منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 3 من 8 الأولىالأولى 12345 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 30 من 73
  1. #21

    رد: رواية/الخندق بعد الأخير/عبد الإله الخاني



    وفكر فيه كثيرا لا يملك من أنين أو عينين ماالفرق بينه وبيني .. ولكن ليس لي أتباع حتى أؤلف عصابة , حسنا سأضربه ضربة تدحرجه عن مسرحنا وأتناول عصابته .
    في بادئ الأمر تابعه أينما ذهب وذهبت عصابته يستسنح منه فرصة, وإذا بالفرصة تاتي , قال أبو لبادة:
    -هلموا يا أولاد ليتوجه كل منكم إلى موقف باص أو سينما ويأتيني بنصف ما يجنيه مقابل حمايتي له.
    -وكيف تحمينا؟
    قالها صقر وقد وقف تجاه أبي لبادة عاقد الحاجبين , أما أبو لبادة فأمسك بيد صقر وقال:
    -لماذا تكلمني بهذه اللهجة ؟ صار لك لسان تحكي به؟
    -إترك يدي احسن لك .
    وترك أبو لبادة يد صقر وفضل معاملته بالحسنى , كان قد حنكه الزمن , ومست يد أبو لبادة كتف صقر علامة الإشادة له بالانصياع للأمر, فامسك صقر بيد أبي لبادة وأبعدها عنه في حركة عصبية التفت لها كل الغلمان , غلمان العصابة , فتوقفوا بعد أن تحركوا لتنفيذ الأمر ’ إذ أدركوا أن في الأمر مواجهة محتمة , وقال أبو لبادة :
    -مالك اليوم يا صقر , يبدو أنك عصبي.
    ص 39


