الاخوة والاخوات .. مازلنا مع صفحات كتابي ( ملامح مصرية ) وفي هذه الحلقة نتحدث عن :
البطل محمد العباسي :
____
علم الدولة هو رمزها وشعارها المقدس وبه تعرف بين الدول ويعد علم جمهورية مصر العربية اقدم اعلام المعمورة بل كان الاساس لفكرة اعلام الدول الاخرى .
وفي حرب السادس من اكتوبر 1973 مـ اهتز الوجدان المصري والعربي وتحركت القلوب والمشاعر خلال مشاهدة الصورة التاريخية لأول مجموعة مصرية تعبر قناة السويس وتقتحم خط بارليف الحصين وترفع علم مصر الحبيبة علي اول نقطة تم تحريرها وهذه الصورة واللقطة التاريخية مازالت حتي يومنا هذا تدخل السرور والفرحة والفخر علي قلوب المصريين والامة العربية .. ومن هذا المنطلق نقدم البطل الذي نال شرف رفع اول علم مصري يوم العبور العظيم وقتل 30 من الاسرائيليين في دقائق معدودة .. انه البطل محمد محمد عبد السلام العباسي المولود في الحادي والعشرين من شهر فبراير عام 1947 بمدينة اشتهرت بالنخيل وكانت القوافل التي تمر بمصر اثناء قدومها من الشام محملة بالطوب لبناء مسجد قايتباي بالقاهرة تستريح لبعض الوقت تحت ظلال نخيلها ومن اشجار النخيل اشتهرت نخلتان بقرنيهما ومن هنا جاء اسمها .. انها مدينة ( القرين ) بمحافظة الشرقية .. كما حرصت القوافل علي بناء مسجد بها اطلق عليه ايضا مسجد قايتباي .. و بالاضافة لشهرة المدينة اشتهرت ايضا بمواقفها الوطنية ضد المعسكر الاجنبي بالتل الكبير ابان الاحتلال وكذلك اثناء العدوان الثلاثي علي مصر ، فقد كان الاهالي يهاجمون معسكرات العدو ويعودون بالاسلحة والعتاد ويسلمونها للسلطات المصرية .. وشاهد ( محمد ) كل هذه المواقف فشرب الوطنية ، وعندما الحقه والده بالكتاب حرص علي تعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم ثم حصل علي الشهادة الابتدائية من مدرسة القرين ثم حصل علي الشهادة الاعدادية واكتفى بهذا القدر من التعليم واتجه الي التجارة ورزقه الله من المحل التجاري الذي يديره رزقا كثيرا .
وعند بلوغه سن 16 سنة تم زفافه وفرحت به الاسرة لأنه اكبر الذكور حيث كان له اخ يصغره واختان تكبرانه .. ومرت الشهور ورزقه الله بمولود اسماه ( جلال ) وقبل نكسة 1967 بقليل تم استدعاء ( محمد محمد عبد السلام العباسي ) للتجنيد وبالفعل التحق بالخدمة العسكرية في الاول من شهر يونيو عام 1967 وفي بداية عام 1968 انتقل الي الاسماعيلية وخضع مع زملائه من الجنود المصرية للتدريبات العسكرية في سلاح المشاه ، وشارك في معارك الاستنزاف والتي قال عنها الضابط الهندي الكولونيل نارايان في كتابه( الحرب الاسرائيلية العربية الرابعة ) :
( لقد بدأت حرب الاستنزاف بقصف نيراني مستمر من المدفعية المصرية ضد المواقع الاسرائيلية علي طول مواجهة القناة ، ولم يكن في مقدور المدفعية الاسرائيلية ان تسكت المدفعية المصرية فاضطرت الي القيام بتوجيه ضربات جوية في يوليو عام 1969 ضد مرابض نيران المدفعية المصرية ، ولكن هذه الضربات لم تنجح في التقليل من تأثير المدفعية المصرية ، ولذلك قررت اسرائيل شن حرب استنزاف ضد مصر بالقيام بغارات علي بعض الاراضي المصرية ، لقد اثبتت حرب الاستنزاف للمصريين ان المثابرة والعزيمة هما الضمان الرئيسي للنجاح كما اكتسبت القوات المصرية خبرة في مواجهة الغارات الجوية الاسرائيلية والتكتيكات البرية ) .
