ليلى البلوشي:
معاني الهمة ورفض الاستبداد مشاعر فطرية تجري في دم كل إنسان حي له ضمير
أجرى الحوار: أسامة الهتيمي / موقع رسالة أون لاين
لا يستطيع أحد أن ينكر أن ثورة الاتصالات لم تكن ثورة في عالم التواصل فحسب بل كانت ثورة أخرى وربما أهم في عالم التعبير عن الذات والإعلان عن الكينونة إذ ظلت الأضواء وحتى سنوات قريبة محصورة فيمن حظي بالرضا أو حالفته الأقدار أن ينال فرصته في البروز والظهور فيما بقي الآخرون وهم الأغلبية ومن بينهم الأفضل والأحسن أسرى التغييب والتهميش فتوارت مواهبهم ودفنوا كلماتهم بين صدورهم في حين تعرض من أراد منهم تنفس الصعداء لويلات حرمتهم حريتهم.لكن الوضع تبدل تماما فجاءت الشبكة العنكبوتية إنقاذا للكثيرين من مواهبنا الفذة التي انتزعت هي حريتها وأعلنت عن نفسها بكل جرأة وشجاعة وبكل قوة وعمق لتقول وبأعلى صوتها أن أرضنا العربية ما زالت تزخر بالكثير من الطاقات والقدرات والمواهب.حول الوضع الثقافي والفكري العربي إثر ثورة الاتصالات كان حوارنا مع الكاتبة العربية العمانية الشابة الأستاذة ليلى البلوشي. وها نص الحوار. *في البداية كيف ترين الوضع الثقافي والفكري العربي الراهن؟**الوضع الثقافي الفكري الراهن في حالة وضوح ؛ فقد تم من خلال ثورات الربيع العربي عملية فرز للمثقفين في الوطن الواحد ؛ منهم من كان رفيق ريح مصالحه وهذه الثلة في البدء كانت مع السلطة وعندما شعرت بتداعي جدران السلطة قامت بعملية استبدال وجه من قناع سلطة إلى قناع الشعب ، ونمط آخر من المثقفين كانوا في البدء ضد السلطة وممارساتها الاستبدادية ، ومنهم من دفع ضرائب باهضه لكلمة حرية رسمها في كاريكاتير أو تغناها في نشيد محفز للهمم ..كما أن هذا الوضع الثقافي الراهن برز للعيان أن المثقف لوحده لا يصنع شيئا ؛ فطوال تلك السنون الماضية كان ثمة مثقفين مخلصين لقضايا الوطن وتبنوها بأنفسهم ودفع معظمهم ثمنها ولم يتزعزع إلا الشيء الضئيل كقطرة ماء تنقط من صنبور جاف ؛ ولكن حين تم التئام المثقف مع رجل الشارع حدثت ضجة هائلة ومسيرات هتافية في شوارع الوطن العربي ونزح من نزح وهرب من هرب من سدّة الحكم ؛ فمع فكر المثقف وهمّة رجل الشارع سوف تصنع المعجزات وطريق المثقّف هو انتفّاضة عمّالية .. *على الرغم من أن قطاع الشباب هو من أشعل الثورات العربية المطالبة بالحريات إلا أن هذا القطاع متهم بالبعد عن القراءة وعدم الاهتمام بالقضايا الثقافية والفكرية حتى وقت قريب .. ما تعليقكم ..؟**أمر طبيعي ؛ لأن اشتعال الثورات لا يحتاج إلى القراءة والثقافة وحدهما وإن احتاجت ؛ لأن معاني الهمة والجسارة ورفض سياسات الاستبداد والعنصرية والطغيان والظلم هي مشاعر فطرية تجري في دم كل إنسان حي له ضمير ؛ وإن كانت مثل هذه القيم الشعورية يعوزها القراءة ؛ فهذا يعني أن أكثر من نصف الشعب العربي بلا قيم أو نبل ..!