نعم ليلة تسليم جلجامش لليهود ياغير مسجل
كنتت حصلت عبر النت على دراسة هامة للناقد: حسين سرمك والذي زكته الدكتورة ريمه الخاني بحصورها جلسة نقدية عبر نقده العميق وهاأنذا اصطاد دراسة هامة له فتقبلوها مني:
فضح مغالطات التناص بين الفكر العراقي القديم والفكر التوراتي (1)(إنه البطل، سليل أوروك، والثور النطّاح
انه المُقدّم في الطليعة
وهو كذلك في الخلف ليحمي اخوته واقرانه
انه المظلة العظمى، حامي اتباعه من الرجال
انه موجة طوفان عاتية تحطّم حتى جدران الحجر
جلجامش المُكتمل في الجلال والألوهية
إنه هو الذي فتح مجازات الجبال
وحفر الآبار في مجازات الجبال
وعبر البحر المحيط، إلى حيث مطلع الشمس
لقد جاب جهات العالم الأربع، وهو الذي سعى لينال الحياة الخالدة
وبجهده استطاع أن يصل إلى "أوتو – نبشتم"، القاصي
وأعاد الأحياء التي دمّرها الطوفان
من ذا الذي ضارعه في الملوكية؟
من غير جلجامش من يستطيع أن يقول: أنا الملك؟
ومن غيره من سمي جلجامش ساعة ولادته؟
ثلثاه إله، وثلثه الباقي بشر
لقد صمّمت جسمه الآلهة العظيمة)
"ملحمة جلجامش"(ملحمة جلجامش، التي يصح أن نسميها اوديسة العراق القديم يضعها الباحثون ومؤرخو الأدب المحدثون بين شوامخ الادب العالمي. ولعلني لا أبالغ اذا قلت انه لو لم يأتنا من حضارة وادي الرافدين، من منجزاتها وعلومها وفنونها شيء سوى هذه الملحمة لكانت جديرة بأن تبوّأ تلك الحضارة مكانة سامية بين الحضارات العالمية القديمة. إن ملحمة جلجامش أقدم نوع من أدب الملاحم البطولية في تاريخ جميع الحضارات، وإلى هذا فهي أطول وأكمل ملحمة عرفتها حضارات العالم القديم، وليس هنالك ما يُقرن بها أو ما يضاهيها من آداب الحضارات القديمة قبل الإلياذة والأوديسة في الأدب اليوناني (جاءت بعد ملحمة جلجامش بثمانية قرون). ومع أن هذه الملحمة قد دُونت قبل 4000 عام وترجع حقبة حوادثها إلى أزمان أخرى أبعد، فإنها في مجالها ومداها وأغراضها والمشكلة التي عالجتها وقوّة شاعريتها كل ذلك يجعلها، مثل الآداب العالمية الشهيرة، ذات جاذبية إنسانية خالدة في جميع الأزمان والأمكنة، لأن القضايا التي أثارتها وعالجتها لا تزال تشغل بال الإنسان وتفكيره وتؤثر في حياته العاطفية والفكرية، مما يجعل مواقفها مثيرة تأسر القلوب. إن هذه الملحمة البطولية الخالدة قد عالجت قضايا إنسانية عامة، مثل مشكلة الحياة والموت، وما بعد الموت، والخلود. ومثّلت تمثيلا بارعا مؤثرا ذلك الصراع الأزلي بين الموت والفناء المقدرين وبين إرادة الإنسان المغلوبة المقهورة في محاولتها التشبث بالوجود والبقاء والسعي وراء وسيلة للخلود. أي أنها تمثل هذه "التراجيدي" الانسانية العامة المكررة)
العلّامة الراحل"طه باقر""ملحمة جلجامش"(لم يكن لليهود فنون ولا علوم ولا صناعة، ولا أي شيء تقوم به حضارة. واليهود لم يأتوا قط، بأي مساعدة مهما صغرت في إشادة المعارف البشرية، كما أنهم لم يجاوزوا قط الأمم شبه المتوحشة التي ليس لها تاريخ)"غوستاف لوبون"الإهـــــــــــــــــــــــــداء:إلى "قارىء الطين"
العلّامة العراقي الراحل
الآثاري الفذّ
"طه باقر"تقديراً لجهوده الرائدة في ترميم الذاكرة العراقية، ولكونه أوّل من قدّم جلجامش العظيم ليكون أنموذجاً للشخصية العراقية المبدعة في الفكر والبناء.مقدّمةتصاعدت في الثقافة العربية منذ أكثر من عقدين – وبوتائرَ سريعةٍ وخطىً واسعة - ظاهرة كشف ومراجعة ما يُسمّى - وفق المصطلح الحداثي - بـ "التناص" بين التوراة من جانب، والتراث الأسطوري للشرق الأدنى القديم من جانب آخر، وتحديداً أساطير مصر والعراق وسورية القديمة بما عُرف عن امتلاك هذه البلدان من تراثٍ أسطوريّ هائل هو بمثابة الكنوز المعرفيّة التي لا تٌقدّر بثمن، ومن ريادات مؤصّلة ومشهودة في مجال الفكر الميثولوجي، خصوصاً في ما يتعلق بالجانب الديني.وهذه الظاهرة ليست جديدة، حيث أشار إليها الآثاريون والباحثون في مجال الأسطورة منذ أن بدأت الإكتشافات الأركيولوجية لمنجزات حضارات الشرق الأدنى القديمة، وبشكل خاص الحضارات العراقية (السومرية والأكدية/البابلية والآشورية)، والحضارة المصرية الفرعونية، ثم الحضارة السورية لاحقاً، فقد تنبّه هؤلاء إلى وجود تشابهات تصل أحياناً حدّ التفاصيل الدقيقة والتعابير اللغوية التصويرية المتطابقة، بين ما جاء في التوراة من أسفار، والنصوص الأسطورية العراقية والمصرية القديمة، حتى أننّي قرأت ذات مرّة أنّ الباحث الآثاري البريطاني "جورج سمث" (1840 – 1876 م) وكان يقوم بتدقيق لوح أُرسل من مكتبة الملك آشور بانيبال عام 1872، ووجد أنه يتضمن أسطورة خليقة بشكل أكثر دقة ووضوحاً من قصة الخليقة التوراتية، قد قفز من كرسيّه وخرج من مكتبه واندفع في القاعة، وقد انتابته حالة من الإثارة الشديدة، حتى أنه بدأ يتجرد من ملابسه، وسط ذهول الحاضرين. كان منفعلاً ومنهوساً بالتشابه، الذي شاهده بأمّ عينه، بين أسطورة الخليقة البابلية وقصّة الخليقة التوراتية. وقد سار - بعد ذلك - الباحثون الغربيون خاصة، والأجانب عامة، وتبعهم الباحثون العرب بطبيعة الحال، في التذكير، مع كلّ أسطورة تُكتشف ألواحها أو بردياتها أو تُحلّل وفق رؤية جديدة، بالتشابه بين تلك الأساطير، وأفكار وحوادث التوراة اليهودية.أمّا الآن، فقد اتسعت دائرة هذه الظاهرة، واشتدت خطورتها، لأنّ الباحثين – بحسن نوايا الباحث العلمي، أو بالتخطيط المقصود والغايات المسبقة لبعض دور النشر – قد استسهلوها، وصاروا يعمّمونها على كل شيء، حتى صرنا نقرأ الكتب عن "التناص" بين جلجامش العظيم بطل الملحمة العراقية الشهيرة، التي هي أول نص ملحمي مكتوب في تاريخ البشرية، وبين يوسف التوراتي!! أو بين الإله البابلي مردوخ خالق الأكوان حسب أسطورة الخليقة المعروفة ويوسف التوراتي أيضاً.ولأنني مؤمن – بحدود طبعاً - بـ "نظرية المؤامرة – conspiracy theory" التي تُطبّق على أرض الواقع كلّ يوم، ونلمس نتائجها المؤذية ضد هذه الأمّة في كل لحظة وعلى المستويات كافّة، خصوصاً الثقافية منها، التي تمسّ عقل الأمة وشخصيتها، فإنني أعتقد أن اتساع هذه الظاهرة، وبهذه الدرجة من التصاعد، سوف يتأجّج مع إصرار الكيان الصهيوني على إعلان دولته في "إسرائيل" اللقيطة كدولة ذات هويّة دينية يهودية. فتأسيس حركة "التناص" بين الفكر التوراتي الذي يستند إليه هذا الكيان، وفكر المنطقة – الشرق الأوسط تحديدا بدوله العربية الأساسية الثلاث: العراق ومصر وسورية التي تمتلك أعظم كنوز هذه المنطقة الأسطورية، وببعدها الديني المميّز، ودورها في بناء شخصيّة الأمّ’ الحضارية - يهيّْء الأرضية الثقافية، ثم الإستعداد العقلي والنفسي لاستقبال وجود هذه الدولة االيهوديّة بفكرها التوراتي.ولهذا أعتقد أنّه قد آن الأوان لأن يتصدّى الباحثون العراقيون والعرب – وبصورة علمية وموضوعية محكمة – للردّ على هذه الظاهرة المؤذية التي صار باحثون معروفون يسقطون في شباكها، بفعل الإنسياق مع عدواها النفسية وصخبها الفكري أولاً، والسعي النرجسي لتحقيق "الإكتشافات" الجديدة في إطارها ثانياً، والإنبهار – رابعاً - بطروحات الحداثة ومصطلحاتها مثل التناص والإزاحة والقلب والزحف والمهيمنات وارتحال المفاهيم، والإخصاء والسلطة القضيبية البطرياركية والسلطة المترياركية وتراجيديا الألوهة الشابة القتيلة وغيرها من المفاهيم والمصطلحات التي صارت توظّف في غير مواضعها حتى وصل بنا الحال أن نقرأ أن النبي يعقوب التوراتي "متناص" مع البطل الأسطوري العراقي العظيم "أنكيدو". ولا ننسى – خامساً – دور بعض دور النشر في تشجيع هذا الإتجاه من خلال تيسير سبل النشر والمكافآت المغرية للكتب التي تؤلّف في هذا الإطار.ومن المتوقّع أن لا يقتصر جهد التصدّي هذا على كشف زيف التناص ولعبة التأثّر والإنزياحات المزعومة هذه حسب، بل يمتد إلى فضح عمليّة السطو المنظمة والمتعمّدة على تراث المنطقة الأسطوري في بناء التوراة الكهنوتية (لا التوراة السماويّة طبعاً)، وتبيين هشاشة هذا الكتاب وزيفه ومغالطاته الشنيعة، بل سخف بعض شخصياته وسلوكياتهم المحارمية اللاأخلاقية المُنحطة.ومن المؤكّد أنّ أغلب السادة القرّاء، سوف يُصدمون، أو يجدون أن من الغريب أنني قلتُ إنّني أبحث التوراة الكهنوتية وليس التوراة السماويّة، فقد استطاعت الدوائر الدينية اليهودية المسخّرة لتحقيق مشروعها الصهيوني في أرض الميعاد التغطية على هذه الحقيقة الصادمة والخطيرة التي تهزّ أساس مشروعها الإستعماري الإستيطاني من خلال الإطاحة بالأساس الديني لهذا المشروع المُمثّل بكتاب التوراة. لقد أفلحتْ في جعل هذه الحقيقة محصورة بين نخبة النخبة من الباحثين إذا جاز التعبير. كما حقّقت نجاحاً هائلاً في جعل التوراة – ولقرون طويلة امتدت حتى منتصف القرن التاسع عشر – أساساً للبحوث في مجال التاريخ والأنثروبولوجيا والميثولوجيا والجغرافيا والكون وعلوم الحياة وغيرها إلى أن ثبت علميّاً في منتصف القرن العشرين، وبشكل لا يقبل اللبس، أن هذا الكتاب – الذي هو ليس لموسى كليم الله – هو مجموعة من الخرافات والتناقضات والمعلومات الملفّقة، وكذلك الأساطير التي سطا عليها كتّابه من تراث شعوب المنطقة. ومع ذلك ظل الحديث عن التوراة غائماً وبعيداً عن الحقيقة، وكأنه كتاب ديني محدّد يصلح لإشادة دولة يهودية عصريّة في هذا العالم الغربي المنافق الذي يزعم السعي نحو العقلانية والديمقراطية. يكفيني الآن طرح هذه الحقيقة الصادمة التي سأكتفي بها هنا على أن أعود إلى هذه الموضوعة في متن الكتاب لاحقاً:لدينا في الواقع ثلاث كتب توراتية في الوقت الحاضر - هل تعرف بذلك عزيزي القارىء؟ - وهي:
1-الترجمة اليونانية (السبعينية) المعترف بها عند الكاثوليك والأرثوذكس،
2- والعبرانية المعتبرة عند اليهود والبروتستانت،
3- والسامرية المعتبرة عند طائفة السامريين من اليهود فقط.وطبقاً للموسوعة البريطانية، فإن النص السامري يختلف عن النص اليوناني (في الأسفار الخمسة) بما يزيد على أربعة آلاف اختلاف، ويختلف عن النص العبري القياسي بما يربو على ستة آلاف اختلاف) (1).وهل تعلم، عزيزي القارىء، أن هذا الكتاب مُتخم بالعلاقات المحرّمة والسفاحية بين الأب وبناته، والأخ وأخته، والإبن وأمّه، كما سنعرض جانباً من ذلك في مسار هذا الكتاب؟وهل تعلم أن الله – يهوه في هذا الكتاب - يخوض نزالاً في المصارعة ضد أحد عباده وينهزم أمام عبده هذا، فقد تصارع "الله" مع يعقوب حتى مطلع الفجر، ولم يستطع الإنتصار عليه بالرغم من أن يعقوب قد أصيب بخلع في الورك من مصارعه الخصم / إلهه الذي أخذ يستعطفه كي يطلق سراحه، ولكن يعقوب يرفض (2):(وبقي يعقوب وحده فصارعه رجل إلى مطلع الفجر # ورأى أنه لا يقدر عليه فلمس حُقّ وركه فانخلع حُقّ ورك يعقوب في مصارعته له # وقال أطلقني لأنّه قد طلع الفجر. فقال لا أطلقك أو تباركني # فقال له ما اسمك، قال يعقوب # قال لا يكون اسمك يعقوب فيما بعد بل إسرائيل لأنّك إذ رَؤُستَ عند الله فعلى الناس أيضاً تَستَظهِر # وسأله يعقوب وقال عرّفني اسمك. فقال لمَ سؤالك عن اسمي وباركه هناك # وسمّى يعقوب الموضع فَنُوئيل قائلاً إنّي رأيتُ الله وجهاً إلى وجه ونجتْ نفسي # وأشرقتْ له الشمس عند عبوره فنوئيل وهو يظلع من وركه # ولذلك لا يأكل بنو إسرائيل عرق النسا الذي مع حقّ الورك إلى هذا اليوم لأنّه لمس حُقّ ورك يعقوب على عرق النسا – سفر التكوين الإصحاح 32: 24 – 32).كتاب السخافات والشعوذات هذا (وأؤكد ليس كتاب الله المنزل على موسى)، هو الذي يؤمن به المحافظون الجدد الديمقراطيون المتنورون بدءاً من الدكتورة كونداليزا رايس، في الولايات المتحدة ؛ الخنازير الكلاب الذين شنّوا حرب تدمير العراق - مصدر الحضارة البشرية في عصورها الذهبية - ودمّروا وأحرقوا تراثه الأسطوري.وهذا الكتاب التوراتي المتعصّب المتخلّف المُشعوذ، هو الذي سيكون مصدر دستور الدولة الصهيونية اللقيطة في المنطقة التي يتشدّق الغرب بديمقراطيتها وتقدّمها الحضاري ويوفّر لها كل أسباب الدعم، والتي – أيضاً – يلهث بعض الباحثين العرب لتلميع صورتها الفكرية وخلق أرضيّة قبولها العقلية والنفسية، من خلال خلق "تناصات" مزعومة بين إله البدو المتجهّم الحقود هذا، وآلهة أساطير أكثر دولتين تحضّراً في الشرق الأدنى القديم وهما العراق ومصر.
قد يكون كتابنا هذا هو الردّ الجاد الواسع والشامل الأوّل على أطروحات هذه الظاهرة، وضعناه بعناء وسهر وملاحقة تفصيلية لأدق الأفكار والفرضيات المطروحة، وغوص تحليلي في عمق المرتكزات التي تقوم عليها هذه الظاهرة، متوخّين بساطة الأسلوب وبعده عن المصطلحات المعقّدة واللغة المتعالية لتحقيق أفضل فهم لدى أوسع قاعدة من القرّاء، ومنطلقين من الإيمان بحقيقة أنّ التردّد أو التأخّر في مواجهة هذه الظاهرة، سيجعلها تستشري، وتستفحل، وتسوق بفعل تيارها المغري باحثين آخرين من الشباب العرب خصوصا، لنصحو يوماً، ونجد أن جلجامش العظيم قد تمّ تسليمه لليهود وفكرهم التوراتي الكهنوتي.وأودّ هنا أن أعبّر عن شكري لكلّ من ساعدني في إنجاز هذا المشروع، وفي المقدّمة منهم زوجتي الحبيبة التي تحمّلت الكثير من العناء خلال تأليف هذا الكتاب وكتبي الأخرى الكثيرة، وابنتي العزيزة "همسه" التي قامت بمراجعة المخطوطة أكثر من مرّة وتصحيح أخطائها الطباعية.
