هيكل بين الصحافة والسياسه
في مرحلة يمكن أن نطلق عليها اسم / مرحلة التحرر العربي والتي بدأت بخروج الانجليز من مصر وتأميم قناة السويس والوقوف في وجه العدوان الثلاثي على مصر ثم الوحدة المصرية السورية ثم تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي ثم قيام ثورة اليمن الجمهورية وكلها تمت بدعم ومسانده مصريه في ظل قياده واعية وعبقرية ناصريه لم يكن هيكل بمكانته ومكانه بعيدا عنها بل كان بوقا دعائيا عقلانيا لها في مقالاته الأسبوعية التي بدا كتابتها مع بداية رئاسته لتحرير الأهرام عام 1957م وفي ظل وجود الشقيقين مصطفى وعلي أمين اللذان كانا من أباطرة الصحافة المصرية في مؤسسة أخبار اليوم وان كانا قد سبقا هيكل في التلمذة على يدي محمد التابعي وقد أصبح هيكلا أكثر قوة وأوسع انتشارا منهما في تلك المرحلة المصيرية ذات الطابع القومي العربي والذي دفع مصر إلى مواجهات ساخنة ذكرنا منها العدوان الثلاثي عام 1956م ثم حرب تحرير الجزائر التي نالت استقلالها عام1962 ثم جاءت حرب اليمن في سلسلة المخطط الأمريكي لقتل الإرادة القومية العربية لدى القيادة المصرية الناصرية والتي كان هيكل واحدا من رموزها وهو أيضا واحدا من المعروفين بميولهم الغربية وليس الامريكيه هو كان ينظر إلى أمريكا دائما نظرته إلى الكاوبوي في أفلام رعاة البقر الذي لا يمكن الركون إليه أو الثقة بمصداقيته وصداقته وبالتالي فهو أذكى من أن يتعامل مع هذا الأمريكي القبيح الذي قد يضحي بحلفائه الأوربيين من اجل أن يسود العالم وكانت الحرب الباردة مشتعلة آنذاك بوجود الاتحاد السوفييتي الذي كان يرى في مصر الناصرية اكبر داعما لسياساته المناوئة للسياسات الامريكيه وبالتالي كان الموقف متوازنا ومنطقيا بين طموحات عبد الناصر في إقامة نظام عربي رسمي موحد ومتحد وبين رغبات الاتحاد السوفييتي في الانتصار على الأمريكيين في الحرب الباردة التي تهدف إلى السيطرة السياسية والاقتصادية والفكرية على دول العالم الثالثة في عالم تحكمه قوتان عالميتان نوويتان بالتأكيد كان الاتحاد السوفييتي هو الأفقر كما أن مصر صديقة الاتحاد السوفييتي لم تكن في ثراء أو غنى السعودية ودول الخليج العربي الذي كان يعيش تحت سيطرة الاستعمار البريطاني في ما عدا الكويت التي غدت ناصريه بسبب موقف عبد الناصر الذي منع العراق بقيادة عبد الكريم قاسم عام1961 من احتلال الكويت بعد استقلالها وكما كان العالم قطبان كبيران فان العرب انقسموا في الستينات مابين 1962- 1967 إلى معسكرين احدهما بقياده عبد الناصر ومصر وتدعمها القوة السوفييتية العالمية ومعسكر تقوده السعودية بدعم أمريكي غربي اشتد الصراع حوله في حرب اليمن التي بدأت عام 1962م ولم تنته إلا بخسارة الجيش المصري الحرب مع إسرائيل عام 1967م - وكان هيكل في كل هذه المعارك شريكا في الحكم مع عبد الناصر وخاصة في ما يختص بالسياسة الخارجية ولا نتجاوز إذا قلنا أن هيكل هو الوحيد الذي كان يمكنه أن يرسم إستراتيجية السياسة