنفاني قاص وروائي منذلك الجيل، تتلمذ على يد المحنة المستمرة، فأطلق ذراعيه واستعان بالحبر، عرفناه منخلال مجموعاته القصصية الكثيرة منها (حين يصدأ السلاح، أخاف أن يدركني الصباح، خدرالروح، وإيقاع الذاكرة التي فاز بها في جائزة نبيل طعمة عام 2008) إضافة إلى عدد منالروايات كـ (بدّو، الجثة ودائرة الرمل) وغيرها. وهو أيضاً ناشط في كتابة المقالاتوالبحوث وفي المشاركة بالفعاليات الأدبية المتنوعة. ‏
تشرين التقت الكاتب وأجرتمعه الحوار التالي: ‏
س ـ لنتحدث بداية عن كتابك(الغالية) وهو مجموعة نصوص نثرية شعرية كما يبدو وأنت القاص. هل هو الحنين إلىالشعر باعتباره الأصل في الموروث الثقافي العربي؟ ‏
ج ـ ليس في الأمر حنين سواء كانللشعر أو لغيره، كل ما في الأمر إنه لون من ألوان النثر يمكن أن نكتبه بلغة شعرية،وهو كتاب فيه نصوص نثرية وجدانية، أعتقد أننا كلنا في زحمة الحياة نحتاج في وقت ما،إلى فسحة، أو جرعة من ماء الروح، نخرج فيها من حومة التعب اليومي إلى فضاءات رحبةقد تعطينا جرعات متجددة لمواصلة مسيرة التعب تلك.. ‏
محطة إشكالية ‏
س ـ الآن وبعد شهور من إصدارهذا الكتاب ووضعه بين أيدي القراء والنقاد وقد خرج من بين يديك. كيف تنظر إليهوتقيمه ؟ ‏
ج ـ أنا شخصياً مؤمن بأن النصّ،أي نصّ، يخرج من نطاق كاتبه وصاحبه فنيّاً متى نشر وصار بين أيدي الناس، ولست أنامن يقيّم كتابي المذكور، بل أترك للأخوة النقاد هذه المهمة، أما إذا سألتِ عن رأييفيه ككتاب لست أنا كاتبه، فلا أستطيع إلا أن أقول بأنه كتاب ممتع على الرغم من كثيرمن الخيالات والتخيّلات فيه، وهو كتاب مختلف عن النهج المعروف من كتاباتي.

س ـ واضح أن لشهرزاد حصة عميقةفي الكتاب وذاكرتك. اليوم هل تملك الكلمة هذه القوة في النصر وبعث الحياة من جديد؟
ج ـ لا شك في أن التاريخ يحافظبل ويجدد بصمات الذين أثّروا في مسيرته بطريقة ما، وبشكل ما، شهرزاد هي بذاتها محطةإشكالية في سيرتها مع شهريار، وهي في الوقت نفسه سيرة غنيّة يمكن أن نسقطها علىموضوع ما، في نصّ ما إذا تناولنا الجانب الإيجابي منها، ونظرنا إلى سيرتها معشهريار على أنها تحدٍ بين موت وحياة، وبين ظالم ومظلوم، وبين سفّاح وضحية، والأهممن ذلك كله بين انتصار وهزيمة.. نعم تبقى الكلمة السيف، تحمل مضمونها وقوتها مهماأوغل فيها الزمن.

المسعى إلى تغييرات ‏
س ـ المعروف أنك كاتب ملتزمبالقضايا الإنسانية والوطنية. برأيك هل مازال الالتزام هماً لكتّاب هذه المرحلة كماكانوا قبل عقود؟ ‏
ج ـ لا نستطيع أن نضع جملةالكتّاب في عباءة واحدة، فلكل لونه وتوجّهه ومساره، وأعتقد أن الكاتب الملتزم، وهيثقافة بذاتها، لا يستطيع إلا أن يكون ملتزماً سواء في المسار الوطني أو الاجتماعيأو السياسي أو الإنساني أو حتى الوجداني، فالالتزام من الكاتب موقف يعبّر عن شخصيتهوما يؤمن به، وفي الإجابة على السؤال أقول نعم، ما زال خط الالتزام ضرورة وليس حاجةعابرة فقط، وهناك كتاب كثر في وطننا العربي لا يزالوا يحملون هذا الهمّ.