والله من وراء القصدهوامش المقدّمة:(1)هل العهد القديم كلمة الله؟ - د. منقذ بن محمود السقار – دار الإسلام للنشر والتوزيع – الطبعة الأولى – 2007.(2)مذاهب فلسفية - محمد جواد مغنية – دار مكتبة الهلال – بيروت – بلا تاريخ.المحتـــــوى# الإهداء
# المقدّمة
# الفصل الأول: التناص المُدمّر(كتاب "الأصول الأسطورية في قصّة يوسف التوراتي" للباحث ناجح المعموري أنموذجاً، الكاتب العراقي لا يهتم بمراجعة كتبه قبل طبعها، الباحث د. متعب مناف يقع في المصيدة، د. متعب يقع في خطأ ستراتيجي فادح، ما أهمية هذه الملاحظة؟ وما هي مصادر الحكاية؟، سليمان مظهر يورّط ناجح المعموري و د.متعب مناف: مثال 1و2و3، تشابهات مُفتعلة بين باتا وأنكيدو وآدم، لعنة التناص!، أنبو الطيّب لا يشبه الإله الشرير "ست" يا ناجح، بين باتا وأوزوريس، المصريون القدماء لم يكونوا "يخصون" أنفسهم في أعياد أوزوريس!، "سيبيل" ليست ذكراً بل أنثى!، ظاهرة "الحشو" ليست من خصائص البحث العلمي، من جديد: لا شبه بين أنبو والإله "ست"، القول بوادي الصنوبر ينقل الحكاية إلى سورية، المصريات الريفيات يرفعن أذيال ثيابهن، هذا أخطر المواقف في الأسطورة، كارثة تأويلية، رأي متناقض: الألوهة الشابة تخدم السلطة البطرياركية ضد الإلهة الأم!، عودة وتساؤلات خطيرة، الإنتقائية في التفسير، ملاحظة مهمة: هذا الرأي ليس لناجح، طريقة غريبة في الإقتباس، واقتباسات غير مناسبة من روبرتسون سمث، عودة إلى زوجة باتا، ناجح ينقل رأياً لا يتفق مع آرائه!، التناص الحيّ ؛ تحليل مشابه لتحليل شكري عياد عند "برونو بتلهايم"، من أين يأتي ناجح بهذه المعلومات؟، حول تاريخية حكاية الأخوين وأهميّتها في فهمها، هل هذا معقول يا ناجح: حكاية باتا (1300 ق.م) قبل أسطورة تمّوز (3000 ف.م)؟، هل باتا إله للخصب؟، التسرّع في إصدار الأحكام: كيف تكون فتاة شريرة مساوية للإلهة "إيزيس" الطيّبة؟، باتا الذكر يتحوّل إلى رمز أنثوي!، ما أهمّية منصب "نائب الملك على كوش"؟، من مخاطر المنهج الواحد الجامد، تأويلات وتحليلات مُضافة ينبغي أن تؤخذ بعين الإعتبار، والآن - يا ناجح - هل هذه المرأة أنموذج للإلهة الأم؟، مقاربات تلفيقية!، استسهال استخدام اللغة والمصطلحات طامّة كبرى، آراء أُخر غريبة ومتناقضة، هل كان الأخ الأكبر ممثلا للسلطة الذكورية العنيفة؟، افتراض غريب آخر، الشجرة الأم رمزاً قضيبيّاً!، خطأ في فهم السحر التشاكلي والإتصالي، استيلاء على آراء الباحث الفرنسي "جورج رو"، الثور رمز لقوّة الإله الشاب وليس لتجدّده وانبعاثه، الإله تموز ثور أم أنثوي ناعم؟، إختلافات بين حكاية الأخوين وقصة يوسف من تشابهات ناجح، يا إلهي كيف يشتغل باحث على الأسطورة وهو لا يعرف تعريف "الإنبعاث"، عودة إلى آراء د. متعب مناف، تأويلات أسطورية عجيبة أخر: إقحام "التناص" الأسطوري القسري حتى في النقد الفنّي، ارتباطاً بحكاية يهوذا وثامار: (1)ما هي الفائدة من قصة سفاح في كتاب مقدّس؟، (2)ضدّ العلم والمنطق: أغرب عملية ولادة في التاريخ، التوراة كتاب زنى المحارم والمسافحة بامتياز، هوامش الفصل الأول).# الفصل الثاني: ليلة تسليم جلجامش لليهود:(مغالطات من صفحة المقدّمة: الاتناص المزعوم، ظاهرة خطيرة في الثقافة العربية: بدون هذا التناص لا محل للدولة اليهودية في الوطن العربي، الصحيح هو "اللاتناص" بين جلجامش ويوسف التوراتي وهذه هي الأدلة، سياسة خلع المقبوسات من سياقها، ظاهرة اللعب بالألفاظ والمصطلحات الحداثوية، يوسف اليهودي لا يشبه جلجامش العراقي، ويعقوب لا يشبه أنكيدو العظيم، محاولة جائرة لتسليم جلجامش العظيم لليهود، تلفيق فاضح حول المكان، تلفيق آخر عن الزواج المقدّس، ناجح لا يعرف أن اليهودية لا يوجد فيها سياق حول الحياة وانبعاثها!!، ما هو المعنى الحقيقي لوصف فوطيفار بالخصي؟، من أخطاء التوراة حول بيع يوسف، بين دروس ملحمة جلجامش الكونيّة وعِبَر قصّة يوسف الحياتية، محنة يوسف الإدخار الإجباري على مستوى الدولة، محنة جلجامش هي الخلود العصي، يوسف ليس إلهاً للخصب وعبقريته اقتصادية، أما ملحمة جلجامش فهي درّة تاج الأساطير في العالم، تناص مفبرك بين زليخة والإلهة العظيمة عشتار!!، ما هي علاقة نوح بحلم فرعون؟!، جلجامش الهائم في البراري "يتناص" مع يوسف الذي يخرج من السجن حليقاً مُرتباً ونظيفا، تناص مُفبرك بين نوح التوراتي و أوتو – نبشتم العراقي، لا تناص بين حلم جلجامش وحلم يوسف، هل حضارة وادي "الرافدين" حضارة آبار؟!!!! تناص مفبرك جديد، تفنيد الخديعة الكبرى: كيف مسخت الثقافة اليهودية أساطير العراق ومصر؟، ما هو السبيل الصحيح لوصف ما في التوراة؟ سطو وسرقة وتلطيش؟، ظاهرة التناص المُرعب آخذة في االإتساع: أنموذجان من مصر، ما هي المسؤوليات الملقاة على عاتقنا؟، ناجح و.. "التوراة والنقد الجديد"، بين "التناص"... و"التلاص"، الخلط الشنيع بين الأسطوري والديني التاريخي، هوامش الفصل الثاني).# الملحق رقم (1):تناص آخر يعيد أسطورة "شعب الله المُختار" إلى الحضارة السومرية!! (أسطورة إله الدمار "إيرّا"):
(وقفة عند صراع الحضارة والبداوة على أرض الرافدين: "البدوي هو الذي لا يُدفن بعد موته"، ما المقصود بضجيج سكّان بلاد الرافدين؟: الآلهة سبّبت الطوفان لمحق سكان بلاد الرافدين بسبب "ضجيجهم"، سمة "الضجيج / الجدل" في الشخصية العراقية: أغرب طوفان في التأريخ: الألهة تمحق العراقيين بسبب ضجيجهم!!: يتناقشون والإله يريد ينام!، هوامش الملحق رقم (1)).
# الملحق رقم (2):حول قميص يوسف# ملحق رقم (3):هل هذه التوراة هي توراة موسى؟مع عيّنة من أخطاء وتحريفات وتناقضات التوراة!
ديوان العرب
رد: نعم ليلة تسليم جلجامش لليهود ياغير مسجل
ليلة تسليم جلجامش لليهود (١١)
الاثنين ٢٦ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٦، بقلم حسين سرمك حسن
ملاحظة مهمة: هذا الرأي ليس لناجح:
كنتُ أعتقد أنّ هذا الرأي الفلسفي الموفّق هو من استنتاجات الأستاذ ناجح المعموري لكن ظهر لي أنه ليس له، بل للدكتور شكري محمد عياد أيضا من كتابه (البطل في الأدب والأساطير)، وقد نقله ناجح ولم يضعه بين أقواس. وما جعلني أعود لأفتش عن أصله بجهد وعناء كبيرين، هو إحساسي أن هذا المقبوس شبه مقطوع عن السياق في الوقفة التي كان فيها ناجح في هذا القسم الذي حمل عنوان "رسالة البقرة لانقاذ بايتي"، وأنّ من المفروض أن يكون موقع هذا الإقتباس في موضع آخر. كما أنني تنبّهتُ إلى أن ناجح يستخدم مفردة "قمين" لأول مرّة في كتاباته إن لم أكن مخطئاً، في حين يستخدمها شكري عياد بكثرة في مؤلفاته.
وأجد لزاما عليّ أن أنقل للسادة القرّاء النص الكامل للإقتباس الذي "نقله" ناجح عن د. شكري عياد دون ذكر اسم الأخير، وأن أؤكّد على أن د. شكري عياد كان يعالج موضوعة التراجيديا اليونانية في القسم المعنون "الشكل الخارجي والحياة الداخلية"، وهو القسم الأول من الفصل الثالث وعنوانه "تناقض الذات والموضوع" من كتابه "البطل في الأدب والأساطير":
(وهكذا بقى الشكل القديم: الحياة التي تنبعث من الموت، البطل الذي يموت ليبعث في عالم أرحب، المجتمع الذي يتخلص من بطله النائي ليجدد حياته بروح فتيّة، روح الخير التي تُموت أو تُدفن لتظل حيّة وتؤتى ثمارها الطيبة. ولكن في داخل هذا الشكل المستقر المحافظ كان المضمون يثور ويتجدّد: فحين شعر الإنسان بفرديته أصبحت تضحية الفرد فاجعة، وشحب المعنى الإجتماعي الكوني لهذه التضحية وهو تجديد حياة الجماعة وحياة الطبيعة. وبعد أن اكتشف الإنسان فكرة الخير والشر لم يسترح من القلق، ولم يقبل أن يكون نصيب الملك الخيّر – إله الزرع ومعلّم المدنية – هو القتل والتمزيق، فحكم بها على عدوه. ثم اشتبه عليه الخير والشر نفسهما. فالحكم بالخير والشر – كما أسلفنا – ثمرة من ثمار العقل الفردي الذي لم يعد ذاتياً في الجماعة، وهذا هو الفرق بين الأعمال التي يُقبل عليها الإنسان نتيجة لحكم خُلُقي باستحسانها وبين الأعمال التي يُقبل عليها لأنها طقوس أوشعائر. ولكن الأحكام بالخير والشر يجب أن تُجسد سريعا إلى معايير اجتماعية، لتكتسب صفة الثبات، ويستطيع الفرد ممارستها وهو مطمئن إلى نتائجها، وبهذا تقترب من طبيعة الطقوس أو الشعائر التي لا يسأل الإنسان نفسه عن أسبابها. أما إذا مضى الإنسان في تحكيم عقله الفردي في الخير والشر فإنه قمين أن يقع في التناقض، لأن الأشياء لا تبدو له دائما في صورة واحدة. من ثم فقد يحكم بخيرية فعل ما، ويقدم على فعله على هذا الاساس ؛ ثم يتبيّن – بعد فوات الأوان – أنّه شرّ. ولأن مضمون التراجيديا كان مضمونا ذاتيا، ثائرا، فقد عبر عن اهتزاز فكرة الخير والشر، فأصبح في الملك الخيّر بعض الشر، واصبح في الملك الشرير كثير من الخير. ويوشك أن يكون الإنسان قد وجد نفسه في ذلك الملك الشرير أكثر مما وجدها في الملك الخيّر - ص 140 و141) (81).
ولاحظ كيف أن ما يقوله شكري يأتي متسّقا مع السياق الذي يحلّل فيه تحوّلات التراجيديا اليونانية، في حين أن نقل ناجح لهذا المقطع جاء وكأنه "ملصوق" لصقا بالسياق السردي ولا صلة له به. ولو أكمل ناجح المقطع المقتبس كاملا لوجد أن ما "نقله" عن شكري عياد لا ينطبق على تحوّلات باتا التي جرت كنقلة من سلوك خيّر إلى سلوك خيّر آخر، بل ينطبق بصورة أدق على التحولات التي انتابت المرأة (زوجة باتا) بعد انقلابها على زوجها المُحب وتحوّلها من مخلوقة إلهيّة خيّرة إلى كائن يقترف الممارسات الشريرة المروّعة بحقّ أقرب الناس إليها.
طريقة غريبة في الإقتباس:
وهذه الإشكالية المتعلّقة بـ "نقل" هذا المقطع تحيلني إلى مسألة أخرى مهمّة، وهي طريقة ناجح الغريبة في الإقتباس من الكتّاب الآخرين. فقد اعتدنا على أن يكون الإقتباس في البحوث العلمية والأدبية على حد سواء هو أن يوضع المقبوس بين قوسين يحدّدان بداية الإقتباس ونهايته، ثم يوضع رقم في نهاية المقبوس يشير إلى رقم الهامش الذي سوف يشير فيه الكاتب إلى اسم المصدر الذي اقتبس منه. ولكن طريقة ناجح غريبة فهو يذكر عدة كلمات من الإقتباس بدون قوس يؤشّر البداية، ثم يضع علامة نجمة صغيرة يشير بها إلى اسم المؤلف والمصدر في الهامش، ثم ينطلق في السرد فلا تعرف أين ينتهي الإقتباس، وما هو القول الذي لناجح والذي لغيره، إلى أن تأتي نجمة صغيرة جديدة تؤشر لاقتباس جديد.. وهكذا. فمثلاً هذا الإقتباس الذي تحدّثتُ عنه، كان متصلاً باقتباس آخر من كتاب "ألف ليلة وليلة وسحر السردية العربية) للباحث داود سلمان الشويلي، ولكنك لا تعلم اين ينتهي رأي الشويلي، ولا أين يبدأ رأي ناجح، ولا أين ينتهي هذا ليبدأ رأي شكري عياد!
واقتباسات غير مناسبة من روبرتسون سمث:
وليست طريقة تأشير بداية ونهاية الإقتباس وحدها هي الخاطئة والمُربكة لدى ناجح، ولكن اختيار المقبوس المناسب ووضعه في سياقه الملائم لتعزيز آرائه خاطئة ومُربكة ايضاً. وساضرب هنا مثالين آخرين على ذلك من خلال مراجعة مقبوسين أخذهما عن الباحث الإسكتلندي روبرتسون سمث من كتابه الشهير "ديانة الساميين":
أولاً: يتحدّث ناجح عن العُري كعلامة من علامات الألوهة الشابة المُذكرة وكهنتها وخدمها، طبعاً لا علاقة لهذا الموضوع بـ "باتا" لأنّ الأخير فلّاح مصري وكان يرتدي ملابسه دائماً، ولكن ناجح يجب أن يذكر كلّ شيء عن الإله القتيل ما دام قد اقتنع بأن باتا يمثل نموذجاً للآلهة القتيلة:
(وعلى الرغم من ان حكاية الاخوين لم تشر لعري "بايتي" لكننا نجد في الطقوس المماثلة وجود العري، علامة من علامات الالوهة الشابة المذكرة وكهنتها وخدمها، ولذا كان المخصي يطوف عاريا لخظة قيامه بالطقس الديني لانه لا يجوز الابقاء على ثوب المخصي بل يجب استبداله، ويكون الثوب النسوي تعويضاً له، بعدما تغيرت عناصر الرجل الذكورية، ويبدو بان ذلك له علاقة مباشرة بالقداسة والدناسة. ولم (من هنا يبدأ إقتباس ناجح من روبرتسون سمث) يكن للعبد او لغيره من غير المقدسين* أن يدخل موضعا مقدسا دون ان تخلع عنه ثيابه لان الثياب باكتسابها القدسية بمجرد دخولها نطاق الموضع المقدس لن يكون لها اي نفع من بعد في حياته العادية. وفي حالة الثوب الذي كان ملطخا بدم تقدمة الخطيئة نجد ان الحرمات الناتجة عن الاتصال بالاشياء المقدسة يمكن ازالتها بالغسل كنظيرتها الناجمة عن الاتصال بالنجاسة – ص 90).
لنعد إلى النص الأصلي لروبرتسون سمث لنعرف ضمن أي سياق جاء، وهل هو موافق لحديث ناجح وسياقه. يقول روبؤتسون سمث:
(وفي مكّة في عصر الوثنية كان البدو يطوفون حول الكعبة إما عراة أو في ثياب مستعارة من أحد الحُمس، أي الجماعة الدينية بالمدينة المقدسة (...) وتُفسّر العادة المكّية بأنهم ما كانوا ليقيموا الطقس الديني وهم في ثياب ملطّخة بالخطيئة، إلّأ أن السبب الحقيقي مختلف تماما (ولاحظ كيف سيبدأ اختلاف التحليل من هنا – الباحث). فيبدو أن البعض كان يطوف بثيابه العادية أحيانا، ولكن في هذه الحالة لم يكن يستطيع أن يلبسها أو يبيعها مرة أخرى. بل كان عليه أن يتركها على بوابة الحرم. وقد اصبحت "حريما" (كما يدل البيت الذي يورده ابن هشام) بدخولها للمكان المقدّس. ولو بقي هناك أي شك في صخة هذا التفسير فهو يزول بالاستشهاد بفقرة وردت بكتاب "المناطق الجنوبية في نيوزلنده" لشورتلاند، وقد قدمها لي الاستاذ فريزر. يقول شورتلاند: (وهنا سوف يبدأ اقتباس ناجح أي من سياق مُرتبط بنيوزلنده !) "
(لم يكن للعبد أو لغيره من غير القديسين أن يدخل موضعا مقدسا دون أن يخلع عنه ثيابه، لأن الثياب باكتسابها للقدسية بمجرد دخولها نطاق الموضع المقدّس لن يكون لها اي نفع بالنسبة له من بعد في خياته العمليّة)
وفي حالة الثوب إن كان ملطخا بدم تقدمة الخطيئة نجد أن الحرمات الناجمة عن الاتصال بالأشياء المقدّسة يمكن إزالتها بالغسل كنظيرتها الناجمة عن الاتصال بالنجاسة. وبنفس الصورة نجد إن الإتصال بكتاب مقدّس أو تميمة عند اليهود "كان ينجس اليدين" ويقتضي الغسل، وكان كبير الكهنة في يوم الغفران يغتسل بالماء ليس قبل ارتداء الثياب المقدّسة وحسب، بل حين يخلعها أيضا. ويؤخذ مثل هذا الغسل عند الشعوب البدائية على أنه يُقصد به الإزالة المادية الحرفية لمبدأ الحرمة المُعدي، وكل تأويلاته الرمزية لم تكن إلا محاولة بُذلت في المراحل المتأخرة من تطور الدين لتبرير التمسك بالطقوس القديمة – ص 498 و499).