ويقول اللواء الدكتور محمد اسامة عبد العزيز :
( في يوم التاسع من مارس عام 1969 استشهد الفريق اول عبد المنعم رياض في يوم لا ينساه الشعب المصري وفي فترة تميزت بالاعداد والتجهيز ليوم الثأر ففي صباح ذلك اليوم كنت قائدا لموقع جزيرة الفرسان شرق الاسماعيلية والتي تشرف علي بحيرة التمساح وجزء من السويس في مواجهة المعبر رقم 6 وحيث النقطة الحصينة للعدو في المواجهة ، وابلغت بزيارة الفريق اول عبد المنعم رياض رئيس هيئة اركان حرب القوات المسلحة المصرية وبصحبته اللواء عدلي سمير قائد الجيش واللواء عبد المنعم خليل نائبه .. وعندما وصل الفريق اول عبد المنعم رياض اخذ يسألني عن افراد الموقع وروحهم المعنوية ومستوى التدريب والاستعداد للرد علي العدو والاشتباك معه .. وقد كان حوارا عسكريا ومعنويا برغم صغر رتبته وقتئذ ، وفي الساعة الحادية عشرة والنصف من صباح ذلك اليوم غادر الفريق اول عبد المنعم رياض جزيرة الفرسان وبعد ساعة تم احد الاشتباكات التي اعتدى عليها الجنود مع العدو وقبل زوال شمس التاسع من مارس عام 1969 كان الخبر الحزين باستشهاد الفريق اول عبد المنعم رياض واصابة اللواء عدلي قائد الجيش بعد قصف العدو المباشر والغير المباشر لسيارات القيادة في اثناء تفاقده للوحدة المجاورة ) .
وجعل يوم التاسع من شهر مارس من كل عام عيدا للشهيد تكريما للفريق اول عبد المنعم رياض وللشهداء الابرار .
وتأثر البطل محمد العباسي عندما علم باستشهاد الفريق اول عبد المنعم رياض وزاد اصراره علي الاخذ بالثأر من العدو الذي قام بضرب مدرسة بحر البقر ومصنع الحديد والصلب بابو زعبل .
وبالفعل قام البطل محمد العباسي مع زملائه بزرع الالغام وراء خطوط القوات الاسرائيلية .
شاهد ايضا الاستفزازات التي كان يقوم بها بعض الجنود الاسرائيليين ، فقد كانوا يعلقون لافتات تحمل عبارات غير لائقة ، و يجلسوا علي شاطئ قناة السويس مع الفتيات الاسرائيليات في اوضاع مخلة بالاداب و الاخلاقيات ، و ذات يوم قال ليعقوب -الجندي الاسرائيلي - اثناء وقوفه علي الضفة الاخرى لقناة السويس : يا يعقوب مش هتمشوا من هنا بقى ؟
فقال يعقوب : يا محمد مش هنمشي من هنا حتي لو جبتوا محمد بتعكوا ؟! ويقصد بذلك خير البرية صلي الله عليه وسلم .
فاستشاط غيظا و قرر البطل محمد العباسي مع زميله محمد القصاص احضار بعض الاسرائيليين كاسرى ، و بالفعل تم اقتناص احد الاسرائيليين و تم اسره ، ومنح البطل محمد العباسي مكافاة قدرها 50 جنيها ، ثم قامت مجموعة مصرية اخري باسر 4 من جنود القوات الاسرائيلية بالاضافة الي تدمير 4 ناقلات و 2 دبابة ، و في تلك العملية اصيب البطل محمد العباسي في رجله اليسرى وتم نقله الي المستشفى ثم عاد لموقعه وواصل التدريبات العسكرية انتظارا ليوم الكرامة .
وجاء يوم الجمعة الموافق الخامس من شهر اكتوبر 1973 - التاسع من رمضان 1393 هـ في الصباح تلقي البطل و زملائه الاوامر بالافطار ، و دارت خطبة الجمعة حول المعارك التي خاضها الجيش الاسلامي خلال شهر رمضان المبارك علي مدار التاريخ ، و مكانة الشهيد في الاسلام ، و بعد الخطبة صلى الجنود علي علم جمهورية مصر العربية .
وفي صباح السادس من اكتوبر 1973 - العاشر من رمضان 1393 بدأت عمليات التمويه ، و في ساعة الصفر بدأ الجنود في عبور قناة السويس وكان البطل محمد العباسي في طليعة القوات العابرة ، و فرح كثيرا عندما شاهد الطيران المصري عائدا بعد ان دك المطارات الاسرائيلية فنظر البطل الي السماء فشاهد ( الله اكبر ) مكتوبة بخطوط السحب فهلل مع الجنود ( الله اكبر ) و كانت صيحة العبور .
