فشل الحكواتي لا أدري لماذا فكرت بالحكواتي؟ ولا لماذا خلت نفسي أجلس على كرسي فوق منصة في مقهى شعبي، أروي حكايات تشغل أوقات الساهرين؟ فتحت أوراق ذاكرتي علني اصطاد موضوعاً يجاري هذا التخييل، سخر مني رأسي المتعب، قال هازئاً: لن تفلح باصطياد فأر في هذا الزحام، اعتراني عناد اشتهرت به عدت إلى زمن الفروسية، رأيت المهلهل وعنترة العبسي، والملك الضليل وعمر بن أبي ربيعة، حتى صلاح الدين ومنتظر الزيدي، رأيتهم جميعاً محاصرين بأطباق الهمبرغر والبيتزا، وإلى جوارهم وقف بوش الصغير يرقص رقصة عادت بي إلى زمن الهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين، الذين ظلوا في نزاعات قبلية ومفاوضات مع المستوطنين حتى صاروا بقايا مستحاثات منقرضة، يعيش ناسها في قطاعات محاصرة تشبه المتاحف وحدائق الحيوانات.
مرة أخرى خاطبني رأسي بصوت يشبه مواء هرة جائعة، سألني ساخراً إلى متى ستبقى مأخوذاً بسحر الرجولة والبطولة؟ إن بقيت تفكر على هذا النحو، فإن مجلس الأمن قد يرى فيك تهديداً لأمن العالم وسلمه، فتقع في محظور فصله السابع، وأنت مجرد حكواتي لاخلفك ولا أمامك...
نظرت إلى كفي، إلى ساقين ناحلتين تحملانني، إلى وجه لم أجد فيه سوى تعرجات خطتها ريشة الأيام، سألتني عيناي باقتضاب: ألا ترى معي أنك تشبه فارس سرفانتس الدون كيخته، وأنك تحارب طواحين الهواء؟ كعادتي ركبت رأسي، بحثت في أدراج الماضي عن قصة تصلح موضوعاً لحكواتي مستجد يشبهني، برز هوميروس من خلف الضباب، جاء متكئاً على عصاه، تعثر بلحيته، وقال ساخراً: آخيل بطل ، هكتور كذلك ، فاريس العاشق، هيلين الشهوانية اللعوب، أنا من صنعهم، أنا من ركب أخشاب حصان طروادة هنا.. وأشار إلى رأسه، تلمست جدار جمجمتي، نقرت عليها بإصبعي، رنت كبطيخة خضراء لم يحن قطافها، تضجرت من إحساسي بالعجز، من شعور بالهزيمة والفشل . تحرضت ذاكرتي أمام مهانة لحقت بها، هي الأخرى وجدت بمعنى البطولة ورموزها جوازاً للخلاص ، رجعت بي إلى الوراء مسافات ومسافات، فتحت دفاترها وقالت: قبل أربعة عقود وربما أكثر كان البطل هو البطل، الرجل الذي لا يخاف ضباع الليل، ولا يكترث بذئابه، الذي يرفع بيدٍ واحدة جرناً لدق القمح أو هرس الكبة، كي يفوز بزغاريد الصبايا ودهشة الرجال، فمن هو بطلك في هذا الزمان؟ تجاوزت شواهدي القديمة لانعدام الأدلة وقلة البراهين وغياب الأسماء فكرت بأبطال علقت أسماؤهم في سجلات التاريخ على غرار ما فعلنا نحن العرب، يوم علقنا أقوى القصائد على جدار الكعبة، برز وجه فلا سوف الروسي وساعداه، رفع بيد واحدة أكثر من سبعة جرون، متحدة لكمني محمد علي لكمة عويطة يبطىء في عدوه كفيل هرم، والسورية غادة شعاع تقفز كحبات الضوء في وسط من نبل البطولات...كيف تلاشت معاني الفروسية النبيلة؟ لماذا تستبدل تلك الملاحم البطولية بسخف غريب وعجيب ..؟ تمعنت في صورة أمريكي رفع علم بلاده عالياً لأنه قشّر خمسة أطنان من البصل ، كذلك فعل بطل أوروبي معاصر، مسح آلافاً مؤلفة من الأحذية القديمة بساعات، فاستحق كأساً من الذهب النقي، لم يحصل على مثله فهدان بن فهد المفهود، صاحب القناة الفنية «رقصني ونا رقصته»، الذي يستحق وفق هذه المقاييس والمعايير أن يكون بطلنا العربي المعاصر في إفساد ذائقتنا الثقافية.
زفرت نفخاً من خواطر تكاد تأكلني، مددت يدي باحثاً عن علبة التبغ، سقطت الولاعة تحت السرير، استعنت بفردة حذائي لجرها، بعد لفافتين لعينتين لبست كامل ثيابي، فتشت عن حذائي في الممشى والغرف الأخرى دون جدوى بقيت جالساً أفكر بلقب عظيم أخلعه على من يعرف أين نسي هذا الحكواتي الحائر، الذي هو أنا تلك الفردة المفقودة ...



علي ديبة

http://www.albaath.news.sy/user/?id=1018&a=90283