من خلال القراءة السريعة قد يقول أحد السادة القرّاء: وأين الفرق بين ما يقصده ناجح وما يقصده روبرتسون سمث؟
لكن القراءة الذكية الجدلية الخلاقة التي تغوص في أعماق النص وتضع الأشياء ضمن سياقاتها وداخل صورتها الكلية تقول خلاف ذلك. إن ما يقوله سمث هو جزء من نظريته لتفسير موضوعة "الحرمة" التي – أي النظرية - ترى استحالة فصل عقيدة القدسية عن النجاسة عند الساميين بسبب نسق "الحرمة" هذا الذي يراه متساويا في القداسة مع النجاسة. وعليه فإن العبد الذي يدخل الموضع المقدّس "مكّة مثلا حسب قول سمث" تصبح ملابسه مقدّسة ومحرّمة ولن يستطيع استخدامها في خياته اليومية اللاحقة، لا يلبسها ولا يبيعها، ولهذا فهو إمّا أن يدخل عارياً ويترك ثيابه عند الباب، أو يستعير ثياباً من المجموعة المقدّسة التي تشرف على الموضع. وهو – أي سمث – يرى أنّ الإزالة المادّية الحرفية (تشبه كشط النجاسة عن الجسد) لمبدأ الحرمة المُعدي هي السبب في خلع الثياب، وأن أي تأويل رمزي هو محاولة متأخرة لتبرير التمسك بالطقوس الدينية. أي أنّ هذا الخلع للملابس وغسلها من آثار الخطيئة (خطيئة بفعل مقدس أو نجس) هو حالة يومية "هادئة" وطقسية لا يمكن أن تكون ضمن طقوس شخص مبتور القضيب ويركض نازفاً، فيمكن منح هذا الشخص ملابس ذكورية جديدة مثلا، ولكنه يُمنح ملابس أنثوية لإستكمال الطقس حسب الهوية الأنثوية الجديدة ليصبح من "بغايا" المعبد إذا جاز التعبير. وحتى الثوب المُلطّخ بالدم – مثل دم التقدمات الحيوانية وهي مقدّسة أو دم الإخصاء – يمكن غسله وإعادة استعماله. ويمكن لأي شخص أن يدخل بملابسه العادية النجسة على أن تُصبح محرّمة عليه بعد أداء الطقس.
ثانياً: يتحدّث ناجح عن الإخصاء، وكيف يمكن اعتباره بديلا جزئياً للتضحية الآدمية، فيقول:
(ويمكن اعتبار الاخصاء "قطع الذكورة" بديلا جزئيا لطقس التضحية الادمية،، والاكتفاء بالجزء تعويضا عن الجسد الكلي الذي كانت الاقوام السامية تقدمه الى الالهة. ومن (ومن هنا سيبدأ اقتباس ناجح من روبرتسون سمث) منظور مجرد* يبدو ان العرب لما كانوا يقبلون بالاستعاضة عن الانسان بحمل (الصحيح بجمل أي بعير ولاحظ كم تغيّر النقطة الواحدة المعاني في اللغة العربية) وتطور مبدأ الاستعاضة واحلت الشعوب ما يماثل بنيتها الفكرية والدينية. – ص 93).
ولنعد – كعادتنا – إلى النص الأصلي الذي خُلع المقبوس من سياقه. يقول روبرتسون سمث:
(ومن منظور مجرّد يبدو أن العرب لما كانوا يعترفون بالاستعاضة بالغريب عن ابن القبيلة ربّما كانوا يقبلون الاستعاضة عن الانسان بجمل. وكانت عملية الاستعاضة بتقدمة سهلة المنال عن الفدوّ الأكثر كلفة الذي يتطلبه الطقس التقليدي تطبّق على نطاق واسع في العالم القديم، وهي تندرج ضمن النسق العام للإيهام الذي كانت الشعوب الأولى تتغلب به على صعوبة التنفيذ الدقيق للأحكام المتوارثة في ظل خضوعها التام لحكم السوابق. فإذا كان أحد الطقوس الرومانية يتطلب ذبح أيل وكان الحصول على الأيل صعباً، كان يُستعاض عنه بشاة مع التظاهر بانها أيل، وهو ما يُعدّ احتيالا بلا شك، لكنه احتيال كانت الآلهة تتغاضى عنه تأدّباً حتى لا يخفق الطقس كلّه. – ص 397).
أوّلا أعتقد أن ناجح قد اقتبس هذا المقطع من مقتبس آخر لأن جملة (وتطور مبدأ الاستعاضة... والدينية) غير موجودة في المقبوس الأصلي.
وثانياً فإن سمث يتحدّث عن الإستعاضة (أي أن نستعيض عن شيء بشيء آخر، أي أن نجعل في مكانه شيئاً آخر) أي أن البشر البدائيين – كما يقول سمث – كان عليهم التضحية بإنسان من أجل الآلهة فيلتفون على الأمر ويستعيضون عن هذا الإنسان بحيوان، أو يستعيضون عن حيوان ثمين أو نادر بحيوان آخر أرخص أو شائع. والعرب – كما يقول سمث – كانوا يستعيضون بالجمل بديلا عن الإنسان.. فهل الجمل "جزء" من كل يا ناجح؟
رد: نعم ليلة تسليم جلجامش لليهود ياغير مسجل
الكتاب:
http://omferas.com/vb/t58559/#post225099
شكرا لهذا الجهد المبذول والمشكور.
رد: نعم ليلة تسليم جلجامش لليهود ياغير مسجل
ليلة تسليم جلجامش لليهود (١٢)
عودة إلى زوجة باتا:
لقد «اختارت» هذه المرأة؛ زوجة باتا، وكذات فريدة، أن تفعل الشر – طبعا هي «تراه» خيراً، وهنا نتحوّل إلى الفلسفة المدوّخة – مثلما «اختارت» المرأة؛ زوجة الأخ الأكبر، قبلها، أن تزني بمحارمها. وهي قرارات ليست بسيطة أبداً. لقد اختارت كلٌّ منهما طريقا أوصلهما إلى الخراب – وأقول الخراب لا الموت لأن نهاية زوجة أنبو واضحة وصريحة في الحكاية حيث قتلها ورمى جثتها للكلاب، أمّا نهاية زوجة باتا، فغير واضحة لأسباب سوف نناقشها في حينه - وكانتا مصرّتين بعزم على طريقيهما، و«مسؤولتين» عن أفعالهما. والحالة بالنسبة لزوجة باتا أشد ثراء بالمعاني. فقد خلقتها الآلهة وفيها (من جوهر كلّ إله) كما يقول النص الأصلي للأسطورة، وهذا يعني أّنّها مجبولة من روح آلهة التاسوعاء الخيّرة كلّها مع حيّز ضئيل جدّا للشر(رع الشمس، شو الهواء، تعنوت الرطوبة، جب الارض، نوت السماء، اوزوريس الخضرة والنهار، إيزيس الفجر، نفتيس الشفق، وأخيرا ست الصحراء والفوضى والشر). فهل كان وجود "جوهر" الأخير الذي هو جوهر شر في المرأة التي كان فيها من جوهر كل إله خيّر، هو العامل الكامن الذي فجّر نوازع الشر والعدوان في ذاتها؟ هذا التفجّر الذي ساعدت عليه البيئة الفرعونية الجديدة المستبدة والفاسدة؟ هل هذا الإخراج الأسطوري هو تعبير عن موقف فلسفي من الحياة يعكس تصارع دوافع الخير والشر في داخلنا، ودور إرادتنا معزّزة بالعوامل الخارجية في اختيار أيّ منهما؟ من المؤكد أن هذا واحد من دروس الأسطورة، فالأسطورة نتاج للاشعور وفي العادة تضرب حصاة اللاشعور عدة عصافير في وقت واحد.
ناجح ينقل رأياً لا يتفق مع آرائه!:
والغريب أن ناجح يعود لينقل لنا الرأي الدقيق لشكري محمد عياد على الصفحة 106 من كتابه، ولكن بطريقة لا تتفق مع تحليلاته هو (أي ناجح)، بل تتفّق مع تحليلات شكري عياد التي لا يقرّها ناجح. ولنقرأ - أولا - ما ذكره شكري من وجهة نظر هي أصلا وقفة في مسار تحليل التراجيديا اليونانية بصورة رئيسية. يقول شكري عياد:
(وكان البطل هو نموذج الإنسان الذي يخرج من عالمه الصغير – عالم الأم – إلى عالم القبيلة الممتد في الماضي والمستقبل، المرتبط بقوى كونية أكبر من القبيلة وأوسع في معنى الإنسانية نفسه. ثم حين وُجد نظام الملكية المقدسة كان البطل هو نموذج الإنسان الذي لا فضل له في نفسه ولكن كل فضله هو اتصاله الأوثق بهذه القوى الكونية التي تحدّد حياته وموته. ولم يستطع الإنسان قط أن يخرج من هذا النطاق الذي فرضه عليه وجوده نفسه، ككائن يعيش في جماعة ويخضع لظروف مادية خارجة عن إرادته، ولكنه استطاع فقط – حين شعر بفرديّته – أن يعيش في صراع دائم مع هذا النطاق الاجتماعي والكوني، ومن خلال هذا الصراع استطاع أن يحقّق كل مبتكراته، بل استطاع أن يعدّل في هذا النطاق نفسه، وإن لم يستطع أن يحطمه تحطيما تاماً - ص 140) (82).
ولنقدّم الآن ما اقتبسه ناجح والتغيير "البسيط" الذي أحدثه فيه متوهّماً أنه بهذا سوف يجعل سياق تحليله لسلوك باتا متماسكا مع باقي أطروحاته، وإذا به يقع في مصيدة ارتباك كبير ومشوّش يُربك استنتاجاته ويطيح بفرضيّاته. يقول ناجح ناقلا كلام شكري عياد السابق:
(وكان البطل – بايتي – نموذجا للانسان الذي يخرج في عالمه الصغير الى عالم القبيلة الممتد - ص 106) (83).
ولاحظ أن ناجح حذف تعبير (عالم الأم) الذي هو أساسي جداً بالنسبة لتحليل شكري عياد كما سنبيّن ذلك. ولنسأل ناجح الآن بحَيْرة: أي قبيلة هذه التي خرج إليها باتا؟
ويواصل ناجح اقتباسه بنفس المفردات إلى نهاية المقطع وهي:
(ومن هذا الصراع استطاع أن يحقق كل مبتكراته... وإن لم يستطع أن يحطمه تحطيما تاماً - ص 107) (84).
حذف ناجح – كما قلت – تعبير (عالم الأم) الذي يخرج منه البطل حسب تحليل شكري عياد إلى عالم القبيلة. فماذا يقصد شكري عياد؟
لن نستطيع فهم وجهة نظر شكري عياد إلّأ إذا عدنا إلى الأسطر القليلة التي تسبق هذا المقطع، وضمن سياقها، والتي يقول فيها:
(ولعلنا نستطيع الآن أن نفهم جوهر التراجيديا اليونانية بعد أن وضعنا هذه التراجيديا في مكانها من تاريخ التطور الإنساني. فقد ظهر هذا الفن – حسبما نتصوره – في عهد نشوء الفردية، وهو نفس العهد الذي ظهرت فيه بواكير الدين والعلم والفلسفة الأخلاقية، كانت هذه كلها ثمرات لبدء شعور الإنسان الزراعي بذاته ومجتمعه وعالمه على أنها مفاهيم مستقلة، وقبل ذلك كان "الدين العتيق"لا يعني إلّا وحدة الإنسان مع جماعته وعالمه، وكان البطل هو نموذج الإنسان الذي يخرج من عالمه الصغير – عالم الأم – إلى عالم القبيلة الممتد في الماضي والمستقبل... إلخ) (ص 139) (85)
فانظر ما الذي فعله اقتطاع ناجح للنص، ليلائم وجهة نظره، من نقل تحليل شكري عن التراجيديا اليونانية إلى أسطورة وحكاية خرافية من سياق آخر غريب عنها. فبعد أن يحلل شكري تراجيديتين يونانيتين معروفتين هما "الباكحاي" ليوربيدس و"أوديب ملكا" لسوفوكل، اللتين يختلف في نموذجهما، الشكل الخارجي المُستمد من ألأسطورة الجماعية وفي حياته الداخلية التي تبعثها الثورة الإنسانية على هذا الشكل، وفي الدافع النفسي الذي يسيّر البطل في ثورته واصطدامه بالشكل الخارجي. وبعد أن يفصّل تمظهرات الشكل الخارجي (الملك المقتول)، والحياة الداخلية (الملك المقتول هو الذي يبحث عن أصل البلاء الذي حل بمملكته ويلح في ذلك وهو أصل البلاء)، والدافع النفسي (السبب الذي يوقع البطل في الصراع مع القوة الخارجية)، يوصلنا شكري إلى الإستنتاج الذي يتسق مع مسار تحليله ومصير بطله وطبيعة ماساته، ولا يتفق – أبداً - مع مسار تحليل ناجح ومصير بطله باتا:
(إن أساس الدوافع – عقدة أوديب في هذه الحالة - هو حبّ الذات، الذي ينتهي بجعلها مركزاً للكون. فالملك أوديب في اتهاماته العنيفة لتيزياس وكريون يكشف عن حبٍ لذاته ليس الإلتصاق بالأم (والزواج منها) إلّأ مظهرا حادا له. والنهاية الفاجعة لأوديب، وهي نفيه ثم موته، معناها انتصار القوى الخارجية ثم تصالح البطل معها، وهذا يقابل من الناحية النفسية، تركّز الليبيدو حوله بالذات، ثم اتجاهه إلى الكون ثم فناءه فيه - ص 144 و145) (86).
وواضح أنّ نهاية أسطورة باتا ومصيره مختلفة تماما عن نهاية التراجيديات اليونانية التي يتحدّث عنها شكري عياد كما سنرى قريبا، مثلما تختلف طبيعة المرحلتين التاريخيتين والبنيتين الإجتماعيتين اللتين أوجدتهما.
التناص الحيّ ؛ تحليل مشابه لتحليل شكري عياد عند "برونو بتلهايم":
وقد وجدتُ تحليلا لحكاية الأخوين مطابقا لتحليل شكري عياد وذلك في كتاب "التحليل النفسي للحكايات الشعبية" لبرونو بتلهايم (ترجمة طلال حرب – صادر عن دار المروج في بيروت عام 1985) (والكتاب تمّ تأليفه في عام 1976 ). يقول برونو بتلهايم:
(القصص التي تركّز على مسألة "الأخوين" تضيف إلى الحوار الداخلي بين الهو والأنا والأنا الأعلى تفرّعات أخرى: الميل إلى الإستقلال وتأكيد الذات وعكسها، الميل إلى البقاء بطمأنينة في المنزل العائلي بالقرب من الوالدين... في أغلب الحكايات التي تركز على هذه المسألة: الأخ المغامر الذي يغادر المنزل (وقد يطرده أخوه منه) هو الذي يتعرض لأخطار مميتة.. هذه الحكايات يبدو أنها تقول لنا:
إذا لم ننشر أجنحتنا كي نترك العش، لا نحطم الروابط الأوديبية التي حينئذ تدمرنا. الحكاية المصرية القديمة تنمو انطلاقا من موضوع أساسي هو الطبيعة المدمرة في الروابط الأوديبية والتنافس الأخوي أي من الحاجة إلى الانفصال عن منزل الطفولة وتأسيس حياة مستقلة. حتى ينتهي كل شيء بشكل حسن، يجب على الأخوين أن يتحررا من الغيرة (الأوديبية والأخوية) وأن يسند كل منهما الآخر... تؤكّد الحكاية بوضوح أن الشاب [= باتا] ليس لديه أفضل من مغادرة المنزل العائلي في تلك الفترة من حياته كي يحمي نفسه من المشاكل الأوديبية... بهذا الشكل، الحكاية أساسا مخصصة للتحذير: إنها تنبئنا أن علينا أن نتحرر من روابطنا الأوديبية وأن نعلم أن الطريقة المثلى لتحقيق ذلك هي أن نتدبر حياة مستقلة بعيدا عن المنزل العائلي. منافسة الأخوين هي أيضا معروضة في هذه الحكاية كمحرك قوي. ردّة فعل الأخ الأكبر الأولى هي أن يقتل أخاه بسبب الغيرة. الجزء الأفضل من طبيعته يقاوم غرائزه السفلى وينتهي به إلى التغلّب عليها - ص 126 و127) (87).