س ـ اليوم يوجد حراك جمعي فيبلدان عربية باسم (الثورة). وكونه جمعياً هل هو زمن جديد نحو الحرية؟ ‏
ج ـ الحرية ليست وافداً جديداًيأتي إلينا من خارج عالمنا العربي، ومجتمعنا العربي يحمل خصوصية قد لا تتوافق معخصوصية الآخر من حيث الحياة الاجتماعية والتقليدية وحتى السياسية، وقبل أن نتحدث عنالحرية جزافاً علينا أن نفهم ما هي الحرية، وأين حدودها، وعلينا كي نصل إلى ذلكالفهم أن نتقن فن الحوار وتقبّل الاستماع إلى الرأي الآخر، فأنا قد أختلف مع الآخرلكنني أقاتل كي يقول رأيه مهما كان، ومن الإجحاف أن نطلق على ما يجري عامّة فيمنطقتنا اسم (ثورات)، بل أعتقد أن كلمة المسعى إلى تغييرات قد تكون أصوب، وكل شيءمقبول وفي نطاق الحرية من دون المساس بحريّة الوطن الجمعية، وهل للحرية زمن.؟ وهلهذا يعني أن تاريخنا كله لم يحمل ولو حتى فترة حريّة واحدة حتى نقول إنه الآن زمنالحريات.؟ الحرية الحقيقية هي التي تبدأ من الذات، أن يتحرر الإنسان في داخل نفسهويقينه، ومن سطوة الآخر على فكره، وأن يدرك بأن له حقوقاً ولكن عليه واجبات أيضاًوأول هذه الواجبات هو الشعور بالانتماء للوطن والأمّة.

مساحات حوار ‏
س ـ كلنا يطالب بالتغيير فيمؤسساتنا الثقافية والإعلامية نحو الحرية والشفافية. برأيك من الضرورة أن (نثور) أولاً في هذه المؤسسات؟ ‏
ج ـ لست أدري لماذا نتحدث عنثورة في كل شيء وعلى كل شيء، نطالب بالتغيير.! حسناً ما هي المطالب.؟ وما هوالمطلوب.؟ من هنا يجب أن نبدأ قبل أن نعلن ثورات عشوائية من دون هدف ومن دون أسبابومن دون برنامج. نعم نحن بحاجة إلى ثقافة التغيير، ولكنه التغيير الممنهج الواعيالعارف ماذا يريد وكيف ومتى، وهذا لن يتحقق قبل أن تتشكل في مجتمعاتنا منصّاتتوعية، ومساحات حوار، وتقبّل وفهم الآخر، بمعنى أوسع أن نملك ديمقراطيتنا الخاصّةوليست المصنوعة على مقاس مجتمعات أخرى تختلف عنا ثقافياً وسياسياً واجتماعياً، فمايصح هناك قد لا يصح هنا ونحن، أعيد وأقول، لنا خصوصية لا نستطيع إلا أن نعيشهاونتمسك بها، فهي بشكل ما، الهوية التي تعبر عن كينونتنا.

س ـ غسان كنفاني مازال حاضراًحتى الآن وذلك ليس من فراغ. فقد كان مستشرفاً للمستقبل وعبقرياً بحق. اليوم هلتجاوز الأدب الفلسطيني غسان كنفاني؟ ‏
ج ـ لم ولن يتجاوز غسان كنفاني،ولم ولن يتجاوز أي كاتب وأديب كان، لكنه تجاوز مرحلة غسان وغير غسان، تاريخنا مليءبالرموز والكبار شعراء وأدباء وكتّاب، فهل تجاوز التاريخ أدب زهير بن أبي سلمىمثلاً.؟ أم هل تجاوز المتنبي والمعري وابن المقفع وغيرهم.؟ بقيت آثارهم، لكن الحياةتجاوزت المراحل التي عاشوها.

رابط النشر:
http://tishreen.info/_cult.asp?FileName=85199236120111013052847


ـ ـ ـ