نقاد السينما
بين البناء ... وبين الهدم
لفت انتباهي في الاسابيع القليلة الماضية من الشهرين الاولين لهذه السنة , ارتفاع مستوى الغمز واللمز والهمز , واستعراض العضلات بالكتابة عن مستوى العلاقات والاتصالات احيانا وبالكتابة عن الثقافة والخبرات احيانا آخرى بين نقادنا السينمائيين في صحافة الامارات , وضاعت السينما بين الجذب والشد فلم تجب ها متفرعا لهمومها وعيوبها والحمد لله ...
وفي برنامج تلفزيوني سمعت احدهم يقول ضمن حديثه ما يلي :
" ستعرض في الحلقة المقبلة من برنامجنا كتابا لشخص اسمه سمير فريد ... " , وللحق فقد هزني هذا التقييم لاحسن ناقد سينمائي في العالم العربي الا وهو سمير فريد , اسمع عنه واقرا له مقالات قيمة منذ خمسة عشر عاما او اقل من ذلك قليلا , وجميع العاملين في الميدان السينمائي يحترمون آراءه , خاصة الموضوعيين منهم , فكيف يأتي ذكره على لسان ناقد سينمائي شاب يخطو خطواته الاولى نحو النجاح , وكان سمير فريد نكرة في عالم النقاد السينمائيين في عالمنا العربي ؟!.
ووقفت كثيرا امام اصرار ناقدة سينمائية موضوعية على النيل من امكانيات الممثلة نادية الجندي , في الحوار الذي دار مع محمود ياسين بنادي الفيلم في الشارقة , عند عرض النادي لفيلم " الشريدة " في الاسبوع الفائت , ورغم احترامي لناقدة المذكورة الا انني اجد نفسي مختلفا معها على اصرارها هذا لاسباب سينمائية بحتة فقط ....
والامر الذي يعتبر المهتم بعالم النقد السينمائي هو ما يراه من تخطيط للاعمال المعروضة في نادي الفيلم بالشارقة ما بين فيلم متدن مثل " دعوة خاصة جدا " او افلام محدودة الانتماء الفكري والمجتمعي مثل " الشريدة " او افلام محدودة الامكانيات التقنية والمستبدلة باسماء ممثلين جماهيريين مثل " حب في الزنزانة " لعادل امام وسعاد حسني , - وينسى وسط ذلك كله الشمولية في النقد السينمائي – وهو امر اورده الاستاذ فتحي البرقاوي في " وجهة نظر " ربما معناه انه لا مانع من عرض فيلم واحد وفي نفس الوقت يشمل النقد والبحث مجموع الافلام المشابهة لذلك الفيلم في الفكرة او في الموضوع او في دور ممثل يعينه لمجموعة تلك الافلام النمطية المتشابهة , بحيث ينتهي الامر بجميع المتهمين الى الوصول لنتائج ذات فائدة اعم واشمل واكثر ارتباطا بالعمل السينمائي ككل , من حيث تطور ادواته او تخلفها .
هذا من ناحية , ومن ناحية اخرى , فان نادي الفيلم بالشارقة مدعو لمجابهة القضايا الفكرية في عالم السينما العربية مثل الحرب في السينما العربية والسينما العالمية , فلسطين في السينما العربية , الافلام الغنائية في السينما العربية والعالمية , والتاريخ في السينما العربية والسينما العالمية .. الخ . ومواضيع اخرى هامشية مثل الحب في السينما العربية والعالمية , والفقر في السينما العربية والعالمية , وهذه الفكرة قد سبق لتلفزيون قطر ان قدمها في برنامج تلفزيوني عن السينما للمذيعة راوية راشد , وكان للحقيقة برنامجا دسما , ولذا فنحن نكرر التنويه به لنميزه كما هي عادتنا في التشبث بك ما هو ناجح ونافع ومفيد وسط تدني الاطباق الثقافية حولنا والامر الذي يغيظ بالفعل رغم معطيات الحاضر الفني المتدنية , هو التشبث بالقديم وتفضيله دائما بتكريسة فوق كل ما هو جديد , متجاهلين المستقبل بكل رموزه الداعية جيلنا الحاضر الى التفاؤل دائما وابدا , حتى نصل الى الامل , الذي يحقق بالارادة الهدف !!