وإذا لم يكن الكاتبان يمتحان من مصدر واحد – وهذا هو الإحتمال الأكبر -، ولأن كتاب شكري عياد لم يُترجم إلى الألمانية مثلا لنقول – وهو الأسبق – أن برونو بتلهايم هو الذي اقتبس منه أو سطا عليه، فإن الأمر يكون هنا "تناصّاً" أصيلاً. وهذا هو معنى التناص العلمي الحيّ.
رد: نعم ليلة تسليم جلجامش لليهود ياغير مسجل
ليلة تسليم جلجامش لليهود (١٣)
من أين يأتي ناجح بهذه المعلومات التي لا أساس لها؟:
يقول ناجح عن باتا:
(عوضته الآلهة / وحصرا الاله حورس عن قضيبه المقدم قربانا للاله اوزوريس لان نص الحكاية يعلمنا بان الشاب "بايتي" قد نجح في اتصال ادخالي مع الزوجة التي خلقتها الآلهة وقدمتها له) (ص 76) (88).
ولا أعلم من اين أتى ناجح بهذه المعطيات التي بنى عليها مثل هذه الاستنتاجات؟!
فالآلهة التسعة - وحصراً الاله حورس - لم تعوّض باتا عن ذكورته المفقودة بذكورة جديدة، وقد قال باتا – كما رأينا - للفتاة بعظمة لسانه: "أنا مثلك امرأة".. أي أنه مازال فاقد الأعضاء التناسلية.
ولا أعلم كيف عرف ناجح أيضاً أن باتا قد ضاجع الفتاة باتصال ادخالي. فلا توجد - لا في القصة كما صاغها سليمان مظهر ولا في النص الأصلي للأسطورة - أي كلمة أو إشارة إلى ذلك الإتصال الإدخالي المزعوم. وحين يثبت عدم وجود دليل علينا أن نتحوّل إلى تحليل شخصيّة الباحث ومحاولة الإمساك بالعوامل الخفية التي لم تدفعه إلى هذا "التخييل" حسب، بل إلى الحماسة المفرطة في اعتبار الإخصاء طقسا اوزيريسيا بخلاف كل الأدلة الأسطورية والتاريخية، وفي اندفاعته المستميتة لجعل كل الرموز الذكورية في الشرق – وفي مقدمّتها التوراتية – نماذج يجمعها الإخصاء والإتصال الإدخالي وهجران الإلهة الأم، وفي التعميم الشامل للدافع الجنسي على أغلب الأساطير والحكايات، وغير ذلك الكثير من القسر والإكراه التفسيري الذي قد يعكس مكبوتات لاشعورية فاعلة في اللاوعي الفردي للباحث، وهي مكبوتات – حين تتحكّم وتتسيّد – تبدأ بإرباك النظرة الصافية التي يجب أن يتمتع بها الباحث، وتوصل إلى طغيان العوامل الذاتية على العوامل الموضوعية مع إيماننا بأن حضور العوامل الذاتية أمر محتم في البحث العلمي خصوصا في المباحث الإنسانية، وأن لا وجود للناقد الموضوعي الحديدي.
وفي موضع آخر يعود ناجح للتأكيد على نفس المسألة، مسألة تعويض الآلهة لباتا عن ذكورته فيقول:
(هناك تعويض إلهي [في بعض الحالات] للذكورة المقطوعة، ومكافأة الشاب الذي مارس فعل الاخصاء، وقد تحقق تعويض في حكاية الاخوين لذكورة الشاب "بايتي" ومنحته الالهة زوجة جميلة جدا، واعادت له ذكورته، وطاقته الجنسية - ص 93) (89).
والمشكلة أن حتى الشكل الأدبي للأسطورة الذي صاغه سليمان مظهر لم تكن فيه إشارة إلى تعويض الآلهة ذكورة باتا المقطوعة، ولا إلى الإتصال الإدخالي المزعوم. ألا تعكس هذه الإضافات الشخصية جانباً من المكبوت الشخصي الذي يمكن أن يضيف إلى الأسطورة الأصلية ليخلق اسطورة جديدة؟!
حول تاريخية حكاية الأخوين وأهميّتها في فهمها:
في القسم الرابع من الفصل الثاني الذي يحمل عنوان (حكاية الأخوين وأساطير الشرق القديم) يقول ناجح المعموري:
(إن تاريخية تدوين حكاية الأخوين بـ 1300 ق. م، وانتشارها في العالم عام 1852 - ص 113) (90).
وهذا نقلا عن (فردريش فون ديرلاين) صاحب كتاب (الحكاية الخرافية) وليس (فريد رسن) كما ذكره ناجح في موضعين.
وسأتوقف عند هذا الجانب التاريخي قليلاً لأهميته في تأويل الحكاية كما سنرى. وبدلا من أعود إلى (فريدريش فون دير لاين)، وهو باحث ألماني في مجال الأدب الشعبي، أعود إلى إلى الباحث البريطاني "فلندرز بيتري - W.M. Flinders Petrie" (1853 – 1942) المُختص بالمصريّات، والذي قام بالإشراف على ترجمة وتحقيق برديّة هذه الحكاية، ومحرّر كتاب "حكايات خرافية مصرية:
مترجمة من البرديات – السلسلة الثانية الأسرة الحاكمة الثامنة عشرة والتاسعة عشرة" - كما ذكرتُ سابقاً - والذي قال إنّ هذه الحكاية تعود إلى حكم الفرعون (سيتي الثاني) الحاكم الخامس من الاسرة التاسعة عشر، والذي حكم مصر من عام 1200 ق.م إلى عام 1194 ق. م. والإحالة واضحة في البيانات المُثبّـة في نهاية المخطوطة والتي تشير - ولأول مرة - إلى لعنة تقع على من يتكلم ضد هذه البردية بدلا من عبارة المباركة التي كانت تنتهي بها الكتابات التي تسبق هذا العصر، وهذه سمة كتابات عصر الرعامسة، ومنهم "سيتي الثاني".
وقد امتازت مدّة حكم سيتي الثاني بكثرة المؤامرات والمكائد. وأهم تلك المؤامرات التي انشغل بها لمدة أربع سنوات من الست سنوات التي حكمها، هو الصراع المرير ضد أخ غير شقيق له هو (أمون مس) الذي يُقال أنه اغتصب العرش منه لمدة من الزمن.
ومن الملاحظات التي تلفت الإنتباه، والتي طرحها بيتري، هي أن الحكاية غير متجانسة فنّيا أو سرديّاً. فالقسم الأول متماسك وجميل وفيه الشخصيات متناسقة وحوادثها واقعية ومعقولة، أمّا القسم الثاني فهو مرتبك ومتناقض ومليء بالخرافات والمعجزات مما يدل على أن القسم الأول يعود إلى عهود أقدم من عصر المملكة الحديثة (الأسرة الثامنة عشرة والتاسعة عشرة) في حين أضاف أحد الكتّاب المتطفّلين أحداث القسم الثاني. واعتبر بيتري – وهذا رأيه الشخصي – أنّ اللعنات التي صبّها الكاتب على من لا يبارك هذه الحكاية حين يقرؤها هي أصلاً موجّهة للكاتب بفعل إحساسه بتطفّله وسوء تلاعبه بها.
هل هذا معقول يا ناجح:
حكاية باتا (1300 ق.م) قبل أسطورة تمّوز (3000 ق.م)؟:
ومن جديد، يفاجؤنا ناجح برأي متطرّف ومتحمّس يعتبر فيه هذه الحكاية هي أصل كل عقائد الخصب والإنبعاث في الكرة الأرضية !! فهل هذا معقول؟ حكاية تعود – كما يقول هو نفسه – إلى سنة 1300 ق. م تكون أصلا لعقيدة الخصب العراقية مثلا التي تعود إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد؟! هل هذا استنتاج منطقي؟!. يقول الأستاذ ناجح:
(واعتماداً على تاريخ المدونة نستطيع الإشارة إلى أن هذه الحكاية هي الأصل لكثير من الحكايات الخرافية المماثلة لها في بعض من عناصرها وهي أيضا الينبوع الذي تغذّت منه الأساطير الخاصة بعقائد الخصوبة والانبعاث وأضفت ملمحاً أو أكثر على عدد من الآلهة في الشرق وخصوصاً الآلهة الشباب الذين وردت إشارات لهم في متن الدراسة - ص 113 و114) (92).
هكذا بجرة قلم واحدة، واستنتاج متحمّس سريع، نشطب على تاريخ مثبّت وعظيم يفوق حكاية الأخوين آلاف المرّات.
يتحدّث العلّامة الراحل "طه باقر" عن الكيفية التي عُرفت بها الأسطورة العراقية (نرجال وإيريشكيجال) التي تدور حول وصف عالم ما بعد الموت بالقول:
(وتنحصر معرفتنا بهذه الاسطورة فيما جاء إلينا مدوّنا على كسرتين من لوحين طينيين عُثر عليهما في مصر، في الموضع المسمّى "تل العمارنة" (عاصمة الفرعون اخناتون في مصر الوسطى)، من العصر الذي يسمّى في تاريخ وادي النيل بعصر العمارنة (القرن الرابع عشر ق. م)، وقد سبق أن ذكرنا أن بعض النصوص الأدبية الأخرى من حضارة وادي الرافدين عُثر عليها في مصر، حيث يرجح كثيرا أن مدرسة خاصة أُنشِئت هناك لتُعلّم الكتبة المصريين مبادىء الكتابة المسمارية بلغتها البابلية، يوم أصبح الخط المسماري واللغة البابلية لغة الدبلوماسية والمراسلات الدولية في أقطار الشرق الأدنى والأقاليم المجاورة - ص 234 ) (93).
والمشكلة الأخطر هي أن ناجح له في كل فصل رأي، ويبدو أيضا أنه حين يكتب لا يراجع ما يكتبه لكي يقارن اللاحق بالسابق كما هي عادة الباحثين الثقاة، كما أنه لا يمتلك فرضيات ثابتة يتمسك بها لكي لا يناقضها بين صفحة وأخرى. كما أنّه ينقل الإقتباسات من كل المصادر بشرط أن يكون فيها مصطلحات إخصاء وألوهة شابة وسلطة بطريركية وثور سماوي وبقرة مقدّسة وقضيب واتصال إدخالي وغيرها. وهذا يوقعه في التناقضات من ناحية، وفي التكرار الغير مُمحّص من ناحية أخرى.
رد: نعم ليلة تسليم جلجامش لليهود ياغير مسجل
ليلة تسليم جلجامش لليهود (ظ،ظ¤)
تناقض غريب.. واعتراف وتصحيح
لقد قال ناجح – كما أشرت قبل قليل - إن حكاية باتا هي الينبوع الذي تغذّت منه الأساطير الخاصة بعقائد الخصوبة والانبعاث وأضفت ملمحاً أو اكثر على عدد من الآلهة في الشرق وخصوصا الآلهة الشباب الذين وردت إشارات لهم في متن الدراسة (يقصد طبعا تموز/ دوموزي وديونيسس وآتوس وغيرهم).
هذا ما قاله ناجح على الصفحة 113، فتعالوا نستمع الآن إلى ما قاله على الصفحتين 110 و111، أي قبل صفحتين من استنتاجه المفرط السابق. يقول ناجح:
(ويمكننا الإشارة إلى أن شخصية الشاب بايتي تمثّل امتداداً طبيعياً لعدد غير قليل من الحكايات والخرافات، وكذلك الأساطير وتتبدّى من خلاله عناصر عدد من الآلهة الشباب في الشرق مثل أوزوريس /أدونيس/ديونيسيس/أتيس - ص 110) (94).
ماذا يعني "الإمتداد الطبيعي" الذي وصف به ناجح شخصية بطله باتا؟
يعني أن باتا امتداد لآلهة قبله، آلهة هم الأنموذج السابق عليه، وهو – أي باتا - امتداد للآلهة الشباب الذين سبقوه مثل أدونيس وأتيس وغيرهما.
ثم يستعير وجهة نظر من المفكر الفرنسي "مرسيا إيلاد" في كتابه "العود الأبدي" ليسند وجهة نظره هذه فيقول:
(وأقدم أسطورة تتحدّث عن عذاب إله وآلامه هي أسطورة موت الإله تموز وانبعاثه. وقد عرفت هذه الاسطورة تكرارا وتقليدا في جميع أنحاء الشرق القديم تقريبا وظلت آثار سيناريو هذه الأسطورة باقية حتى ظهور المذاهب العرفانية - الغنوصية - التي عُرفت بعد نشوء المسيحية - ص 111) (95).
هذا يعني – باعتراف ناجح وبعظمة لسانه كما يُقال – أن أقدم أسطورة لإله قتيل كانت أسطورة تموز العراقي وليس أوزوريس المصري كما كان يكرّر، وأن أسطورة باتا ليست هي الأصل والينبوع الذي تغذّت منه الأساطير الخاصة بعقائد الخصوبة والانبعاث وأضفت ملمحاً أو أكثر على عدد من الآلهة في الشرق وخصوصاً الآلهة الشباب كما قال بعد صفحة واحدة من قوله هذا.
يواصل ناجح طرح وجهة النظر الصحيحة التي سينقضها بعد صفحة واحدة:
(لقد مات "بايتي" واستعاد حياته سحريا وظل الموت يتكرر، ولكنّه تكرّر غير موسمي محكوم بعناصر البنية السردية لنص حكاية الأخوين - ص 111) (96).
أي أنّ حكاية باتا تفتقر إلى أهم ميّزة من ميّزات أسطورة الألوهة القتيلة الشابة، وهي التكرار الموسمي. فكيف سيصير أصلا وينبوعا لأساطير الخصوبة والإنبعاث للآلهة الشابة في الشرق التي تتميّز بطقوسيتها وتجدّدها وتكرارها السنوي؟؟
تناقضات جديدة
ثمّ يواصل ناجح القول:
(وقراءة الحكاية [= حكاية الأخوين] عبر المدلول الرمزي لبنية الحياة / والموت، ستجد تناظرا مع الألوهة الشابة المذكرة، والاختلافات معها طفيفة مع ضرورة ملاحظة العود الانبعاثي الحلولي في جسد آخر حيواني / نباتي والمهم هو استمرار حياته من خلال منظوم (هكذا وردت!) الخصوبة وعقائدها في الشرق لذا أشرنا إلى أن هذه الحكاية امتداد طبيعي لعدد غير قليل من الأساطير والآلهة، واستطاعت التوحيد بين السحري / الديني، الالهي وبين الاجتماعي / السياسي - ص 111 و112) (97).
وهكذا يناقض ناجح نفسه من جديد عبر صفحتين أو ثلاث.
لكن هكذا نعود – وهذه هي النظرة الموضوعية الغير منفعلة – إلى اعتبار حكاية باتا امتدادا لأساطير الآلهة الشابة القتيلة في الشرق بدءاً من اسطورة الإله تموز العراقي، وليست أصلا وينبوعا لأساطير الخصوبة والإنبعاث للآلهة الشابة في الشرق، كما سيقول ناجح بعد قليل في مناقضة صريحة لنفسه وللوقائع الموثّقة.
وناجح نفسه قال ذلك بصورة مبكرة، ولكنه نسي ما قاله. لقد قال:
(واندفاع الشاب "بايتي" لقطع ذكورته يفضي به إلى محيط الألوهية الشابة التي عرفتها ديانات الشرق الأدنى القديم - ص 76) (98).
وبعد أشواط من الكتاب يعود ناجح ليناقض نفسه مجدّداً حين يقول:
(وانطلاقا من هذه التوصّلات الجديدة، فان الشاب "بايتي" حاز على بعض من عناصر الالوهة الشابة في سوريا / واسيا الصغرى، ومصر. وهو أكثرها قرباً للاله اوزوريس لانهما يمثلان نتاجا واحدا للبنية الذهنية الاسطورية في مصر القديمة، وهذا لا يلغي خاصية التماثل مع الالوهة الشابة المذكرة الاخرى، والتي تسيدت في ديانات الشرق القديم - ص 142) (99).
وما يعنيه السطر الأول هو أن الفعل "حاز" يجعل باتا في موقع من يأخذ لاحقاً من أنموذج موجود سابقاً ؛ أي أن محيط الألوهة الشابة في ديانات الشرق الأدنى القديم كان موجودا ومؤسّساً ومعروفاً، ثم جاء باتا لينتمي إليه عبر فعله الإخصائي الذاتي كما يرى ناجح. إذن باتا لا هو منبع ولا هو أصل لعقائد الألوهة الشابة في الشرق الأدنى القديم.
وفي موضع آخر يقضي ناجح من جديد على حكمه السابق – وهو في كل الأحوال حكم متحمّس وسريع – حين يقول:
(وتاكيدا لما ذكرناه سابقا (ولاحظ أنه لا يدري أن ما ذكره سابقا يناقض ما يذكره حاليا ولا يؤكده !!)، فان الشاب بايتي انموذج مرتحل للاله الشاب القتيل - ص 145) (100).
ومن المفروغ منه أن (المرتحل) هو من ينتقل من مكان إلى آخر، وبذلك يكون باتا نتيجة وافدة، لا سبباً منتقلاً، وناجح نفسه يؤكد ذلك ليقضي على رأيه السابق حين يكمله بالقول:
(وما يعزز هذه القراءة كون بايتي زارعا للحنطة والشعير. واقترن الاله الشاب القتيل بالقمح الذي يظهر وينمو ويحصد ومن ثم يعاود ظهوره مرة ثانية - ص 145) (101).