  2. #22

    رد: رواية/الخندق بعد الأخير/عبد الإله الخاني

    وقال صقر وحاجباه دائما معقودان . وهو بهيئة المتحدي المهتيئ للضرب:
    -الم يعد عندك سوى هذه الخطط الفاشلة؟
    وضحك أبو لبادة , فخشي صقر أن يذهب أثر تحديه هذا فأضاف :
    -أنت لا تصنع شيئا بيديك , فأنت لست زعيما..
    وصلت الأمور إلى حدها .. وجاء جواب أبو لبادة يضع حدا سريعا لم يكن لمصلحته , حدا لمواجهة خصمين لم تدم سوى دقائق .
    -أرنا براعتك إذن.
    وقال صقر:
    -سوى ترى .. سأصنع شيئا لم تجرؤ أنت على مثله , سأسطو على مصرف.
    جاء هذا الكلام مفاجأة مذهلة لأبي لبادة , قال متحديا:
    -ننتظرك جميعا إذهب فتفذ..
    وقال باقي أفراد العصابة مرددين بصوت واحد , وصار على صقر إما أن ينفذ أو يعنو وينحدر إلى آخر درجات السلم في العصابة أو ينسحب.
    كان المصرف في دار قديمة في سوق العصرونية .. فلما كان ميعاد غداء الكتبة دخل صقر دون أن يراه احد , وعبر البهو على أطراف أصابعه , ومد يده القذرة , فأخذ رزمة من أوراق النقد وضعها الصراف في جانب وهو يعد محتويات صندوقه وأخفاها في سترته , وكان مكتب الصراف عاليا فلم يشعر به لأن قامته لاتصل إلى ذاك المستوى إلا إذا استوى على أطراف أصابعه , فلما تم له أراد عاد دون ان يشاهد الصراف.
    عند ما عاد الى مكان وقوف جماعته اقتسمها معهم , فلم يعط أبا لبادة شيئا فكان ذلك رصيدا كاملا استوفى فيه صقر من أبي لبادة كل ما أداه إليه,
    وسرعان ما اختفى أبو لبادة.
    وهكذا بضربة واحدة سددها له, اقتص منه لأعماله حمايته وجرده من عصابته كافة.
    وقال صقر للآخرين:
    -هلموا يا أولاد .. لا مكان للأساليب العرجاء في نشاطنا ليكن محصول كل واحد منا محصولا محترما.
    وشحذت هذه الضربة ذهنه , وصار يغلف نزعاته بستار خفي وراء غاياته وقال لافراد عصابته:
    -أنا رجل متواضع , سأنام حيث تنامون.
    ومادرى الباقون , ان غايته حجر إنما كانت ليتدارك لنفسه مكانا ينام فيه , وحين أخبروه أنهم ينامون في غرفة رثة كائنة في حديقة دار قديمة مهجورة في سوق محلة باب السريجة, ابتسم ابتسامة عريضة ,فلقد حصل على ما يريد جميعا.
    في هذه المرة أصبح ذا رصيد ضخم هو وهؤلاء الغلمان السبعة الذين بدا أنهم عنوا له و؟أسلموه قيادتهم يوجههم كيفما شاء.
    على أن انفجار عصابة أبي لبادة بهذا الشكل المدوي بين أتباعه لم يخل من مضاعفات , فلقد نبه شهية أفراد آخرين من العصابة إلى الزعامة , وهكذا وجد بينهم واحد لم يقع ما صنعه صقر من نفسه موقعه المرجو,
    وخاف أن يكون رجال المصرف أخفوا نبأ السرقة بانتظار أن يعود الفاعل فيكرر عمله مرة أخرى كما تنبأ بذلك صقر نفسه, كانت هذه الوسيلة الوحيدة لتوريطه فلم يعلم السرقة أحد , وكان أن لذلك العضو العصابة أن يسخر من حجر فقال له:
    -إنما تريد أن تستغفلنا , لقد وجدت هذا المال في مكان ما
    كان صقر قد حفظ درسه جيدا ,فلم يشأ أن يغامر دفعة واحدة بالغنيمة التي استلبها من أبي لبادة فيفجر العصابة مرة أخرى ,وتجنب السير على غراره ,وطرح شعارا جديدا قال:
    -من كان مع مع هذا فليقف إلى جانبه , ومن كان معي فليقف إلى وانبرى منهم أربعة وقفوا إلى جانبه وهم الأكثرية , ومع ذلك كانت شهيته مفتوحة لربح الباقين , وأدرك ببصيرته النفاذة أن خصمه أضعف منه جسما فدعاه للنزال , وهناك لقنه درسا عناصره من الرفس على البطن والعينين ما شاءت لع عضلاته حتى أغمي عليه.
    وسرعان ما تبعه الباقون من أشياع خصمه و فأعاد للعصابه وحدتها وسار على راسها يخطط وينفذ.
    ذاع صيت العصابه بما نفذته في تلك الأيام التالية , في الأوساط التي تعنيها هذه الأعمال , فبينما كان يسير أمام المحلات التجارية الكائنة في شارع .., التفت إليه صاحب واحد منها اتخذ محله التنباك ظاهرا وقال له:
    -تعال يا صقر..
    وتوقف صقر في مكانه دون ان يتقدم واجاب :
    -هكذا تنادى الناس؟..
    وكان في لجهته زغريته واضحة واردف الرجل:
    -قابضها والله.
    -قف عند حدك.
    وضحك الرجل وقال:
    -إنما كنت أمتحنك فإن لك عندي شغل سمين.
    عندها انفرجت أسارير صقر واقترب منه , وقال الرجل:
    -أريد يضعة أفراد من جماعتك ليكونوا عاملين والباقون للاحتياط.
    ص43

  3. #23

    رد: رواية/الخندق بعد الأخير/عبد الإله الخاني

    رواية ممتعة استاذنا / فراس الحكيم
    يعطيك العافية

    تحية وفاء
    [/SIZE]