واسرع البطل نحو دشمة من دشم خط بارليف و لم يعبأ بالالغام و الاسلاك الشائكة التي مزقت ملابسه ، و بمجرد وصوله للدشمة فتح نيران سلاحه علي جنود العدو فقتل 30 اسرئيليا ثم القي قنبلة من خلال فتحة الدشمة فسمع صراخ الاسرائيليين و كانها زغاريد فرح ، و تم اسر 21 جنديا اسرائيليا ، ثم صعد الي قمة الدشمة و مزق العلم الاسرائيلي و رفع مكانه العلم المصري معلنا تحرير اول نقطة بالقنطرة شرق ودخوله التاريخ من اوسع و اشرف و انبل الابواب لانه بذلك يعد اول مصري يرفع العلم المصري يوم العبور العظيم علي اول نقطة تم تحريرها يوم العبور العظيم .
وبعد الاستيلاء على خط بارليف اصاب قادة اسرائيل الخوف والفزع والدهشة فقال حاييم بارليف ( من قال ان هناك خطا يسمى خط بارليف ) ؟
وبكت جولدا مائير اثناء مكالمة هاتفية مع الرئيس الامريكى نيكسون وطلبت منه انقاذ اسرائيل .. وعلى الفور ارسل اليها مايقرب من 22500 طنا من الاسلحة الذكية من صواريخ موجههضد الطائرات وقنابل تليفزيونية وعنقودية .
وبعد وقف اطلاق النار تم السماح للبطل ( محمد العباسى ) بزيارة اهله وبالفعل زار اهله ثانى عيد الفطر ومكث ساعات بعد ان استقبلته القرين بالحب والفخر والاعتزاز ثم عاد ثانية الى الى الجبهة .
ورزق البطل ( محمد العباسى ) بمولود اطلق عليه اسم ( نصر ) اعتزازا وافتخارا بنصر اكتوبر الخالد .
وبعد تادية الخدمة العسكرية عاد البطل الى القرين التى خرجت عن بكرة ابيها واستقبلت ابنها وابن مصر البطل ( محمد العباسى ) وبعد مدة قليلة تم تعيينه بالوحدة الصحية بالقرين .
وابتهاجا واحتفالا بنصر اكتوبر قام الحاج ( حسن فهيم خطاب ) احد ابناء محافظة الجيزة باهداء فيلا رائعة بالهرم الى وزارة الحربية لتهديها بدورها الى اول من قام برفع علم مصر يوم العبور العظيم .. فقامت الوزارة باهداء الفيلا الى البطل ( محمد العباسى ) فى حفل كبير حضره لفيف من القيادات الرسمية والشعبية .. واثناء الاحتفال طلب الحاج ( حسن فهيم )من البطل ( محمد العباسى ) تسجيل اسمه كابن من ابناء محافظة الجيزة فقال البطل : انا ابن مصر كلها .
كما تم تكريم البطل من قبل قريته واللواء ( فؤاد عزيز غالى ) قائد الجيش الثانى الميدانى كما كرمته جامعة الزقازيق.
ويحرص البطل ( محمد العباسى ) على الجلوس مع اولاده ( جلال .. نصر .. هيام .. امال ) واحفاده ليقص عليهم قصص البطولة
واثناء جلوسنا مع البطل ( محمد العباسى ) اثناء اجراء محاورة صحفية لمجلة ( صوت الشرقية ) لاحظت حفظه للقران الكريم .. وعندما تتحدث معه تشعر كانك تتحدث مع استاذ جامعى .
_______
قام المؤلف ( ابراهيم خليل ابراهيم ) باجراء حوارا مطولا ونشر في العدد 423 بمجلة صوت الشرقية الصادر في اكتوبر 1999 .. كما تحدث عن بطولاته في مجلة ( المنار ) الاذاعية التي ترأس تحريرها ، وايضا تحدث عن بطولاته في اذاعة الشباب والرياضة ، واذاعة القاهرة الكبري ، واذاعة وسط الدلتا .
_ كتاب : ملامح مصرية ـ للكاتب : ابراهيم خليل ابراهيم ـ رقم الايداع بدار الكتب والوثائق المصرية 5993 / 2001 |