# هل باتا إله للخصب؟:
والمشكلة أن ناجح "يندفع" لإثبات فرضيته المسبقة هذه في أن باتا من الآلهة الشابة القتيلة حتى لو كلّفه هذا الموقف ليّ عنق الحقائق وتحريفها. يقول ناجح:
(وأهم التناصات الموجودة بين حكاية الأخوين وأسطورة الاله "أوزوريس" هي خاصية الخصاء وقطع الذكورة الدالة على قوة الرجولة والمعبر عنها بافعال جنسية / تخصيبية، وفقدان الالوهة الشابة المذكرة لقضيبها يعني رمزيا تعطّل الاله عن مجاله الحيوي في نظام الخصوبة الكلي وبذلك تتوقف الحياة بشقيها الانساني / الحيواني – النباتي - ص 75) (102).
ثم يعود ليكرّر الاستنتاج نفسه فيقول:
(وكان الفرق بينهما هو أن اخصاء "بايتي" فعل ذاتي، واخصاء "اوزوريس" خارجي نفذه الاخ الشرير "ست" ولهذا الاخصاء دلالة واسعة لها صلة كبيرة بتعطل الحياة وايقاف عجلتها والقضاء عليها تماماً على نظام الخصب فيها - ص 105) (103).
وأنا أسأل القرّاء الآن:
هل تعطّلت حركة الحياة، وتوقّفت عجلة الخصب في الطبيعة، عندما قام باتا بإخصاء نفسه؟
هل هناك أدنى إشارة في الأسطورة إلى ذلك؟
والجواب هو: كلّا.
لقد كان فعله أشبه بحالة فرديّة ذات تأثير شخصي لم يتعد دائرة وجوده ووجود أخيه الأكبر وزوجته. ولكن الباحثين المتحمّسين أوديبيّاً، وأحيانا حدّ الإنعصاب، هم الذين يوسّعون دور الشخصيّة ويضخّمون الأفعال الفرديّة ليرفعوها إلى مستوى الظواهر الطبيعية أو الكونيّة. الباحث (فراس السواح) – على سبيل المثال – من الباحثين الأبناء المنحازين بحماسة مفرطة إلى الإلهة الأم – يعلّق على مقطع لا يقبل اللبس من أسطورة هبوط إنانا هو:
(اضطجع الرجل وحيداً في غرفته
ونامت المرأة على جنبها وحيدة)
علّق السوّاح على هذا المقطع بالقول:
(يُفهم مــن ذلـك أنّ الرجال والنسـاء قـد تباعدوا جنسياً، فعشتـار هي القوة الإخصابيـة في الإنسـان والنبات، قـد غابـت عـن الوجود وغـابت معهـا كـل مظاهــر الإخصاب التـي تعكسهــا في الحياة - 23) (104).
فهـل كـانت هنـاك أدنـى إشـارة الـى مـوت القمـح وجفــاف الأرض والـزرع والضرع في المقطـع السابق؟
رد: نعم ليلة تسليم جلجامش لليهود ياغير مسجل
ليلة تسليم جلجامش لليهود (١٥)
الثلاثاء ٢٨ شباط (فبراير) ٢٠١٧، بقلم حسين سرمك حسن
التسرّع في إصدار الأحكام:
كيف تكون فتاة شريرة مساوية للإلهة "إيزيس" الطيّبة ؟:
وهذه السرعة في التشبيهات وإطلاق الأحكام تسم مشروع ناجح بأكمله.
لنقف عند نظرته إلى الفتاة، زوجة باتا التي خلقها الإله (رع – حوراختي) لتسكن معه وتداري وحدته. سرعان ما جعلها ناجح مساوية لـ "إيزيس" الإلهة المصرية. دعونا نتوقف عند أفعال إيزيس، ثم أفعال هذه المرأة، لنرى هل هما متشابهتين كما يقول ناجح، أم أنه يُطلق الأحكام بحماسة وبلا قرائن، وكأنه يلهج بأشياء حفظها عن ظهر قلب سواء توفّرت شروط انطباقها على الحالة الراهنة أم لم تنطبق!.
من هي إيزيس ؟
إيزيس هي واحدة من الآلهة التاسوعاء، هي ربة القمر والأمومة لدى قدماء المصريين. وكان يرمز لها بامرأة على حاجب جبين قرص القمر، عبدها المصريون القدماء والبطالمة والرومان. صارت إيزيس شخصية بارزة في مجموعة الآلهة المصرية بسبب أسطورة أوزوريس. كانت شقيقة ذلك الإله وزوجته. واستعادت جثته بعد أن قتله "ست". وبمساعدة نفتيس وتحوت أعادت إليه الحياة بعد رحيله إلى حياة جديدة محدودة في العالم الآخر, ربّت ابنها حورس الذي أنجبته من زوجها الراحل أوزوريس في أجمة مستنقعات خيميس بالدلتا. وقد كان خيال عامة الشعب مُغرما بتأمل صورة الأم التي أخفت نفسها في مستنقعات الدلتا، والتي قامت فيها بتربية حورس طفلها حتى إذا ما شب واشتد ساعده، صار قادرا على الانتقام من قاتل أبيه "ست". كانت إيزيس أشهر الربّات المصريات جميعا، وكانت مثال الزوجة الوفية حتى بعد وفاة زوجها، والأم المخلصة لولدها. امتدت عبادة إيزيس في عهد البطالمة واليونان إلى ما بعد حدود مصر، وكان لها معابدها وكهنتها وأعيادها وأسرارها الدينية في كافة أنحاء العالم الروماني حيث صارت تمثل ربة الكون: "أنا أم الطبيعة كلها، وسيدة جميع العناصر، ومنشأ الزمن وأصله، والربّة العليا، أحكم ذرى السماء ونسمات البحر الخيرة وسكون الجحيم المقفر..." (105).
فما الذي فعلته هذه المرأة، زوجة باتا التي خلقها الإله (رع – حوراختي)؟
لقد خلقتها الآلهة وفيها "جوهر من كل إله" كما قلنا. ولكنها بعد ذلك بدأت بخرق كلّ ما قاله لها باتا الطيّب، فقد خرجت من المنزل وكاد البحر يخطفها بالرغم من تحذيرات باتا. ثم سقطت في مصيدة الإغواء عندما أرسل الفرعون امرأة مع فرسانه ومعها زينة أخّاذة، لتهجر باتا الذي أحبّها حبّاً عظيما، ووفّر لها كلّ شيء. رحلت طوعيّاً إلى الفرعون لتصبح زوجته. وقد أحبها الفرعون حبّاً جمّاً كما تقول الأسطورة، ورفعها إلى مكانة عالية جدا. وطلب منها أن تحدّثه عن زوجها، فقالت له أن الأكاسيا يجب أن تُقطع، وأن عليه أن يُرسل من يسحقها !. وهي تعرف أن هذا التصرّف معناه موت باتا زوجها السابق الذي أحسن إليها. أرسل الفرعون جنودا مسلّحين إلى الوادي فقطعوا زهورها التي كان عليها قلب باتا فسقط ميتاً في الحال.
أليست هذه المرأة هي الأنموذج الصارخ لإلهة الشرّ والموت والخيانة؟!
لقد خانت زوجها الشاب وغدرت به ثم دلّت الطاغية على طريقة قتله.. وطاوعت السلطة الأبوية البطرياركية في قتل ممثل الألوهة الشابة كما اعتبره ناجح.. فبربّكم هل هناك أي صلّة – ولو واحدة – بين هذه المرأة والإلهة إيزيس الأم إلهة النور والخير والحب والوفاء؟!
ومع ذلك، دعونا نُكمل القصّة:
كان باتا - عندما هرب من أخيه أنبو بلا رجعة - قد قال له أنّه إذا فسدت الجعة في كأسك وتعفّنت عندما تريد شربها، فتلك علامة على أنني أُحتضر، ويجب عليك أن تأتي إلى وادي الأرز لتنقذني، ولتفتش عن قلبي وتنعشه كي أحيا من جديد. وقد فسدت البيرة في كأس الأخ الأكبر أنبو في اليوم التالي لموت باتا، فأخذ سلاحه وذهب إلى الوادي، وهناك وجد أخاه الأصغر ميتاً، فأجهش بالبكاء (لاحظ أن الأخ الأكبر يحبّ أخاه الأصغر ولا علاقة له بالإله الشرير "ست"، كما طابق بينهما ناجح بصورة خاطئة سابقاً ). ثم أمضى ثلاث سنوات يبحث عن قلب أخيه ليجد بذرة في السنة الرابعة هي قلب أخيه. وضعها في كوب ماء بارد، فارتعشت كل أطراف بايتي، وحين شرب ماء الكوب عاد إلى الحياة، واحتضن أخاه. قال باتا لأخيه بأنه قد خطّط ليأخذ بثأره من زوجته الخائنة. ولذلك فإنه سوف يصبح غداً "ثوراً مقدّساً" يحمل أهم علامات القداسة، وعلى أخيه الأكبر أنبو أن يقوده إلى قصر الملك حيث تسكن زوجته الخائنة بعد أن تزوّجت بملء إرادتها من الفرعون. وهناك سوف يكون هذا الثور معجزة عظيمة، وسيقيمون له الإحتفالات في قصر الفرعون وفي كل البلاد، وعلى الأخ أن يعود إلى القرية بعد ذلك. قام الأخوان بتنفيذ الخطّة، واقتاد أنبو الثور المقدّس (أي باتا بعد تحوّله) إلى قصر الفرعون الذي فرح بهذه الهدية فرحاً كبيراً، وأحبّه كثيراً جداً، ومنح الأخ الأكبر الذهب والفضة، وأعاده إلى القرية.
عاش الثور المقدّس مكرّماً مهاباً في قصر الفرعون، ويتحرك بحريّة واحترام. وذات يوم دخل قسم الحريم، ووقف أمام الأميرة/ زوجته السابقة، وأخبرها بأنه زوجها السابق باتا، وأنّه لم يمت، فذعرت وخرجت هاربة. بعدها جلست مع الملك على مائدته، وكان الملك مسروراً، وطلبت منه "كبد" الثور كي تأكله. ومعروف أن الشعوب القديمة تعتقد أن الكبد هو مستقر الروح.
الآن دعونا نتوقّف، قليلا، لنتأمل ما يقوله ناجح عن جلسة الأميرة مع الفرعون:
(يبدو بان الجعة باعتبارها نتاجا زراعيا متطورا، هي الوسيط في نظام السرد الاسطوري، وهذا ما سجلته الاسطورة عن طريقة الاعلان عن موت الشاب/بايتي واعادته للحياة، لكن القدرة الكامنة في الجعة وما تثيره من نشوة وتخيلات مثلت في هذا النص، الاصول الاولى لمجال الام الكبرى في التاريخ، لانها هي التي اخترعت النبات المخدر وعرفته وكذلك ساهمت بانتاج الخمور لانه من وظائفها الحضارية/الدينية الاولى والمصاحبة لعقائدها الخاصة بالانبعاث والتجدد - ص 169) (106).
لم يصدّق الأستاذ ناجح وجود بيرة / جعة على المائدة ليربطها بالإلهة الأم ومبتكراتها عبر التاريخ. لكن ستأتيه المفاجأة قريبا بعد أن نستمع إليه، وهو يصف تأثير الجعة التي جعلت الفرعون يسكر، ويستجيب لطلب الأميرة الخبيثة. يقول ناجح:
(لذا استعانت بها زوجة فرعون من اجل سلطتها الانثوية، ووظائفها الدينية لان الفرعون استجاب لها في كل المرات، بعد ان لعب المسكر براسه ووافق على الذي تريد - ص 169 و170) (107).
وأسأل ناجح الآن: ما هي الوظائف الدينية التي قامت بها الأميرة الخائنة ؟؟
ولنقدم له – الآن - المفاجأة التي ستطيح باستنتاجاته، وتثبت - للأسف - أن شروحاته هذه ليس لها مجال هنا. فهذا ما تقوله الأسطورة الأصلية عن جلسة الأميرة مع الفرعون:
And his majesty was sitting, making a good day with her: she was at the table of his majesty, and the king was exceeding pleased with her. And she said to his majesty, "Swear to me by God, saying, ’What thou shalt say, I will obey it for thy sake.’"
He hearkened unto all that she said, even this. "Let me eat of the liver of the ox, because he is fit for nought!" thus spake she to him. And the king was exceeding sad at her words, the heart of Pharaoh grieved him greatly. And after the land was lightened, and the next day appeared, they proclaimed a great feast with offerings to the ox.(108).
فهل يجد القارىء الكريم أي ذكر للجعة في جلسة الفرعون مع الأميرة؟
هل يتضمن هذا النص، وهو الأصلي، أي كلمة تشير إلى سكر الفرعون وأنه استجاب – تحت تأثير الخمرة – لطلب الزوجة الخائنة بأن يهبها كبد الثور المقدس لتأكله؟
من ناحية ثانية، وعلى العكس مما تورّط فيه ناجح - بسبب اعتماده على نسخة أدبية من الأسطورة – نجد أن النص الأصلي يشير بوضوح إلى أن الزوجة الخائنة طلبت من الفرعون أن يقسم لها بالإله بأن ينفّذ كلّ ما تقوله، فأقسم لها. وأصبح قلبه حزينا بدرجة عظيمة بسبب استجابته لطلب الأميرة بذبح الثور، ولكنها ورّطته بالقسم بالإله "رع" بأن يستجيب لكلّ ما تقوله. المهم أنه أقسم بكامل وعيه وليس تحت تأثير الخمرة.
رد: نعم ليلة تسليم جلجامش لليهود ياغير مسجل
ليلة تسليم جلجامش لليهود (١٦)
الجمعة ٢٤ آذار (مارس) ٢٠١٧، بقلم حسين سرمك حسن
باتا الذكر يتحوّل إلى رمز أنثوي!:
وفي صباح اليوم التالي تمّ ذبح الثور، ولكن - والثور الذبيح يُحمل على أكتاف الناس - أدار عنقه، ورمى قطرتي دم ؛ قطرة عند كل باب من بابي جناح الملك، تحوّلتا إلى شجرتي لبخ - Persea، وهي شجرة دائمة الخضرة يتكرر ذكرها كثيراً في الميثولوجيا المصرية، والمصريون القدماء يعتبرونها: "شجرة إيزيس"، أي أن باتا الذكر تحوّل إلى رمز أنثوي من رموز الإلهة الأم!!
يُخبر أفراد الحاشية الفرعون بالمعجزة الجديدة، فيذهب بحلته الملوكية ليجلس تحت ظلال إحدى الشجرتين تتبعه الأميرة. وهنا يقول باتا – مرّة ثانية - لزوجته الخائنة، بأنه زوجها باتا، وأنها هي التي خططت لقتله.. إلخ. فتطلب الأميرة – مرّة ثانية هي في الحقيقة الثالثة بعد حادثة قطع الأكاسيا - من الفرعون من جديد أن يقسم بالإله "رع" بأن يستجيب لكل ما تطلبه منه، فيُقسم لها، وتطلب منه، هذه المرّة، أن يقطع الشجرتين، ويصنع لها خزانة جميلة. استجاب الفرعون، وبينما الملكة واقفة تراقب – بتشفّ ٍ - ما يفعله النجارون الماهرون بالشجرتين، استجابة لطبها، طارت قطعة خشب ودخلت فمها، وابتلعتها، وبعد عدّة أيام (وليس كما يقول ناجح: أيام وشهور)، ولدت الأميرة طفلاً. أُخبِر الفرعون بأنه قد وُلِد له طفل، وجلبوه له، وخصّصوا له ممرضة وخدما، وأقيمت الإحتفالات في أنحاء المملكة كلّها. ثم جلس الملك، وأقام يوما مقدّسا لتسمية الطفل الوليد، وكان يضعه في حِجره. وقد أحبّه الملك كثيراً، وربّاه ليكون نائب الملك على مملكة كوش - King’s Son of Kush أو The Viceroy of Kush (وسنرى بعد قليل أهمية هذه الإشارة التي لم يذكرها ناجح ولا سليمان مظهر). ثم – بمرور الأيام – جعله وصيّاً على البلاد كلها. وبعد أن رحل الفرعون إلى السماء (وهو تعبير فرعوني عن موت الفرعون)، دعا الوصي كل أعيان مصر كي يمثلوا أمامه كي يقص عليهم كل ما حصل له، فحضروا وأحضروا زوجته (أمّه) أمامه أيضا، وقاموا بمحاكمتها، واتفقوا معه في الحكم الذي أصدره عليها.
ما أهمّية منصب "نائب الملك على كوش"؟:
الآن أعود إلى ما وعدت القارىء به قبل قليل، وهو مراجعة معنى أن ينصّب الفرعون، باتا، نائبا له على مملكة كوش.
(مملكة كوش تُنسب إلى كوش بن حام، واتخذت هذا الاسم إبان تتويج (الارا النوبي) أول ملوك الأسرة الخامسة والعشرين النوبية الذي غزا مصر وضمّها إلى دولته.
والمنطقة من حوض نهر النيل التي تُعرف بالنوبة والواقعة في الحدود الحالية للسودان وأجزاء من مصر، كانت موطن ثلاث ممالك كوشية حكمت في الماضي، الأولى بعاصمتها كرمة (2400 - 1500 ق.م.)، وتلك التي تمركزت حول نبتة (1000 - 300 ق.م.)، واخرها مروي (300 ق.م. - 300م).
وما يهمنا هنا أنّ هذا اللقب (نائب الملك على كوش) استخدم في وقت الأسرة الثامنة عشرة (1570 – 1293 ق. م )، وتحديدا في عصر الفرعون تحتمس (1527 – 1515 ق. م) (109)، حيث بدأ تنصيب شخص على مملكة كوش ليكون نائبا عنه ومسؤولا أمامه عن شؤون إدارتها. ولم يكن شرطاً أن يكون هذا الشخص من أقارب الفرعون (اي من نسل مقدّس)، بل قد يكون من عامة الشعب. ولهذا استخدم كاتب الحكاية هذا اللقب كي يبرّر تنصيب الفرعون لباتا على مملكة كوش لأنه لا يحمل أصلا ملوكياً فهو فلّاح بشري بسيط.
من مخاطر المنهج الواحد الجامد:
وهنا علينا التنبيه على واقعة مهمة جدا، قبل أن يقع المحلّلون منّا المتحمّسون والمنحازون أصلاً لمفاهيمهم، في مصيدة الـتأويل الأوديبي. فقد حبلت الأميرة بقطعة خشب طارت من جسد باتا الشجرة وهي تُقطّع، وابتلعتها، لتنجب طفلا كان هو باتا نفسه. هذه ليست من تمظهرات العقدة الأوديبية، بل هي تعبير عن الدور المزدوج الذي كانت تلعبه المرأة في الحياة الفرعونية: فقد كانت زوجة وأم في وقت واحد. وهذا الأمر يثير في أذهاننا ضرورة أن لا نتمسّك بتفسيرات أحاديّة مهما كانت ونغفل العوامل الإجتماعية والثقافية. وهنا، أيضاً، يتجلى دور عامل مهم آخر جرى في الحكاية، وهو الأصل المقدّس للزوجة حين قامت الآلهة بخلقها، فهو تمهيد لتوفير شرط أساسي كي يكون باتا من أصل مقدّس، وبالتالي صالحاً لوراثة الفرعون خصوصا أنه لم يكن الإبن الحقيقي للفرعون. أضف إلى ذلك علاقة باتا بالآلهة التاسوعاء في منتصف القصة، فالقداسة التي تضفيها الآلهة ساعدته في وقت حاجته إليها.
وهناك إشارات كثيرة في القصة تحيلنا إلى انفصال مصر القديمة إلى قسمين، فخلال كل تاريخ مصر القديمة، وحتى في الأوقات التي كان فيها القطر موحّداً سياسياً ومستقرّاً، كان من المعروف أن مصر تنقسم إلى منطقتين:
مصر السفلى وهي التي في الشمال وتشمل دلتا النيل،
ومصر العليا التي في الجنوب.
وفي بداية القصّة كان يُشار إلى باتا بأنه فريد لا يوجد مثله في البلاد لأنّ فتوة الآلهة فيه. أضف إلى ذلك أنه كلّما غضب واحد من الأخوين كان يوصف بأنه تصرّف مثل "نمر من مصر العليا"، وفي ترجمة أخرى "مثل فهد من الجنوب".
رد: نعم ليلة تسليم جلجامش لليهود ياغير مسجل
ليلة تسليم جلجامش لليهود (١٧)
http://www.diwanalarab.com/local/cac...jpg?1491446897ليلة تسليم جلجامش لليهود (١٧)
الخميس ٦ نيسان (أبريل) ٢٠١٧، بقلم حسين سرمك حسن
تأويلات وتحليلات مُضافة ينبغي أن تؤخذ بعين الإعتبار:
هناك الكثير من المسائل والمفاهيم التي يجب أن تؤخذ بعين الإعتبار عند تحليل الأدب المصري القديم بشكل عام، وحكاية الأخوين هذه بشكل خاص. ويجب ملاحظة أن واحدة من الصعوبات الكبرى التي تواجه تحليل أدب مصر القديمة هو أن ندرة المصادر تمنح المراقب لأي نوع من التطورات التاريخية في أدب مصر القديمة حالة نظرية عالية وتجعل إعادة بناء أي شبكة تناصّية أمرا شبه مستحيل. وقد أشار بعض الباحثين إلى أن ("النظرية اليوهيميرية – euhemeristic" من الممكن أن تُستخدم بنجاح في تحليل نصوص أدب مصر القديمة، ويُقصد بالنظرية اليوهيميرية هو الاتجاه العقلاني في التأويل الذي يعامل النصوص الميثولوجية كانعكاس للحوادث التاريخية الفعلية، ويعتبر الشخصيات الميثولوجية شخصيات تاريخية حقيقية ولكنّها صُوّرت وضُخّمت أو تغيّرت من خلال إعادة السرد وتأثيرات التغيرات القيمية. وقد سُمّيت هذه النظرية نسبة إلى الفيلسوف اليوناني "يوهيميروس القورينائي" (القرن الرابع الميلادي) الذي قام بعقلنة الأساطير اليونانية في أشهر كتبه وهو كتاب "التاريخ المقدّس") (110).
وبالعلاقة مع "حكاية الأخوين"، فقد استخدمت الباحثة "سوزان توير هوليس" هذا المنهج في كتابها "الحكاية المصرية القديمة عن الأخوين: أقدم حكاية خرافية في العالم - The Ancient Egyptian Tale of Two Brothers: The Oldest Fairy Tale in the World" (أوكلاهوما – 1996) حيث اشارت إلى أن الحكاية هذه قد تتضمن انعكاسات عن واقع تاريخي فعلي. وقد رأت هذه الباحثة أن هذه الحكاية قد تعود جذورها إلى النزاع على الإرث والعرش الذي أعقب وفاة الفرعون "مرنبتاح" في بداية القرن الثالث عشر قبل الميلاد. فعندما مات مرنبتاح كان "سيتي الثاني" هو الوريث الشرعي للعرش بلا أدنى شك، ولكن أخاه غير الشقيق "أمون مس" نازعه السلطة واغتصب العرش وحكم لعدة سنوات في مصر العليا، بالرغم من أن سيتي الثاني حكم في النهاية ست سنوات كاملة.
لقد قام سيتي الثاني بترقية "المستشار باي" ليصبح المسؤول الأكثر أهمية في الدولة، وأنشأ ثلاث مقابر في وادي الملوك: واحده له، والثانية لزوجته الملكة "أوزوريت"، والثالثة لباي. وإنشاء مقبرة للأخير هو فعل غير مسبوق في مصر القديمة، لأن باي لا يحمل الدم الملوكي المصري وهو ذو أصل سوري ولا يرتبط، لا بالزواج ولا بالدم، بالعائلة المالكة. وهنا علينا أن نلتفت إلى معلومة شديدة الخطورة وقد تقلب كلّ ما قدمناه وتتمثل في ما يعتقده بعض الشرّاح مثل السيّد (بيتري) من أن المقصود بوادي الطلح هو وادي سوري أو كنعاني، ورأى آخرون أنّه وادي الصنوبر الذي تشتهر لبنان بأشجاره. وما يسند ذلك نسبيّاً هو قول جنود الفرعون أن باتا موجود في أرض غريبة سمّوها "الأرض البعيدة"! وبذلك – وهذا رأي يتطلب بحثاً أوسع – يكون البحر ليس النيل كما ورد في التحليل، بل البحر الذي يفصل مصر عن لبنان!! علماً أنني أشرتُ سابقاً إلى ظاهرة أن المصريين حتى يومنا هذا يسمّون النيل بـ "البحر" بصورة عاديّة.
وهناك ترجمة أخرى للحكاية تقول: "واتفقوا معه على الحكم (أي الحكم الذي أصدره عليها) (111). ولكن لا توجد أي ترجمة تشير إلى النهاية التراجيدية التي يحكم فيها الفرعون (باتا) على الملكة - زوجته السابقة وأمّه الحاليّة - بالقتل. ويعتقد بيتري أنّ الحكاية قد صمتت عن نهاية الزوجة الخائنة إذ كيف يذبح باتا المخلوقة المقدّسة (وهي زوجته وأمّه)؟! لقد اكتفت الحكاية بالقول أن باتا حاكمها أمامه وأن النبلاء الكبار اتفقوا معه، فتركت الحكم غير مكتوب ومسكوتاً عنه. ولاحظ أن هذه النهاية صاغها كاتب "ذكر" من السلطة الذكوريّة القديمة، في حين أن نهاية القتل المتشفّي (الذبح بالسيف) صاغها محلّلون "ذكور" هم ممثلون للسلطة الذكورية في العصر الحديث!!
وحتى عندما ابتلعت الأميرة/ الزوجة الخائنة قطعة الخشب، وحبلت، ثم ولدت لم تكن هناك أدنى إشارة في النص الأصلي الذي بين ايدينا، إلى أن الطفل المولود يشبه باتا. يبدو أن شيئا من "الحداثة" كان في بنية الحكاية السردية بحيث راهنت على ذكاء القاريء في عملية تصوّر ناتج عمليّة الإنجاب حيث لابدّ أن يكون المولود باتا نفسه أو مشابهاً له مادام التخصيب قد جاء منه (من شجرته، ولاحظ هنا أن الشجرة رمز ذكوري في هذا "السياق"، وليست رمزا للإلهة الأم كما دوخّنا الباحثون في كل حالة) أي أننا نحتاج – من وجهة نظري – إلى شيء من "المرونة الرمزية" إذا جاز الوصف، حيث من الممكن أن تحمل الرموز الأنثوية دلالات ذكورية، وبالعكس، اعتمادا على السياقات التي تأتي ضمنها، وليس مثل الأفعى رمزا ذكورياً في سياقات معيّنة، وهي الرمز الأنثوي الأصيل، مثالاً أكثر دلالة. والمشكلة أن ناجح - وقبله فراس السواح - يعتبرون حمل الإلهة سيبيل، وهي تمسك غصن شجرة رمّان، علامة على الإخصاب الذاتي، والغصن كما يصرّون هو رمز قضيبي أصيل يوفّر "الإتصال الإدخالي".
ويكون ختام الأسطورة بجلب الأخ الأكبر أنبو، الذي يعيّنه باتا أميرا ووصيّا على كل البلاد. حكم باتا كفرعون ثلاثين عاما (وفي نسخة أخرى عشرين عاما)، وبعد أن رحل إلى السماء، خلفه أخوه في حكم مصر.
(الآن انتهت الحكاية).
والآن – يا ناجح – هل هذه المرأة أنموذج للإلهة الأم؟:
نعم. إنتهت الحكاية ودعوني أعود أولا إلى ما قاله ناجح من أن زوجة باتا التي خلقتها الآلهة هي إلهة أمّ، الإلهة إيزيس، ورمزها الشجرة. الآن نجد ناجح يقول:
(استعاد بايتي الاله الشاب / القتيل كامل حيويته وعزمه على الانتقام من المرأة / زوجته التي صارت نموذجا للنساء المعروفات بالمكر والدهاء - ص 148) (112).
إنها الآن من النساء، وليست من الإلهات الأمّهات اللائي عُرفن بكونهن نماذج للخصب وتجدّد الطبيعة، ورموزاً للعطاء والولادة.
أعطني يا ناجح تصرّفا واحداً أسطورياً لهذه المرأة التي تعتبرها إلهة غير أن خلقها تم من قبل إله؟؟
إن كل ما قامت به لا يزيد على سلسلة من المؤامرات والدسائس "البشرية" لغرض قتل زوجها السابق باتا وإفنائه ؛ من قتله بقطع الأكاسيا التي وضع قلبه على زهرتها، مرورا بقتله كثور، إلى اجتثاث وجوده كشجرتي لبخ. وكل الأعمال المدمّرة هذه تمّت عن طريق جعلها الفرعون يقسم لها بالإله رع بأنه سوف يُنفّذ كلّ ما تقوله له.
إنّها منذ أن نزلت في بيت باتا وحتى نهايتها ونهاية الحكاية لم تقم بأي عمل على الإطلاق يشير إلى كونها إلهة أمّ. فكيف اعتبرها ناجح – وبكل بساطة وبشروحات مكررة – أنها أنموذج للإلهة الأم ؛ مثل إنانا وعشتار وعشتروت، وأنها مثل إيزيس.. إلخ.
مقاربات تلفيقية!:
وهناك مقاربات تشبه التلفيق السريع الذي لا يحكمه منطق ولا أسس تحليل. يقول ناجح:
(وكان لحكاية الشاب بايتي تاثير واضح على اسطورة الاله الاغريقي الشاب "ديونيسس" الذي كان على هيئة خنزير (لم يكن باتا على هيئة خنزير)، فهجمت عليه مردة من جنس الالهة Titans (لم تهجم على باتا مردة من الآلهة بل جنود مكلّفون من الفرعون)، وفسخت جسمه واكلت اطرافه ولم يبق منه الا القلب (قام الجنود بقطع ساق شجرة الاكاسيا ومات قلب بايتي في حين بقي قلب ديونيسس حيّاً يخفق) فاستنقذته الآلهة اثينا وحملته الى كبير الالهة زفس (لم تقم إلهة بانقاذ بايتي بل أخوه الأكبر البشري) فجعل منه الها جديدا هو ديونيسيس زكوس، ثم انثنى واوقع اشد العقاب بالمردة الالهة وحرقهم بنيران البرق، ومن رماد اجسادهم خلق الانسان (لم يحرق بايتي أحدا من الآلهة وكانت مشكلته مع زوجته ولم تتطور مأساته إلى أسطورة خليقة)!! - ص 143) (113).
وسأحاول تنظيم الفروقات الفادحة بين الإله ديونيسيس وباتا من جديد ووفق رأي ناجح فقط، علماً أن هناك العديد من الفروقات التي لم أذكرها لأنني تقيّدت بقول ناجح فقط:
- ديونيسيس كان على هيئة خنزير، وباتا لم يكن على هيئة خنزير.
- هجم على ديونيسيس مردة من آلهة التيتانس، في حين هجم على باتا جنود بشريون من الفرعون.
- فسخ المهاجمون جسم ديونيسيس وأكلوا أطرافه ولم يبق منه سوى القلب، في حين أن المهاجمين لم يقطّعوا أطراف باتا ولم يفسخوا جسمه ولكن هاجموا قلبه وأماتوه ثم احياه الأخ الأكبر.
- قامت الآلهة أثينا بإنقاذ ديونيسيس وسلّمته للإله زفس، في حين قام الأخ الأكبر بإنقاذ باتا وأوصله كثور مقدّس للفرعون.
- أحرق الإله زفس قتلة ديونيسيس وخلق من رمادهم الإنسان (أسطورة خليقة)، لم يحرق الفرعون قتلة باتا ولم تتحوّل قصته إلى أسطورة خليقة.
هذه التناقضات من مقطع قصير قاله ناجح.. فكيف إذا أخذنا الأسطورتين كاملتين وقارنّا بينهما تفصيلياً وضمن سياقاتهما؟!.. هل سيبقى هناك دليل شافٍ وكافٍ على "التناص" المزعوم؟
وكما يرى السيّد القارىء فلا علاقة لباتا بديونيسيس، وكل ما في الأمر تلفيق التشابهات، ولو اعترضت على هذه الطروحات، فسيكون الردّ عليك جاهزاّ: هذا تناص!! في حين أنّه، ومع احترامي لاختنا الغالية "جوليا كريستيفا": (تلاصّ) كما يقول الكاتب "يوسف يوسف" في تعليقه الذي سنذكره قريباً.
وفي القسم الرابع (موت بايتي وانبعاثه) يستهل ناجح بحثه بالقول:
(تقترب شخصية الإله الشاب "بايتي" في حكاية الأخوين كثرا من الاسطورة الخاصة بالاله ديونيسس وهذا ما ستضيئه الدراسة من خلال الطقوس الدينية/ الشعائر السحرية - ص 169) (114).
ويبدو أن ناجح ينسى كثيراً لأن الموضوع متشابك. فقد كان عليه أن يشرح لنا التشابهات بين شخصية باتا وشخصية الإله ديونيسس، وأوجه التطابق بين أسطورتيهما. لكنه عاد بعد عشر صفحات ليتحدث عن ديونيسس بخمسة اسطر ضمن سياق عام تحدث فيه أيضا عن أدونيس بخمسة عشر سطرا. ولم نشعر بوجود وقفة خاصة يفي بها بما وعدنا به في الاستهلال.
الخميس ٦ نيسان (أي
رد: نعم ليلة تسليم جلجامش لليهود ياغير مسجل
ليلة تسليم جلجامش لليهود (١٨)
الخميس ٢٧ نيسان (أبريل) ٢٠١٧، بقلم حسين سرمك حسن
استسهال استخدام اللغة والمصطلحات طامّة كبرى:
وأعتقد أن هناك سببا آخر مهما وراء هذا الخطأ والأخطاء الأخر، وهو استسهال استخدام اللغة خصوصا بعد موجة حداثوية غربية (فرنسية أصلا) سامة فُهمت خطأ – من قبل الكثير من النقّاد العرب - عن أهمية اللغة الشعرية في النص النقدي والبحثي من ناحية، والتباس المصطلحات وعدم تحديد معانيها حتى صار لمصطلح مثل"الشعرية (بكسر الشين) – poetics" سبعة عشر تعريفا أحصاها الناقد الراحل د. عبد العزيز حمودة في كتابه (المرايا المحدّبة). فالفعل"ارتحل" مثلا، معانيه القاموسية والدلالية واضحة: انتقل من مكان إلى آخر (طبعا هناك معانٍ أخر لكنها تدور حول نفس الدلالة). ولكن حين نستخدم هذا الفعل بكثرة لا نستغرب ما يقوله ناجح مثلا عن"ارتحال" الزهرة من مكان إلى آخر وكأن العالم لم تكن فيه زهور وظل ينتظر أن تأتيه من العراق أو مصر !!:
(ووحدت الزهرة رمزيا بين الشاب بايتي وعدد من الالهة الشباب. وهذا ما ستحاول الدراسة الاشارة له لأن الزهرة، اختصرت كثيرا من العقائد و(ارتحلت) (التقويس منّي) الى مناطق جديدة لتوميء للخصوبة حينا، وللانبعاث حينا آخر - ص 147) (115).