  4. #24

    رد: رواية/الخندق بعد الأخير/عبد الإله الخاني

    شكرا اخي صديق لمرورك الكريم ونتابع معا:
    *********

    ولكم جعل محترم.
    -ماهي المهمة؟
    -الاثنان يحومان حولي في هذا المحل , متى أشرت لواحد منهما ذهب إلى محل آخر ركضا واحضر لي ظرفا فيه بضاعة ,أفهمت ؟
    -مفهوم مفهوم.
    -فإذا وصل إلى مسافة ما من المحل سلمه إلى آخر وهذا يسلمه إياه ..مفهوم؟
    -مفهوم.
    -فإذا قبض عليه كان عليه أن يرمي ما بيده بسرعة فائقة دون ان يرى وينفي كل علاقة له معي ..مفهوم؟
    -مفهوم يا معلم .وأنا؟
    -أنت شريك على الثلث.
    -اتفقنا.
    وبدأ صقر نشاطه الجديد , منذ اليوم الأول وأحضر جماعته فانتقى منهم اثنين نشيطين وسلمهما إلى صاحب ا لدكان.
    كان دوره الإشراف على العملية وضمان سلوك لا شركة فيه.
    وجلس صاحب المحل على حشية وضعها على كرسي من الخيزران أمام دكانه التي صفت فيها خشبية كبيرة مملوءة بالشاي وصفت علب اللفافات على الرفوف, وجاء زبون وقف أمام صاحب المحل وأسر له ببعض كلمات ..
    فالتفت هذا التفاتة لم يفهم منها الزبون شيئا وقال له:
    تفضل لحظة..
    في تلك اللحظة انتقل غلام كالسهم وغاب ثلاث دقائق ليعود وليس في يديه ما يظهر حتى إذا صار على مسافة خمسة أمتار من المحل دس يده في كمه فاخرج ظرفا صغيرا سلمه إلى غلام آخر , وهذا ذهب بعكس اتجاه الأول ولف حول جملة أبنية من شارع خلفي ثم جاء من خلف الزبون الذي كان ينتظر وعيناه تتابعان الغلام الأول , وظهر الغلام الثاني من وراءه فناول الظرف إلى صاحب المحل الذي ناوله إلى الزبون.
    تمت الحركة بنجاح تام, وانفرجت أسارير صاحب المحل عندما ناول الظرف للزبون وفيه الحشيش المخدر , وفتح الزبون عينيه من الدهشة وسارت الأمور سبرها الطبيعي.
    كان صقر يحضر في كل يوم خميس , فيتقاضى حصة كاملة غير منقوصة وهي الجعل الذي يقبضه الغلمان.
    وكان قد بلغ الثانية عشرة ولكن من يراه يعطيه سنا يتراوح بين السادسة عشرة والسابعة عشرة ربيعا. وقد استراحت تقاطيع وجهه, وزايله اصفرار وجهه , إلا أنه لم يتخل عن حديقة الدار القديمة الكائنة في سوق باب السريجة , فقد حرص على ان يؤوب كل يوم مساء لينام فيها مع أفراد عصابته , وكان كريما ينفق الكثير على عصابته , ويبدو أن أفرادها شعروا بالفارق الكبير بين معاملة الرئيسين فاخلصوا لرئيسهم الجديد أيما إخلاص.

  5. #25

    رد: رواية/الخندق بعد الأخير/عبد الإله الخاني

    وبالفعل فإنه في أحد الأيام كان صقر يشترك مع الغلام سليم من أتباعه في عملية نشل في صالة سينما , وكان قد أخذ للأمر أهبته فتظاهر قبل ولوج السينما بأنه ضرير وأوعز للغلام سليم بأن يقوده , ذلك أن نور الشمس كان قبل ذلك باهرا فأراد ان تعتاد عيناه على الظلام قبل الدخول حتى إذا دخل السينما كلها ظلام غدا مستطيعا أن يميز فيها فيفتح عينيه هناك ويستطيع ان يميز الجالسين من النظارة في مقاعد هم ويميز ويختار جليسه من الجوار على ان يكون عليه مخايل اليسار والنعمة وهكذا دس يده في جيب أحدهم فاستخر مالا وتفرس في وجوه الجالسين فتخير جوار رجل ثري ,فلما استخرج هذا الأخير في وقت الاستراحة محفظته وابتاع مثلجة كانت عينا صقر تراقبه وتحدد موضع المحفظة في جيبه وانتظر حتى ماتت الأنوار إيذانا باستئناف العرض , فاختال حتى غدا قريبا من موضعها وكان الأمر على غاية من الصعوبة , فاقتضى منه زمنا ولكن يد صقر كانت قد وصلت إلى مكمن المحفظة .إلا أن الرجل أحس بهذه اليد وهي تخرج من جيبه فحاول القبض عليها, ولكن صقر كان أسرع منه, فقد أفلت واختفى,في تلك اللحظة عادت الأنوار إلى الصالة لعطل في العرض ولما كان قد شاهد سليما إلى جانبه وكان قد رآه يحدث صقرا من قبل فقد أمسك به وعبثا حاول تسليمه إلى شرطي لأن الصالة كانت خالية من الشرطة , فتلقى سليم من الرجل وممن جاء لنجدته عددا ضخما من الضربات , أدمت جانبا من جسمه . ومع هذا فإنه لم ينطق بكلمة ولا شيء بصقر الذي كان في تلك اللحظة يجلس في مكان بعيد في الصف الكائن خلف الرجل ينظر إلى ما يفعله بزميله سليم.
    ص 46