فمثلا لماذا نصر على ان لا شئ بعد ام كلثوم في عالم الغناء والطرب , ما دمنا قد وجدنا وسط التدني , مطربة في مستوى ميادة الحناوي , صغيرة السن , حديثه العهد بعالم الفن وامكانياته , ذات صوت قوي ومعبر يفوق في قوته ونبراته اصوات القديمات من الغاء الى النون الى الواو الى الصاد , ( ولا يقصد بالغاء اميرة الطرب العربي فيروز بالطبع لان لها نكهة مميزة لا مثيل لها ) ولماذا نشدد على ان مثيلات فاتن حمامة وماجدة وهند رستم في عالم التمثيل لا مكان لهن الان , وهناك في الافق خيوط امل في تفوق اثار الحكيم ويسرى , لو اكدنا على امكانياتهن في الاجادة كما كانت فاتن وماجدة , واستغلت كل منهن تلك الاشادة لما هو افضل ومتميز .
سيقول البعض ان محمود ياسين اجاد في البداية ثم اصابه الغرور فتدنى باعماله الى المستوى التجاري , فنقول لهذا البعض ان نور الشريف اجاد في البداية وتاه في منتصف الطريق , ثم ها هو الان يتفوق على القديم وعلى الحديث , وفي ظل هذا المحور سناتي بحديثنا على عبد الحليم حافظ وفريد الاطرش – ومصير الافلام الغنائية بعدهما – واذا كان فشل عماد عبد الحليم في الغناء والتمثيل احباطا للمهتمين – واذا كان تقاعس وجبن هاني شاكر احباطا اخر – فان اصرار وليد توفيق على الاجادة في عالم الغناء والتمثيل يمثل بادرة طيبة بعد نجاحه في فيلم " من يطفي النار " في العالم الماضي – وما دام شدنا الحديث الى كل تلك النماذج فلا مانع من ان نتحدث الان عن نادية الجندي التي بدات حياتها الفنية كزوجة لممثل كبير وتدرج , بها الحال في بيروت الى ممثلة ادوار جنسية تميزت فيها بالتعري الواضح مع تفوق في حدود تلك الادوار بالابتعاد عن حياتها الشخصية لانها حق من حقوقها وحقوق اناس اخرين غير النقاد , فانها وباصرار تحسد وتشكر عليه وصلت الى مبتغاها في انتاج وتمثيل دورها في فيلم " بمبا كشر " واجادت فيه وتفوقت كممثلة استعراضية على شريفة فاضل في
" سلطانة الطرب " وعلى نادية لطفي في " بديعة مصابني " وعلى ماجدة الخطيب في " دلال المصرية " ولم تكن باقل من سعاد حسني في " "خللي بالك من زوزو "" او في " اميرة حبي انا " , ونافست هند رستم على الاجادة في ذلك اللون , وكانت اول من سلط الضوء على عالم الحشاشين الرهيب في فيلم " الباطنية " وما يحمله من امراض مجتمعية خطيرة وما يمثله من فساد اداري وهي قضية تهم الملايين من المدمنين , والعشرات من المسؤولين عن مكافحة التحشيش وحتى لا ياخذ احد علينا اهتمامنا بالحشاشين كحشاشين فاننا نهتم بهم كبشر موجودين بالفعل في مجتمعنا العربي وبشكل مريع وخطير , واما عن دورها في وكالة البلح , فهو يبحث في قضية اقتصادية وسياسية مهمة لمن يعرف ما هي وكالة البلح وخباياها في القاهرة !! وعن فيلمها " انا المجنون " فانه قضية اخرى تمسي العقلاء المجانين , الذين يذهبون الى عالم الجنون بلا ارادة فهم احيانا وبالرغم عنهم احيانا اخرى , وهي قضية قد تجابه الكثيرين منا دون ان نذهب الى مستشفيات المجانين , قضية الغدر والخديعة , والتحايل على الناس الطيبين بانبل واصدق المشاعر الانسانية من جانب الخبثاء والملاعين , وتكون نهاية الطيبين السذج والضعفاء وليس الاقوياء ان يذهب بهم الخبثاء والملاعين الى عالم المجانين كما كانت نهاية فيلم " انا المجنون " !!
فاذا وجد احد من النقاد الافاضل افلاما اكثر تميزا في بحث قضايا تلك الفئات الطفيلية المريضة في مجتمعنا العربي , فسوف يحق له المطالبة بعدم نشر أي كلمة من الخزعبلات التي اروجها حو السينما العربية في الخمسة عشر عاما الاخيرة والمهم النتيجة , اذا كان في القديم حلاوة ونكهة وطعم خاص ففي الجديد امل متجدد بمستقبل افضل سينمائيا وفنيا ان شاء الله .
وبعد ,
تخلص من هذا وذاك مما سبق الى نتيجة واحدة توصل اليها الادباء في عالمهم وهي خلو الساحة الثقافية من النقاد المخلصين المجتهدين الموضوعيين , ان كانت تلك الساحة الثقافية فنية سينمائية , او ادبية !!
فما العمل وما هو المطلوب ؟
على المستوى المحلي , نعود للمطالبة مرة اخرى لتخصيص البرامج الثقافية في التلفزيون , فالادب ادب , والسينما سينما , والمسرح مسرح , والغناء غناء , لان في التخصيص فوائد المعرفة , اما التكالب على البرامج الخفيفة والمنوعة ففيه ضياع الوقت في التسلية .
كما نطالب نادي الفيلم والمسؤولين عن الثقافة بتعميق فكرته وتعميمها على كل امارات الدولة . واذا اردنا نجاحا مسرحيا لا بد ان نخلق له الارضية الفنية الواسعة , ونادي الفيلم خطوة في الطريق اما الخطوة الثانية فهي الاستعانة بمسرحيين عرب ومشهورين للعمل بجانب المسرحيين المحليين في مسرحيات محلية لخلق الاحتكاك , وجذب الجمهور , كما تطور الامر نفسه في الكويت الشقيقة .
وعلى المستوى العربي , تبقى الامكانيات المادية حائلا على الطريق امام انتاج اعمال فنية رفيعة المستوى , لو امكننا تجاوزها ببعض الثراء العربي لاستطعنا ان ننتج عشرات من " القادسية " و " عمر المختار " و " الرسالة والفلسطيني " وغيرها من الافلام المواكبة للعالمية في طرحها السينمائي .
-----------------------------------------------------------------------------
الفيلم الاستعراضي
تماما كما الادب تتعدد اشكاله وتتلون الي السينما والمسرح والطرب والموسيقي .
وكما ان هناك ادبا من اج الادب يتوه فيه المبدع وسط الاشكال الادبية في عمل موحد تبدو فيه القصة وكانها قطعة نثرية متكاملة تتجمع عباراتها علي بعضها البعض وكانها خط موسيقي واحد يصنع سيمفونية كاملة تقربها الي الشعر .
فان هناك فنا من اجل الفن , فنا لا ينقل حكاية , ولا يلحن اغنية من اجل الحياة ومن اجل الناس , فنا متكاملا يقدمه الفنان من اجل الفن , وهذا ما يمكن تسميته بالفن الاستعراضي فنراه في الاوبريت الغنائي علي المسرح او نراه في الفيلم الاستعراضي علي شاشات السينما .
وتتجمع في الفيلم الاستعراضي الوان الفن المتعددة حيث يتحول الحوار الي اغنية والقصة الي موسيقي تصويرية تعبر عن الموقف باللحن , ولا يمكن القول بان السينما العربية او المسرح العربي انتج لجيلنا منذ عشرين عاما الفيلم الاستعراضي او الاوبريت الغنائي المنشود حتي الافلام الغنائية التي كانت تزدحم بها الاعمال السينمائية العربية في الاربعينات والخمسينات , لم يعد لها مكان يذكر في سينما الستينات والسبعينات , لولا جهود بعض المخلصين لهذا النوع من الافلام الغنائية , امثال المطرب عبد الحليم حافظ , والمطرب المرحوم فريد الاطرش ولم نجد بين جيل الروادفي الطرب العربي غيرهما من يتحمل مسؤولية العمل الفني الاستعراضي , والآن بعد ان انتقل الاثنان الي بارئهما الاعلي , في نفس الوقت الذي رحلت فيه ام كلثوم , فمن يحمي هذا اللون الفني من اجل الفن ؟
لا يوجد غير مطربة الجيل المتطورة دوما الفنانة الرقيقة " فيروز " وهي التي قدمت لنا بعض الاعمال المسرحية والسينمائية لتحمي ذلك اللون الفني الضروري .
والقضية الآن علي مستوى الاعمال الفنية هي في الكيفية التي تجعل فنانة في القمة مثل فيروز تقدم لنا مثل تلك الاعمال الراقية لخدمة الارتفاع بالذوق والاحساس والمشاعر الانسانية وهذه مهمة الفن في المجتمع .
--------------------------------