القراءة تصنع فكرا ، وحسبما قراءاتنا يتشكل هذا الفكر ، ويسلك اتجاهه في الحياة ونرى صنيعه ، فالقراءة تعمل على تهذيب الإنسانية فينا وتعمل على رفع مستويات الشعور في أنفسنا وتعاطينا مع الآخرين ومن ثم الكون ككل ، بهذا الفكر نحن نتعاطى مع قضايا أنفسنا والآخرين والمجتمع وفكر دون همة أو إرادة أو أمل لن نتزحزح خطوة واحدة نحو الأمام ، المطلوب هو الفكر الطموح الموقن بكل قضية تبناها لصالحه أو صالح الآخرين ؛ والفكر المتشائم لا يقدم ولكنه يؤخر ..!والإنسان " محمد البوعزيزي " لم يكن مثقفا بل كان رجل يدير عربة لبيع الخضروات ؛ ومع ذلك حين أهينت كرامته ، نفسه الإنسانية أبت فعل الاهانة ، وهو ما يجعله يشعل النار في جسده علها تجس حرارة روحه المشتعلة .. *كشفت وسائل الاتصال والتواصل الحديثة كالانترنت والفيس بوك وغيرها عن الكثير من المواهب الثقافية والأدبية الشابة .. كيف يمكن تفسير هذا ..؟ وهل يعني ذلك أن المعايير السابقة لم تكن تبرز إلا فئة محدودة حظيت بالرضا ..؟**تفسيره بسيط جدا ؛ هذه المواقع ووسائل التواصل شرعت أبوابها أمام الجميع بلا تحيّز لعرق أو قبيلة أو طائفة أو شلة أو صغير أو كبير ، وهنا يتجسد معنى الحرية الحقيقي ومعنى الديمقراطية وهذان المعنيان منفيان عن بقاع العالم العربي بامتياز عميق ..الصحف الورقية كانت سياستها اجحافية في معظمها ؛ فقبل بروز وسائل النشر الالكترونية كانت مساحاتها ضيقة في الاستقبال خاصة للكتاب المبتدئين ؛ لهذا في الماضي كان بالكاد يبرز اسم جديد على الساحة الثقافية ، فباب الفرص كان مغلقا غالبا ولا يفتح سوى لأصحاب الصولات والجولات بزعامة حرف " الواو " ..ومع تفشي ظاهرة النشر الالكتروني تقلصت أهمية الصحف الورقية في مقابل ارتفعت أسهم النشر الكتروني ، وهذا وحده جعل كثير من الصحف الورقية تراسل مبدعين ومبدعات كي تشغل صفحاتهم بعد أن كانت تلفظ معظمهم في الغالب ..ونشر كاتب اليوم في الصحف الورقية تحصيل حاصل ؛ لأن لديه مساحاته الخاصة عبر مدونته أو موقعه الخاص أو حائطه الخاص في مواقع التواصل الاجتماعية ؛ فما عادت مسألة النشر في الصحف الورقية ملحة كما كانت في السابق ..بل إن كثير من الأسماء برزت على ساحة الفكر والثقافة دون أن تنشر شيئا عبر الصحف والمجلات الورقية ..اعتقد أن هذا الزمن المعولم في صالح الفرد تماما ؛ يكفي أن فتيل ثورات الشباب الربيع العربي انطلقت عبر التواصل الإلكتروني .. *كان لكم تجربة خاصة في الكتابة عبر الفضاء الالكتروني .. كيف اقتحمتم هذا العالم ..؟ وما هي أهم شروط النجاح خلاله ..؟**سأستعير عبارة قالها الروائي " عبد الرحمن المنيف " : " إن في حياة كل إنسان لحظات من الخصوبة لا يدركها ولا يعرف متى أو كيف تأتيه أو كيف تنفجر في داخله ، إنها تندفع فجأة ، تعربد مثل الرياح أو مثل الأمطار الغزيرة المفاجئة ، وتطغى على كل شيء .."وليس ثمة من شروط للنجاح ؛ كل ما في الأمر هو الرغبة في الارتقاء ، فأبرز مراحل الارتقاء هي الجدية والثقافة واحترام التراث المحلي والعالمي مع بذل الجهد .. *فيما يخص المرأة ككاتبة .. كيف تقيمن وضع الكاتبات العربيات ..؟ وهل يقمن بدورهن المنوط بهن في واقع وحال الأمة ..؟**المرأة الكاتبة مساهمة وفاعلة في المجتمع مثلها مثل الرجل تماما ، وقد برز تفاعلها إلى جانب الرجل مع ثورات العربية الراهنة ، وكثيرات تعرضن للسجن والتضييق ؛ لأن صوتها لا يقل عن صوت الرجل في المجتمع ؛ وخير دليل أن ثمة أسماء كاتبات وناشطات برزن على لائحة ترشيح جائزة نوبل للسلام كـ المدونة التونسية " لينا بن مهني " التي شاركت في إذكاء الثورة التونسية من خلال سرد أحداثها على الانترنت ، كما اقترح مدير معهد أوسلو لأبحاث السلام " كريستيان برغ هاربفيكن " المصرية " إسراء عبدالفتاح " التي لعبت دورا رئيسا في استمرار الاحتجاجات الشعبية بصورة سلمية في مصر ..ناهيك عن أدوارهن المختلفة في جوانب الحياة ككل.. *يعاني الواقع العربي من ندرة في عدد الكاتبات العربيات .. هل يعود ذلك لأسباب مجتمعية وكيف يمكن تجاوز هذه الحالة ..؟**هذا الكلام مخالف للواقع ؛ فنفس المرأة الكاتبة بارز وله وجود واقعي في ساحة الفكر والنشر ، وما تزال مسيرة الكتابة تمضي في طريقها مع مبدعات عربيات لهن وزنهن وثقلهن الفكري والثقافي والإنساني عبر العالم العربي والعالمي ..دون أن ننكر أن الأوضاع المرأة في بعض المجتمعات العربية ليست سوية بالمعنى الواقعي ، فهناك مجتمعات للأسف ما تزال في لغط عن حق المرأة في قيادة السيارة ؛ وهو أمر قد استوفى حقه في المجتمعات الأخرى مذ قرون ..! *ما هي النصائح التي تقدميها للكاتبات المبتدئات سواء على المستوى الأدبي أو الفكري ..؟**إذا ما كان الأمر يتعلق للنصح ؛ فجلنا بحاجة إلى النصح ، فالإنسان مهما ارتقى عليه أن يعلم جيدا أنه تلميذ أبدا ؛ كي يكون لديه تحفز فيضاعف من حجم ارتقائه الفكري والروحي والإنساني والكون من حولنا غني بالمعرفة ؛ فكم نحن استقينا من تلكم المعارف المتزاحمة يا ترى ..؟!وعلى المستوى الشخصي مازلت إلى اليوم اطلب النصح من معظم الإنسانيين الذين أصادفهم في طريقي ؛ واذكر على سبيل المثال سألت أحدهم عن النصح في الكتابة فقال لي : " لا نصائح في الإبداع سوى أن تجدي نفسك أمام الوردة وأن تمسكيها دون أن تؤلمي عطرها ، احلمي جيدا ، واقرئي جيدا ، وتعلمي أن يكون آخر الليل يقظتك والقلم ، وانتبهي إلى الحياة بتفاصيل ترينها أنت وليس الآخرون " ..وإن كنت في المقام النصح ، فانصحهم بالرجوع إلى قراءة كتاب " رسائل إلى روائي شاب " لماريو بارغاس يوسا ؛ لعلها تجيب عن تساؤلاتهم في الكتابة ؛ فلكل منا تساؤلاته ..بل سوف يجد أن " ماريو فارغاس يوسا " في أحد صفحات الكتاب يقول : " إذا لم يكن الكاتب يملك حظ ولادته موهوبا ، عليه أن يصنع موهبته بالكد والعمل والانتقاد الذاتي مثل ، فلوبير " ..