  6. #26

    رد: رواية/الخندق بعد الأخير/عبد الإله الخاني

    كان كل يوم يمر على صقر يترك في ذهنه تسجيلا لواقعة جديدة عليه تشحذ ذهنه وترهف ذكاءه وتوسع إدراكه , وحين جاء إلى صاحب المحل في يوم الخميس ليحاسبه عن رصيده الذي تكون له في ذمة الرجل , شاهد رجلا آخر يسبقه إلى صاحب المحل فيرحب هذا به ترحيبا حارا , ترحيب الخادم لمخدومه والمرؤوس لرئيسه , ثم يقدم له كرسيه ذا الحشية , ويظل واقفا بانحناءة خفيفة تنبئ عن الاحترام الكامل.
    جلس الزائر على الكرسي دون أن يتحرج كأن من حقه ان يجلس , وعلى مضيفه أن يقف بين يديه هذه الوقفة المستخذية, حتى أن الزائر وهو يحدث صاحب المحل لم يعن بأن يرفع رأسه إليه حين يكلمه إمعانا في العنفوان , الأمر الذي كان يلجئ صاحب المحل إلى الانحناء أكثر فأكثر ليستوعب ما يحدثه به الزائر أو ليمكن زائره من سماع كلماته الجوابية.
    توقف صقر في منتصف الطريق وأحجم عن إتمام طريقه إلى حيث يقف شريكه إذا تريث وانتظر , إذ لابد أن يكون الأمر جدا بين الرجلين , فيأتي شانه مع شريكه في المكان الثاني.
    طال الحديث بين الرجلين فتحرك الفضول في نفسه فتقدم دون أن يشعر به واحد منهما , حتى أصبح منهما على بعد كاف لكي يتناهى إليه الحديث.
    كان هذا الحديث تصاحبه آثار اهتمام بالغ ارتسمت على وجه الرجلين.
    الزائر: أنت ناخب ثانوي فيما أعرف.
    صاحب المحل: نعم وقد أنعم علي بهذا المركز حقي بك.
    الزائر: حقي بك؟ صحيح؟ إن حقي بك ولي نعمتنا وصاحبنا وهو الذي أشار علي بأن أرشح نفسي لأكون مرشحا أوليا للانتخابات.. في سبيل الفوز بمقعد في المجلس النيابي.
    صاحب المحل: مئة أهلين يا بيك.
    الزائر:لقد سمعت عن مروءتك الشيء الكثير.
    صاحب المحل:أنت أحسن يا سيدي
    الزائر:هل يمكنني الاعتماد عليك في الانتخابات القادمة؟
    صاحب المحل:أنت تعلم أن..
    الزائر:فضلك واجد يابيك وهذه إحدى شمائلك الكريمة ,ولكن..
    الزائر: نعم تكلم.
    صاحب المحل:تعرف أن فلان بيك دفع كذا..
    الزائر وإذن؟
    صاحب المحل:أبشر خيرا
    الزائر:قد نحتاج لبعض أعمال لإزعاج منافسينا.
    صاحب المحل: لدي فتية وغلمان يبيضون الوجه.
    الزائر : أنت زعيم حي , فلا غرابة أن تمتلك الوسائل , أنت رجل طيب.
    صاحب المحل: هذه التجارة سائرة سيرها الطبيعي؟
    وغمز الزائر صاحب المحل بعينيه , وقال: هذا الأخير:
    -بعنايتك يابيك.
    وضحك الرجلان ضحكات مجلجلة حتى بان آخر ضرس في الفم..
    وعاد الزائر يقول:
    -أعتقد بأنه لا حاجة بي إلى أن أرجوك مرة ثانية.
    قال الرجل جملة ببطء وشد على صاحب المحل وهزها هزا مرارا وتكرارا.. وظلت الأيدي مشتبكة ثوان عدة غادر الزائر بعدها المكان.
    عندها فقط أبصر صقر أن الزائر يرتدي ملابس فاخرة ويضع على عينيه نظارات ضخمة , وقد بدت على هيئته إمارات الغنى.
    وابتسم صقر ايتسامة عريضة , وشعر بالزهو ينتفخ في إهابه , إنه لإذن يتعامل مع زعيم من زعماء الأحياء , وقد غدا ذا قيمة في حساب هذا الزعيم , فليعد النظر إذن في الحساب , المسالة تقتضي إعادة النظر وهل ثمة حظ أبلج من حظه؟ وتصور المستقبل كيف سيكون يجب أن يضاعف نشاطه للحصول على المال جيوب الناس ومكاتب الصرافة يضاعف نشاطه للحصول على المال جيوب الناس ومكاتب الصرافة.
    ص 49