والصحيح أن الزهور موجودة في كل مكان. ولكن مفاهيم الخصب والانبعاث التي ارتبطت بها هي التي ارتحلت من حضارة إلى أخرى بالرغم من وجود مبالغات كبيرة في هذا الشأن، فمن الصعب أن نقرأ ونستوعب معلومة تقول إن الإنسان القديم كان يقدّم زهرة للإنسان الآخر كرمز للكره والموت والقتال. قبل 21000 سنة وضع العراقي القديم باقة زهور على ضريح ابنته، وهي أول باقة زهور تُستخدم لهذا الغرض في تاريخ البشرية (116)، ولكن هذا لا يعني أن الشعوب – وكحالة عامة قد يكون لها اسثناءات بسيطة - التي جاءت بعده قد استخدمت الزهور في غير مجالات الحب والإلفة والسلام.
ثم ينطلق ناجح – وكعادته في نقل الإقتباسات الأسطورية التي تظهر تعلّق مفاهيم وعقائد الخصب والانبعاث وطقوسها بالزهور - من آتيس مرورا بالمندالا اليابانية وزهرة اللوتس (ص 147 و148)، معتقدا أن الزهور (ترتحل) في حين أن المفاهيم والعقائد هي التي ترتحل.
وفي موضع آخر يقول ناجح معلّقاً على ذبح الثور باتا وتحوّل قطرتين من دمه إلى شجرتين بالقول:
(وتتبدّى الفعالية السحرية من خلال قوة الارتحال والتحوّل قوة الارتحال المتمثلة بتحول الكائن الحي/الحيواني/ الثور الى كائن حي اخر - ص 176 و177) (117).
فهل هذا هو الإرتحال؟؟
هل تحوّل الثور الى كائن حي آخر هو ارتحال؟؟ أم هو"تحوّل" و"تغيّر" لا علاقة له بالإنتقال في المكان؟
وإذ تحدّث ناجح عن قوّة الإرتحال (ولاحظ صياغة الجملة رجاءً)، فأين قوّة التحوّل؟
آراء أُخر غريبة ومتناقضة:
من الآراء الأخر الغريبة هو ما يطرحه ناجح في تفسير طقس الإخصاء الذاتي الذي يقوم به مريدو الإله الشاب القتيل، حيث يقول:
(والتضحية بالذكورة في واحدة من مستوياتها العميقة هي محاولة للفداء نيابة عن الاله، والالهة الشباب كثر في كل ديانة من ديانات الشرق لان تضحية الاله بذكورته يعني موته المؤقت ونزوله الى العالم الاسفل وصعوده ثانية وما بين النزول والصعود / الانبعاث يقتضي الطقس، استمرار الندب والحزن والتجريح، وحتى لا تتكرر هذه الطقوس يقوم فرد او مجاميع من الشباب باخصاء ذكورتهم - ص 91) (118).
ولا أعلم – ابتداءً – هل هذا الرأي لناجح أم لروبرت سمث الذي اقتبس منه الآراء السابقة على هذا الرأي لأن طريقة ناجح في الإقتباس والتضمين – كما قلت – هو أن لا يضعها بين أقواس فلا يعرف القارىء أين يبدأ المقبوس وأين ينتهي ـ وهل هو له أم لغيره. وحتى لو كان هذا الرأي لروبرت سمث من كتابه (محاضرات في ديانة الساميين)، فهو رأي خاطىء، ويناقض الجوهر الأساسي لديانة الإله القتيل. فجوهر هذه الديانة يقوم على طقس مركزي هو الإحتفاء بالتجدّد والخصب والإنبعاث، كوسيلة لمقاومة الفناء والجدب والموت، فإذا كان المُريد مؤمناً بهذه الديانة فكيف يريد من خلال إخصائه لذاته – كما يقول ناجح – أن يضع حدّاً لتكرار طقوسها السنوية؟!
هل كان الأخ الأكبر ممثلا للسلطة الذكورية العنيفة؟:
يقول ناجح:
(ان الجماعات الباحثة عن ابنة رع حورس والتي ارسلها فرعون الى هناك / اكدت التوازي القائم بين السلطات الذكورية المتعددة ونظائرها في الحق الممنوح لها، مع ملاحظة التفاوت القائم بين سلطة واخرى بسبب عناصرها ووظائفها. والجماعات المُرسلة هي امتداد للسلطة الفرعونية وتجسيد للقوة الملكية، كما انها نمط من السلطة الذكورية القادرة على ممارسة العنف/ والقتل باعتبارها رأسمالا رمزيا لها، وهي امتداد بشكل ما لسلطة انوبو / الاخ الاكبر - ص 127) (119).
وحين نعود إلى قراءة الحكاية وتأمّلها بهدوء نستطيع القول وبثقة أنّ ما يقوله ناجح هنا من استنتاج عن أن انبو هو نمط من أنماط السلطة الذكورية ؛ سلطة قادرة على ممارسة العنف والقتل باعتباره رأسمال رمزي لها، هو استنتاج غير صحيح ولا محل له، ولا يوجد أي دليل عليه في الحكاية.
لقد كان أنبو بمثابة الأب لباتا، وباتا نفسه كان يقول ذلك، ويعمل مع أخيه بصفاء. وفي موسم الحراثة والبذار – وكما رأينا من مجريات الحكاية – كان أنبو يعمل مع أخيه سواء بسواء. وحينما خدعت الزوجة الغادرة الفاسدة أنبو وصوّرت له الأمر على عكس حقيقته، واشتعل غيضا ولحق أخاه الأصغر بالخنجر ليقتله، شاهدنا ردود فعله النادمة بصورة شديدة جدا من بكاء وأسف ورثاء ودعوة لأخيه للعودة.
وقد صحح أنبو موقفه هذا فور عودته إلى بيته، عندما قام بقتل الزوجة الغادرة ورمي جثتها إلى الكلاب.. وبقائه حزينا على فراق أخيه.
ومن هو الذي أنقذ باتا، في محاولة مستميتة ومرهقة استمرت ثلاث سنوات قضاها في البحث عن"بذرة" قلب أخيه الميّت، ليجدها في بداية السنة الرابعة بعد أن يئس، ويعيده إلى الحياة؟! أليس هو الأخ الأكبر؟!
ومن كان معاون باتا الرئيسي في تنفيذ خطّته في الثأر من الزوجة الخائنة عندما تحوّل إلى ثور مقدّس؟ أليس هو أخوه الأكبر؟
كان أنبو في الواقع إنساناً صالحا ومسالماً ومحبا لأخيه، وبعيدا عن العنف والدمويّة كما قال ناجح.
افتراض غريب آخر:
يقول ناجح:
(كان الاختطاف الذي حصل للزوجة سحريا، لانها لم تستطع مقاومة له، بحيث عطّلت قدرات الجماعة السحرية امكاناتها على الرفض والتحدي ورضخت للامر الواقع - ص 129) (120).
ولا أعلم من أين يأتي ناجح بهذا الكلام وهذه التصوّرات التي لا أساس لها. حتى سليمان مظهر في صياغته الأدبية لم يقل أن الجماعة التي أرسلها الفرعون لجلب الفتاة قد استخدمت السحر!
لقد أرسل الفرعون مجموعة من الجنود المسلّحين إلى"الأرض البعيدة" – أرض باتا كما سمّوها - حسب استشارة مستشاريه، لغرض اختطاف الفتاة التي فتنه عطرها، وإحضارها إليه كي يتزوجها. لكن باتا قتلهم جميعا عدا شخص واحد عاد ليخبر الفرعون بما جرى. هنا قرّر الفرعون أن يرسل مجموعة كبيرة من الرجال والجنود ومعهم امرأة. هذه المرأة زوّدها بهدايا وحلى نسوية ثمينة جدا لتغري الفتاة وليست لتزيينها كما يرى ناجح. وهذه الهدايا وفعل المرأة – وليس السحر - هي التي أثرت في الفتاة المتعطّشة للحركة والحرية والإنطلاق والهيبة والإشباع الجنسي بعد سنوات العزلة في بيت باتا الذي لم يشبعها نفسياً وجسديا وجنسيا لأنه"مثلها امرأة" كما قال لها. لقد تمت دغدغة مواضع نرجسية هذه الفتاة واستثارتها من خلال الإغواء المادي الذي هو بالنسبة للفتاة إغواء نفسي وعميق، والوعد بإرواء طموحاتها نحو السلطان والثراء والعيش مع ملك إله، فقد خلقتها الآلهة ومن الصعب أن تقنع بالإنزواء في بيت منعزل في وادٍ عميق.
رد: نعم ليلة تسليم جلجامش لليهود ياغير مسجل
يوسف !ليلة تسليم جلجامش لليهود (٢٠)
الثلاثاء ١٦ أيار (مايو) ٢٠١٧، بقلم حسين سرمك حسن
وقفة: استيلاء على آراء الباحث الفرنسي "جورج رو":
على الصفحة 139 يقوم ناجح بتصحيح ما يراه فكرة خاطئة وقع فيها الدكتور أحمد كمال زكي في كتابه (الأسطورة) حين شبّه باتا، بموته وانبعاثه، بموت وانبعاث الإله دموزي، معتبرا إياه انسياقا وراء الدراسات الغربية عن الديانة في العراق القديم. ويقول ناجح إن الباحث "نائل حنون" قد اثبت – واعتمادا على النصوص المسمارية – بأن الإله دوموزي / تموز نزل إلى العالم الأسفل ولم يغادره (ص 139) (127).
وكملاحظة سريعة - لأن المجال ليس مناسباً هنا للرد على هذا الرأي المعقّد بصورة تفصيلية - أقول إن بعض الباحثين العرب قد استولوا على فكرتين طرحهما الباحث الآثاري الثقة، الطبيب الفرنسي (جورج رو) في كتابه (العراق القديم)، وهما:
- أن تموز ليس إلها للخصب وأن إنانا/ عشتار هي الأولى بهذا اللقب
- وأن الإله تموز من آلهة العالم الأسفل.
ولكن لا أحد منهم أشار إلى ملاحظتي هذا الباحث الفرنسي المسكين.
كما وجدتُ إشارة واضحة من المؤرخ المعروف "ول ديورانت" إلى كون الإله تموز هو من آلهة العالم الأسفل في الجزء الأول من كتابه "قصّة الحضارة". وسوف تكون لنا وقفة طويلة مستقلة مع هذه الأطروحات في مستقبل قريب بإذن الله.
الثور رمز لقوّة الإله الشاب وليس لتجدّده وانبعاثه:
في الشرح المطوّل عن تجليات العلاقة بين الثور والإله القتيل في الحضارات المختلفة يقول ناجح في أحد المواضع:
(ينطوي الثور المتناظر مع الالوهة الشابة / القتيلة في ديانات الخصب التي عرفتها بلدان الشرق الأدنى على دلالات عديدة ومتنوعة، ولكنها مع كل التنوع تظل ذات صلة فكرية مباشرة بالإنبعاث / والقوة وتجدد عناصر الحياة - ص 159) (128).
وفي موضع آخر يقول أيضاً:
(ويبدو واضحاً (...) الصلة الموجودة بين الاله امون والثور ورمزيته الكاشفة عن الاتساع الدلالي الجنسي والصلة المباشرة مع نظام الخصوبة وعقائد الانبعاث (...) كما يلاحظ في الاحصائية التي اشرنا لها التوزع بين الاشارات والعلامات الدالة على الجنس والعلاقة المباشرة مع التجدد والانبعاث والقوة، ومعاودة الحياة تجددها مرة ثانية - ص 166) (129).
وفي كلا الموقفين – وهذا ديدن الكثير من الباحثين في مجال الأسطورة – يعتبر ناجح الثور رمزا للإله القتيل ولعملية الموت والانبعاث. وأعتقد أن الثور هو من رموز القوة الجسدية والجنسية للإله الشاب، وليس من رموز موته وانبعاثه، فالإنسان البدائي كان يرى مثلا القمح والزهور والشجر تجف وتموت أو تُحصد وتقطع، ثم تعود للظهور والتجدد، ولكنه لم ير هذه الظاهرة في الثور، وحين ربطه بالإله الشاب فللتعبير عن قوّته الجسدية وكفايته الجنسية.
الإله تموز ثور أم أنثوي ناعم؟:
وارتباطا بالإنخصاء والخصيان يقول ناجح:
(ان الخصيان يكررون امام الام الكبرى دور الاله تموز الذي كان جميلا، غضا مؤنث الصفات، خاضعا لعشتار، مسلما لها قياده – ص 89).
أي أن الإله تموز – حسب حكم ناجح السابق – كان مؤنّث الصفات، جميلاً وغضّاً. ولكن ناجح سرعان ما يناقض نفسه حين يقول:
(وعرفت الحضارة العراقية القديمة الثور صفة للالوهة الشابة ورمزا للقوة والشجاعة وجسد نظام الخصب ايضا – ص 168).
فكيف نستوعب هذا التناقض؟
من جهة نسمع أن الإله تموز غض ومؤنث الصفات، ومن جهة أخرى هو ثور قوي شجاع بكل ما تعنيه مفردة "ثور" من ذكورة متدفّقة وقدرة إخصابية هائلة!! فكيف يجتمع النقيضان؟
ثم يمعن ناجح في مناقضة نفسه وأرباك القارىء حين يقول بعظمة لسانه أن الإله تموز كان ثورا قويّاً وفتيّاً:
(وكان الثور لقباً للإله الشاب السومري دوموزي / تموز، وهو كناية عن قوّته وفتوته – ص 157).
ولا يكتفي بذلك بل – وإمعاناً في إلغاء اي صفة أنثوية عن الإله تموز - ينقل لنا مقاطع من أناشيد عشتار وهي تتغزل بحبيبها الثور الفحل وتدعوه إلى أن يحرث فرجها:
(وقد اشارت الكثير من القصائد السومرية للثور دوموزي وخصوصا في نصوص الزواج المقدّس
تعبيرا عن طاقته الجنسية وقوته الفحولية
فرجي، انا الصبية من سيحرثه لي؟
فرجي انا، هذه التلة المنتفخة
هذه الارض الرطبة التي هي انا
انا الملكة من ذا الذي سيضع فيّ
ثيرانه للحراثة؟
ايها الثور الوحشي "دوموزي"
في وسط الحظيرة، دفق من اجلي
لبن ماعزك
اي دوموزي
اطلق سراحي ايها الثور الوحشي –ص 157 و158).
واذا كان الإله تموز أنثوياً غضّاً، فكيف نفسّر استعارة الملوك السومريين والأكاديين لاسمه في طقوص الزواج المقدّس الذي استمر لقرون طويلة؟!
ليلة تسليم جلجامش لليهود فضح مغالطات التناص بين الفكر العراقي القديم والفكر التوراتي (٢١)
الخميس ١ حزيران (يونيو) ٢٠١٧، بقلم حسين سرمك حسن
لنمضي الآن مع ناجح في تشابهات أخر مزعومة بين باتا ويوسف :
يقول ناجح : (حاز باتا بعد أن صار ملكاً على مهام دينية وصارت لديه خصائص الهية وتميز يوسف التوراتي بهذا المجال من خلال علاقته القوية مع فرعون – ص 220 ) (132).
فما هي المهام الدينية والخصائص الإلهية التي اضطلع بها يوسف بعد أن صار وزيرا لفرعون والتي توازي المهام الدينية والخصائص الإلهية التي حصل عليها باتا ؟ وأعني بالمهام الدينية والخصائص الإلهية على المستويين : التوحيدي بالنسبة للديانة اليهودية ، والوثني بالنسبة للديانة الفرعونية.
هل قام يوسف بالتبشير بالديانة التوحيدية "الجديدة" التي يحملها في مصر ؟ هل عُومِل كإله أو كممثل للإله أو حتى كنبيّ أو رسول في مصر ؟ هل تصرّف كنبيّ او كرسول من الناحية اليهودية ؟ أو كإله شاب أو ممثل له من الناحية الاسطورية الفرعونية ؟ هل قام بأكثر من واجبات ما يقابل وزير التجارة والميرة أو الإقتصاد في حكومة الفرعون ؟ ألم يقم بانتزاع أراضي الفلاحين المصريين المساكين وتسليمها لفرعون رمز السلطة البطرياركية (يا له من إله شاب منحاز للإلهة الأم حسب تصوّر ناجح ؟) وجعلهم عبيداً أجراء لدى الفرعون ؟ ألم يشتغل (وهو الموحّد) موظّفاً في خدمة الفرعون المُشرك ؟ ألم ينتزع أراضي الفلاحين المصريين كلّهم عدا أراضي الكهنة المشركين ؟ ألم يتزوّج مُشركةً ويُنجب منها (تزوج من أسينات بنت كابوسيس وأنجب منها ابنته مانيسا وابنه إفرايم، وفي رواية اخرى أنجب ولدين منها)؟
يقول ناجح : (كانت مكافأة فرعون لـ "يوسف" اعترافا بدوره وإخلاصه للملوكية / المؤلّهة – ص 220) (133) .
وماذا قال ناجح قبل قليل ؟!
ويقول ناجح هذا ناسياً أن هذا الإخلاص هو بالضد من عقيدة يوسف التوحيدية ، وكانت نتائجها تعزيزاً لسلطة الشِرك.
(وحاز يوسف على الديني والسياسي . وألبس فرعون يوسف أفخر الثياب وقدم له عطايا الفضة والذهب – ص 220) (134).
فما هو الديني الذي حاز عليه يوسف ؟ وهل في إلباسه أفخر الثياب وحصوله على الفضة والذهب تناصّاً مع باتا أم اختلافاً ؟! وهل كل من يحصل على ثياب جديدة أو قميص جديد (خصوصاً إذا كان ملوّناً) يكون في حالة متناصّة مع يوسف ؟! هل نعيد تساؤلاتنا السابقة؟
- (تزوّج يوسف وانجب لكن اسطورة الأخوين لم تخبرنا فيما اذا اقترن "بايتي" بامرأة ما . واعتقد بانه لم يتزوج ولو كان لانتقل العرش لواحد من ابنائه – ص 220) (135).