الخارجية المصرية الناصرية ولكن في المقابل كان للجيش والداخلية المصرية نجومها الذين يعملون بعيدا عن سطوة عبد الناصر وبقيادة المشير عامر ومساعدة صلاح نصر وشمس بدران اللذان أحبا عامر ولم يكنوا لعبد الناصر سوى التقدير والإعجاب به لأنه الوحيد بين ضباط الثورة الذي كان يحمل رؤية فكريه وكلهم دون استثناء كانوا اقل من أن يوصفوا بالقادة الاستراتيجيين رغم أنهم ضباط شجعان وأصحاب مواقف ومبادي جمعوا في ما بينهم كافة التيارات الفكرية لكنهم لم يكونوا ملهمين أو مبدعين ولذا كان هيكل الأقرب إلى قلب عبد الناصر لأنه صاحب رؤية ملهم ومفكر مبدع وهذا هو سر تقدمه عن غيره من أقرانه الكتاب والصحفيين من ناحية وتميزه عن باقي أصدقاء عبد الناصر من العسكريين بل يمكننا القول أن جميع القادة المصريين وكلهم من العسكريين كانوا ينظرون إلى هيكل نظرة الدارس لمدرسه خاصة في ما يتعلق بالتخطيط للسياسات الطويلة الأمد - وتلك مشكلة العسكريين الذين حكموا العالم العربي في عقد الستينات انه لم يكن بينهم عسكري قيادي يفهم معنى التفكير ولذلك كانوا ينقلبون على بعضهم كل سنة مرة أو مرتان في سوريا والعراق والسودان لكنهم في الجزائر مثلا كانوا أكثر استقرارا لأنهم هناك كانوا أكثر ذكاء بسبب طول التجربة الثورية خاصة عند هواري بومدين ومساعده بوتفليقه الرئيس الجزائري الحالي - وهذا قد يفسر للبعض نجومية هيكل بجانب عبد الناصر وسط واقع عربي تقوده عناصر عسكريه لا تجيد سوى إصدار الأوامر أو تنفيذها إلا ما رحم ربي ولذا كانت النتيجة نكسة عسكريه لقادة الجيش المصري في الحرب مع إسرائيل عام 1967م رغم النجاحات الكبيرة الواسعة لعبد الناصر الذي جعل من مصر القوة العالمية السياسية السادسة في زمن الحرب الباردة وحتى العام 1967م - حيث كانت الهزيمة سببا في وفاة عبد الناصر ونهاية مرحلة الوحدة والتحرير للدخول إلى مرحلة انتقاليه عربيه هي التي أطلق عليها مرحلة التضامن العربي والتي تحول هيكل بعدها من مستشار الرئيس إلى معارض للرئيس على خلفية التمهيد للصلح بين مصر وإسرائيل ابتداء من اتفاقية فك الاشتباك الأولى ووصولا إلى زيارة الرئيس السادات إلى إسرائيل في 19/11/1977والتي وقف هيكل معارضا لها وبشده مما دفع السادات إلى اعتقاله مع ألف وخمسمائة شخصية سياسيه وإعلاميه وفكرية مصريه قبل اغتياله بوقت قصير ليفرج عنهم الرئيس حسني مبارك بعد تسلمه الحكم بوقت قصير ويتحول هيكل من الكتابة السياسية إلى الكتابة للتاريخ ليضيف لنفسه لقبا آخر وهو المؤرخ الكاتب الصحفي السياسي الأديب وهذا ما يمكن أن نخرج به من مجمل حياته مع الصحافة والسياسة والكتابة طيلة ستون عام 1942- 2003 حين بلغ الثمانون ربيعا ليعلن اعتزاله الكتابة فتأخذه قناة الجزيرة إلى عالمها التليفزيوني ليقدم لنا حديث الذكريات من خلالها ولا ينسى في كل شهر أن يتحفنا بآرائه القيمة عن الوضع السياسي العربي الراهن بعين العجوز الخبير الذي تجاوز الثمانين بخمسة أعوام في العام 2008م