  7. #27

    رد: رواية/الخندق بعد الأخير/عبد الإله الخاني

    أصبحت مصدرا ثانويا.. هنا مكان الاغتراف .. يكفي إذا أراد , أن يعلم صاحب المحل بأنه وقع في ورطة ليسرع هذا ويدلي له بما ينقذه منها هذا صاحب عملية في الانتخابات المرشح النائب في المجلس النيابي ذو النفوذ , ومن يدري , فقد يغدو هذا المرشح وزيرا لا ترد له كلمة.
    وقال صقر لنفسه :
    - هم م م م الآن عرفت كيف أتصرف . يبدو أن الدنيا هي هكذا دائما في كل زمان ومكان.
    وانتظر بضع دقائق قبل أن يظهر أمام عملية صاحب المحل .. وإذا كان في السابق يعامل "صاحب المحل" بشيء من الاحترام, فقد زاد الآن هذا التقدير وزادت معه مداراته . صار لزاما عليه أن يوفق سلوكه مع وضع رجل ذي شأن كهذا الرجل الذي يمثل هو امامه ,وعلى كل حال , فقد تجنب ان يبدو امامه عارفا بما جرى من حوار بينه وبين الزائر الكريم ..
    -خل علمك هذا إلى الوقت المناسب
    هكذا خاطب نفسه .
    وزاد زهوا بنفسه حين بادهه صاحب المحل يسأله:
    -كم عمرك يا صقر؟..
    -خمسة عشر عاما .
    -غن عقلك يا صقر أكبر من جسمك بكثير.
    هو نفسه , حين يتذكر ما كان عليه حاله حين كان عند أم محمد يدرك انه كان مغغلا , والآن يشعر بأن إهابة الذي كان له من قبل قد تمزق ليخرج منه كائن واع لوجوده ووجود الحياة على حقيقتها , إنه في كل يوم ينمو نموا مطردا وسريعا , هذا ما قاله له الرجل وهذا ما يعنيه أيضا.
    ليس في قول صاحب المحل جديد, إن هذا الرجل يسرق فكرته عن نفسه , فلو تأخر عن التعبير عن هذا الرأي لعبر عن هذه الفكرة قبله.
    ولعل هذا الاتفاق الذي عقده مع"صاحب المحل" كان فتحا له فقد فتح له نافذة جديدة على العالم ..نافذة واسعة ..واسعة يطل منها على مجال أرحب لا عهد له به. أليس في هذا العالم أشخاص ذوو أعمال غير "صاحب المحل"ولماذا لا يكون هو صاحب عمل . إنه رئيس عصابه , إلا ان ثمة فرقا كبيرا بين صاحب أعمال ورئيس عصابه , ثم أدرك حجر بثاقب نظره ان أصحاب الأعمال لهم صفات مميزة أخرى فأولها السن , غنه بالرغم من كل شيء مازال صغيرا ومن ذا الذي يتعامل مع صبي اتفق مجرد اتفاق ولحاجة في النفس ان هذا الرجل استعان به وبعصابته فأراد ان يستخدمه لمصلحته ..هو لا يريد البقاء في هذا النطاق إنه راش بصورة موقوتة ولو كان صاحب المحل يستثمره فإنه سينتظر فرصته كل فرصة لايد آتية لابد آتية ..لا ,لا,