لكنّ هذا اختلاف جوهري ، ويدلّ على انخصاء باتا الفعلي كما قال لزوجته (أنا امرأة مثلك) في حين لم يكن يوسف مخصيّاً .
وهل سلّم يوسف حكم مصر لواحد من أبنائه أو لأخيه ؟!
هل الوزير الغير مقدّس والغير إلهي في الديانة المصرية يتناص مع الفرعون المقدّس والإلهي ؟! هل يُقارَن الإلهي المقدّس الأسطوري بالبشري الديني؟
- (وكان أنوبو عقيما ولم يحقق نسلية له حتى بعد ان صار ملكا وريثاً لاخيه "بايتي" على عرش مصر . وظل فوطيفار خصيا – ص 220) (136).
ولا أدري لماذا يقارن ناجح أنبو الأخ الأكبر الذي اعتبره بمثابة الأب لباتا بفوطيفار ، ولا يقارنه بيعقوب أبي يوسف الحقيقي . وهل كان فوطيفار أخاً أكبر ليوسف ؟! وهل كان يوسف أخاً أصغر لفوطيفار أم عبداً اشتراه من الإسماعيليين ، ثم تطوّر ليصبح مُدبّر منزل ومدير أعمال ؟! وهل العلاقة الأخوية مثل علاقة السيّد بالعبد التي تتنامى لتحمل بعداً إنسانياً من ثقة السيّد بعبده المؤتمن ثقة مطلقة ؟! وهل هناك إلهٌ شاب تمّ بيعه كعبد واشتغل عبداً لوزير بشري ؟! بل هل هناك نبي موحّد – عدا يوسف – ارتضى بالعبودية والعمل كعبد في بيت أحد المشركين الوثنيين ؟ وهل العمل كعبد يساوي العمل مع أخ بالمساواة ، كما رأينا ، وليس كما عرض سليمان مظهر وتبعه ناجح ومتعب مناف ؟ ثم ما أهمية أن يبقى أنبو عقيما وقد صار فرعوناً ، وما أهمية أن يبقى فوطيفار "خصيّاً" – وهو سوء فهم من ناجح كما بيّنا – وقد خبا دوره في القصّة ولم يعد "متناصّاً" مع أي طرف في حكاية الأخوين ؟! هل يتساوى عقيم يصبح فرعوناً مع عقيم موظّف ينتهي دوره في النصّ ؟! وهل كان لفوطيفار العقيم مثل هذا الدور الكبير والحاسم المساند لأخيه الأصغر في إنقاذه وإعادته إلى الحياة بعد موته حين قطع رجال الفرعون شجرة الأكاسيا التي وضع عليها قلبه ؟! أم أن فوطيفار تحوّل إلى عدوّ ليوسف رماه في السجن ونسيه ؟! وهل مرّ باتا بتجربة السجن مثل يوسف وهي تجربة مفتاحية نقلت يوسف والقصة نقلة حاسمة من عبد سجين مشبوه إلى وزير ومسؤول عن خزائن مصر؟!
(وهل يجوز لنبي أن يطلب مسؤولية الخزائن والمال الزائل الملوّث بعرق ودم الضحايا من الفلاحين المصريين ؟! أم أنّها خطوة "يهوديّة" ماليّة لتأكيد سطوة اليهود على ثروات مصر متسقة مع الأرض – وليس الجنة الاسطورية أو الدينية – التي يجري فيها اللبن والعسل التي سيعدهم بها إلههم يهوه ؟!).
- (اشتغل "بايتي" في الزراعة / الرعي وانفرد يوسف بالرعي فقط – ص 221) (137).
هكذا – بسرعة وببساطة - وكأن الأمر لا يعكس فارقاً هائلاً بين حضارتين وثقافتين متناقضتين (الحضارة الزراعية والحضارة الرعوية) !! حضارتان متناقضتان شكلت خصائصهما الإختلافات الجذرية بين حكاية الأخوين وقصة
رد: نعم ليلة تسليم جلجامش لليهود ياغير مسجل
ليلة تسليم جلجامش لليهود (٢٠)
الثلاثاء ١٦ أيار (مايو) ٢٠١٧، بقلم حسين سرمك حسن
وقفة: استيلاء على آراء الباحث الفرنسي "جورج رو":
ليلة تسليم جلجامش لليهود (٢٠)
على الصفحة 139 يقوم ناجح بتصحيح ما يراه فكرة خاطئة وقع فيها الدكتور أحمد كمال زكي في كتابه (الأسطورة) حين شبّه باتا، بموته وانبعاثه، بموت وانبعاث الإله دموزي، معتبرا إياه انسياقا وراء الدراسات الغربية عن الديانة في العراق القديم. ويقول ناجح إن الباحث "نائل حنون" قد اثبت – واعتمادا على النصوص المسمارية – بأن الإله دوموزي / تموز نزل إلى العالم الأسفل ولم يغادره (ص 139) (127).
وكملاحظة سريعة - لأن المجال ليس مناسباً هنا للرد على هذا الرأي المعقّد بصورة تفصيلية - أقول إن بعض الباحثين العرب قد استولوا على فكرتين طرحهما الباحث الآثاري الثقة، الطبيب الفرنسي (جورج رو) في كتابه (العراق القديم)، وهما:
- أن تموز ليس إلها للخصب وأن إنانا/ عشتار هي الأولى بهذا اللقب
- وأن الإله تموز من آلهة العالم الأسفل.
ولكن لا أحد منهم أشار إلى ملاحظتي هذا الباحث الفرنسي المسكين.
كما وجدتُ إشارة واضحة من المؤرخ المعروف "ول ديورانت" إلى كون الإله تموز هو من آلهة العالم الأسفل في الجزء الأول من كتابه "قصّة الحضارة". وسوف تكون لنا وقفة طويلة مستقلة مع هذه الأطروحات في مستقبل قريب بإذن الله.
الثور رمز لقوّة الإله الشاب وليس لتجدّده وانبعاثه:
في الشرح المطوّل عن تجليات العلاقة بين الثور والإله القتيل في الحضارات المختلفة يقول ناجح في أحد المواضع:
(ينطوي الثور المتناظر مع الالوهة الشابة / القتيلة في ديانات الخصب التي عرفتها بلدان الشرق الأدنى على دلالات عديدة ومتنوعة، ولكنها مع كل التنوع تظل ذات صلة فكرية مباشرة بالإنبعاث / والقوة وتجدد عناصر الحياة - ص 159) (128).
وفي موضع آخر يقول أيضاً:
(ويبدو واضحاً (...) الصلة الموجودة بين الاله امون والثور ورمزيته الكاشفة عن الاتساع الدلالي الجنسي والصلة المباشرة مع نظام الخصوبة وعقائد الانبعاث (...) كما يلاحظ في الاحصائية التي اشرنا لها التوزع بين الاشارات والعلامات الدالة على الجنس والعلاقة المباشرة مع التجدد والانبعاث والقوة، ومعاودة الحياة تجددها مرة ثانية - ص 166) (129).
وفي كلا الموقفين – وهذا ديدن الكثير من الباحثين في مجال الأسطورة – يعتبر ناجح الثور رمزا للإله القتيل ولعملية الموت والانبعاث. وأعتقد أن الثور هو من رموز القوة الجسدية والجنسية للإله الشاب، وليس من رموز موته وانبعاثه، فالإنسان البدائي كان يرى مثلا القمح والزهور والشجر تجف وتموت أو تُحصد وتقطع، ثم تعود للظهور والتجدد، ولكنه لم ير هذه الظاهرة في الثور، وحين ربطه بالإله الشاب فللتعبير عن قوّته الجسدية وكفايته الجنسية.
الإله تموز ثور أم أنثوي ناعم؟:
وارتباطا بالإنخصاء والخصيان يقول ناجح:
(ان الخصيان يكررون امام الام الكبرى دور الاله تموز الذي كان جميلا، غضا مؤنث الصفات، خاضعا لعشتار، مسلما لها قياده – ص 89).
أي أن الإله تموز – حسب حكم ناجح السابق – كان مؤنّث الصفات، جميلاً وغضّاً. ولكن ناجح سرعان ما يناقض نفسه حين يقول:
(وعرفت الحضارة العراقية القديمة الثور صفة للالوهة الشابة ورمزا للقوة والشجاعة وجسد نظام الخصب ايضا – ص 168).
فكيف نستوعب هذا التناقض؟
من جهة نسمع أن الإله تموز غض ومؤنث الصفات، ومن جهة أخرى هو ثور قوي شجاع بكل ما تعنيه مفردة "ثور" من ذكورة متدفّقة وقدرة إخصابية هائلة!! فكيف يجتمع النقيضان؟
ثم يمعن ناجح في مناقضة نفسه وأرباك القارىء حين يقول بعظمة لسانه أن الإله تموز كان ثورا قويّاً وفتيّاً:
(وكان الثور لقباً للإله الشاب السومري دوموزي / تموز، وهو كناية عن قوّته وفتوته – ص 157).
ولا يكتفي بذلك بل – وإمعاناً في إلغاء اي صفة أنثوية عن الإله تموز - ينقل لنا مقاطع من أناشيد عشتار وهي تتغزل بحبيبها الثور الفحل وتدعوه إلى أن يحرث فرجها:
(وقد اشارت الكثير من القصائد السومرية للثور دوموزي وخصوصا في نصوص الزواج المقدّس
تعبيرا عن طاقته الجنسية وقوته الفحولية
فرجي، انا الصبية من سيحرثه لي؟
فرجي انا، هذه التلة المنتفخة
هذه الارض الرطبة التي هي انا
انا الملكة من ذا الذي سيضع فيّ
ثيرانه للحراثة؟
ايها الثور الوحشي "دوموزي"
في وسط الحظيرة، دفق من اجلي
لبن ماعزك
اي دوموزي
اطلق سراحي ايها الثور الوحشي –ص 157 و158).
واذا كان الإله تموز أنثوياً غضّاً، فكيف نفسّر استعارة الملوك السومريين والأكاديين لاسمه في طقوص الزواج المقدّس الذي استمر لقرون طويلة؟!
رد: نعم ليلة تسليم جلجامش لليهود ياغير مسجل
ليلة تسليم جلجامش لليهود فضح مغالطات التناص بين الفكر العراقي القديم والفكر التوراتي (٢١)
الخميس ١ حزيران (يونيو) ٢٠١٧، بقلم حسين سرمك حسن
لنمضي الآن مع ناجح في تشابهات أخر مزعومة بين باتا ويوسف :
يقول ناجح : (حاز باتا بعد أن صار ملكاً على مهام دينية وصارت لديه خصائص الهية وتميز يوسف التوراتي بهذا المجال من خلال علاقته القوية مع فرعون – ص 220 ) (132).
فما هي المهام الدينية والخصائص الإلهية التي اضطلع بها يوسف بعد أن صار وزيرا لفرعون والتي توازي المهام الدينية والخصائص الإلهية التي حصل عليها باتا ؟ وأعني بالمهام الدينية والخصائص الإلهية على المستويين : التوحيدي بالنسبة للديانة اليهودية ، والوثني بالنسبة للديانة الفرعونية.
هل قام يوسف بالتبشير بالديانة التوحيدية "الجديدة" التي يحملها في مصر ؟ هل عُومِل كإله أو كممثل للإله أو حتى كنبيّ أو رسول في مصر ؟ هل تصرّف كنبيّ او كرسول من الناحية اليهودية ؟ أو كإله شاب أو ممثل له من الناحية الاسطورية الفرعونية ؟ هل قام بأكثر من واجبات ما يقابل وزير التجارة والميرة أو الإقتصاد في حكومة الفرعون ؟ ألم يقم بانتزاع أراضي الفلاحين المصريين المساكين وتسليمها لفرعون رمز السلطة البطرياركية (يا له من إله شاب منحاز للإلهة الأم حسب تصوّر ناجح ؟) وجعلهم عبيداً أجراء لدى الفرعون ؟ ألم يشتغل (وهو الموحّد) موظّفاً في خدمة الفرعون المُشرك ؟ ألم ينتزع أراضي الفلاحين المصريين كلّهم عدا أراضي الكهنة المشركين ؟ ألم يتزوّج مُشركةً ويُنجب منها (تزوج من أسينات بنت كابوسيس وأنجب منها ابنته مانيسا وابنه إفرايم، وفي رواية اخرى أنجب ولدين منها)؟
يقول ناجح : (كانت مكافأة فرعون لـ "يوسف" اعترافا بدوره وإخلاصه للملوكية / المؤلّهة – ص 220) (133) .
وماذا قال ناجح قبل قليل ؟!
ويقول ناجح هذا ناسياً أن هذا الإخلاص هو بالضد من عقيدة يوسف التوحيدية ، وكانت نتائجها تعزيزاً لسلطة الشِرك.
(وحاز يوسف على الديني والسياسي . وألبس فرعون يوسف أفخر الثياب وقدم له عطايا الفضة والذهب – ص 220) (134).
فما هو الديني الذي حاز عليه يوسف ؟ وهل في إلباسه أفخر الثياب وحصوله على الفضة والذهب تناصّاً مع باتا أم اختلافاً ؟! وهل كل من يحصل على ثياب جديدة أو قميص جديد (خصوصاً إذا كان ملوّناً) يكون في حالة متناصّة مع يوسف ؟! هل نعيد تساؤلاتنا السابقة؟
- (تزوّج يوسف وانجب لكن اسطورة الأخوين لم تخبرنا فيما اذا اقترن "بايتي" بامرأة ما . واعتقد بانه لم يتزوج ولو كان لانتقل العرش لواحد من ابنائه – ص 220) (135).
لكنّ هذا اختلاف جوهري ، ويدلّ على انخصاء باتا الفعلي كما قال لزوجته (أنا امرأة مثلك) في حين لم يكن يوسف مخصيّاً .
وهل سلّم يوسف حكم مصر لواحد من أبنائه أو لأخيه ؟!
هل الوزير الغير مقدّس والغير إلهي في الديانة المصرية يتناص مع الفرعون المقدّس والإلهي ؟! هل يُقارَن الإلهي المقدّس الأسطوري بالبشري الديني؟
- (وكان أنوبو عقيما ولم يحقق نسلية له حتى بعد ان صار ملكا وريثاً لاخيه "بايتي" على عرش مصر . وظل فوطيفار خصيا – ص 220) (136).
ولا أدري لماذا يقارن ناجح أنبو الأخ الأكبر الذي اعتبره بمثابة الأب لباتا بفوطيفار ، ولا يقارنه بيعقوب أبي يوسف الحقيقي . وهل كان فوطيفار أخاً أكبر ليوسف ؟! وهل كان يوسف أخاً أصغر لفوطيفار أم عبداً اشتراه من الإسماعيليين ، ثم تطوّر ليصبح مُدبّر منزل ومدير أعمال ؟! وهل العلاقة الأخوية مثل علاقة السيّد بالعبد التي تتنامى لتحمل بعداً إنسانياً من ثقة السيّد بعبده المؤتمن ثقة مطلقة ؟! وهل هناك إلهٌ شاب تمّ بيعه كعبد واشتغل عبداً لوزير بشري ؟! بل هل هناك نبي موحّد – عدا يوسف – ارتضى بالعبودية والعمل كعبد في بيت أحد المشركين الوثنيين ؟ وهل العمل كعبد يساوي العمل مع أخ بالمساواة ، كما رأينا ، وليس كما عرض سليمان مظهر وتبعه ناجح ومتعب مناف ؟ ثم ما أهمية أن يبقى أنبو عقيما وقد صار فرعوناً ، وما أهمية أن يبقى فوطيفار "خصيّاً" – وهو سوء فهم من ناجح كما بيّنا – وقد خبا دوره في القصّة ولم يعد "متناصّاً" مع أي طرف في حكاية الأخوين ؟! هل يتساوى عقيم يصبح فرعوناً مع عقيم موظّف ينتهي دوره في النصّ ؟! وهل كان لفوطيفار العقيم مثل هذا الدور الكبير والحاسم المساند لأخيه الأصغر في إنقاذه وإعادته إلى الحياة بعد موته حين قطع رجال الفرعون شجرة الأكاسيا التي وضع عليها قلبه ؟! أم أن فوطيفار تحوّل إلى عدوّ ليوسف رماه في السجن ونسيه ؟! وهل مرّ باتا بتجربة السجن مثل يوسف وهي تجربة مفتاحية نقلت يوسف والقصة نقلة حاسمة من عبد سجين مشبوه إلى وزير ومسؤول عن خزائن مصر؟!
(وهل يجوز لنبي أن يطلب مسؤولية الخزائن والمال الزائل الملوّث بعرق ودم الضحايا من الفلاحين المصريين ؟! أم أنّها خطوة "يهوديّة" ماليّة لتأكيد سطوة اليهود على ثروات مصر متسقة مع الأرض – وليس الجنة الاسطورية أو الدينية – التي يجري فيها اللبن والعسل التي سيعدهم بها إلههم يهوه ؟!).
- (اشتغل "بايتي" في الزراعة / الرعي وانفرد يوسف بالرعي فقط – ص 221) (137).
هكذا – بسرعة وببساطة - وكأن الأمر لا يعكس فارقاً هائلاً بين حضارتين وثقافتين متناقضتين (الحضارة الزراعية والحضارة الرعوية) !! حضارتان متناقضتان شكلت خصائصهما الإختلافات الجذرية بين حكاية الأخوين وقصة يوسف !