    لابد من الاستمرار في هذا النشاط فترة من الزمن , هذا الخط إلى أن يتاح له مع الزمن الخروج منه إلى الفضاء الأرحب, إلا انه أكد لنفسه منذ الآن أن عمليات السطو للاسترباح ستزيد عددات وتتضخم حجما , ذلك أن من صفات أصحاب الأعمال إنهم يمتلكون رأس مال كاف .. فمن أين له ؟ هذا ما لابد منه ,وما دام يعوزه المال فإن العصابه تتطلب أكثر فأكثر .أفرادها يكبرون وقد يكبر معهم تمرد هم او قل طموحهم فالمال هو المسكت الوحيد ..وهو ؟ إن متطلباته تعادل متطلباتهم مجتمعة.
    ص52
    وعاد يستعرض محصول اليوم الواحد من النشل والسرقة وجمع أعقاب السكاير ..وقال :
    مستحيل العودة إلى جمع الأعقاب فهذه وسيلة طفولية لم تعد تدر المال اللازم.. يجب التفكير في وسائل للطو أضخم وأعظم.
    في تلك اللحظة جرت في الشارع عاصفة .. صخب وصياح وتحلق الناس حول نقطة واحدة فحجبوا ماتحلقوا حوله . وأسرع صقر فغدا بين المتحلقين ونظر فإذا رجلان يتشاجران بالأيدي ويتبادلان الكلمات بشكل عنيف , لم يعرف عن أسباب الحادث شيئا , إلا انه سمع احدهما يقول للىخر:
    -اعد لي طير الحمام أقول لك يا ...يا...
    ويرد عليه الآخر:
    -هذا الطير من نصيبي تعبت عليه حتى ربيته.
    ابتسم صقر لما سمع هذا الحوار وقال في نفسه:
    -قلائل أولئك الذين فهموا ما يعنيه هذان الرجلان بتعبير "طير الحمام" إن السامعين ولا ريب يعتقدون بان الرجلين من كشاشي الحمام وكش الحمام هواية مفضلة عند نفر من قاطني بعض الأحياء القديمة في المدينة . إلا أن الحقيقة هنا هي غير ذلك.. هو نفسه صقر كان في يوم من الأيام ..ولكن ماله وما لهذه الذكرى المهينة.
    وهم صقر بأن يغادر المكان ويبتعد , ماله وما لهذين الرجلين أمرهما لا يعنيه , إلا أن بصره اختطف صورة واحد من الرجلين المتشاجرين , غنه يعرفه بالتأكيد ,فعاد وظل يتفرس في وجههما..
    يا للصدفة , احد الرجلين هو أبو معروف معلمه القديم.
    في تلك اللحظة سمع أبا معروف يقول لغلام واقف عن بعد قليل من المتشاجرين:
    -اذهب واختف.
    ونظر الغلام مفتوح الفم , إلى الرجلين وكأنه لم يفهم شيئا.
    وجاء صوت أبو معروف مرة ثانية موعدا مزيدا:
    -اختف قلت لك ..ألم تسمع يا.. اذهب لك اذهب..
    وإذا بالغلام في هذه المرة يبتعد بسرعة ويختفي وبرز من المتجمهرين رجل دخل بين المتشاجرين , وقبل ان يسدد واحد منهما إليه كلمة أخرج من جيبه جامعة حديدية حين شاهد الدماء تنزف من احدهما بغزارة وجمع يديهما فيها.
    وأدرك صقر أن الرجل من الشرطة السرية. عندها حق على صقر أن يبتعد فالمشنوق يخشى جرة الحبل.
    ص 53

  8. #28

    رد: رواية/الخندق بعد الأخير/عبد الإله الخاني

    أسرع بالابتعاد عن مكان الشجار , فلما غاب المتشاجران عن نظره , عاد إلى مشيته العادية , فشاهد امرأة تمسك بيد ابنها وتمشي به على حذر وكأنها تشفق عليه من أذى.
    لقد كان هو صقر ذاته طير حمام فيما مضى .. لماذا يشفق من هذه الذكرى؟.. كان طير حمام مهملا في بادئ الأمر ثم طير حمام مما يتشاجر عليه أمثال أبي معروف.لأنه ينشل ويأتي بمورد جيج .. لقد مر بهذا الدور وكان ساذجا يسرق ويأتي بما جناه طول نهاره من جيوب الناس إلى أبي معروف فيرمي أمامه "باغلة" يأخذ منها أبو معروف ما يشاء ويدع له مايشاء.ثم صار طير حمام بيد أبي لبادة . وجنى طول النهار وعاد يرمي بالغلة أمامه يأخذ منها أبو لبادة ما يشاء ويدع له ما يشاء.
    وشعر بقشعريرة تغزو جسمه كله من رأسه إلى قدمه . وأدركته شفقة على ذلك الغلام الذي أمره أحد الرجلين بالاختفاء .. وفجأة تذكر .. وأفراد عصابته؟لا إنه ملهم كطيور حمام .. وسوف يرتقي بأساليب العمل
    .. حتى لايعود هناك طير حمام.
    وود لو أنه لحق بالغلام وتعرف به وكشف له عن عن تجربته الخاصة كاملة وأغراه بأن يعصي صاحبه ويستقل عنه..وفكر قليلا ثم قال :أجد ما تقول؟.. وأفراد عصابتك؟ هذه هي الحياة ..هذا الغلام اليوم طير حمام وغدا رئيس عصابة.
    بدي عيش أعمل كل شيء وليكن ما يكون حتى ولو كلفني ذلك تكسير الرؤوس.
    *****
    في الأيام التالية زادت شهية صقر للسطو بغية الحصول على المال , زادتها وأرهفتها الوقائع التي شاهدها وعاينها , كان يعيش في وسط غني بالاعتداء , بالخطف بالاستيلاء غلام يستخلص من آخر ماسرقه ثم يلطم إذا مانع , الكبير يأكل الصغير , فلا يجد هذا الأخير سوى البكاء.
    مجت نفسه الغلام الباكي , لقد كان عليه أن يلتمس الوسائل ليلطم بدوره ليستولي ,ليسرق . ليضرب .كاد يقول : ليقتل إذا اقتضى الأمر ووجد نفسه في نهاية الأسبوع وفي جيبه محصلة ضخمة , وفي صباح أحد الأيام وجد نفسه مستيقظا , عيناه منفتحتين وقد هرب النوم منهما فلا أثر فيهما للنعاس, فهو يملك أعصابه جيدا, قفز من مكانه وأيقظ رفاقه الذين لا يزالون نائمين,كان فؤاد غائبا ,لقد خرج قبل الجميع .إنه أنشطهم وأشدهم ذكاء , ولم يبتعد عن المكان إلا قليلا حتى شعر بيد على كتفه , وحين التفت وجد شرطيا وبيده غلام آخر إنه فؤاد , كيف تأتى لفؤاد رغم ذكائه أن يقع؟.وأحس كأن ماء باردا انسكب عليه من عل , كان إحساسا داخليا بأن بناء شامخا قد انهار في لحظة واحدة , أين الآمال المعقودة على صفقات كان يحلم بها, كان المال بين أطراف أنامله يعب فيه عبا, يأخذ منه مايشتهي , صاحب المحل يحفظ له رصيده وأفراد عصابته يأتونه بحصصه مما جنوه وهو مستريح.
    أدرك للوهلة الأولى أن المرة هي غير المرات السابقة , كان يومئذ قد وقف أمام قاضي التحقيق مرتاحا , ليس عليه يخسر شيئا وليس لأحد عنده التزام , فهو مجهول الوجه والملامح ممن نشل من جيوبهم,ص55
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  9. #29

    رد: رواية/الخندق بعد الأخير/عبد الإله الخاني

    لنجاح الرواية العربية يشترط اتصاف الحدث بمنطق الحدث ارتباط العلة بالمعلول والنتيجة بالسبب والفعل بالظرف ، والتسلسل الزمني وعدم
    القفز الزمني وترك الفراغات ، وتنامى الحدث ، وعدم القفز الدرامي والحركي بدون مسوغ منطقي ، وأن يقول الكاتب ما يريد لخدمة فكرة تضيف قيمة إيجابية للمجتمع أو تحذف نقيصة سلوكية منه ، لن أدخل بنقد مطول للنص ، لكن لغته أعجبتني ، أرجو النجاح للأخ الكاتب المحترم .

  10. #30

    رد: رواية/الخندق بعد الأخير/عبد الإله الخاني

    السلام عليكم
    بالعكس أستاذنا الكبير عبد الرحيم يهمنا وجهة نظرك ونقدك , ربما العنصر الدرامي كان غير بارز بقوة, وربما هناك ثغرات , ولكن لم يعد بالإمكان افضل مما كان وقد رحل صاحب النص إلى ربه:
    شكرا لمرورك الكريم والهام جدا.
    ***********
    تتمة:
    علاقته مع شخص واحد هو أبو معروف كان أبو معروف أول من تعرف عليه,صقر لهذا يترامى تفكيره إليه
    في كل مناسبة , لعل الأمر الآن كما كان في السابق وكما ذكره له رفيقة في نظارة القصر العدلي :كل ما في الأمر إقامة في معهد الأحداث ودربة على إحدى المهن ثم خروج من جديد إلى هذا العالم الزاخر وسعي فيه.
    عندما دخل مكتب قاضي التحقيق قال له هذا الأخير:
    -أهلا وسهلا بصقر,يظهر أنك اشتقت سريعا إلى مكان التوقيف طيب لك ما تريد.
    كان هذا الاستقبال المتحدي كافيا فإثارة أعصابه إثارة بالغة.فكزت نفسه وصعد أمام الاستجواب.
    -اسمك ..اسمك أبيك ..اسم أمك ..عمرك..
    أجاب صقر على هذه الأسئلة وهو ينظر نظرة جامدة إلى القاضي .
    لم يناقشه قاضي التحقيق , فهو يعرفه حق المعرفة ويعرف وضعه جيدا.
    -يسند إليك جرم السطو على المصرف ..فماذا تقول؟
    من أين عرف القاضي أنني سطوت على المصرف ؟ إنه أحد أفراد عصابتي ولا ريب,أريد أن أعرفه,يجب أن اعرفه.
    ظل صامدا مصرا على إنكاره حتى جاء قاضي التحقيق بفؤاد فقابله معه.كشف فؤاد النقاب عن كل شيء ,وسرد أسماء أفراد العصابة بكاملهم وأبان تفاصيل سلوك صقر بدقة متناهية ولكنه لم يأت على ذكر صاحب المحل.
    -هم م م م صاحب المحل توصل إلى "سحب" العصابة و ورفسني بقدمه و أراد التخلص مني. استثقل نصيبي في الشركة..م م م
    ونظر قاضي التحقيق إلى صقر كالمستفسر , ولكن صقر بقي صامتا وعبثا حاول القاضي استخلاص كلمة واحدة منه وكان قد واصل استجواب ساعة كاملة إلا أن جهده ذهب هباء , ويبدو انه عاد يحلل وضع هذا الفتى الصغير وسوابقه واستعرض مرة أخرى ما فاه به أفراد عصابته من عنفوانه وجبروته فوقع على ما أتى هذه النفس المتمردة.
    قال القاضي:
    -أ أ أنت رئيس عصابة ..أنت؟ هل تعلم بما أفاد به أبو لبادة؟
    لقد وصف لي وهو في أشد حالات الزهو مراحل نشاطه, وماذا يضيره أن يتلكم؟غني لمعجب بالمرء يأخذ على عاتقه تبعة ما يفعله ..فلا يتكئ على أطفال صغار لم يبلغوا بعد مبلغه من القوة والجأش , غن الاتكال على الآخرين من أخلاق الضعفاء.
    حين وصل القاضي إلى هذا الحد كان الحد كان وجه صقر قد تغير وعيناه أصبحنا جمرتين متقدتين , ونظر إلى القاضي نظرة ثم قال:

صفحة 3 من 8 الأولىالأولى 12345 ... الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. تحميل رواية ياسين قلب الخلافة - عبد الإله بن عرفة pdf
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-03-2015, 06:10 AM
  2. وفاة المحكم الدولي/عبد الإله الخاني
    بواسطة فراس الحكيم في المنتدى فرسان الترحيب
    مشاركات: 85
    آخر مشاركة: 11-14-2010, 05:30 PM
  3. وفاة المحكم الدولي/عبد الإله الخاني
    بواسطة عقاب اسماعيل بحمد في المنتدى فرسان الترحيب
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 10-13-2010, 08:41 AM
  4. حصريا/مسرحية الملك نقمد/عبد الإله الخاني
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 38
    آخر مشاركة: 04-07-2010, 06:41 PM
  5. المحكم الدولي /عبد الإله الخاني
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى أسماء لامعة في سطور
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 08-25-2009, 07:55 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •