-
قل ولا تقل
قل ولا تقل / الحلقة الرابعة عشرة
إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟
قل: كابد العدوُّ خسارة كذا وكذا
ولا تقل: تكبَّد العدو الخسارة
وذلك لأن "تكبَّد" على وزن "تفعَّل" وقد ذكرنا في الكلام على "تعرَّض" أن تاءه وتاء أمثاله تدل على رغبة الفاعل في الفعل والمفعول به، والعدو لم يرغب في الخسارة كما هو بديهي. يضاف الى ذلك أن "تكبّد" له عدة معان ليس فيها ما يقابل "كابد" أي قاسى وتحمل بمشقة أو ما يقاربه.
قال ابن فارس في المقاييس: "الكاف والباء والدال أصلٌ صحيح يدلُّ على شِدّة في شيء وقُوّة. من ذلك الكَبَد، وهي المشقّة. يقال: لَقِيَ فلانٌ من هذا الأمر كَبَداً، أي مشَقة. قال تعالى: لَقَدْ خَلقْنَا الإنسانَ في كَبَدٍ.... ومن الاستعارة: كَبِد السَّماء: وسطها..... ويقال: تكبَّدَتِ الشّمس، إذا صارت في كَبِد السماء.... وتَكَبَّدَ اللَّبنُ: غَلُظَ وخَثُر."
وورد في لسان العرب: "وتَكَبَّدتِ الشمسُ السماءَ: صارت في كَبِدِها.....ويقال: تكبدت الأمر قصدته ومنه قوله: يروم البلاد أيها يتكبد.... وتكبد الفلاة إذا قصد وسطها ومعظمها... وتَكَبَّد اللبنُ وغيرُه من الشراب: غَلُظ وخَثُر".
فتكبَّد الشيء المائع لا مطمع فيه لتوجيه الخطأ في قولهم "تكبَّد خسارة" لأنه مشتق من الكبد وبمعنى صار مثل الكبد، وتكبدَّت الشمس السماء وتكبّد فلان الفلاة والأمر، يدل على إرادة الفاعل لفعل، كما ذكرنا، فلا وجه لإستعارة جديدة كأن يقال: "أراد العدو الدخول في وسط الخسارة" فإنه لا يريدها بل يريد الفوز والفلح والظفر والغلبة والإخسار. فالصواب ما ذكرناه وهو "كابد العدو الخسارة".
قال ابن فارس: "وكابدت الأمر: قاسيته في مشقة".
وورد في لسان العرب في تفسير الآية المذكورة آنفاً: "... وفي كَبَدَ يكابد أَمر الدنيا والآخرة. قال أَبو منصور: ومكابَدَةُ الأَمر معاناة مشقته.
وكابَدْت الأَمر إِذا قاسيت شدته...... الليث: الرجل يُكابِدُ الليلَ إِذا رَكِبَ هَوْلَه وصُعُوبَتَه، ويقال: كابَدْتُ ظلمة هذه الليلة مُكابدة شديدة... وكابَدَ الأَمرَ مُكابَدَة وكِباداً: قاساه..... قال العجاج:
ولَيْلَةٍ مِنَ اللَّيالي مَرَّتْ بِكابِدٍ، كابَدْتُها وجَرَّتْ
أَي طالت."
هذا معظم النصوص اللغوية المعجمية لإستعمال "كابد" ومن شواهد الواقع اللغوي لها ما ورد "ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ: ﺗﺮﺑﺖ ﺃﻳﺪﻳﻜﻢ إلى ﺁﺧﺮ ﺍﻟﺪﻫﺮ، أما إني قد أمرتكم فعصيتموني فمكثت (أكابد ما في نفسي) ورأيت في الليل المقداد ﻭﺳﻠﻤﺎﻥ ﻭﺃﺑﺎ ﺫﺭ ﻭﻋﺒﺎﺩﺓ ﺑﻦ ﺍﻟﺼﺎﻣﺖ ﻭﺃﺑﺎ الهيثم ﺑﻦ ﺍﻟﺘﻴﻬﺎﻥ ﻭﺣﺬﻳﻔﺔ ﻭﻋﻤﺎﺭﺍﹰ، ﻭﻫﻢ ﻳﺮﻳﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻌﻴﺪﻭﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﺷﻮﺭﻯ بين المهاجرين.[1]" وتأتي المكابدة للمقاومة عامة والمنازلة مع مقاساة مشقة، فمن ذلك ما ورد في أبيات عُزيت الى معاوية بن أبي سفيان:
أكابده والسيف بيني وبينه ولست لأثواب الدنيء بلابس
وإني لأرجو خير ما نال نائل وما أنا من ملك العراق بيائس
وقال ابن الجوزي: "... عنه وهب بن منبه قال: إني وجدت فيما أنزل الله على أنبيائه أن الشيطان (لم يكابد) شيئا أشد عليه من مؤمن عاقل وانه "يكابد" مائة جاهل فيستجرهم حتى يركب رقابهم فينقادون له حيث شاء "ويكابد" المؤمن العاقل فيتعصب عليه حتى لا ينال منه شيئاً من حاجته".
وقال جحدر سجين الحجاج:
وتقدمي لليّث أرسفُ نحوه حتى أكابده على الإحراج
وجاء في أخبار قبيلة جديس قول عُفيرة بنت الأسود الجدسي لأخيها الأسود: "لا تفعل هذا فإن الغدر فيه ذلة وعار ولكن (كابدوا) القوم في ديارهم تظفروا أو تموتوا كراماً".
وبما نقلناه من نصوص واقع اللغة العربية في استعمال "كابد" يظهر للقارئ تقصير اللغويين القدامي في ذكر معاني هذا الفعل المجازية الإستعارية التي هي جناحا كل لغة محلقة في سماء الحضارة والجدارة بالإزدهار والتقلب في جميل الأطوار، وباب الإستعارة مفتوح في اللغة العربية على شرط أن تكون سائغة عذبة في أذواق العرب. (م ج)
قل: مُتخصّصٌ بالعلم
ولا تقل: إخصائيّ به
وذلك أن "الإخصائي" على وزن الإعدامي إنما هو منسوب الى "الإخصاء" على وزن الإعدام، والإخصاء مشتق من "الخصي" أي المخصي. قال جار الله الزمخشري في "ربيع الأبرار" وهو كتاب مشهور: "إن من لا يعلم إلا فنَاً واحداً من العلم ينبغى أن يسمى خصي العلماء". والسبب في ذلك أن الوقوف على علم واحد عند القدماء كان عجزاً وعيباً. من لفظ “الخصيّ" المذكور أخذوا الفعل "أخصى يخصي" والمصدر الإخصاء. فمعنى أخصى فلان هو "صار خصياً في العلم" مثل أثرى أي صار ثرياً وأفصح بمعنى صار فصيحاً.
قال مؤلف القاموس: "وأخصى: تعلم علماً واحداً". وفي قوله اشارة إلى أنه لم يتقن العلم الواحد ولو كان فيه دلالة على الإتقان لقال "تعلم علماً واحداً وأتقنه وبرع فيه ومهر وتبحر فيه" وما إلى ذلك. فالإخصاء أقرب الى الذم من التصريح به، ثم أن قباحة اللفظ تدل على قبح معناه، وقد أحسن بذلك من اختاره لتأدية معنى "سبيسياليست" الفرنسية فاجتنب اسم فاعله القبيح وهو "المُخصي" على وزن المُثري وأخذ مصدره "الإخصاء" ونسب اليه ليغطي على عواره ويستر من شينه، مع ان العرب تقدم اسم الفاعل والصفة المشبهة على غيرهما في مثل هذا المعنى، لذلك قالت: "الرازق والمفسد والمستقصي" ولم تقل "الرزقي والإفسادي والإستقصائي". وقالت الشريف ولم تقل الشرفي لتأدية معناه. فأنت ترى ان "الإخصائي" اسم قبيح في المعنى وغلط في الوضع. ومن أدلتنا على صحة المتخصص قول القفطي في ترجمة ابن عبد الأعلى المنجم المصري "وعلي هذا من المتخصصين بعلم النجوم وله مع هذا أدب وشعر". (م ج)
قل: طبيب متخصص وأطباء متخصصون
ولا تقل: طبيب إخصائي ولا أطباء إخصائيون
فالاخصائي منسوب الى الإخصاء، ذكر الفيروزأبادي في القاموس أنهم قالوا "أخصى فلان إذا تعلم علماً واحداً" فظن واضح الإصطلاح أن "الاخصاء" هو للمدح والتنبيه والتنويه، فنسب اليه على صورة "اخصائي" وهذا النسب مخالف للذوق واللغة، لأن الوصف بالإخصائي لا يفيد البتة. ألا ترى أن المعلم لا يقال "تعليمي" والمدرس لا يقال "تدريسي" فما كان الداعي الى استبدال المصدر باسم الفاعل، فالمعطي لم يسمه أحد الإعطائي. (م ج)
قل: مكان وطيء وخفيض أي منخفض
ولا تقل: مكان واطئ
لأن الوطيء هو السهل والمنخفض. قال ابن مكرم الأنصاري: "والوَطِيءُ السَّهْلُ من الناسِ والدَّوابِّ والأماكِنِ. وقد وَطُؤَ الموضعُ، بالضم، يَوْطُؤُ وطَاءة وَوُطُوءة وطِئةً: صار وَطِيئاً..... والوَطَاءُ والوِطَاءُ: ما انْخَفَضَ من الأَرض بين النّشازِ والإِشْرافِ، والمِيطَاءُ كذلك.... ويقال: هذه أَرضٌ مُسْتَوِيةٌ لا رِباءَ فيها ولا وِطَاءَ أَي لا صُعُودَ فيها ولا انْخفاضَ." انتهى المراد نقله من لسان العرب. أما الواطئ فهو اسم فاعل من "وطئ الشيء يطؤه وطأً أي داسه" قال الشاعر:
ووطئتنا وطأً على حنق وطء المقيد نابت الهرم
فالواطئ هو العالي بالنسبة الى الموطئ، فاستعمال الواطئ يدل على عكس المراد فقل: مكان وطيء. (م ج)
قل: نذيع بينكم وفيكم
ولا تقل: نذيع عليكم
ويقولون "نذيع عليكم" بمعنى نذيع بينكم وفيكم وذلك خطأ لأن "على" في العربية تفيد الإستعلاء والتسلط والأذي في الأعم الأغلب. فمعنى "نذيع عليكم" هو ننشر أخباراً سيئة وأوصافاً قبيحة لكم أو ما تكرهون نشره من أحوالكم، كما يقال "قال عليهم وتقول عليهم ونشر عليهم ونادى عليهم ورفع عليهم". قال الجوهري في الصحاح: "ذاع الخبر يذيع ذيعا وذيوعة وذيعاناً أي انتشر، وأذاعه أي أفشاه والمذياع الذي لا يكتم السر".. وورد في أساس البلاغة للمزمخشري: "ذاع سره ذيوعاً وأذاع الخبر والسر وأذاعه وهو مذيع مذياع".
وفي المصباح المنير: "ذاع الحديث ذيعاً وذيوعاً: انتشر وظهر وأذعته: أظهرته". وفي القاموس: "ذاع الخبر يذيع ذيعاً وذيوعاً و ذيوعة وذَيَعاناً (محركة): انتشر وأذاع سره وبه أفشاه وأظهره أو نادى به في الناس".
وفي لسان العرب: "الذَّيْعُ: أَن يَشِيع الأَمرُ. يقال أَذَعْناه فذاع وأَذَعْت الأَمر وأَذَعْتُ به وأَذَعْتُ السِّرَّ إِذاعة إِذا أَفْشيْته وأَظهرته.
وذاعَ الشيءُ والخبر... وأَذاعه وأَذاع به أَي أَفشاه.
وأَذاعَ بالشيء.... وفي التنزيل: وإِذا جاءهم أَمْر من الأَمْن أَو الخَوْف أَذاعوا به، قال أَبو إِسحق: يعني بهذا جماعة من المنافقين وضَعَفةً من المسلمين، قال: ومعنى أَذاعُوا به أَي أَظهروه ونادَوْا به في الناس؛ وأَنشد: أَذاعَ به في الناسِ حتى كأَنه بعَلْياء نارٌ أُوقِدتْ بثَقُوبِ".
فهذه معظم النصوص اللغوية للفعل "أذاع" ومصدره "الإذاعة" ولم يذكر اللغويون حرفها ولا الظرف المتمم لجملها، سوى ما ورد في بيت الشعر، فمن البديهي أن يكون الحرف "في" والظرف "بين" ويجوز "عند" إذا اقتضاه المعنى، كما يقال "نشر فيهم وبينهم".
أما "أذاع عليه" فكما ذكرنا في أول التنبيه يفيد النشر السيء والوصف القبيح ونشر ما يكره نشره. جاء في مادة ر ف ع من أساس البلاغة "ورفع فلان على العامل: أذاع عليه خبره"، يعني نشر بين الناس اختيانه أو احتجانه. ومع هذا فأنا على عادتي لا أترك ما أحتج له أو ما أنبه عليه خلواً من شواهد الواقع اللغوي أي الإستعمال لكي يطمئن القارئ ويجد فائدة زائدة على ما ذكر اللغويون فإن نصوصهم في متناول المتناول.
جاء في أخبار نصيب قول قائلة: "فرأيت السوداء تخبط الأسود وتقول له: شهرتني و (أذعت في الناس ) ذكري. فإذا هو نصيب وزوجته". وقال أبو الأسود الدؤلي في بعض الرجال، وقد ذكرناه آنفاً في النصوص اللغوية ولم يذكروا قائله ليقووا ناقله:
أذاع به في الناس حتى كأنه بعلياء نار أوقدت بثقوب
أما "أذاع عليه أو عليه" فيفيد النشر السيء أو الوصف القبيح أو نشر ما يكره نشره أو يكرهونه. جاء في أخبار ديك الجن عبد السلام بن رغبان الشاعر: "وحكا ابن عمه بغضه إياه بعد مودته وإشفاقه عليه بسبب هجائه له على أن (أذاع على تلك المرأة) التي تزوجها عبد السلام أنها تهوى غلاماً لها". وقال عمرو بن مسعدة الأديب الكاتب للمأمون: "وإنما كنت غبياً لو (أذعت سراً على السلطان) فيه ندم أو نقض تدبير".
وقال موسى بن علقمة المكي في قصة فتى من النساك مغرم بجارية أشد الغرام وهائم بحبها أشد الهيام: "فدخلت عليه يوماً ولم أزل به ألح عليه إلى أن حدثني بحديثه وما يقاسيه وسأل (أن لا أذيع عليه ذلك) ولا يسمع به أحد فرحمته لما يقاسي وما صار إليه". وقدمنا قول الزمخشري في مادة ر ف ع من أساس البلاغة "ورفع فلان على العامل".
ولقائل أن يقول إن باب الإستعارة مفتوح في العربية وباب التضمين غير مغلق أفلا يجوز أن يستعمل "أذاع عليه أو عليهم" بمعنى قرأ عليه أو عليهم؟ قلنا لو لم يستعمله الفصحاء بذلك المعنى الذي ذكرناه ولو لم يذع على النحو الذي ذكرنا شواهده لجاز ذلك، فلماذا لا يقال "نقرأ عليه وعليكم" ولماذا هذا العبث باسلوب العرب الفصيح في خطابهم وكتابهم؟
فالصواب: نذيع فيكم وبينكم. (م ج)
قل: وجبَ هنا التنبيه
ولا تقل: وجبَ هنا التَّنويه
كتب إبراهيم اليازجي في "لغة الجرائد": "ويقولون نوه بالأمر ونوه عنه أي ذكره تلويحاً وأشار اليه من طرف خفي وليس ذلك من استعمال العرب في شيء وانما هو تواطؤ العامة. قال في الأساس نوهت به تنويهاً رفعت ذكره وشهرته. وإذا رفعت صوتك فدعوت إنساناً قلت نوهت به ونوهت بالحديث أشدت به وأظهرته. ا ه. فهو لا يخلو أن يكون على عكس استعمالهم كما ترى". وذكر مثله خالد العبري وأضاف قائلاً: "نستعمل كثيراً لفظة: "تَنويه" قاصدين بها "التنبيه"، والتنويه ليست كالتنبيه فلا تصلح أن تستعمل للمعنى نفسه. فالتنويه في اللغة يعني: الثناء والإشادة بشخص معين والرفع من ذكره، وهو معنى – كما ترى – بعيد عن معنى التنبيه.
ويمكن أن نستأنس هنا بقول صفي الدين الحلي (من الوافر):
فكيف أروم أم أجزيك صنعاً وأيسر صنعك التنويه باسمي
قل: نعم الرجل فلان
و لاتقل: أنعم بفلان من رجل
ويقولون أنعم بفلان من رجل أي نعم الرجل فيأتون به على صيغة أفعل على حد أكرم به مثلا ومنهم من يجمع بينهما يقول أنعم به وأكرم وهي من العبارات الشائعة على ألسنة العامة. ومعلوم أن أنعم به صيغة تعجب فهو بمعنى ما أنعمه كما أن أكرم به بمعنى ما أكرمه وحينئذ فاشتقاقه (أي أنعم) من النعومة أو النعمة لا من نِعْمَ التي هي فعل مدح لأن هذه من الأفعال الجامدة التي لا تبنى منها صيغة تعجب. (إ ي)
قل: هذا من تراثنا الشعبي
ولا تقل: هذا من فلكلورنا
فقد شاع في القرن العشرين استعمال لفظة "فلكلور" فكتب عنها الكتاب وتحدث عنها المتحدثون. بل إن الأمر اخذ منحى أخطر من ذلك حين قرر مجمع اللغة العربية في القاهرة عام 1972 إعتماد لفظة "فلكلور" على أنها تعني ما تركه السلف من الفنون والآداب الشعبية. وترتب على ذلك أنها دخلت "المعجم الوسيط" حيت ظهرت منذ عام 1973 كما يلي:
فلكلور: مأثورات شعبية أو تراث شعبي (مج)
ولعمري لا أدري ما الذي دفع مجمع اللغة لإتخاذ هذا القرار، فقد يعذر جهلة نجد والخليج إذا لم يميزوا بين القاف والغين لكن مجلساً أخذ على نفسه أن يحمي هذه اللغة ويصونها لا يمكن له أن يدخل عليها الهجين المستجهن دون مسوغ! ولكي أوضح ما أريده تعالوا نرى اصل هذه اللفظة الإنكليزية لنفهم سبب دخولها للعربية. فكل من يعرف الإنكليزية لا بد أن يعرف أنها لغة لا تقدر على الإشتقاق لأنها لا جذور لها فهي حين تحتاج لإشتقاق لفظة جديدة لا بد أن تلجأ في أغلب الأحيان للغة اللاتينية وقد تلجأ أحياناً للجرمانية. وهذا الكلمة دخلت الإستعمال في الإنكليزية أول مرة عام 1846 حين اشتقها الكاتب الإنكليزي ويليام جونز توماس، أي أنها لم تكن مستعملة حتى في الإنكليزية قبل ذلك التأريخ. ولست ملماً باللاتينية أو الإغريقية حتى أستدل على ما كانت تلك الأقوام تستعمل لتعبر فيه عن تراثها الشعبي. وحبذا لو تمكن أحد الباحثين العرب أن يعلمنا بما كان العرب يستعملون من لفظ إذا ما تحدثوا عن ملحمة "كلكامش" أو زرقاء اليمامة على سبيل المثال قبل أن ياتينا ويليام بالفلكلور.
ويبدو أن ويليام توماس أخذها عن الجرمانية. فقد اشتقها من كلمتين وهما "فوك" و "لور". أما الأولى "فوك" فتعني "الشعب" وأما "لور" فتعني "التراث". وقد اصبحت كلمة "فلكلور" الإنكليزية تعني على وفق تعريف القاموس "إيمان وعادات وأساطير وخرافات مجموعة عرقية من الناس". وحيث إنا لا يمكن لنا أن نعرب كلمة عن الإنكليزية ونعطيها معنى يتجاوز المعنى الأصلي الذي أخذنا عنه فإنه يصيح واضحاً أن الكلمة لا تعني في الأصل أكثر من "التراث الشعبي". فما الذي أضطر مجمع اللغة العربية في القاهرة ألا يستعمل المصطلع العربي "التراث الشعبي" وهو أفضل وقعاُ في السمع العربي من اللفظ الإنكليزي وأوفي في المعنى؟.
فقل: التراث الشعبي
ولا تقل: الفلكلور. (ع ع)
وللحديث صلة....
عبد الحق العاني
12 تشرين أول 2013
www.haqalani.com
[1] شرح نهج البلاغة لإبن ابي الحديد مج 1 ص74 طبعة الحلبي الأولى.
-
السلام عليكم
هذه بداية متواضعة لمشروع طموح أنشره في حلقات اسبوعية، وآمل من خلاله تصحيح ولو قليل من الخطأ الشائع والذي يتفشى كالداء القاتل. أرجو أن يقوم كل متلق بنشره في أوسع دائرة من الناس لأن الهدف هو أن يعم النفع أكبر عدد...
إن أمة لا تتعلم لسانها لا يمكن لها أن تتقدم...
سلام
عبد الحق
1 حزيران 2013
-
قل ولا تقل (1)
لقد عانت اللغة العربية من اللحن والخطأ والخلل وقبيح القول منذ العصور الأولى بعد الإسلام حين دخلت شعوب أخرى فيه. لكن العصر الحديث شهد إنحدارا خطيرا أصبح فيه الخطأ هو السنة والصواب هو الشاذ. وليس لي من بليغ القول ما أصف به ذلك لكني أستعير ما كتبه العالم الدكتور مصطفى جواد الأعجمي الأصل والعربي الهوى والعراقي المنشأ حين كتب:
"ومن أشد الرزايا التي نزلت بالعربية أيضا أن أساتذة في التأريخ والجغرافيا والعلوم لم يتعلموا من قواعدها ما يصون أقلامهم وألسنتهم من الغلط الفاحش واللحن الفظيع وإذا عوتبوا أو ليموا – وهم مليمون حقا – قالوا نحن ندرس التأريخ والجغرافيا والعلوم، ولا يخجلون من هذا الإعتذار، مع انهم أصبحوا سخرية الساخرين وضحكة الضاحكين ولا سيما مشاهدي "التلفزيون" مع أنهم يعلمون أن الإنكليزي العالم – على سبيل المثال – لا يخطئ الصواب في لغته ولو كان الخطأ الواقع منه في حرف جر لتناولته الألسن والأقلام باللوم والتقريع والتأنيب.
ونرى في "تحريرات" الدوائر ودواوين الحكومة أغلاطا تبعث على الأسف، فرفع المجرور ونصب المرفوع من الأمور المألوفة فيها، ولا سيما الإعلانات والتنبيهات، فضلا عن السقيم من العبارات. وإني لأتذكر أني قرأت في العهد الملكي الزائل على باب مكتب اللجنة الطبية بمعسكر الرشيد هذه الجملة "ممنوع دخول القلم حفظا لتفشي الأسرار"، فتأمل جهل المنبه للتركيب التعبيري، أراد "منعا لتفشي الأسرار" فوضع مكانه "حفظا لتفشي الأسرار" ولم يخطر بباله "حفظا للأسرار" فهو أوجز وأدل وأوفى بالمقصود.
ولا تسأل عن مترجمي الأفلام السينمية فهؤلاء أكلة السحت، يرتكبون من اللحن والغلط الشنيعين ما أصبح مخشيا كل الخشية على العربية وطلاب المدارس والشداة من الدارسين، وليت شعري كيف تجيز لجنة رقابة الأفلام وهي لجنة منتخبة من موظفي الدولة ومنهم موظف من وزارة التربية والتعليم المهيمنة على شؤون الثقافة اللغوية فلما ترجمة لغته فاسدة مفسدة، ناقضة لقواعد العربية، وأكثر المختلفين إلى دور السينما هم من طلاب المدارس والمعاهد والكليات؟"
وقد ظل المرحوم مصطفى جواد طيلة حياته حريصا على العربية فكتب في ذلك الكثير وكان مما قدمه في خدمة العربية سلسة إذاعية أسماها "قل ولا تقل" بين فيها الكثير من الخطأ الشائع في استعمال اللغة وأوضح الصواب فيها.
واليوم ساء الأمر كثيرا عما كان عليه في حياة المرحوم مصطفى جواد، وأسهم في هذا التردي مأ ادخلته ثورة الإتصالات الرقمية من محطات الجهالة التلفازية التي دخلت البيوت ومن مواقع على شبكة المعلومات يكتب فيها كل من هب ودب من أنصاف المتعلمين والجهلة.
وهذه محاولة متواضعة مني، رغم أني لست عالم لغة لكني متعلم على سبيل النجاة، لإعادة نشر ما كتبه العالم المرحوم مصطفى جواد وإضافة ما يجب إضافته من التنبيه الى الأخطاء التي لم يوردها جواد مما جاء به آخرون قبله أو ما كتبه لاحقون بعده.
وكلي أمل أن أنفع الناس وأعيد للعربية بعضا من كرامتها التي هدرها الإعلام الجاهل. وحتى لا يقولن قائل أني أسلب العالم مصطفى جواد مجده فإني سوف أشير الى كل مقتبس منه بالحرفين (م ج)، فما لم يكن لمصطفى جواد فسوف أشير لمصدره في موضعه.
قل الجُمهور والجُمهورية
ولا تقل الجَمهور والجَمهورية
وذلك لأن المسموع من العرب والمأثور في كتب لغتهم هو الجُمهور بضم الجيم ولأن الإسم إذا كان علة هذه الصيغة وجب أن تكون الفاء أي الحرف الأول مضمومة لأن وزنه الصرفي عند الصرفيين هو فعلول كعُصفور وشعُرور اي شويعر. وإذا صغنا اسماً من الجمهور صناعيا، وهو الذي يسميه الصرفيون "المصدر الصناعي" وهو تساهل منهم وذلك بإضافة ياء مشددة وتاء تأنيث إليه فهو الجمهورية كالإنسانية والبشرية والعائدية والفاعلية.
وإذا كان الحرف الثاني من الإسم أو الصفة مضعفاً أي مكرراً فإن الحرف الأول نفسه يكون مفتوحا لا مضموما مثل عَبّود و خَرّوب و دَبّوس وقَيّوم، وشذ من ذلك سُبّوح وقُدّوس فإن ضم أولهما شاذّ. قال الجوهري في معجم الصحاح: و سُبّوح من صفات الله تعالى قال ثعلب: كل اسم على فعّول فهو مفتوح إلا السُبّوح والقُدّوس فإن الضم فيهما أكثر وكذلك الذُرّوح وقال سيبويه: ليس في الكلام فُعول بالضم. وقال الجوهري أيضا: "الذُرّاح بوزن التُفّاح والذُرّوح بوزن السُبّوح: دويبة حمراء منقطة بسواد وهي من السموم والجمع الذراريح وقال سيبويه: واحد الذراريح ذُرحرح وليس عند سيبويه في الكلام فُعّول. وكان يقول سَبّوح و قَدّوس بفتح أوائلها، قال الراجز:
قلت له ورياً إذا تنحنح يا ليته يسقى على الذُرحرح
وفصّل الجوهري الكلام في مادة القدس من الصحاح فقال:
"وقُدّوس من أسماء الله تعالى وهو قُعّول من القدس وهو الطهارة. وكان سيبويه يقول سَبّوح وقَدّوس بفتح أوائلها. قال ثعلب كل اسم على قَغّول فهو مفتوح الأول سَفّود وكَلّوب و سَمّور و شَبّوط و تَنّور، إلا السُبّوح و القُدّوس فإن الضم فيهما أكثر وقد يفتحان. وكذلك الذُرّوح وقد يفتح." انتهى.
وإذا نقل قَعّول الى وزن فُعلول فإنه يكون مضموم الأول كالخَرّوب ثمر الشوك، فإن نقل صار "الخُرنوب".
قال الجوهري: "والخَرّوب بوزن التنور نبت معروف والخُرنوب بوزن العُصفور لغة. ولا تقل الخَرنوب بالفتح".
ومن هذا القول يفهم أن الفتح هو من العامية العراقية القديمة الباقية حتى هذا العصر فإن العامة تقول: العَصفور أي العُصفور أما زَيدون وخلدون وحَمدون وأمثالهم فهي مفتوحة الأوائل سماعا لأن الوزن مقتبس وليس أصيلا. (م ج)
قل: فلان مؤامر
ولا تقل: متآمر
لأن حق الواحد المفاعلة أي المؤامرة. تقول آمر فلان فهو مؤامر كما تقول حارب فهو محارب ولا تقول: متحارب، وشارك فهو مشارك ولا تقول: متشارك، ورافق فهو مرافق ولا تقول: مترافق. وإذا قلت: تآمرا أو تآمروا قلت: هما متآمران وهم متآمرون، فمتفاعل من هذا الوزن وهذا المعنى لا يستعمل إلامثنى أو جمعاً. فإذا أريد استعمال المفرد وحده يرد الى مُفاعل تقول: هو مؤامر وهي مؤامرة. (م ج)
قل: وقف في المستشرف أو الروشن أو الجناح
ولا تقل: وقف في الشرفة
فالشرفة هي أجزاء متساوية من البناء ناتئة على حافة السطح بعضها متصل ببعض، وهي في الغالب محددة الأطراف، وتعد زينة للسطوح. وقد يقع عليها طائر أما الإنسان فكيف يقف أو يقعد على ناتئة من البناء في حافة السطح؟ وقد وصف ابن الرومي شرفات القصور التي كانت على دجلة قال:
ترى شرفاته مثل العذارى خرجن لنزهة فقعدن صفا
عليهن الرقيب أبو رياح فلسن لخوفه يبدين حرفا
فالمراد إذن (المستشرف) وهو الموضع الذي يشرف منه الإنسان على ما حوله. أو الروشن وهو المعروف عند الغربيين بالبالكون. ويجوز أن يقال (المشرف). وقد ظهر لنا أن بعض المترجمين الضعفاء ترجم "البالكون" بالشرفة ولم يعرف الروشن ولا المستشرف، وكذلك يجوز استعمال الجناح مكان الشرفة بالمعنى المغلوط فيه. (م ج)
قل: أيّما أفضل العلم أم المال؟
ولا تقل: أيّهما أفضل العلم أم المال؟
وذلك لأن (هما) في قولك (أيهما) ضمير يعود إلى اسم ظاهر متأخر عنه لفظاً ورتبةً عوداً غير مجاز. مضافاً إلى أن التركيب مخالف للمنطق اللغوي فأيّ للإستفهام، و(هما) إخبار ويكون الإستفهام عن الظاهر أول مرة فإذا كرر الظاهر جاز لنا أن نستفهم عن ضميره ولما لم يذكر الظاهر في هذه الجملة وضعنا مكانه (ما) فقلنا: أيما أفضل العلم أم المال؟ (م ج)
-
قل ولا تقل (1)لقد عانت اللغة العربية من اللحن والخطأ والخلل وقبيح القول منذ العصور الأولى بعد الإسلام حين دخلت شعوب أخرى فيه. لكن العصر الحديث شهد إنحدارا خطيرا أصبح فيه الخطأ هو السنة والصواب هو الشاذ. وليس لي من بليغ القول ما أصف به ذلك لكني أستعير ما كتبه العالم الدكتور مصطفى جواد الأعجمي الأصل والعربي الهوى والعراقي المنشأ حين كتب:"ومن أشد الرزايا التي نزلت بالعربية أيضا أن أساتذة في التأريخ والجغرافيا والعلوم لم يتعلموا من قواعدها ما يصون أقلامهم وألسنتهم من الغلط الفاحش واللحن الفظيع وإذا عوتبوا أو ليموا – وهم مليمون حقا – قالوا نحن ندرس التأريخ والجغرافيا والعلوم، ولا يخجلون من هذا الإعتذار، مع انهم أصبحوا سخرية الساخرين وضحكة الضاحكين ولا سيما مشاهدي "التلفزيون" مع أنهم يعلمون أن الإنكليزي العالم – على سبيل المثال – لا يخطئ الصواب في لغته ولو كان الخطأ الواقع منه في حرف جر لتناولته الألسن والأقلام باللوم والتقريع والتأنيب.ونرى في "تحريرات" الدوائر ودواوين الحكومة أغلاطا تبعث على الأسف، فرفع المجرور ونصب المرفوع من الأمور المألوفة فيها، ولا سيما الإعلانات والتنبيهات، فضلا عن السقيم من العبارات. وإني لأتذكر أني قرأت في العهد الملكي الزائل على باب مكتب اللجنة الطبية بمعسكر الرشيد هذه الجملة "ممنوع دخول القلم حفظا لتفشي الأسرار"، فتأمل جهل المنبه للتركيب التعبيري، أراد "منعا لتفشي الأسرار" فوضع مكانه "حفظا لتفشي الأسرار" ولم يخطر بباله "حفظا للأسرار" فهو أوجز وأدل وأوفى بالمقصود.ولا تسأل عن مترجمي الأفلام السينمية فهؤلاء أكلة السحت، يرتكبون من اللحن والغلط الشنيعين ما أصبح مخشيا كل الخشية على العربية وطلاب المدارس والشداة من الدارسين، وليت شعري كيف تجيز لجنة رقابة الأفلام وهي لجنة منتخبة من موظفي الدولة ومنهم موظف من وزارة التربية والتعليم المهيمنة على شؤون الثقافة اللغوية فلما ترجمة لغته فاسدة مفسدة، ناقضة لقواعد العربية، وأكثر المختلفين إلى دور السينما هم من طلاب المدارس والمعاهد والكليات؟"وقد ظل المرحوم مصطفى جواد طيلة حياته حريصا على العربية فكتب في ذلك الكثير وكان مما قدمه في خدمة العربية سلسة إذاعية أسماها "قل ولا تقل" بين فيها الكثير من الخطأ الشائع في استعمال اللغة وأوضح الصواب فيها.واليوم ساء الأمر كثيرا عما كان عليه في حياة المرحوم مصطفى جواد، وأسهم في هذا التردي مأ ادخلته ثورة الإتصالات الرقمية من محطات الجهالة التلفازية التي دخلت البيوت ومن مواقع على شبكة المعلومات يكتب فيها كل من هب ودب من أنصاف المتعلمين والجهلة.وهذه محاولة متواضعة مني، رغم أني لست عالم لغة لكني متعلم على سبيل النجاة، لإعادة نشر ما كتبه العالم المرحوم مصطفى جواد وإضافة ما يجب إضافته من التنبيه الى الأخطاء التي لم يوردها جواد مما جاء به آخرون قبله أو ما كتبه لاحقون بعده. وكلي أمل أن أنفع الناس وأعيد للعربية بعضا من كرامتها التي هدرها الإعلام الجاهل. وحتى لا يقولن قائل أني أسلب العالم مصطفى جواد مجده فإني سوف أشير الى كل مقتبس منه بالحرفين (م ج)، فما لم يكن لمصطفى جواد فسوف أشير لمصدره في موضعه. قل الجُمهور والجُمهوريةولا تقل الجَمهور والجَمهوريةوذلك لأن المسموع من العرب والمأثور في كتب لغتهم هو الجُمهور بضم الجيم ولأن الإسم إذا كان علة هذه الصيغة وجب أن تكون الفاء أي الحرف الأول مضمومة لأن وزنه الصرفي عند الصرفيين هو فعلول كعُصفور وشعُرور اي شويعر. وإذا صغنا اسماً من الجمهور صناعيا، وهو الذي يسميه الصرفيون "المصدر الصناعي" وهو تساهل منهم وذلك بإضافة ياء مشددة وتاء تأنيث إليه فهو الجمهورية كالإنسانية والبشرية والعائدية والفاعلية.وإذا كان الحرف الثاني من الإسم أو الصفة مضعفاً أي مكرراً فإن الحرف الأول نفسه يكون مفتوحا لا مضموما مثل عَبّود و خَرّوب و دَبّوس وقَيّوم، وشذ من ذلك سُبّوح وقُدّوس فإن ضم أولهما شاذّ. قال الجوهري في معجم الصحاح: و سُبّوح من صفات الله تعالى قال ثعلب: كل اسم على فعّول فهو مفتوح إلا السُبّوح والقُدّوس فإن الضم فيهما أكثر وكذلك الذُرّوح وقال سيبويه: ليس في الكلام فُعول بالضم. وقال الجوهري أيضا: "الذُرّاح بوزن التُفّاح والذُرّوح بوزن السُبّوح: دويبة حمراء منقطة بسواد وهي من السموم والجمع الذراريح وقال سيبويه: واحد الذراريح ذُرحرح وليس عند سيبويه في الكلام فُعّول. وكان يقول سَبّوح و قَدّوس بفتح أوائلها، قال الراجز:قلت له ورياً إذا تنحنح يا ليته يسقى على الذُرحرحوفصّل الجوهري الكلام في مادة القدس من الصحاح فقال:"وقُدّوس من أسماء الله تعالى وهو قُعّول من القدس وهو الطهارة. وكان سيبويه يقول سَبّوح وقَدّوس بفتح أوائلها. قال ثعلب كل اسم على قَغّول فهو مفتوح الأول سَفّود وكَلّوب و سَمّور و شَبّوط و تَنّور، إلا السُبّوح و القُدّوس فإن الضم فيهما أكثر وقد يفتحان. وكذلك الذُرّوح وقد يفتح." انتهى.وإذا نقل قَعّول الى وزن فُعلول فإنه يكون مضموم الأول كالخَرّوب ثمر الشوك، فإن نقل صار "الخُرنوب".قال الجوهري: "والخَرّوب بوزن التنور نبت معروف والخُرنوب بوزن العُصفور لغة. ولا تقل الخَرنوب بالفتح".ومن هذا القول يفهم أن الفتح هو من العامية العراقية القديمة الباقية حتى هذا العصر فإن العامة تقول: العَصفور أي العُصفور أما زَيدون وخلدون وحَمدون وأمثالهم فهي مفتوحة الأوائل سماعا لأن الوزن مقتبس وليس أصيلا. (م ج) قل: فلان مؤامرولا تقل: متآمرلأن حق الواحد المفاعلة أي المؤامرة. تقول آمر فلان فهو مؤامر كما تقول حارب فهو محارب ولا تقول: متحارب، وشارك فهو مشارك ولا تقول: متشارك، ورافق فهو مرافق ولا تقول: مترافق. وإذا قلت: تآمرا أو تآمروا قلت: هما متآمران وهم متآمرون، فمتفاعل من هذا الوزن وهذا المعنى لا يستعمل إلامثنى أو جمعاً. فإذا أريد استعمال المفرد وحده يرد الى مُفاعل تقول: هو مؤامر وهي مؤامرة. (م ج) قل: وقف في المستشرف أو الروشن أو الجناحولا تقل: وقف في الشرفةفالشرفة هي أجزاء متساوية من البناء ناتئة على حافة السطح بعضها متصل ببعض، وهي في الغالب محددة الأطراف، وتعد زينة للسطوح. وقد يقع عليها طائر أما الإنسان فكيف يقف أو يقعد على ناتئة من البناء في حافة السطح؟ وقد وصف ابن الرومي شرفات القصور التي كانت على دجلة قال:ترى شرفاته مثل العذارى خرجن لنزهة فقعدن صفاعليهن الرقيب أبو رياح فلسن لخوفه يبدين حرفا فالمراد إذن (المستشرف) وهو الموضع الذي يشرف منه الإنسان على ما حوله. أو الروشن وهو المعروف عند الغربيين بالبالكون. ويجوز أن يقال (المشرف). وقد ظهر لنا أن بعض المترجمين الضعفاء ترجم "البالكون" بالشرفة ولم يعرف الروشن ولا المستشرف، وكذلك يجوز استعمال الجناح مكان الشرفة بالمعنى المغلوط فيه. (م ج) قل: أيّما أفضل العلم أم المال؟ولا تقل: أيّهما أفضل العلم أم المال؟وذلك لأن (هما) في قولك (أيهما) ضمير يعود إلى اسم ظاهر متأخر عنه لفظاً ورتبةً عوداً غير مجاز. مضافاً إلى أن التركيب مخالف للمنطق اللغوي فأيّ للإستفهام، و(هما) إخبار ويكون الإستفهام عن الظاهر أول مرة فإذا كرر الظاهر جاز لنا أن نستفهم عن ضميره ولما لم يذكر الظاهر في هذه الجملة وضعنا مكانه (ما) فقلنا: أيما أفضل العلم أم المال؟ (م ج)
-
قل ولا تقل (3)
قل: قُتلَ فُلان صبراً
ولا تقل: قُتلَ فُلان بدمٍ بارد
فقد إنتشر في وسائل الإعلام العربية إستعمال "قتل بدم بارد". وقد دخل هذا الإستعمال المقيت والمنفر للسمع بعد أن قامت إحدى الصحف التي تصدر في بريطانيا بترجمة المصطلح الإنكليزي (Cold-blooded Murder) ترجة حرفية. وهذه الترجمة البائسة تفترض أن العرب لم يعرفوا فعلاً أو صفة للتعبير عن قتل مثل هذا حتى جاء به الإنكليز متأخراً، فأضطررنا في جهالتنا أن نستعيره ونترجمه هذه الترجمة البائسة.
لكن هذه اللغة الثرية بمفرداتها وتراثها الكبير لم تغفل حالة القتل هذه.
فقد جاء في لسان العرب:
"وكلُّ من قُتِل في غير مَعْرَكة ولا حَرْب ولا خَطَإٍ، فإِنه مَقْتول صَبْراً."
وهذا هو ما أراده المصطلح الإنكليزي مما ينفي الحاجة للترجمة.
وجاء في الصحاح في اللغة في باب "صبر":
"وَكلُّ ذي روحٍ يُصبَرٌ حيّاً ثم يُرمى حتى يُقتَلَ قُتِلَ صَبْراَ"
فلستَ بحاجة بعد اليوم لإستعمال الترجمة البائسة ما دمت تعرف أن العرب استعملت لفظاً واحداً للدلالة على المعنى. كما ان هذا الإستعمال يغنيك عن محاولة فهم ما أراده المصطلح الإنكليزي والذي غاب عن المترجم، الذي أشك في أن يكون له إلمام جيد باللغة الإنكليزية، ذلك لأن العبارة الإنكليزية هي استعارة رمزية من الإشارة للحيوانات ذات الدم البارد وتعني في هذا الإستعمال أن القتل جرى بدون أي إحساس من قبل القاتل. وغاب على المترجم أن الإستعارات لا تترجم لأنها مختصة باللغة، وحيث إن كل لغة لها خصوصيتها وصورها يصبح من المتعذر ترجمتها. فأذن الإنكليزي سرعان ما تربط بين العبارة وبين الحيوان ذي الدم البارد لكن مثل هذا الربط لا يقع في أذن العربي والذي لا تبعث العبارة على هذا المعنى في ذهنه.
فقل: قتل صبرا
ولا تقل: قتل بدم بارد (ع ع)
قل: هؤلاء السُيّاح جواسيس
ولا تقل: هؤلاء السُوّاح جواسيس
وذلك أن السُيّاح جمع تكسير "للسائح" والسائح اسم فاعل من الفعل "ساح في الأرض سياحة وسيوحا وسيحا وسيحاناُ" كما في لسان العرب. والمصدر المشهور هو "السياحة" لزيادة أحرفه المستوجبة زيادة معناه. وليس السائح من ساح يسوح المفقود حتى يجمع على سواح، مثل قائد وقواد. بل هو مثل "غائب وغياب" و "عائب وعياب" وأما الجمع المصحح للسائح فهو السائحون والسائحين بحسب أنواع الإعراب. ويعمد الى جمع المذكر السالم عند إرادة الحدث كأن يقال "كان السُيّاح سائحين في أمريكا" و "إنا السائحون اليوم وإنكم السائحون غدا". وغير الفصيح في مثل هذا المعنى أن يقال "كان السُيّاح سّياحا في أمريكا" و "إنا السّياح اليوم وإنكم السّياح غدا". إذا أريد فعل السياحة أيضا. (م ج)
قل: هذا رجل رُجعي ورجوعي
ولا تقل: رَجعي
ويقولون للرجل المتمسك بالأمور القديمة العقيمة وللأمر القديم العقيم "رَجعي" لبيان أنه ضد التقدمي وذلك خطأ لأن "الرَّجعي" منسوب إما الى "الرَّجع" وهو مصدر الفعل المتعدي "رجعه يرجعه رجعاً" وإما إلى "الرًّجعة" وهي الحياة الثانية في الدنيا، ومنها قولهم: فلان يؤمن بالرَّجعة ويعتقدها وهو من أهل الرَّجعة، أي ممن يؤمنون بأن ناساً من الموتى سيعودون الى الحياة بعد الموت ويحيون حياة ثانية.
جاء في مختار الصحاح "وفلان يؤمن بالرَّجعة أي بالرجوع الى الدنيا بعد الموت".
فالرَّجعة صارت مصطلحا، وذلك ضد ما يريد القائل، لأن الحياة بعد الموت هي تجدد وتقدم، فاستعماله خطأ مبين.
والذي منع من استعمال "الرَّجعي" منسوباً الى مصدر الثلاثي المتعدي هو أن المراد الفعل اللازم لإفادة النكوص والتأخر، ومصدره "الرجوع والرُّجعي" ليقابل الفعل اللازم "تقدم" ومصدره "التقدم" وهما غير "تقدم" المتعدي ومصدره التقدم أيضاً غير المرادين هنا. فالرجوعي واضح المعنى. وبقي "الرُّجعي" وهو منسوب الى "الرُّجعى" على وزن الدنيا وهو مصدر الفعل اللازم "رجع". جاء في مختار الصحاح: "والرُّجعى: الرُّجوع". ومنه قوله تعالى "إن إلى ربك الرُّجعى". (م ج)
قل: يُوحي ذلك بجمال الشعر وروعته
ولا تقل: يُوحي ذلك بجمال وروعة الشعر
عند تعدد المعطوفات بعد كلمة مضافة في الجملة نجد الكثير منا يجعل المضاف اليه في آخر العبارة ويقدم عليه تلك المعطوفات، ومثال ذلك الجملة التالية: "يُوحي الإنشاد بجمال وروعة الشعر" أو "يُحدثك هذا الكتاب عن سمو ورفعة وروعة الإسلام". فكما ترى من الجملتين تقدم المعطوف على المضاف اليه، وهذا خطأ والصواب أن يأتي المضاف اليه مضافا الى أول كلمة ثم تتوالى بعد ذلك المعطوفات ويُلحق بها ضمير يعود الى المضاف اليه.
فالصواب في العبارة السابقة أن يقال: "يُوحي ذلك بجمال الشعر وروعته" وفي العبارة الثانية أن نقول: "يُحدثك هذا الكتاب عن سمو الإسلام ورفعته وروعته".
وقد أشبع السيوطي المسألة بحثاً في كتابه "همع الهوامع في شرح جمع الجوامع". إذ يقول في فصل عقده لذلك- مسألة: (لا يُفصل بين المتضايفين)، أي بين المضاف والمضاف اليه اختياراً، لأنه من تمامه، ومنزل منه منزلة التنوين (إلا بمفعوله وظرفه على الصحيح).... وقيل لا يجوز بهما وعلى المفعول أكثر النحويين....
وقال في موضع آخر من الفصل نفسه: "(وجوزه) أي الفصل (الكوفية مطلقاً) بالظرف والمجرور وغيرهما وجوزه (يونس بالظرف والمجرور) غير المستقل وجوزه (ابن مالك بالقسم) ...ويجوز الفصل ضرورة لا اختياراً (بنعت)... و(إما)... و(نداءٍ).... و(فاعلٍ)... و(فعلٍ ملغى)... و(مفعولٍ له)......
وكما ترى فإنه ....... لم يذكر الفصل بالمعطوف لا اضطرارا ولا اختيارا، ولا نقول إنه لا يجوز اضطراراً لأن السيوطي لم يذكره لكن نقول إن عدم ذكر السيوطي له يؤيد أن الفصل بين المتعاطفات لا يقاس عليه، وأنه قد يجوز اضطراراً في الشعر دون النثر. (خ ع)[1]
قل: فلانة عضوة
ولا تقل: فلانة عضو
والسبب في ذلك أن "العضو" نقل من الإسمية الى الوصفية كما قيل في الشلو وهو العضو "شلوة" وفي الثبج وهو الوسط "ثبجة". قال النبي (ص) لأبي بن كعب وقد أعطاه الطفيل ابن عمرو الدوي قوساً جزاءً على إقرائه القرآن "تقلدها شلوة من جهنم". قال الشريف الرضي في المجازات النبوية "وإنما قال شلوة ولم يقل شلواً لأنه حمل على معنى القوس وهي مؤنثة، والشلو: العضو".
وجاء في كتاب النبي (ص) لوائل بن حجر الحضرمي "واعطوا الثبجة". قال مجد الدين ابن الأثير في النهاية " أي أعطوا الوسط في الصدقة لا من خيار المال ولا من رذالته، وألحقها هاء التأنيث لأنتقالها من الإسمية الى الوصفية".
ثم ان العرب يتساهلون في التأنيث. قال الجوهري في الصحاح: "الكوكب: النجم يقال كوكب وكوكبة كما قالوا بياض وبياضة وعجوز وعجوزة". ثم ذكر أنهم قالوا منزل ومنزلة. وعلى هذا يجب أن يقال للممثلة البارعة أي الحاكية الماهرة "كوكبة" لا كوكب. (م ج)
قل: توغّل ووغّل في البلاد وتخلّل البلاد
ولا تقل: تسلّل فيها واليها
وذلك لأن التسلّل هو خروج وتفصّ وتخلّص من زحام أو غمار أو جمع، وليس هو بدخول ولا وغول ولا اندساس، فأقرب الكلمات معنى من المراد اليوم بالدخول سرّاً في البلاد من حدودها الخارجية هو التوغل والوغول والإيغال والتخلل. فهذه الكلمات أربع تؤدي المعنى المراد. يقال: وغل في الشيء يغَل وغولاً: أي دخل فيه وتوارى به وأوغل القوم أي أمعنوا في سيرهم داخلين في أرض العدو أو بين الجبال. وتوغّل في البلاد" دخل فيها وأبعد، وتخلل القوم: دخل فيهم وبينهم ، وتخلّل الشيءُ الشيءَ: نفذ فيه. ولو كان في معنى التسلل ما يفيد الدخول والتخلل والوغول ولو مجازاً لصح التعبير عن المعنى المقصود ولكن حركة التسلل معاكسة للدخول فهي خروج واستخفاء. (م ج)
وهذا لسان العرب يخبرنا عن معنى تسلل:
"السَّلُّ: انتزاعُ الشيء وإِخراجُه في رِفْق، سَلَّه يَسُلُّه سَلاًّ واسْتَلَّه فانْسَلَّ وسَلَلْتُه أَسُلُّه سَلاًّ....
"وانْسَلَّ وتَسَلَّل: انْطَلَق في استخفاء. الجوهري: وانْسَلَّ من بينهم أَي خرج."..
"وفي التنزيل العزيز: يَتَسَلَّلون منكم لِوَاذاً؛ قال الفراء: يَلُوذُ هذا بهذا يَسْتَتِر ذا بذا؛ وقال الليث: يَتَسَلَّلون ويَنْسَلُّون واحدٌ."
"ويقال: سَلَلْت السيفَ من الغِمْد فانْسَلَّ." أي أخرجته من الغمد فهو سبيف سليل أو مسلول." وفي كل هذا شاهد على خطأ استعمال لفظة "تسلل" بمعنى توغل أو تغلغل. (ع ع)
وللحديث صلة....
عبد الحق العاني
7 حزيران 2013
www.haqalani.com
[1] أخطاء لغوية شائعة، خالد بن هلال بن ناصر العبري – مكتبة الجيل الواعد – عمان 2006
-
قل ولا تقل / الحلقة الثالثة عشرة
قل: أجاب عن السؤال إجابة وهو جواب عن الكتاب
ولا تقل: أجاب على السؤال إجابة وهذا جواب على الكتاب
وذلك لأن المسموع عن العرب والمذكور في كتب العربية هو "أجاب عن السؤال" لا "أجاب عليه" ولأن معنى الفعل "أجاب" يستوجب استعمال "عن" لإفائدة الإزاحة والكشف والإبانة والقطع والخرق. ولا يصح معه استعمال "على" التي هي للظرفية الإستعلائية. قال ابن مكرم الأنصاري في لسان العرب: "والإِجابةُ رَجْعُ الكلام، تقول: أَجابَه عن سُؤَاله، وقد أَجابَه إِجابةً وإِجاباً وجَواباً وجابةً" أنتهي.
وإذا كانت الإجابة هي من الشق والخرق والقطع والإبانة، وجب استعمال "عن" معها. قال ابن مكرم الأنصاري في اللسان أيضاً: "وفي حديث أَبي بكر، رضي اللّه عنه، قال للأَنـْصارِ يَوْم السَّقِيفةِ: إِنما جِيبَتِ العَرَبُ عنا كما جِيبَت الرَّحَى عن قُطْبها أَي خُرِقَتِ العَربُ عَنَّا، فكُنَّا وسَطاً" وقال بعد ذلك: "وانْجابَ عنه الظَّلامُ: انْشَقَّ، وانْجابَتِ الأَرضُ: انْخَرَقَتْ" إنتهى.
وبهذا علمنا أن معنى "أجاب عنه" هو شق عنه، وأبان عنه وقطع عنه وخرق عنه أي شقّ عنه الغموض، أو الجهل أو الإبهام وأبانه عنه وقطعه عنه وخرقه عنه. فكما لا يقال "شقّ الإبهام عليه ولا أبان الإبهام عليه ولا خرق الإبهام عليه، كذلك لا يقال: أجاب عليه بل أجاب عنه أي عن السؤال. وإذا أريدت الظرفية فلا مانع من استعمال الحرفين معاً. يقال: أجاب عن السؤال على ورقة، كما يقال: تكلم المحامي عن موكله على القضية، وذلك باستعمال حرفي الجر "عن" و "على" ولكل منهما معناه وموضعه. وإن كانا في جملة واحدة، نضيف الى ذلك أن "أجاب عليه" عند الفصحاء يفيد معنى "غطّاه وغطّى عليه" فتأمل ذلك. وقل: أجاب عنه. (م ج)
قل: أثّر فيه والتأثير فيه
ولا تقل: أثّر عليه والتأثير عليه
ويقولون: أثّر عليه تأثيراً واستطاع التأثير عليه في الأشياء الحسية والأمور المعنوية، غير أن استعماله في الأمور المعنوية هو الغالب اليوم. وليس ذلك بصواب لأن معنى "أثّر" أحدث أثراً. والأثر يكون في الشيء من جهة العمق لا من جهة العلو فهو في داخل الشيء لا خارجه، مع أن "عليه" لا تفيد الوغول بل تفيد العلو ولا تستلزم الإندماج. وهذه العبارة "أثّر عليه" ترجمة من الجملة الفرنسية وهي "انفلوسي سور" فالفرنسيون يستعملون فيها "على" والمترجمون قلدوهم. وقد يحتج محتج بأن حروف الجر يقوم بعضها مقام بعض كثيراً. وهو قول لم يعتمد على إدراك أسرار العربية بله إنه ليس بقياسي فما يُدّع ذلك فيه يبق على سماعه ولا يجوز القياس في غيره. ولم يُسمع من الفصحاء الذين دون كلامهم "أثّر عليه" ولا "التأثير عليه". واشهر ما يحتج به القائلون بالنيابة قوله تعالى "ولأصلبنكم في جذوع النخل"، وحرف الجر فيه للظرفية الخالصة، واستعماله "في" بدلاً من "على" منظور فيه الى أن الصلب في ذلك العصر هو سمر اليدين والرجلين في الخشب لا تعليق الجسد، وهي الحال التي يُصوّرُ فيها عيسى (ع) المعتقدون لصلب اليهود له، وهي شائعة في التصاوير النصرانية الدينية، فلذلك استعملت "في" في الاية الكريمة.
قال الجوهري في الصحاح: "التأثير: إبقاء الأثر في الشيء" فاستعماله "في" في شرحه دليل على لزومه له. وقال في و س م "وسمه وسماً وسمة إذا أثّر فيه بسمة وكي". قال أثّر فيه ولم يقل "عليه".
وورد في المصباح المنير "وأثّرت فيه تأثيراً: جعلت فيه أثراً وعلامة فتأثّر أي قبل وانفعل".
وأورد صاحب اللسان قول "زهير: والمرءُ ما عاش ممدودٌ له أَمَلٌ، لا يَنْتَهي العمْرُ حتى ينتهي الأَثَرُ قال: وأَصله من أَثَّرَ مَشْيُه في الأَرض. وقال "أَثَّر بوجهه وبجبينه السجود وأَثَّر فيه السيف والضَّرْبة.".
وورد في القاموس "واثّر فيه تأثيراً: ترك فيه أثراً".
فهذه النصوص اللغوية مجمعة على استعمال حرف الجر "في" مع الفعل "أثّر تأثيراً" وعلينا الآن أن ننظر الواقع اللغوي وهو الإستعمال. ورد في حديث أبي بكر (رض) "فاجتنبوني لا أؤثّر في أشعاركم وأبشاركم".
وجاء في نهج البلاغة "وخرج بسلطان الإمتناع من أن يؤثّر فيه ما يؤثّر في غيره".
وقال الأعشى في معلقته:
أثّرت في جأجيء كإران الــ ميت عولين فوق عوج رسال
وقال أبو دلامة لروح بن حاتم المهلبي: "أما والله لو أن تحتي فرسك ومعي سلاحك لأثّرت في عدوك اليوم أثراً ترتضيه".
وقال أبو عبيدة: "وأي حرة حصان تسمع قول بشار فلا يؤثّر في قلبها؟"
وجاء في أخبار الخوارج "كان المغيرة ابن المهلب بن أبي صفرة الأزدي إذا نظر الرماح قد تشاجرت في وجهه نكس على قربوس السرج وحمل من تحتها فردها بسيفه وأثّر في أصحابها".
وورد في وصف الأرض وسكانها قول المسعودي ناقلاً قول عمر (رض)" فصف لي المدن وأهويتها ومساكنها وما تؤثّره الترب والأهوية في سكانها". وقول المسعودي نفسه: "والأخبار عن شكل الأرض وهيأتها وما قالته حكماء الأمم....وتنازع الناس في كيفية ثباتها وتأثيرات الكواكب في سكانها... ومجاري الأفلاك.... ووجوه تأثيراتها في عالم الكون والفساد".
وقال الشريف المرتضى: "خبر عن نفسه أن الشيطان يعتريه حتى يؤثر في الأشعار والأبشار ويأتي ما يستحق به التقويم" وقال: "لأنه لا يؤثّر في أحوال فاعله وحط رتبته". وقال في موضع آخر: "وقد يكون الشيء في نفسه مطعوناً عليه وان لم يكن عليه طاعن، كما قد يكون بريئاً من الطعن وإن الطعن فيه بما لم يؤثّر فيه". وقال الشريف الرضي:
دهر تؤثّر في جسمي نوائبه فما اهتمامي أن أودى بسربالي
وقال ابن أبي الحديد: "ولهذا متى توالت منه الأفعال القبيحة الظاهرة وتكررت قدحت في حاله وأثّرت في ولايته". وقال بعد ذلك: "وإن لم يكن مقطوعاً يؤثّر في الباب ويكون أقوى مما تقدم...".
فهذه شواهد من قديم اللغة ومولد تعابيرها للتأثير الحسي والتأثير المعنوي تفيد أن حرف الجر الذي يصاحب الفعل "أثّر" بتشديد الثاء هو "في" لا غير. ولم أجد استعمال "أثّرعلى" على كثرة مطالعتي لكتب الأدب والتأريخ إلا في شعر الأعسر بن مهارش الكلابي وكان معاصراً لسيف الدولة الحمداني وذلك في قوله:
فخلت البكا من رقة الخد أنه يؤثّر من حدر على صفحة الخد
وقد اضطرته ضرورة الوزن أن يضع "على" موضع "في" ويجوز للشاعر ما لا يجوز للناثر كما هو متعالم.
وجاء في خبر البزاز الذي تزوج جارية السيدة شغب أم الخليفة المقتدر بالله قوله: "فلما جاء الليل أثّر في الجوع". وفي كتاب آخر: "فلما جاء اليل أثّر الجوع بي" ولعله تصحيف مع قربه من الفصيح. ثم إن الذي جعل هذا الغلط يشيع ويذيع هو استعمال المثقفين له في أثناء كلامهم وأحاديثهم فضلاً عن الكتابة. (م ج)
قل: هذا مستشفى جديد
ولا تقل: هذه مستشفى جديدة
وذلك لأن المستشفى اسم مكان مذكر ومشتق من الفعل "إستشفى يستشفى إستشفاءً" أي طلب الشفاء. واسم المكان من الفعل غير الثلاثي يكون على وزن اسم المفعول مستعملاً كان كمستعطى، أو غير مستعمل كمستلقى، وهو مذكر دائماً. ولا يقبل التأنيث مع بقائه اسم مكان، فلا يقال "مستشفاة" لمكان طلب الشفاء. فهو بخلاف الثلاثي الأصل فإنه يقبل التأنيث سماعاً، تقول "محط ومحطة" و "منزل ومنزلة" و "مقام ومقامة" و "مكان ومكانة" و "محل ومحلة" و "مزل ومزلة" و "موقع وموقعة" و "مرحل ومرحلة"، وما يصعب استقصاؤه.
والظاهر أن الذي ابتدع تأنيث المستشفى قاسه على "الخستخانة" الفارسية المترّكة أي المستعملة في لغة الترك. فالخستخانة مؤنثة فجعل المستشفى مؤنثاً قياساً عليها وهذا غلط. فالمستشفى مذكر كما قلت ولا يجوز تأنيثه بحال من الأحوال.
فقل: هذا مستشفى جديد ولا تقل جديدة. (م ج)
قل: المَصرِف
ولا تقل: المَصرَف
فالمصرِف اسم مكان من "صرفت الذهب بالدراهم أصرفه بكسر الراء صرفاً أي بعته بها". وكأن الصرف مأخوذ من الصريف وهي الفضة، واسم المكان من "صرف يصرف" هو المصرِف كالمجلِس والمنزِل. ولا يجوز أن يقال المصرَف بفتح الراء لأنه غلط بكونه مخالفاً للقياس وغير مسموع ولا مدون. ثم ان العرب بطبيعة لسانها تميل الى كسر العين من اسم المكان وإن خالف القياس فمن ذلك المسجِد والمطلِع والمغرِب والمشرِق والمسكِن والمرفِق والمنبِت والمنسِك والمسقِط كمسقط الرأس بكسر الثالث، فإن عين المضارع من أفعالها مضمومة وقد أختار بعض المعاصرين لنا "المصرِف" للبنك الإنكليزي و البانك الفرنسي ولا نرى باساً في ذلك لأن التسمية كالرمز والإشارة فلا تستوجب الإحاطة والإستيعاب كما يريد البعيدون عن فقه أسرار اللغات. ومثل المصرِف من اسماء المكان "المعرِض والمحفِل" فلا يجوز فتح الراء والفاء منهما. (م ج)
قل: هذا غصن رطب أو روض نضر
ولا تقل: هذا غصن يانع أو روض يانع
ويقولون غصن يانع أي نضير أو رطب وكذا زهرة يانعة وروض يانع ولا يأتي ينع بهذا المعنى إنما يقال ثمر يانع وينيع أي ناضج وقد ينع الثمر وأينع إذا أدرك وحان قطافه واليانع أيضاً الأحمر من كل شيء وثمر يانع إذا لون. ومن الغريب أن هذا الوهم ورد في كلام أناس من المتقدمين وممن وكم في الحريري صاحب درة الغواص قال في المقامة النصيبية "وكان يوماً حامي الوديقة يانع الحديقة". وفسر الشريشي يانع الحديقة بقوله "ناعم الروضة". وجاء للشريشي أيضاً في خطبة شرحه "ولم يزل في كل عصرمن حملته بدر طالع وزهر غصن يانع. ومن كلام القاضي شهاب اليد ابن فضل الله "حتى تدفق نهره وأينع زهره" رواه صاحب فوات الوفيات. وقال الصفدي
يامن حواه اللحد غصناً يانعاً
وكذا كسوف البدر وهو تمام
وهو كثير في كلامهم ووقوع مثل هذا من أمثال هؤلاء الأئمة في منتهى الغرابة. (إ ي)
قل: هذا حديث موجزٌ
ولا تقل: هذا حديث مقتضبٌ (بهذا المعنى)
يستعمل الكثير منا كلمة "المقتضب" للدلالة على الحديث الموجز وهذا خطأ، فالحديث "المقتضب" في اللغة: الكلام الذي قُطع من دون إتمامه، و "المقتضب" كذلك ما ألقي من دون رَوِيَّةٍ، اي باستعجال، وهوأيضاً الكلام المرتجل، ولذلك سمَى الخليل بن أحمد أحد بحور الشعر "المقتضب" أي المقتطع لأنه اقتُضِبَ اي اقتطع من بحر المنسرح.
يقول ابن منظور في لسان العرب: "واقتضاب الكلام: إرتجاله، يقال: هذا شعر مُقتَضبٌ وكتاب مُقتَضَبٌ، واقتضبتُ الحديث والشعر: تكلمت به من غير تهيئة أو إعداد له". وكما ترى لم يرد أن الموجز من معاني كلمة "المقتضب". (خ ع)
قل: القوات المكلفة بالمهمة
ولا تقل: القوات المولجة بالمهمة
فقد شاع في الإعلام اللبناني بشكل خاص إستعمال لفظة "مولجة" حين يراد بها "مكلفة". كما شاع استعمل الفعل "تولّج" بمعنى "تولّى". وقد نبه إبراهيم اليازجي لهذا لخطأ منذ عقود حين كتب في "لغة الجرائد" مصححاً قول أهله في لبنان "تولّج فلان الأمر" وهم يريدون به "تولى فلان الأمر". فكتب "وما نحسبهم إلا أرادوا هذا اللفظ الأخير بعينه أي لفظ تولاه فأبدلوا من ألفه جيماً وهو من غريب التحريف. وأما تولج فمعناه دخل مثل ولج المجرد". (إ ي)
ولم يرد عن العرب إستعمال "ولج" أو "مولجة" بمعنى قريب مما يستعمل في لبنان اليوم. فقد جاء في الصحاح:
" وَلَجَ يَلِجُ وُلوجاً ولِجَةً، أي دخل".
وهذا ابن فارس يكتب في مقاييس اللغة تحت باب "ولج":
"الواو واللام والجيم: كلمةٌ تدلُّ على دُخول شيء. يقال وَلَج في مَنزِلِه ووَلَجَ البيتَ يَلِجُ وُلُوجاً.والوَليجة: البِطانةُ والدُّخَلاء."
وقال تعالى: " ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلَّيْلَ فِى ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِى ٱلَّيْلِ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌۢ بَصِيرٌۭ". أي يدخل من هذا في ذاك ومن ذا في هذا. وقال عز من قائل: "ام حسبتم ان تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون." والوليجة هي البطانة كما أجمع الشراح.
فقل: المكلفة
ولا تقل: المولجة (ع ع)
وللحديث صلة....
عبد الحق العاني
3 تشرين أول 2013
www.haqalani.com
-
قل ولا تقل / الحلقة الخامسة عشرة
إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟
قل: هذا بدل مشاركة في الجريدة أو المجلة
ولا تقل: هذا بدل الإشتراك
وذلك لأنك تقول "شاركت في الجريدة أو المجلة، أشارك شراكا ومشاركة" ولا يصح البتة أن تقول "اشتركت في المجلة أو الجريدة" لأن "اشترك" يدل على التشارك أعني أن "افتعل" هاهنا بمعنى "تفاعل" الإشتراكي. ولا يصح أن يكون من جهة واحدة بل يكون من جهتين فاعلتين أو أكثر منهما. ألا ترى أنه لا يجوز لك أن تقول "اعتونت" وتكتفي ولا "اقتتلت" وتسكت ولا "ائتمرت" وتدعي الإفادة. فلا بد لك أن تقول "اعتونت أنا وفلان" أي تعاونتما، و "اقتتلت أنا وعدو الوطن" أي تقاتلتما، و "ائتمرت أنا وفلان بالخائن" أي تآمرتما به. فكذلك "اشتركت أنا والقوم في المجلة". فإذا لم يكن معك واحد معلوم رجعت الى المفاعلة فقلت "شاركت في المجلة" كما تقول عاونت وقاتلت وآمرت. ويؤيد ذلك أن الفصحاء منذ وُجدت العربية الى اليوم لم يقل أحد منهم "فلان متشارك ولا مشترك" بل قالوا هو "شريك ومشارك" ولا قال أحد "هو متعاون بل معاون"، ولا قال أحد "هو متقاتل" بل قالوا "مقاتل"، إلا "المتآمر" فإن الذين لا يعلمون من العربية شيئاً جليلاً قالوا "فلان متآمر" والصواب "مؤامر" كمشارك ومقاتل ومحاسب والمباري والمسابق وقد تكلمنا عليه في موضعه. (م ج)
قل: الإنتكاس أو الإنتكاس النوعي
ولا تقل: الشذوذ الجنسي ولا الإنحراف الجنسي
وقل: فلان منتكس
ولا تقل: فلان شاذ جنسياً ولا منحرف جنسياً
ويقولون للرجل والشاب اللذين يأتيان ما يخلف طبيعتهما البضاعية، وللمرأة والشابة المخالفتين لطبيعتهما البضاعية: شاذان وشاذتان جنسياً أو منحرفان ومنحرفتان جنسياً. ويسمون تلك الصفة من لواط وسحاق "الشذوذ الجنسي والإنحراف الجنسي"، وهذه الصفة وهذه التسمية من أسوء الترجمة الفاسدة من اللغات الأعجمية كالفرنسية والإنكليزية، فالجنس عندهم ترجمة "سيكس" الفرنسية وهي لتمييز الإناث من الذكور. فأول ما فيها من الخطأ القبيح إطلاقهم "الجنس" على "النوع". فالبشر جنس وهو الجنس البشري، والذكور منه نوع والأنوثة منه نوع، والجنس أعم من النوع والنوع أخص من الجنس. جاء في المصباح المنير "الجنس: الضرب من كل شيء والجمع أجناس وهو أعم من النوع، فالحيوان جنس والإنسان نوع". ثم قال: "والنوع من الشيء: الصنف.... قال الغاني: النوع أخص من الجنس وقيل هو الضرب من كل شيء كالثياب والثمار حتى في الكلام".
وورد في لسان العرب: "الجِنْسُ: الضَّربُ من كل شيء، وهو من الناس ومن الطير..... والإِبل جِنْسٌ من البهائم العُجْمِ..... والبقر جنس والشَّاء جنس.... والجِنْسُ أَعم من النوع، ومنه المُجانَسَةُ والتَجْنِيسُ.
ويقال: هذا يُجانِسُ هذا أَي يشاكله، وفلان يُجانس البهائم ولا يُجانس الناسَ إِذا لم يكن له تمييز ولا عقل."
فقول صاحب المصباح المنير: "فالحيوان جنس والإنسان نوع" يستوعب أن يكون "الإنسان جنساً والذكر والإنثى نوعين له" على حسب تدرج العموم والخصوص، فقولهم "الجنس اللطيف" لإناث الإنسان و "الجنس الخشن" لذكور الإنسان غلط مبين درج عليه المؤلفون والكتاب على سبيل التقليد والإقتداء، والصواب "النوع اللطيف والنوع الخشن".
وبما قدمنا يظهر الغلط من استعمال "الجنس" في قولهم "الشذوذ الجنسي" و "الإنحراف الجنسي" لأن البشر جميعهم "جنس" بحسب التدرج الذي ذكرناه آنفاُ. فكان عليهم أن يقولوا "الشذوذ النوعي والإنحراف النوعي" على أن في واقع اللغة العربية ما يغني عن هذا الإستعمال الذي هو غلط على شطط، وهو "الإنتكاس|". قال الأديب المؤلف الإخباري أبو هفان عبد الله بن أحمد: "حدثني سليمان ابن أبي سهل قال: سألت أبا نؤاس أن يجعل شربه عندي أياماً متتابعة ضنانة ومنافسة على ما كان يفوتني منه، فأجابني الى ذلك. فأعددت له ما احتجت اليه من سماع وغيره وبدأنا في الشرب. فلما كان آخر الليل جعل يشكو وجده بجارية قد فتنته ويصف أنه ما ينؤه لذة ولا يسوغ له في شراب ولا يصفو له عيش بسببها، فقلت: ويحك (قد انتكست) وصرت تعشق النساء أيضاً! قال: هو والله ما قلت لك...."
فقوله لأبي نؤاس "قد انتكست" أراد به "قد شذذت أو انحرفت عن النوع البشري الذي تريده"، وإن كان هذا الإنحراف أو الشذوذ "إعتدالاً" و "استقامة" في الحقيقة. فالقائل كان هو نفسه "منتكساً" أي شاذ النوع ومنحرفه، يسمى الإعتدال والإستقامة بعد الزيغ والضلال "انتكاساً" وإذا زاغ الإنسان عن الهدى سمى الأشياء والأفعال بغير أسمائها، تسويغاً منه لما أراد بها. ومن الأمور المسلمة ان كلمة واحدة لها واقع في الإستعمال القديم تفضل كلمتين موهوما في معانيهما واستعمالهما، فالإنتكاس يفضل "الشذوذ الجنسي أو الإنحراف الجنسي" والمنتكس يفضل الشاذ جنسياً أو المنحرف جنسياً، ولا بأس باستعمال "الإنتكاس النوعي" لزيادة الإيضاح.
وقد ذكر الأستاذ الكبير ساطع الحصري "معاني كلمة الجنس" وقال: "لإن استعمال الكلمة الواحدة للدلالة على هذا القدر من المعاني المتباينة يفسح[i] مجالاً واسعاً للإلتباس ويحول دون استقرار المعاني في الأذهان بوضوح تام"[1] وهذا قول صحيح مليح، وقال بعد ذلك: "وأما استعمال الجنس مقابل "سكس" الفرنسية فهو من الإستعمالات الحديثة فليس من اليسير استبعاد هذا المعنى أيضاً في الأحوال الحاضرة" وهذا القول ظاهر الفساد لما بيناه من أن كلمة "سيكس" الفرنسية تعني "النوع" في العربية، ولأن البشر جنس والرجال نوع والنساء نوع فلا يمكن تجريد البشر من كلمة "الجنس" المشتركة بين الرجال والنساء لإطلاقها على أحد النوعين منهما. (م ج)
قل: أكدنا على فلان الأمر أو في الأمر
ولا تقل: أكدنا على الأمر
وذلك لأن الأمر هو الذي يستحق التأكيد أو الوصية في شأنه فينبغي أن يتعدى الفعل اليه أو يقدر له مفعول به كالوصية أو القول أو النصح، وتبقى "على" من حروف الجر أو الظرف، مفيدة التسلط على الإنسان وهو فرع من الإستعلاء. والعرب تستعمل "على" للضرر والتسلط في الغالب، وهي بخلاف اللام عندهم فهي للنفع والإيناس، فكانوا يخشون أن تكون "على" في أول كلامهم، لما فيها من إشعار المخاطب بحلول الأذى، ولذلك قالوا "سلام عليك" وهو القياس والواجب، أعني أنهم أخروا "على" وخالفوا القاعدة استجابة للنفس، وقالوا "ويل لفلان" ولم يقولوا "لفلان الويل" وهو القياس والواجب، لأن اللام عندهم للنفع والإيناس، فأخروها لئلا يشعر المخاطب بالنفع والإيناس، ولما أنشد أبو تمام قوله مبتدئاً:
على مثلها من أربع وملاعب تذال مصونات الدموع السواكب
قال بعض الحاضرين لعنة الله والناس أجمعين فصار الكلام على "مثلها لعنة الله" وكان ينبغي له أن يؤخر "على" فيقول"
تذال مصونات الدموع السواكب على مثلها من أربُع وملاعب
وأما تقدير المفعول فكأن يقال: أكّدت عليه الوصية في الأمر أوالقول في الأمر أو النصح في الأمر. (م ج)
قل: المِساحة والزِراعة والصِناعة
ولا تقل: المَساحة والَزاعة والصَناعة
وذلك لأن المِساحة حرفة من الحرف أو مهنة من المهن، فهي تحتاج الى مزاولة طويلة ومعاناة غير قليلة، وإذا زاد الفعل زادت أحرف مصدره فطول المصدر يدُل على طول المعالجة، ويكون على وزن "فِعالة" بكسر الأول كالتِجارة والبِقالة والعِمالة والحِدادة والزِراعة والصِناعة والمِساحة، والى هذا الوزن تقلب الحِرف وأشباه الحِرف كالإمارة والنِقابة والوِزارة والوِكالة اي المحاماة، هذا مع وجود النَّقابة والوَزارة والوَكالة في اللغة. فإذا أريدت الحرفة والصنعة فهي مكسورة الأول وإذا أريد مجرد الإسم فهي مفتوحة الأول، فكثرة الخَطابة تؤدي الى الخِطابة، وكثرة النَّقاية تؤدي الى النِّقابة وكثرة الوَكالة تؤدي الى الوِكالة. (م ج)
قل: نقل مراسلنا تفاصيل الحدث
ولا تقل: غَطَّى مراسلنا تفاصيل الحدث
وشاع في الإعلام العربي إستعمال الفعل "غَطَّى" والمصدر "تغطية" للدلالة على نقل الخبر أو المعلومات. وهذا الإستعمال للفعل "غطى" لم يرد عن العرب في اي وقت قبل الآن. فإذا راجعنا معجمات العربية لن نجد للفعل غطى سوى ما يلي:
ففي لسان العرب: وغَطَى الشيءَ يَغْطِيه غَطْياً وغَطَّى عليه وأَغْطاه وغَطَّاه: سَتَره وعَلاه؛ قال: أَنا ابنُ كِلابٍ وابنُ أَوْسٍ، فمَنْ يَكُنْ قِناعُه مَغْطِيّاً فإِني مُجْتَلى وفي التهذيب: فإني لَمُجْتَلى.
وفي باب "كفر" من لسان العرب: ورجل كافر: جاحد لأَنْعُمِ الله، مشتق من السَّتْر، وقيل: لأَنه مُغَطًّى على قلبه.
أما إبن فارس فقد كتب في مقاييس اللغة: " الغين والطاء والحرف المعتل يدلُّ على الغِشاء والسَّتر. يقال: غَطَيت الشَّيءَ وغَطَّيْتُه. والغِطاء: ما تَغَطَّى به."
وحيث إن العرب لم تستعمل "غطى" إلا بمعنى ستر وعلا، فلا بد أن نسأل عن سبب دخول هذا الإستعمال البائس للفعل "غطى". وجواب هذا نجده في التغرب الفكري الذي يعيش فيه عرب اليوم. فقد وصل هذا التغرب بالإعلامي العربي أنه أصبح يفكر بالإنكليزية أو الفرنسية ويترجم النص الإوربي حرفياً. وحيث إن اللغة الإنكليزية تستعمل الفعل “Cover” ليعني نقل الخبر فإن العربي إعتقد أنه يجوز له أن يستعمل الفعل العربي المقابل للفعل الإنكليزي ليدل على نقل الخبر. لكن هذا لا يصح ذلك لأن دلالة الفعل الإنكليزي على أكثر من معنى لا يعني أنه يجوز إعتماد ذلك في أية لغة أخرى، فكل لغة لها خصوصيتها.
فقل: نقل الخبر
ولا تقل: تغطية الخبر
قل: هو من سادة القوم
ولا تقل: هو من أسياد القوم
فقد كتب إبراهيم اليازجي في لغة الجرائد ما نصه: "ويقولون في جمع السيد أسياد وهي من لفظ العامة لأنهم يقولون في المفرد سيد بالكسر مثال عيد وإنما السيد الذئب. والصواب جمعه على سادة مثل عيل وعالة وكلاهما نادر". وأخذ خالد العبري هذا واضاف عليه بقوله:
"شاع في العصر الحديث جمعُ "سيَد" على "أسياد"، وهو جمع لم يرد عن العرب مطلقاً، فالعرب تجمعها جمعاً واحداً على "سادة".
ومن ذلك قول طرفة بن العبد (من الطويل):
فأصبحت ذا مالٍ كثيرٍ وزارني بنون كرامٍ سادةٌ لمُسوّدِ
وقول حسان بن ثابت (من الطويل):
وفينا إذا ما شبَّت الحرب سادةٌ كهولٌ وفتيانٌ طِوال الحمائلِ
وتجمع "سادة" على "سادات" جمع جمعٍ، كما تُجمع قادة على قادات ورجال على رجالات."
قل: هو وارث فلان
ولا تقل: هو وريث فلان
وكتب إبراهيم اليازجي قوله: "ويقولون هو وريث فلان ووريث العهد وهم الورثاء ولم ينقل عنهم لفظ الوريث إنما هو الوارث والجمع الورثة والورّاث".
ونقل خالد العبري ذلك وتوسع فيه كاتباً:
"من الكلمات التي شاعت في عصرنا كلمة "وريث" التي يجمعونها على "ورثاء" فهل ورد عن العرب "وريث" لكي نجمعه على "ورثاء"؟
ونقول: إنه لم يرد عن العرب "فعيل" بمعنى فاعل من "ورث" والذي ورد عنهم "وارث" فقط، وقد جمعوها على: ورثة و وُرّاث.
وصيغة "فعيل" من الصيغ التي لا يقاس عليها سواءً جاءت بمعنى فاعل أو جاءت بمعنى مفعول. يقول السيوطي في همع الهوامع عند الحديث عن فعيل بمعنى فاعل: وورد الفاعل بغير قياس من فعل المفتوح على "فعيل" كعَفَّ فهو عفيف، وخَفَّ فهو خفيف". ويقول ابن عقيل في شرحه على ألفية ابن مالك عند الحديث عن "فعيل" التي هي بمعنى مفعول: ".... ولا ينقاس ذلك في شيء، بل يُقتصر فيه على السماع، وهذا معنى قوله (وناب نقلاً عنه ذو فعيل)".
من ذلك لا يجوز أن يقال "وريث" لأنها لم تسمع عن العرب، والذي نراه أن يبقى هذا الباب كما قرر علماؤنا الأوائل، فلا يفتح باب القياس فيه، لأنه ليس كل فعل يصلح أن يصاغ منه على وزن "فعيل" وما صلح منه أورده أهل المعاجم، فليرجع فيه إليها."
قل: اطلعت على إضبارة القضية
ولا تقل: إطلعت على ملف القضية
وقد شاع في الإعلام وفي عدد من الدوائر الرسمية والقضائية في بعض من الدول العربية إستعمال عبارة "ملف القضية". وهو إستعمال لا أصل ولا مسوغ له. فلم يرد في أي من المعجمات العربية الصحيحة أي ذكر لكلمة "ملف" وكأنها لم تستعمل من قبل العرب قبل القرن العشرين. فإذا قال قائل ان التطور يجيز إشتقاق كلمة جديدة فإن كلمة "ملف" المشتقة ستعني الألة التي يلف بها كما تقضي قواعد اللغة العربية. فقد عقد سيبويه لذلك باباً سمّاه (هذا باب ما عالجت به ) قال فيه: (أما المِقصُّ فالذي يقص به، وكل شيء يُعالَج به فهو مكسورُ الأول، كانت فيه هاء التأنيث أو لم تكن). وهذا يعني أن كلمة "ملف" حتى إذا صح إشتقاقها فإنها لا تعني الأوراق الملفوفة وإنما تعني السلك أو الخيط الذي يجمع تلك الأوراق.
ولم تكن مساهمة المعجم الوسيط بناءة حين عرف الملف على أنه "الإضبارة تجمع أوراقًا مختلفة في موضوع واحد أَو أكثر". فعرف "الملف" على أنه "الإضبارة". لكنا إذا بحثنا عن "الإضبارة" في المعجمات الصحيحة وجدنا ما يلي:
فقد جاء في لسان العرب:" والإِضْبَارَةُ الحُزْمة من الصُّحُف، وهي الإِضْمَامَة"
كما جاء في الصحاح للجوهري: "والإضْبارَةُ بالكسر: الإضمامة. يقال: جاء فلان بإِضْبارَةٍ من كتبٍ، وهي الأضابير. وقد ضَبَرْتُ الكتبَ أَضْبِرُها ضَبْراً، إذا جعلتها إضْبارَةً."
وكتب إبن فارس في مقاييس اللغة: "الضاد والباء والراء أصلٌ صحيحٌ واحدٌ يدل على جمعٍ وقُوّةٍ. يقال ضَبرَ الشَّيءَ: جَمَعه .....وإضبارة الكتب من ذلك."
وقال إبن السكيت في (إصلاح المنطق) " وتقول: جاء فلانٌ بإضبارة من كتب، وبإضمامة من كتب، وهي الأضابير والأضاميم."
ويتضح مما تقدم أن العرب إستعملوا لفظة "إضبارة" لتعني مجموعة الوثائق والصحف التي تضم مع بعضها وهو ما يعنيه لفظ "ملف" الذي استحدث في العصر الحديث دون أية حاجة ذلك لأن لفظة "إضبارة" الأصيلة أغنتنا عن الحاجة لإشتقاق جديد. ولعل ما يبعث على العجب أن المعجم الوسيط عرف "الملف" بأنه "الإضبارة" فكأنه "عرف الماء بعد الجهد بالماء".
فقل: إضبارة القضية
ولا تقل: ملف القضية
وللحديث صلة....
عبد الحق العاني
24 تشرين أول 2013
www.haqalani.com
[1] الصواب "يفتح مجالاً" أو "يفسح في المجال" لأن فسح لازم لا متعد ويستعمل معه "في" لإجراء حدثه. (م ج)
[i] الصواب "يفتح مجالاً" أو " يفسح في المجال" لأن "فسح" لازم لا متعد ويستعمل معه "في" لإجراء حدثه.
-
قل ولا تقل / الحلقة السادسة عشرة
إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟
قل: أسِّسَت هذه المدرسة في السنة الأولى من حكم فلان وأسِّس المسجد على عهد فلان
ولا تقل: تأسَّست المدرسة ولا تأسّس المسجد
وذلك لأن الفعل "تأسَّس" خاص بما يقوم بنفسه والمدرسة وأشباهها من العمارات والمسجد وأمثاله من البنيان لا تقوم بأنفسها، أعني أنها لا تكون كوناً طبيعياً كالنبات والبشر والحيوان، وليس من شيء مصنوع يقوم أساسه بنفسه لأن الأساس بعينه معمول ومصنوع لأي ناشئ عن العمل والصناعة، ولذلك لم تستعمل العرب قط الفعل "تأسَّس" وإنما هو من اللغة العامية، لأن اللغة العامية فقدت الفعل المبني للمجهول منذ عصور كثيرة
فلا يقول العوام "أكِل الطعامُ" بل "انئكل أو إنكل أو انوكل" على اختلاف لهجاتهم، ولا يقولون "أُسِّست الدار" بل تأسَّست. فالصواب "أُسِّست المدرسة وأسِّس المسجدُ". قال تعالى: "لمسجد أسِّس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه. وذلك لأن النبي محمداً (عليه الصلاة والسلام) هو الذي أسَّس المسجد. وقال تعالى: "أفمن أسَّس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسَّس بنيانه على شفا جرف هارٍ".
وجاء في لسان العرب قال الليث: "أسَّستُ داراً إذا بينت حدودها ورفعت من قواعدها". وجاء في القاموس: "والـتأسيس بيان حدود الدار ورفع قواعدها وبناء أصلها". وقال الزمخشري في أساس البلاغة: "من لم يؤسس ملكه بالعدل فقد هدمه".
وهذا الفعل وأمثاله تؤيد دعواي بأن المطاوعة المزعومة في اللغة حديث خرافة، فان العربي الفصيح لا تطاوعه نفسه على أن يقول "تأسَّس المسجد والمدرسة" وإنما يقول أسِّس المسجد والمدرسة وعلى ذلك يقاس. (م ج)
قل: لَجْنة ولِجان ولَجَنات
ولا تقل: لُجنة ولُجان ولُجُنات
وذلك لأن الَّلجنة سمعت وأثبتت في كتب اللغة بفتح اللام الأصلية وليس لنا أن نجعل فتحتها ضمة. قال مجد الدين الفيروزأبادي في القاموس: " الَّلجنة الجماعة يجتمعون في الأمر ويرضونه" انتهى. ولا أحسب كلمة "الَّلجنة" عربية الأصل بل أراها معربة من إحدى اللغات الأعجمية، فالجوهري لم يذكرها في الصحاح ولا ذكرها غيره ممن رجع إلى كتبهم اللغوية مؤلف لسان العرب فلإنه لم يثبتها في اللسان، فصاحب القاموس نقلها من أحد كتب اللغة الأخرى. وقد يجوز أن يتكلف لها أصل عربي من الفعل "لجن" أي خلط، ومنه قولهم "لجَنَ ورقَ الشجر ونحوه أي خلطه بشعير أو دقيق حتى يثخن فتعلفه الإبل".
وجمع الَّلجنة للكثرة أي ما تجاوزت عدته عشراً هو لِجان كحَربة و حِراب وظبية و ظِباء ، وللقلة أي من الثلاث الى العشر هو لَجَنات كعَرصة و عَرَصات، فلا تقل: لُجنة لُجان بل قل: لَجنة لِجان. (م ج)
قل: جَهْورَيّ الصوت وجَهيرُ الصوت
ولا تقل: جَهُوري الصوت
هو الصوت الرفيع الذي ينتبذ صوته بعيداً، فالجَهْوَري كأنه منسوب الى جَهْور، ولو كان صفة مبالغة لقيل "جَهُور" مثل عفور وغفور ولم يحتج الى ياء النسبة، والواو في جَهْوَريّ للمبالغة كواو كوثر ونوفل وحوصلة وروسم وروشم وحَوشبة. (م ج)
وجاء في لسان العرب في باب "جهر":
" ورجلٌ جَهيرُ الصوتِ أَي عالي الصوت، وكذلك رجل جَهْوَرِيُّ الصوت رفيعُه.....والجَهْوَرِيُّ هو الصوت العالي."
وكتب مؤلف الصحاح في باب "جهر":
" وجَهَرَ بالقول: رفَعَ به صوتَه، وجَهْوَرَ. وهو رجلٌ جَهْوَرِيُّ الصوت، وجَهيرُ الصوت"
قل: خِطبة الزواج
ولا تقل: خُطبة الزواج
يقال: خَطب المرأة يخطُبها خِطبة فهو خاطِب وخِطّيب وهي مخطوبة ويقال هي خِطّيبة إذا كانت قد خَطَبت الرجل على نفسها. أما الخُطبة فهي الكلام الذي يلقيه الخطيب من على المنبر أو غيره. يقال خَطَب فلان القومَ وفي القوم بخُطبة بليغة. (م ج)
وكتب إبن منظور في باب "خطب" من لسان العرب:
" وخَطَب المرأَةَ يَخْطُبها خَطْباً وخِطْبة، بالكسر...... وخَطَب الخاطِبُ على المِنْبَر، واخْتَطَب يَخْطُبُ خَطابَةً، واسمُ الكلامِ: الخُطْبَة."
أما إبن فارس فكتب في مقاييس اللغة:
" الخاء والطاء والباء أصلان: أحدهما الكلامُ بين اثنين، يقال خاطبهُ يُخاطِبه خِطاباً،والخُطْبة من ذلك. وفي النِّكاح الطّلَب أن يزوّج، قال الله تعالى:لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساء ".
قل: يود فلان أن يفنى في خدمة الوطن، ويود الفناء في خدمة الأمة
ولا تقل: يريد أن يتفانى في خدمة الوطن ولا يريد التفاني في خدمة الوطن
وذلك لأن الفعل "تفانى" من أفعال الإشتراك في اللغة العربية فلا يصدر إلا من جهتين مختلفتين، يقال: تفانى القوم والقوم تفانوا أي أفنى بعضهم بعضاً، قال زهير بن أب سلمى:
تداركتما عبساً وذبيان بعدما تفانوا ودقّوا بينهم عطر منشم
قال ابن مكرم في لسان العرب: "تفانى القوم قتلاً: أي أفنى بعضهم بعضاً، وتفانوا اي أفنى بعضهم بعضاً في الحرب". فالعرب لم تستعمل "تفانى" إلا للإشتراك والإهلاك والإبادة، ولقائل أن يقول: وأين أنت من القياس وهو سبيل من سبل حياة اللغة؟ فأقول له: إذا أخذنا من الفعل "فني" فعلاً على وزن تفاعل وجب أن يقاس على طائفة من الأفعال، ذوات المعنى القياسي الصيغة، فيكون تفانى مثل تمارض وتماوت وتهالك وتعامى، وهي أفعال رياء وإظهار لغير الحقيقة، فيصير التفاني مُراآةً ومداجاةً ومخادعةً، وهي غير مرادة فضلاً عن كونها عيوباً ولو كان التفاني للنار أو للبخار أي لغير الإنسان لجاز ذلك بعض الجواز. فالصواب "الفناء في خدمة الوطن وهو يَفنى في خدمة الأمة". (م ج)
قل: هذا الأمر لافِتٌ للنظر
ولا تقل: هذا الأمر مُلفِتٌ للنظر
نستعمل كثيراً لفظة "مُلفِت" فنقول مثلاً: "هذا الأمر مُلفِتٌ للنظر" فهل كلمة "مُلفِت" صحيحة؟
نقول: لو تأملنا هذه الكلمة لوجدناها اسم فاعل من الفعل "ألفت"، فاسم الفاعل من الفعل غير الثلاثي يُصاغ بقلب حرف المضارعة ميماً مضمومة وكسر ما قبل آخره، نحو أقبل يُقبِلُ مُقْبِلٌ، والعرب لم تستعمل الفعل "ألفَت" قطُّ. فالصواب أن يقال "لافِتٌ" وهي اسم الفاعل من الفعل "لَفَتَ" التي تعني صرفه عن وجهه، فـ "لافِتٌ" تعني إذن: الأمر الذي يصرف الوجوه والتفكير نحوه، يقول المولى عز وجل: "قالوا إجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا" أي لتصرفنا. فالصواب في العبارة السابقة أن نقول "هذا الأمر لافت للنظر". (خ ع )
قل: قابلته مُصادَفَةً
ولا تقل: قابلته صُدفَةً
الأصل: صَدَفَ عنه يَصدِفُ صَدْفَاً و صُدُوفاً أي عدل ومال، وأصدفه عنه: مال به، وصدف عني: أعرض عني.
وفي كتاب الله: "سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون"، فمعنى يصدفون في الاية: يعرضون.
والصَّدُوفُ من النساء التي تعرض عن زوجها. والصَّدَف: كل شيء مرتفع كالهدف والحائط والجبل. والصَّدف والصَّدَفة: الجانب والناحية.
والصٌّدْفان: ناحيتا الشعب أو الوادي، ويقال لجانبي الجبل إذا تجاذبا صُدُفان أو صَدَفان لتصادفهما أي لتلاقيهما، وفي كتاب الله : "حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا". ومن هذا يُقال: صَادَفت فلاناً إذا لاقيته ووجدته، ولا نقول صَدَفت فلاناً.
إذن نقول: صادفته مُصَادَفَةً ومصادفة مصدر ميمي من صادف،
ولا نقول: صَادَفتُه صُدفَةً، ولا نقول: صَدَفْتُه. (ع ن)
قل: هو شاعر بليغ فضلاً عن شجاعته
ولا تقل: هو شاعر بليغ ناهيك عن شجاعته
وكتب إبراهيم اليازجي في (لغة الجرائد) "ويقولون هو شاعر بليغ ناهيك عن شجاعته أي فضلا عن شجاعته مثلاً. ولا يستعمل ناهيك بهذا المعنى إنما يقال زيد رجل ناهيك من رجل كما يقال كافيك من رجل وحسبك من رجل أي هو كاف لك فكأنه ينهاك عن طلب غيره".
وقال إبن منظور في لسان العرب: "وفي قولهم: ناهِيكَ بفلان معناه كافِيكَ به، من قولهم قد نَهيَ الرجلُ من اللحم وأَنْهَى إِذا اكْتَفى منه وشَبِع.
أما إبن فارس فقد ذكر في مقاييس اللغة في باب (نهي): "وفلانٌ ناهِيكَ من رجلٍ وَنَهْيُك، كما يقال حسبك، وتأويله أنَّه بِجدِّه وغَنَائه ينهاك عن تطلُّبِ غيره.
وذكر القاموس المحيط تحت باب (نهاه): "وناهيكَ منه،
ونَهاكَ منه، بِمَعْنَى: حَسْبُ.
وهكذا يتضح أن العرب لم تستعمل "ناهيك" بالمعنى الذي يستعمله العامة اليوم. فاعدل عنه الى الصحيح من القول.
وقل: فضلاً عن شجاعته
ولا تقل: ناهيك عن شجاعته.
قل: فعلت هذا لمَصلَحَة فلان
ولا تقل: فعلت هذا لِصالِح فلان
وكتب إبراهيم اليازجي في (لغة الجرائد) "ومثله قولهم فعلت هذا لصالح فلان أي لمصلحته ومنفعته وهذا الأمر من صالحي وهي الصوالح ولم يأت الصالح في شيء من اللغة بهذا المعنى وانما هو من كلام العامة".
وقال إبن منظور في باب (صلح):
"الصَّلاح: ضدّ الفساد؛ صَلَح يَصْلَحُ ويَصْلُح صَلاحاً وصُلُوحاً........ وهو صالح وصَلِيحٌ........ ورجل صالح في نفسه من قوم صُلَحاء ومُصْلِح في أَعماله وأُموره........ والمَصْلَحة الصَّلاحُ...واحدة المصالح."
وقال إبن فارس في المقاييس: "الصاد واللام والحاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على خِلاف الفَساد. يقال صلُحَ الشَّيءُ يصلُحُ صلاحاً."
وهكذا نرى في ما أوردت معجمات اللغة أن العرب لم تستعمل "صالح" إلا كإسم الفاعل. والصحيح القول "مصلحة" لهذا المعنى.
قل: هذا حبل كهربائي
ولا تقل: هذا كيبل أو كابل أو قابلو كهربائي
فقد شاع في الوطن العربي في القرن العشرين إستعمال عبارة "كيبل كهربائي" أو "كيبل إتصالات" أو تحويرات منها مثل "القابلو المحوري" كما يشار له في العراق. وجميعها تعريب للكلمة الإنكليزية (Cable) . ذلك لأن أول إستعمال للكلمة في اللغة الإنكليزية كان بمعنى الحبل الغليظ. وحين برزت حاجة العلم والتقنية لإستحداث وسيلة لنقل الكهرباء أو الإتصالات فإنهم لم يترددوا في إستعارة لفظة الحبل لهذا الغرض.
فما هو العيب لو أن العرب إستعاروا كلمة "الحبل" للتعبير عن وسيلة نقل الكهرباء أو الإتصالات أو البيانات كما فعل الإنكليز مما يوفر عليهم الحاجة لتعريب اللفظ الإنكليزي.
وما دمنا بصدد الحبل فلا بأس أن نعرج على تصحيح خطأ شائع عند العرب وهو تفسير الاية الكريمة "لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَٰبُ ٱلسَّمَآءِ وَلَا يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلْجَمَلُ فِى سَمِّ ٱلْخِيَاطِ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُجْرِمِينَ". فقد نشر المفسرون بين الناس أنه تعالى أراد في كلمة "الجمل" البعير المعروف. وقد علل أحد المفسرين ذلك بالقول انه تعالى استعمل الجمل لحجمه الكبير. لكن هذا التفسير لا يليق برب العزة، ذلك لأن الأمثال تضرب على شاكلتها ونحن نتعلم منه تعالى، فما علاقة البعير بسم الخياط؟
والصحيح عندي في تفسير معنى "الجمل" في الآية الكريمة هو ما جاء في لسان العرب في باب "جمل":
"وهي قراءة ابن مسعود: حتى يلج الجُمَل، مثل النُّغَر في التقدير.
وحكي عن ابن عباس: الجُمَّل، بالتثقيل والتخفيف أَيضاً، فأَما الجُمَل، بالتخفيف، فهو الحَبْل الغليظ، وكذلك الجُمَّل، مشدد. قال ابن جني: هو الجُمَل على مثال نُغَر، والجُمْل على مثال قُفْل، والجُمُل على مثال طُنُب، والجَمَل على مثال مَثَل؛ قال ابن بري: وعليه فسر قوله حتى يلج الجَمَل في سَمِّ الخياط".
وهكذا يتضح أنه تعالى أراد في إستعمال "الجمل" في الآية الكريمة "الحبل الغليظ" وليس البعير كما قال المفسرون. وفوق كل ذي علم عليم.
فقل: هذا حبل محوري
ولا تقل: هذا كيبل أو قابلو محوري.
وللحديث صلة....
عبد الحق العاني
3 تشرين ثاني 2013
www.haqalani.com
-
قل ولا تقل / الحلقة التاسعة عشرة
إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟
قل: هذه خريطة الطريق
ولا تقل: هذه خارطة الطريق
يعيش العرب اليوم أكثر من أي وقت سبق كالقردة يقلدون سيدهم الغربي، وكيف لا فإن لم يفعلوا فلا بد أنهم سيتخلفون عن ركب الحضارة والتقدم. وحبذا لو قلدوه في تطوره العلمي والطبي والهندسي.. لكنهم اختاروا بدلا أن يقلدوه في تفاهاته.. فاختاروا برامج التلفاز ولم يكتفوا بالقيام بمحاكاة البرامج بالكامل بل إنهم حين إكتشفوا عجز العربية وقصورها في التعبير كان لا بد أن يستعيروا أسماء البرامج من الإنكليزية الثرية...فعندنا اليوم “Arab Idol” وعندنا اليوم “Arabs Got Talent” وعندنا اليوم "أكشنها" وما شابهها من التفاهات..وهكذا فحين تفتق العقل الأمريكي الفذ في السياسة، وهو ما انفك يتحفنا بعظيم المساهمات في المأساة الإنسانية، عن مصطلح “Road Map” سارع الساسة والإعلاميون العرب لتبني هذا المصطلح الجديد وإستعماله في مناسبة وغير مناسبة حتى لا يبدو أنهم لا يفهمون، وهم ولا شك يفهمون في كل شيء.
لكنهم في غمرة النقل الأعمى لم يحسنوا الترجمة للتعبير عن الأصل الإنكليزي.. ذلك لأنك تسمع كثيراً من الساسة والإعلاميين من يقول "خارطة الطريق". وهذا خطأ لأن ترجمة “Map” هو خريطة وليس خارطة.
فما أصل كلمة خريطة في العربية؟ جاء في الصحاح:" والخَريطَةُ وعاءٌ من أَدَمٍ وغيرهِ يُشْرَجُ على ما فيها".
وحين وضع العالم العربي أبو عبد الله محمد بن محمد الإدريسي الهاشمي أول رسم للعالم كما تصوره فإنها سميت "خريطة الإدريسي".وأ
وجاء في المعجم الوسيط في معنى خريطة ما أضاف هذا الإستعمال الجديد:
" وعَاء من جلد أَو نَحوه يشد على مَا فِيهِ و (فِي اصْطِلَاح أهل الْعَصْر) مَا يرسم عَلَيْهِ سطح الكرة الأرضية أَو جُزْء مِنْهُ (ج) خرائط".
أما كلمة "خارطة" فهي مؤنت "خارط" وجذرها هو خرط وجاء في القاموس:
" خَرَطَ الشجرَ يَخْرِطُهُ ويخْرُطُه: انْتَزَعَ الوَرَقَ منه اجْتِذاباً."
وجاء منه في العباب الزاخر:
"وحمار خارط: وهو الذي لا يستقر العلف في بطنه".
وليس لأي من هذا ما له علاقة بالكلمة الإنكليزية المراد ترجمتها. فالصحيح هو إستعمال "خريطة" كما استعملت لتمثيل ما رسمه الإدريسي للتعبير عن رسم الطريق.
قل: وردت علينا برقية مُفادها كيت وكيت
ولا تقل: مَفادها
وذلك لأنك تقول: أفادت البرقية كيت وكيت على سبيل الإستعارة اي جاءت بفائدة خبرية، والمصدر الميمي من أفاد هو "مُفاد" على وزن اسم المفعول، وذلك من القياس المطرد فالمُفاد ها هنا كالمُصاب، قال بعض الشعراء القدماء:
أظلومُ إن مُصابكم رجلا أهدى السلام تحية ظُلُم
أي يا ظلوم إن اصابتكم رجلاً ومنه قوله تعالى"وقل ربي أدخلني مُدخل صدق وأخرجني مُخرج صدق". أي إدخال صدق وإخراج صدق.
أمّا "المَفاد" فهو مصدر ميمي لفعل من الأفعال المعروفة بالأضداد من معانيه حصول الفائدة والحياد والموت والتبختر وفي استعماله التباس كبير فضلاً عن بعده عن المراد. (م ج)
قل : هو فارس النظر بيِّن الفِراسة
ولا تقل: هو فارس النظر بيِّن الفَراسة
ويصعب على الكثيرين التمييز بين الفِراسة والفَراسة، رغم أن هناك فرقاً في المعنى. وهذه الصعوبة ليست وليدة عصرنا هذا فهي تعود للعصر العباسي.
فقد كتب أبن السكيت في إصلاح المنطق:"الأصمعي: فارسٌ على الخيل بيِّن الفُرُوسة والفَرَاسة، وهو فارس النظر بيِّن الفِراسة، ومنه: اتقوا فِرَاسة المؤمن."
وكتب ابن منظور في لسان العرب:
"وقد فرُس فلان، بالضم، يَفْرُس فُرُوسة وفَراسة إِذا حَذِقَ أَمر الخيل.......... والفِراسة، بكسر الفاء: في النَّظَر والتَّثَبُّت والتأَمل للشيء والبصَر به، يقال إِنه لفارس بهذا الأَمر إِذا كان عالماً به."
وجاء في العباب الزاخر:
"وفي الحديث: عَلِّموا رِجالَكُم العَوْمَ والفَرَاسَةَ: يعني العِلمَ بركوب الخيل ورَكْضِها...... والفِرَاسَة -بالكسر-: الاسم من التَفَرُّس، ومنها الحديث الذي يَرْفَعونَه إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلّم- اتَّقوا فِراسَة المؤمن فإنَّه يَنْظُرُ بنور الله."
وهكذا يتضح الفرق بين الفِراسة والفَراسة.
قل: إعتذر من التقصير أو الذنب
ولا تقل: إعتذر عن التقصير أو الذنب
يقال "إعتذر فلان من التقصير والذنب" لا "اعتذر عنهما". جاء في الصحاح "إعتذر من الذنب". وجاء في لسان العرب "وإعتذر من ذنبه: تنصل". ثم جاء فيه في الإعتذار بمعنى الدروس:"وأخذ الإعتذار من الذنب من هذا لأن من اعتذر شاب إعتذاره بكذب يعفي ذنبه".
وجاء في وصف عبد الملك بن مروان على لسان عمرو بن العاص "آخذ بثلاث تارك لثلاث: آخذ بقلوب الرجال إذا حدث وبحسن الإستماع إذا حُدّث وبأيسر الأمرين إذا خُولف، تارك للمِراء وتارك لمقاربة اللئيم، وتارك لما يتعذر منه".
وجاء في كتاب للإمام علي (ع) بعث به الى كثم بن العباس (رض):
"فأقم على ما في يديك قيام الحازم الطيب، والناصح اللبيب التابع لسلطانه المطيع لإمامه وإياك وما يُعتذر منه".
وقال ابن أبي عتيق للثريا "هذا عمر قد جشمني السفر من المدينة إليك فجئتك معترفاً بذنب لم يجنه معتذر إليك من إساءته إليك".
وغنى الدلال أبو زيد ناقد المدني مولى عائشة بنت سعيد بن العاص:
طربت وهاجك من تَذَكُّر ومن لست من حُبّهِ تَعتَذر
وقال ابن عرادة السعدي في مدح سلم بن زياد بن أبيه:
يقولون اعتذر من حُبِّ سَلْم إذن لا يقبل الله اعتذاري
ومدح الراعي عبيد الله بن الحصين (سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص) قال المفضل الضبي: "قال لوكيله كم عندك؟ قال: ثلاث آلاف دينار. قال: ادفعها اليه واعتذر من قلتها".
وجاء في كليلة ودمنة ص -377 "فدعا الأسد بابن آوى واعتذر اليه مما كان منه. وقال عبد الله بن محمد بن البواب خليفة الفضل بن الربيع في حجبه الهادي بن المهدي في أمر وقع له مع الأسود بن عمارة النوفلي: "فدنوت منه وأخبرته خبر الهادي واعتذرت من مراجعتي إياه".
وقال أبو علي الحسن بن حمدون: "وكتب يوسف بن ديوداذ الى الوزير أبي الحسن علي بن الفرات يعرفه الخبر ويعتذر اليه من تأخير المال الذي واقفه عليه". وقال بشار بن برد:
قلت وإذ شاع ما اعتذارك مما ليس لي فيه عند همك عذر
وقال ابن عبدوس الجهشياري: "حكي لنا أن موسى الهادي سخط على بعض كتابه.... فجعل يقرعه بذنوبه ويتهدده، فقال له: يا أمير المؤمنين إن اعتذاري مما تُقَّرعني به رَدَّ عليك". وقال بعض الفضلاء في خبر له: "وجعلت اعتذر اليه منه بعذر....وكيف يكون اعتذار انسان من كلام قد تكلم به".
وقد تصحفت "من" الى "عن" في المصباح المنير مع أن مصحح الطبعة الشيخ حمزة فتح الله الأديب الكبير المشهور، إنما تستعمل "عن" مع اعتذر ومصدره لإفادة معنى النيابة. يقال "اعتذر زيد عن عمرو من الذنب الذي جناه أو من تقصير ومنه ما ورد في مستدرك المعجمات لدوزي "ألا اعتذرت لهم عني" لأنه لم يرد لقاءهم.
وفي ن س ل من لسان العرب "ذكره أبو منصور واعتذر عنه أنه أغفله في بابه فأثبته في هذا المكان". (م ج)
قل: الدين الإسلامي السمح والديانة الإسلامية السمحة والرجل السمح والمرأة السمحة
ولا تقل: الديانة السمحاء
وذلك لأن الصفة الواردة من مادة السماحة جاءت على وزن "فَعْل" للمذكر وعلى وزن "فَعْلة" للمؤنث نحو "سهل وسهلة وضخم وضخمة وشهم وشهمة وبحت وبحتة". ولأن فعل هذه الصفة هو من باب "فَعُل يَفعُلُ" ولا تأتي الصفة من هذا الوزن على "أفعل وفَعلاء" لكي يقال "سمحاء". بل تأتي على "فعيل وفعيلة" و"فعل وفعلة" قياساً و "فُعل وفُعلة" ندوراً، كشريف وشريفة وسمح وسمحة وصُلب وصُلبة. وما ورد من شذوذ أعجف وعجفاء وآدم وأدماء و أسمر وسمراء وأحمق وحمقاء وأخرق وخرقاء وأرعن ورعناء. فمردود بأنه قد جاء في اللغة المسموعة أيضاً "عجِف و أدِم و سمِر و حمِق و خرِق و رعِن" فيجوز اشتقاق الصفات منهن على أفعل فعلاء، بله أننا نرى أن من الصفات ما سبق الأفعال لأن الصفات محسوسة فهي سابقة في الإشتقاق لأفعالها. وبيان ذلك عندنا أن الأسود يجوز أن يكون سمى "أسود" أولاً ثم اشتق منه الفعل "سوّد" يؤيد ذلك أن العرب تقول "أسودّ الشيء يسودُّ اسوداداً" أكثر من قولها "سوّد الشيء يسوّدُ سوداً" فاسوَدَّ يُسودُّ عندنا مأخوذ من الصفة اسود، وسوداء مأخوذة من "أسود" كذلك بتأخير الألف الأولى الى آخر الكلمة، والألف لما كانت في أول الصفة دلت على التذكير وفي آخرها على التأنيث وهذا مما لم يقف عليه العلماء القدماء.
وأعود الى السمح والسماحة فأقول قال ابن فارس في المقاييس: "السين والميم والحاء أصل يدل على سلاسة وسهولة........ ورجل سمح أي جواد وقوم سمحاء". وقال الجوهري: "وامرأة سمحة ونسوة سِماح". وجاء في لسان العرب "سمح سماحة وسُموحة وسماحاً: جاد، ورجل سمح وامرأة سمحة ونساء سِماح وسمحاء فيها، وقولهم: الحنيفية السمحة أي ليس فيها ضيق ولا شدة. وما كان سمحاً ولقد سَمُحَ بالضم سماحة وجاد بما لديه، وعود سمح من السماحة والسموحة أي لا عقدة فيه، ويقال: ساجةٌ سمحة إذا كان غلظها مستوي النبتة وطرفاها لا يفوتان وسطه ولا جميع ما بين طرفيه من نِبتته. فإن اختلف طرفاه وتقاربا فهو سَمْحٌ أيضاً. قال بعض الأئمة: وكل ما استوت نِبتته حتى يكون ما بين طرفيه منه ليس بأدق من طرفيه أو أحدهما، هو من السَّمْح".
وتفرد الفيومي بذكر "السّمح" قال في المصباح المنير "وسمُح فهو سمح وزاد خشن فهو خشِن لغة، وسكون الميم في الفاعل تخفيف، وامرأة سِمحة وقوم سُمحاء ونساء سِماح"
قل: الدين الإسلامي السّمح والديانة الإسلامية السّمحة
ولا تقل: السّمحاء (م ج)
قل: فلان من ذوي المروءة
ولا تقل: فلان من ذوي الشهامة
كتب ابراهيم اليازجي في لغة الجرائد: "ويقولون فلان من ذوي الشهامة يعنون المروءة وعزة النفس وليس ذلك في شيء من كلام العرب ولكن الشهم عندهم الذكي المتوقد الفؤاد ويجيء بمعنى السيد النافذ الحكم في الأمور وقال الفرآء الشهم في كلام العرب الحمول الجيد القيام بما حمل وكله بعيد عن المعنى الذي يريدونه كما ترى".
وكتب ابن منظور في لسان العرب في باب "شهم":
"الشَّهْمُ: الذَّكِيُّ الفُؤاد المُتَوَقِّدُ، الجَلْدُ، والجمع شِهام............... وقد شَهُمَ الرجلُ، بالضم، شَهامة وشُهومة إذا كان ذكِيّاً، فهو شَهْمٌ أي جَلْدٌ. وفي الحديث: كان شَهْماً نافذاً في الأُمور ماضياً."
وأورد ابن فارس في المقاييس تعريفاً مماثلا فكتب:
"الشين والهاء والميم أصلٌ يدلُّ على ذَكاء. يقال من ذلك: رجلٌ شَهْمٌ".
أما المروءة فقد جاء معناها في الصحاح على أنه:
"والمُروءَةُ الإنسانية، ولك أن تشدِّدَ."
وجاء في لسان العرب وصف لها:
"وسئل آخَرُ عن الـمُروءة، فقال: الـمُرُوءة أَن لا تفعل في السِّرِّ أَمراً وأَنت تَسْتَحْيِي أَن تَفْعَلَه جَهْراً."
وهكذا نرى أن العامة تخطئ في استعمال لفظة الشهامة وهي تريد المروءة.
قل: رأيته البارحة لليلة التي قبل نهارك والبارحة الأولى للتي قبلها
ولا تقل: رأيته الليلة الماضية ولا ليلة أمس
وذلك لأن البارحة في الأصل صفة لليلة التي قبل نهارك إذا تكلمت بعد الزوال أي بعد الظهر ثم حذف الموصوف وبقيت الصفة فصارت اسماً من الأسماء. وقولي: إذا تكلمت بعد الزوال أي الظهر تفسيره أنك إذا أردت أن تذكر الليلة فلها أسماء بالنسبة الى الزوال، فإذا تكلمت قبل الزوال أي قبل الظهر قلت: فعلت الليلة كذا وكذا، وجرى الليلة حادث مهم، وما اشبه ذلك. وإذا تكلمت بعد الزوال جاء في لسان العرب: "والعرب تقول: فعلنا البارحة كذا وكذا لليلة التي قد مضت يقال ذلك بعد زوال الشمس ويقولون قبل الزوال فعلنا الليلة كذا وكذا.... والعرب تقول ما أشبه الليلة بالبارحة أي ما أشبه الليلة التي نحن فيها بالليلة الأولى التي قد برحت وزالت ومضت. تقول: لقيته البارحة الأولى وهو من برح أي زال"، انتهى كلام صاحب اللسان.
هذا للفعل الماضي أما المضارع وما أشبهه فلا يُشترط معهما زوال وعدم زوال وأنت بالليل: أكتب رسالتي الليلة أو هذه الليلة وإني كاتبها الليلة أو هذه الليلة، كما تقول أكتبها اليوم أو هذا اليوم. (م ج)
قل: بالإضافة الى الشيء (أي بالنسبة اليه والقياس عليه)
ولا تقل: بالإضافة اليه (بمعنى زيادة عليه ومضافا اليه)
وذلك لأن معنى "بالإضافة الى الشيء" عند فصحاء الأمة هو "بالنسبة اليه" فالمعنيان مختلفان جداً، ولو لم يكن هذا التعبير قد شاع وتُعُورف وثبت معناه في كتب اللغة وكتب الأدب وكتب التأريخ وكتب الدين لتكلفنا مخرجاً له. قال ابن مكرم الأنصاري في ع ظ م من كتاب لسان العرب: "وأمر لا يتعاظمه شيء: لا يعظم بالإضافة اليه".
وجاء في الأغاني من كلام عصر ابراهيم المهدي "فإذا فعل ذلك فهو بالإضافة الى حاله الأولى بمنزلة الاسكدار للكتاب".
وقال أبو حيان التوحيدي: "على أن كلاهما بالإضافة". وقال مسكويه: "والطبيعة وإن كانت ضعيفة بالإضافة الى العقل منحطة الرتبة فإنها قوية فينا".
وقال أبو الفرج ابن الجوزي: "ووجدت أهل الإسلام في الأرض قليلاً بالإضافة الى الكفار". وقال ابن جبير الأندلسي: "لأن لهم على كل حمل طعام يجلبونه ضريبة معلومة خفيفة بالإضافة الى الوظائف المكوسية التي كانت قبل اليوم". والوظيفة هنا ما يوظفه السلطان على ذوي التجارات والمبيعات، ثم قال: "وهي بالإضافة الى ما كانت عليه قبل انحاء الحوادث عليها والتفاف أعين النوائب اليها، كالطلل الدارس والأثر الطامس أو تمثال الخيال الشاخص". وقال القزويني: "حتى ان جميع المكشوف من البوادي والجبال بالإضافة الى الماء كجزيرة صغيرة في بحر عظيم" (عجائب المخلوقات ص 7 في وصف الأرض).
وهذا قول لا شك فيه ولا تأويل ولا تخريج، ولا يجوز تشويه كلام القوم وعباراتهم بتقليد من لا يعرفهما. وشواهد استعمال "إضافة" بغير باء لأداء المعنى المراد متعارفة، منها ما ورد في كتاب الحوادث في أخبار سنة 639 هـ قال مؤلفه: "وفيها رد النظر في نهري الملك وعيسى الى حاجب باب النوبي تاج الدين علي بن الدوامي (إضافة الى ما يتولاه) من أمر الشرطة والعمارة". وورد في حوادث سنة 187 "وفيها رتب نجم الدين محمد بن أبي العز مدرساً بالنظامية...... إضافة الى القضاء". وهذا التعبير وإن كان مولداً فهو قريب من الجملة التي اُفسدت باستعمالها لغير معناها. (م ج)
قل: رافقت السيارة من العراق في طريقها إلى مكة
ولا تقل: رافقت القافلة من العراق في طريقها إلى مكة
وشاع إستعمال "قافلة" لتعني كل رفقة في السفر ذاهبة كانت أو راجعة، فيقال قافلة الحجاج وقافلة السياح. وهذا إستعمال غير دقيق.
فقد كتب ابن قتيبة في أدب الكاتب: "ومن ذلك: " القافِلَةُ " يذهب الناس إلى أنها الرُّفقة في السفر، ذاهبةً كانت أو راجعةً، وليس كذلك، إنما القافلة الراجعة من السفر، يقال: قَفَلَتْ فهي قافلة، وقَفَلَ الجُندُ من مبعثهم، أي: رَجَعوا، ولا يقال لمن خرج إلى مكة من العراق قافلة حتى يَصْدُروا".
وقد عاب عليه ابن منظور في لسان العرب ذلك فكتب في باب قفل:
"القُفُول: الرُّجوع من السفر...واشتقَّ اسمُ القافِلة من ذلك لأَنهم يَقْفُلون.... وظن ابنُ قتيبة أَن عوامَّ الناس يغلَطون في تسميتهم الناهِضين في سفر أَنشؤوه قافِلة، وأَنها لا تسمَّى قافِلة إِلا منصرِفة إِلى وَطنِها، وهذا غلَط، ما زالت العرب تسمي الناهضين في ابتداء الأَسفار قافِلة تفاؤلاً بأَن يُيَسِّر الله لها القُفول، وهو شائع في كلام فُصحائهم إِلى اليوم."
وأحسب أن ما قاله ابن منظور ليس له مسوغ ذلك لأن ابن قتيبة أصاب في إشتقاقه وشرحه أما إدعاء ابن منظور بأن تسميتها قافلة صحيح بحجة أن الناس يتفاءلون بعودتها فهو تكلف واضح.
ويؤيد ذلك ما أورده الجوهري في الصحاح:
" والقافِلَةُ الرُفقةُ الراجعةُ من السفر."
وكذلك ما كتبه إبن فارس في المقاييس:
" ولا يقال للذاهبين قافلةٌ حتّى يرجعوا".
وللحديث صلة....
عبد الحق العاني
10 كانون الأول 2013
www.haqalani.com
قل ولا تقل / الحلقة التاسعة عشرة
إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟
قل: هذه خريطة الطريق
ولا تقل: هذه خارطة الطريق
يعيش العرب اليوم أكثر من أي وقت سبق كالقردة يقلدون سيدهم الغربي، وكيف لا فإن لم يفعلوا فلا بد أنهم سيتخلفون عن ركب الحضارة والتقدم. وحبذا لو قلدوه في تطوره العلمي والطبي والهندسي.. لكنهم اختاروا بدلا أن يقلدوه في تفاهاته.. فاختاروا برامج التلفاز ولم يكتفوا بالقيام بمحاكاة البرامج بالكامل بل إنهم حين إكتشفوا عجز العربية وقصورها في التعبير كان لا بد أن يستعيروا أسماء البرامج من الإنكليزية الثرية...فعندنا اليوم “Arab Idol” وعندنا اليوم “Arabs Got Talent” وعندنا اليوم "أكشنها" وما شابهها من التفاهات..وهكذا فحين تفتق العقل الأمريكي الفذ في السياسة، وهو ما انفك يتحفنا بعظيم المساهمات في المأساة الإنسانية، عن مصطلح “Road Map” سارع الساسة والإعلاميون العرب لتبني هذا المصطلح الجديد وإستعماله في مناسبة وغير مناسبة حتى لا يبدو أنهم لا يفهمون، وهم ولا شك يفهمون في كل شيء.
لكنهم في غمرة النقل الأعمى لم يحسنوا الترجمة للتعبير عن الأصل الإنكليزي.. ذلك لأنك تسمع كثيراً من الساسة والإعلاميين من يقول "خارطة الطريق". وهذا خطأ لأن ترجمة “Map” هو خريطة وليس خارطة.
فما أصل كلمة خريطة في العربية؟ جاء في الصحاح:" والخَريطَةُ وعاءٌ من أَدَمٍ وغيرهِ يُشْرَجُ على ما فيها".
وحين وضع العالم العربي أبو عبد الله محمد بن محمد الإدريسي الهاشمي أول رسم للعالم كما تصوره فإنها سميت "خريطة الإدريسي".وأ
وجاء في المعجم الوسيط في معنى خريطة ما أضاف هذا الإستعمال الجديد:
" وعَاء من جلد أَو نَحوه يشد على مَا فِيهِ و (فِي اصْطِلَاح أهل الْعَصْر) مَا يرسم عَلَيْهِ سطح الكرة الأرضية أَو جُزْء مِنْهُ (ج) خرائط".
أما كلمة "خارطة" فهي مؤنت "خارط" وجذرها هو خرط وجاء في القاموس:
" خَرَطَ الشجرَ يَخْرِطُهُ ويخْرُطُه: انْتَزَعَ الوَرَقَ منه اجْتِذاباً."
وجاء منه في العباب الزاخر:
"وحمار خارط: وهو الذي لا يستقر العلف في بطنه".
وليس لأي من هذا ما له علاقة بالكلمة الإنكليزية المراد ترجمتها. فالصحيح هو إستعمال "خريطة" كما استعملت لتمثيل ما رسمه الإدريسي للتعبير عن رسم الطريق.
قل: وردت علينا برقية مُفادها كيت وكيت
ولا تقل: مَفادها
وذلك لأنك تقول: أفادت البرقية كيت وكيت على سبيل الإستعارة اي جاءت بفائدة خبرية، والمصدر الميمي من أفاد هو "مُفاد" على وزن اسم المفعول، وذلك من القياس المطرد فالمُفاد ها هنا كالمُصاب، قال بعض الشعراء القدماء:
أظلومُ إن مُصابكم رجلا أهدى السلام تحية ظُلُم
أي يا ظلوم إن اصابتكم رجلاً ومنه قوله تعالى"وقل ربي أدخلني مُدخل صدق وأخرجني مُخرج صدق". أي إدخال صدق وإخراج صدق.
أمّا "المَفاد" فهو مصدر ميمي لفعل من الأفعال المعروفة بالأضداد من معانيه حصول الفائدة والحياد والموت والتبختر وفي استعماله التباس كبير فضلاً عن بعده عن المراد. (م ج)
قل : هو فارس النظر بيِّن الفِراسة
ولا تقل: هو فارس النظر بيِّن الفَراسة
ويصعب على الكثيرين التمييز بين الفِراسة والفَراسة، رغم أن هناك فرقاً في المعنى. وهذه الصعوبة ليست وليدة عصرنا هذا فهي تعود للعصر العباسي.
فقد كتب أبن السكيت في إصلاح المنطق:"الأصمعي: فارسٌ على الخيل بيِّن الفُرُوسة والفَرَاسة، وهو فارس النظر بيِّن الفِراسة، ومنه: اتقوا فِرَاسة المؤمن."
وكتب ابن منظور في لسان العرب:
"وقد فرُس فلان، بالضم، يَفْرُس فُرُوسة وفَراسة إِذا حَذِقَ أَمر الخيل.......... والفِراسة، بكسر الفاء: في النَّظَر والتَّثَبُّت والتأَمل للشيء والبصَر به، يقال إِنه لفارس بهذا الأَمر إِذا كان عالماً به."
وجاء في العباب الزاخر:
"وفي الحديث: عَلِّموا رِجالَكُم العَوْمَ والفَرَاسَةَ: يعني العِلمَ بركوب الخيل ورَكْضِها...... والفِرَاسَة -بالكسر-: الاسم من التَفَرُّس، ومنها الحديث الذي يَرْفَعونَه إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلّم- اتَّقوا فِراسَة المؤمن فإنَّه يَنْظُرُ بنور الله."
وهكذا يتضح الفرق بين الفِراسة والفَراسة.
قل: إعتذر من التقصير أو الذنب
ولا تقل: إعتذر عن التقصير أو الذنب
يقال "إعتذر فلان من التقصير والذنب" لا "اعتذر عنهما". جاء في الصحاح "إعتذر من الذنب". وجاء في لسان العرب "وإعتذر من ذنبه: تنصل". ثم جاء فيه في الإعتذار بمعنى الدروس:"وأخذ الإعتذار من الذنب من هذا لأن من اعتذر شاب إعتذاره بكذب يعفي ذنبه".
وجاء في وصف عبد الملك بن مروان على لسان عمرو بن العاص "آخذ بثلاث تارك لثلاث: آخذ بقلوب الرجال إذا حدث وبحسن الإستماع إذا حُدّث وبأيسر الأمرين إذا خُولف، تارك للمِراء وتارك لمقاربة اللئيم، وتارك لما يتعذر منه".
وجاء في كتاب للإمام علي (ع) بعث به الى كثم بن العباس (رض):
"فأقم على ما في يديك قيام الحازم الطيب، والناصح اللبيب التابع لسلطانه المطيع لإمامه وإياك وما يُعتذر منه".
وقال ابن أبي عتيق للثريا "هذا عمر قد جشمني السفر من المدينة إليك فجئتك معترفاً بذنب لم يجنه معتذر إليك من إساءته إليك".
وغنى الدلال أبو زيد ناقد المدني مولى عائشة بنت سعيد بن العاص:
طربت وهاجك من تَذَكُّر ومن لست من حُبّهِ تَعتَذر
وقال ابن عرادة السعدي في مدح سلم بن زياد بن أبيه:
يقولون اعتذر من حُبِّ سَلْم إذن لا يقبل الله اعتذاري
ومدح الراعي عبيد الله بن الحصين (سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص) قال المفضل الضبي: "قال لوكيله كم عندك؟ قال: ثلاث آلاف دينار. قال: ادفعها اليه واعتذر من قلتها".
وجاء في كليلة ودمنة ص -377 "فدعا الأسد بابن آوى واعتذر اليه مما كان منه. وقال عبد الله بن محمد بن البواب خليفة الفضل بن الربيع في حجبه الهادي بن المهدي في أمر وقع له مع الأسود بن عمارة النوفلي: "فدنوت منه وأخبرته خبر الهادي واعتذرت من مراجعتي إياه".
وقال أبو علي الحسن بن حمدون: "وكتب يوسف بن ديوداذ الى الوزير أبي الحسن علي بن الفرات يعرفه الخبر ويعتذر اليه من تأخير المال الذي واقفه عليه". وقال بشار بن برد:
قلت وإذ شاع ما اعتذارك مما ليس لي فيه عند همك عذر
وقال ابن عبدوس الجهشياري: "حكي لنا أن موسى الهادي سخط على بعض كتابه.... فجعل يقرعه بذنوبه ويتهدده، فقال له: يا أمير المؤمنين إن اعتذاري مما تُقَّرعني به رَدَّ عليك". وقال بعض الفضلاء في خبر له: "وجعلت اعتذر اليه منه بعذر....وكيف يكون اعتذار انسان من كلام قد تكلم به".
وقد تصحفت "من" الى "عن" في المصباح المنير مع أن مصحح الطبعة الشيخ حمزة فتح الله الأديب الكبير المشهور، إنما تستعمل "عن" مع اعتذر ومصدره لإفادة معنى النيابة. يقال "اعتذر زيد عن عمرو من الذنب الذي جناه أو من تقصير ومنه ما ورد في مستدرك المعجمات لدوزي "ألا اعتذرت لهم عني" لأنه لم يرد لقاءهم.
وفي ن س ل من لسان العرب "ذكره أبو منصور واعتذر عنه أنه أغفله في بابه فأثبته في هذا المكان". (م ج)
قل: الدين الإسلامي السمح والديانة الإسلامية السمحة والرجل السمح والمرأة السمحة
ولا تقل: الديانة السمحاء
وذلك لأن الصفة الواردة من مادة السماحة جاءت على وزن "فَعْل" للمذكر وعلى وزن "فَعْلة" للمؤنث نحو "سهل وسهلة وضخم وضخمة وشهم وشهمة وبحت وبحتة". ولأن فعل هذه الصفة هو من باب "فَعُل يَفعُلُ" ولا تأتي الصفة من هذا الوزن على "أفعل وفَعلاء" لكي يقال "سمحاء". بل تأتي على "فعيل وفعيلة" و"فعل وفعلة" قياساً و "فُعل وفُعلة" ندوراً، كشريف وشريفة وسمح وسمحة وصُلب وصُلبة. وما ورد من شذوذ أعجف وعجفاء وآدم وأدماء و أسمر وسمراء وأحمق وحمقاء وأخرق وخرقاء وأرعن ورعناء. فمردود بأنه قد جاء في اللغة المسموعة أيضاً "عجِف و أدِم و سمِر و حمِق و خرِق و رعِن" فيجوز اشتقاق الصفات منهن على أفعل فعلاء، بله أننا نرى أن من الصفات ما سبق الأفعال لأن الصفات محسوسة فهي سابقة في الإشتقاق لأفعالها. وبيان ذلك عندنا أن الأسود يجوز أن يكون سمى "أسود" أولاً ثم اشتق منه الفعل "سوّد" يؤيد ذلك أن العرب تقول "أسودّ الشيء يسودُّ اسوداداً" أكثر من قولها "سوّد الشيء يسوّدُ سوداً" فاسوَدَّ يُسودُّ عندنا مأخوذ من الصفة اسود، وسوداء مأخوذة من "أسود" كذلك بتأخير الألف الأولى الى آخر الكلمة، والألف لما كانت في أول الصفة دلت على التذكير وفي آخرها على التأنيث وهذا مما لم يقف عليه العلماء القدماء.
وأعود الى السمح والسماحة فأقول قال ابن فارس في المقاييس: "السين والميم والحاء أصل يدل على سلاسة وسهولة........ ورجل سمح أي جواد وقوم سمحاء". وقال الجوهري: "وامرأة سمحة ونسوة سِماح". وجاء في لسان العرب "سمح سماحة وسُموحة وسماحاً: جاد، ورجل سمح وامرأة سمحة ونساء سِماح وسمحاء فيها، وقولهم: الحنيفية السمحة أي ليس فيها ضيق ولا شدة. وما كان سمحاً ولقد سَمُحَ بالضم سماحة وجاد بما لديه، وعود سمح من السماحة والسموحة أي لا عقدة فيه، ويقال: ساجةٌ سمحة إذا كان غلظها مستوي النبتة وطرفاها لا يفوتان وسطه ولا جميع ما بين طرفيه من نِبتته. فإن اختلف طرفاه وتقاربا فهو سَمْحٌ أيضاً. قال بعض الأئمة: وكل ما استوت نِبتته حتى يكون ما بين طرفيه منه ليس بأدق من طرفيه أو أحدهما، هو من السَّمْح".
وتفرد الفيومي بذكر "السّمح" قال في المصباح المنير "وسمُح فهو سمح وزاد خشن فهو خشِن لغة، وسكون الميم في الفاعل تخفيف، وامرأة سِمحة وقوم سُمحاء ونساء سِماح"
قل: الدين الإسلامي السّمح والديانة الإسلامية السّمحة
ولا تقل: السّمحاء (م ج)
قل: فلان من ذوي المروءة
ولا تقل: فلان من ذوي الشهامة
كتب ابراهيم اليازجي في لغة الجرائد: "ويقولون فلان من ذوي الشهامة يعنون المروءة وعزة النفس وليس ذلك في شيء من كلام العرب ولكن الشهم عندهم الذكي المتوقد الفؤاد ويجيء بمعنى السيد النافذ الحكم في الأمور وقال الفرآء الشهم في كلام العرب الحمول الجيد القيام بما حمل وكله بعيد عن المعنى الذي يريدونه كما ترى".
وكتب ابن منظور في لسان العرب في باب "شهم":
"الشَّهْمُ: الذَّكِيُّ الفُؤاد المُتَوَقِّدُ، الجَلْدُ، والجمع شِهام............... وقد شَهُمَ الرجلُ، بالضم، شَهامة وشُهومة إذا كان ذكِيّاً، فهو شَهْمٌ أي جَلْدٌ. وفي الحديث: كان شَهْماً نافذاً في الأُمور ماضياً."
وأورد ابن فارس في المقاييس تعريفاً مماثلا فكتب:
"الشين والهاء والميم أصلٌ يدلُّ على ذَكاء. يقال من ذلك: رجلٌ شَهْمٌ".
أما المروءة فقد جاء معناها في الصحاح على أنه:
"والمُروءَةُ الإنسانية، ولك أن تشدِّدَ."
وجاء في لسان العرب وصف لها:
"وسئل آخَرُ عن الـمُروءة، فقال: الـمُرُوءة أَن لا تفعل في السِّرِّ أَمراً وأَنت تَسْتَحْيِي أَن تَفْعَلَه جَهْراً."
وهكذا نرى أن العامة تخطئ في استعمال لفظة الشهامة وهي تريد المروءة.
قل: رأيته البارحة لليلة التي قبل نهارك والبارحة الأولى للتي قبلها
ولا تقل: رأيته الليلة الماضية ولا ليلة أمس
وذلك لأن البارحة في الأصل صفة لليلة التي قبل نهارك إذا تكلمت بعد الزوال أي بعد الظهر ثم حذف الموصوف وبقيت الصفة فصارت اسماً من الأسماء. وقولي: إذا تكلمت بعد الزوال أي الظهر تفسيره أنك إذا أردت أن تذكر الليلة فلها أسماء بالنسبة الى الزوال، فإذا تكلمت قبل الزوال أي قبل الظهر قلت: فعلت الليلة كذا وكذا، وجرى الليلة حادث مهم، وما اشبه ذلك. وإذا تكلمت بعد الزوال جاء في لسان العرب: "والعرب تقول: فعلنا البارحة كذا وكذا لليلة التي قد مضت يقال ذلك بعد زوال الشمس ويقولون قبل الزوال فعلنا الليلة كذا وكذا.... والعرب تقول ما أشبه الليلة بالبارحة أي ما أشبه الليلة التي نحن فيها بالليلة الأولى التي قد برحت وزالت ومضت. تقول: لقيته البارحة الأولى وهو من برح أي زال"، انتهى كلام صاحب اللسان.
هذا للفعل الماضي أما المضارع وما أشبهه فلا يُشترط معهما زوال وعدم زوال وأنت بالليل: أكتب رسالتي الليلة أو هذه الليلة وإني كاتبها الليلة أو هذه الليلة، كما تقول أكتبها اليوم أو هذا اليوم. (م ج)
قل: بالإضافة الى الشيء (أي بالنسبة اليه والقياس عليه)
ولا تقل: بالإضافة اليه (بمعنى زيادة عليه ومضافا اليه)
وذلك لأن معنى "بالإضافة الى الشيء" عند فصحاء الأمة هو "بالنسبة اليه" فالمعنيان مختلفان جداً، ولو لم يكن هذا التعبير قد شاع وتُعُورف وثبت معناه في كتب اللغة وكتب الأدب وكتب التأريخ وكتب الدين لتكلفنا مخرجاً له. قال ابن مكرم الأنصاري في ع ظ م من كتاب لسان العرب: "وأمر لا يتعاظمه شيء: لا يعظم بالإضافة اليه".
وجاء في الأغاني من كلام عصر ابراهيم المهدي "فإذا فعل ذلك فهو بالإضافة الى حاله الأولى بمنزلة الاسكدار للكتاب".
وقال أبو حيان التوحيدي: "على أن كلاهما بالإضافة". وقال مسكويه: "والطبيعة وإن كانت ضعيفة بالإضافة الى العقل منحطة الرتبة فإنها قوية فينا".
وقال أبو الفرج ابن الجوزي: "ووجدت أهل الإسلام في الأرض قليلاً بالإضافة الى الكفار". وقال ابن جبير الأندلسي: "لأن لهم على كل حمل طعام يجلبونه ضريبة معلومة خفيفة بالإضافة الى الوظائف المكوسية التي كانت قبل اليوم". والوظيفة هنا ما يوظفه السلطان على ذوي التجارات والمبيعات، ثم قال: "وهي بالإضافة الى ما كانت عليه قبل انحاء الحوادث عليها والتفاف أعين النوائب اليها، كالطلل الدارس والأثر الطامس أو تمثال الخيال الشاخص". وقال القزويني: "حتى ان جميع المكشوف من البوادي والجبال بالإضافة الى الماء كجزيرة صغيرة في بحر عظيم" (عجائب المخلوقات ص 7 في وصف الأرض).
وهذا قول لا شك فيه ولا تأويل ولا تخريج، ولا يجوز تشويه كلام القوم وعباراتهم بتقليد من لا يعرفهما. وشواهد استعمال "إضافة" بغير باء لأداء المعنى المراد متعارفة، منها ما ورد في كتاب الحوادث في أخبار سنة 639 هـ قال مؤلفه: "وفيها رد النظر في نهري الملك وعيسى الى حاجب باب النوبي تاج الدين علي بن الدوامي (إضافة الى ما يتولاه) من أمر الشرطة والعمارة". وورد في حوادث سنة 187 "وفيها رتب نجم الدين محمد بن أبي العز مدرساً بالنظامية...... إضافة الى القضاء". وهذا التعبير وإن كان مولداً فهو قريب من الجملة التي اُفسدت باستعمالها لغير معناها. (م ج)
قل: رافقت السيارة من العراق في طريقها إلى مكة
ولا تقل: رافقت القافلة من العراق في طريقها إلى مكة
وشاع إستعمال "قافلة" لتعني كل رفقة في السفر ذاهبة كانت أو راجعة، فيقال قافلة الحجاج وقافلة السياح. وهذا إستعمال غير دقيق.
فقد كتب ابن قتيبة في أدب الكاتب: "ومن ذلك: " القافِلَةُ " يذهب الناس إلى أنها الرُّفقة في السفر، ذاهبةً كانت أو راجعةً، وليس كذلك، إنما القافلة الراجعة من السفر، يقال: قَفَلَتْ فهي قافلة، وقَفَلَ الجُندُ من مبعثهم، أي: رَجَعوا، ولا يقال لمن خرج إلى مكة من العراق قافلة حتى يَصْدُروا".
وقد عاب عليه ابن منظور في لسان العرب ذلك فكتب في باب قفل:
"القُفُول: الرُّجوع من السفر...واشتقَّ اسمُ القافِلة من ذلك لأَنهم يَقْفُلون.... وظن ابنُ قتيبة أَن عوامَّ الناس يغلَطون في تسميتهم الناهِضين في سفر أَنشؤوه قافِلة، وأَنها لا تسمَّى قافِلة إِلا منصرِفة إِلى وَطنِها، وهذا غلَط، ما زالت العرب تسمي الناهضين في ابتداء الأَسفار قافِلة تفاؤلاً بأَن يُيَسِّر الله لها القُفول، وهو شائع في كلام فُصحائهم إِلى اليوم."
وأحسب أن ما قاله ابن منظور ليس له مسوغ ذلك لأن ابن قتيبة أصاب في إشتقاقه وشرحه أما إدعاء ابن منظور بأن تسميتها قافلة صحيح بحجة أن الناس يتفاءلون بعودتها فهو تكلف واضح.
ويؤيد ذلك ما أورده الجوهري في الصحاح:
" والقافِلَةُ الرُفقةُ الراجعةُ من السفر."
وكذلك ما كتبه إبن فارس في المقاييس:
" ولا يقال للذاهبين قافلةٌ حتّى يرجعوا".
وللحديث صلة....
عبد الحق العاني
10 كانون الأول 2013
www.haqalani.com
-
قل ولا تقل / الحلقة الحادية والعشرون
إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟
قل: رَدَّ فلانٌ القول
ولا تقل: رّدَّ (فلانٌ) على القول
ويقولون: رددت على قول فلان، وذلك خطأ فإنه يقال "رد على فلان قوله" فالقول مردود وفلان مردود عليه. قال الأمام علي (ع) في كتاب له الى الحارث الأعور الهمداني: "ولا ترد على الناس كل ما حدثوك به فكفى بذلك جهلاً" ولم يقل: ولا ترد على كل ما حدثوك به.
وقال يزيد بن عبد الملك يوماً لمعبد: "يا أبا عباد إني أريد أن أخبرك عن نفسي وعنك فإن قلت فيه خلاف ما تعلم فلا تتحاش أن ترده علي فقد أذنت لك".
وقال أبو واثلة الهذلي لعمرو بن العاص: "كذبت والله، لقد صحبت رسول الله (ص) وأنت شر من حماري هذا. وقال عمرو: والله ما أرد عليك ما تقول: وأيم الله لا نقيم عليه".
وقال رجل مدني لإبراهيم الحراني نديم موسى الهادي بن محمد المهدي: "واحرباه أترد على رسول الله (ص) قوله: بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة؟".
ومن الكتب الوارد ذكرها في كشف الظنون "رد الإنتقاد للبيهقي" لا "الرد على الإنتقاد"، و "رد القول الخائب في القضاء على الغائب" لأبن قطلويغ، و "رد القول القبيح في التحسين والتقبيح" لسليمان الطوفي. هذا هو التعبير الصحيح الفصيح، وهذه شواهد على صحة ما قلت، تبدأ بكلام الأمام علي ابن أبي طالب (ع) وتنتهي بالقرن التاسع للهجرة. (م ج)
قل: هذا ردّ ردّ، أو ردّ على رادّ، وهذا ردّ نقد، أو ردّ على ناقد
ولا تقل: هذا ردّ على ردّ، ولا هذا ردّ على نقد
وذلك لأنك تقول "رددت الكلام القبيح على صاحبه" ولا تقل "رددت على الكلام القبيح" فالكلام هو المردود لا صاحبه فينبغي أن يتعدى الفعل اليه وتستعمل "على" لصاحب الكلام المردود لأن في الرد نوعاً من الأذى، ألا ترى أنه يقال في الأذى: "رددت عليه قوله" وفي النفع "رددت إليه ماله وحقه المسلوبين". قال تعالى في قصة موسى عليه السلام "فرددناه إلى أمه كي تقرّ عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون".
وإذا قلنا: هذا رد على رادّ دلت العبارة على المعنى المراد وذلك لأن التقدير هو ردّ على رادّ فعلى تصحب الإنسان دائماً في مثل هذه العبارة نحو "رد على ناقد" أي "رد نقد على ناقد" وتأتي رد بمعنى عطف كقول الشاعر "ردوا علي شوارد الأظعان" أي اعطفوها علي، فلذلك جاز استعمال "على" وهو تعبير خاص بالأظعان وأمثالها. (م ج)
قل: كنا في مناحَة
ولا تقل: كنا في مأتم
وكتب إبن قتيبة في أدب الكاتب: " ومن ذلك: " المأتمُ " يذهب الناس إلى أنه المصيبة، ويقولون: كنا في مأتمٍ، وليس كذلك، إنما المأتم النساء يجتمعن في الخير والشر، والجمع مآتم، والصواب أن يقولوا: كنا في مَنَاحة، وإنما قيل لها مَنَاحة من النَّوائح لتقابلهن عند البكاء، يقال: الجبَلان يتنَاوحان، إذا تَقَابلا، وكذلك الشَّجرُ، وقال الشاعر: (أبو عطاء السندي)
عشيَّةَ قامَ النَّائحاتُ وشُقِّقتْ ... جيوبٌ بأيدِي مَأْتَمٍ وخدود
أي: بأيدي نساء، وقال آخر:
رَمَتْه أناةٌ مِنْ رَبيعةِ عامرٍ ... نَؤومُ الضُّحا في مَأْتَمٍ أيِّ مأتمِ"
وكتب الجوهري في الصحاح في شرح بيت ابي العطاء السندي:
"أي بأيدي نساء والجمع المآتم وعند العامة: المصيبة، يقولون: كنا في مأْتَمِ فلان، والصواب أن يقال: كنّا في مَناحَةِ فلان"
واضاف إبن فارس في مقاييس اللغة شاهداً آخر في قوله:
"وقال رؤبةُ:
إذا تَدَاعَى في الصِّمادِ مأتمُهْ
أحَنَّ غِيراناً تنادى زُجَّمُه
شبّه البُوم بنساءٍ يَنُحْنَ."
قل: صادره على المال أو استصفى أمواله أو استنظف أمواله أو استولى عليها أو استحوذ عليها، وصادره على السلاح
ولا تقل: صادر أمواله وسلاحه
وذلك لأن الفعل "صادر" مشتق من الصدر وهو أعلى مقدم الإنسان ويستعار لغيره كما ان "ساعد" مأخوذ من الساعد، و "عاضد" مأخوذ من العُضد، و "ظاهر" مأخوذ من الظهر، و "باطن" مشتق من البطن، فمعنى صادره عندي: وضع صدره بإزاء صدر الغريم، يداقه الحساب، ويناقشه إياه. ومن اللغويين من يعد "المصادرة" من الصَّدر وهو اسم من قولك "صدر فلان عن الماء وعن البلاد" أي خرج، فمعنى صادره عنده: غالبه في الصدور. قال مؤلف لسان العرب: "ومن كلام كتاب الدواوين أن يقال: صُودر فلان العامل على مال يؤديه، اي فُورق على مال ضمِنه"، انتهى قول صاحب اللسان.
وأيا كان أصل الفعل "صادر" فأثره يقع على الإنسان حين استعماله في الجملة الصحيحة التركيب المفيدة المعنى، أعني أن الإنسان هو الذي يُصادِر من جهة الفاعلية ويُصادَر من جهة المفعولية، ولا يُصادر الإنسان على مال كائناً ما كان، إلا إذا كان مطالباً بدين سابق، أو محتجناً لمال من أموال الدولة، أو مديناً لها فيحاسب على ذلك ويُصادر عليه ويعترف به وبالإعتراف تتم المصادرة ويبدأ الإستئداد والإستيفاء والإستنظاف والإستنضاض.
ومما قدمت من الشرح يعلم أن المصادرة هي غير استصفاء الأموال واستنظافها اي الإستيلاء والإستحواذ عليها، ولو كان ذلك بالقهر والغلبة وبغير شرعي أو شبه شرعي. وقد ذكر عز الدين بن أبي الحديد في سيرة عمر بن الخطاب (رض) في شرح نهج البلاغة، أن عمر كان يصادر المختانين من العمال أي الولاة، فصادر أبا موسى الأشعري وكان عامله على البصرة، وقال له" بلغني أن لك جارتين وأنك تطعم الناس من جفنتين، وأعاده بعد المصادرة الى عمله. وصادر أبا هريرية وأغلظ عليه وكان عامله على البحرين، فقال له" ألا تعلم أني استعملتك على البحرين وأنت حافٍ لا نعل في رجليك" وقد بلغني أنك بعت أفراساً بألف وستمائة دينار. وصادر الحارث بن وهب أحد بني ليث، وقال له: ما قلاص وأعبد بعتها بمائة دينار؟. وفصل الكلام ابن أبي الحديد في المجلد الثالث من الطبعة المصرية الأولى في المصادرة. توسع المتأخرون فاستعملوا المصادرة بمعنى الإستصفاء والإستيلاء، والفصيح هو ما ذكرت.
فقل: صادره على أموال
ولا تقل: صادر الأموال (م ج)
قل: رأيته ذا مساء وذا صباح
ولا تقل: رأيته ذات مساء وذات صباح
وذلك لأن العرب لم تستعمل مع الصباح والمساء كلمة "ذات" بل استعملت مذكرها "ذا". قال الجوهري في الكلام على "ذي" من الصحاح: "وأما قولهم ذات مرة وذا صباح فهو ظرف زمان غير متمكن، تقول: لقيته ذات يوم وذات ليلة وذات غداة وذات العشاء، وذات مرة وذا صباح وذا مساء، بغير تاء فيهما، ولم يقولوا ذات شهر ولا ذات سنة". وجاء في مادة (م ك ن) من لسان العرب، قول مؤلفه ناقلاً من الصحاح أيضاً في الكلام على الإسم غير المتمكن: "وإنما يؤخذ سماعاً عنهم وهي ذا صباح وذا مساء.....الخ".
وكثير من الكتاب المشاهير يظنون أنه لا يقال إلا "ذات صباح وذات مساء" في استعمال الظرف قياساً على غير ذلك من الظروف، مع أن اللغة في مثل هذا سماعية لا قياسية، والأمر بالعكس فلا يقال في الظرفية إلا "ذا صباح وذا مساء" كما تقول: خرجت ذا مساء من الدار ولقيت ذا صباح فلاناً في الطريق، والتذكير في الحقيقة أولى من التأنيث لأن الزمان والوقت والدهر واليوم والأوان والحين والعصر هي من الأسماء المذكرة، وعلى ذلك يكون التقدير "خرجت وقتاً ذا مساء، أو زماناً ذا صباح، أو حيناً ذا مساء، أو عصراً ذا صباح"، أما ذات فعلى تأويل آخر وتقدير آخر وهما من العسر بمكان. (م ج)
قل: شتان ما هُما
ولا تقل: شتان ما بينهما
وكتب إبن السكيت في إصلاح المنطق: "ويقال: شتان ما هُما، وشتان "ما" عمرو وأخوه، قال الأصمعي: ولا يقال شتان ما بينهما، قال: وقول الشاعر: (ربيعة الرقي)
لشتان ما بين اليزيدين في الندى
يزيد سليم والأغر بن حاتمِ
ليس بحجة، إنما هو مولد، والحجة قول الأعشى:
شتان ما يومي على كورها
ويوم حيان أخي جابر
معناه: تباعد الذي بينهما، وشتان مصروفة عن شَتُت، والفتحة التي في النون هي الفتحة التي كانت في التاء، والفتحة تدل على أنه مصروف عن الفعل الماضي، وكذلك وَشْكَان وسرعان ذا خروجاً، أصله وَشُك ذا خروجاً، وسَرِع."
وأصل شتان كما أورد إبن فارس في مقاييس اللغة هو "شت" في قوله:
"الشين والتاء أصلٌ يدلُّ على تفرُّق وتزيُّل، من ذلك تشتيت الشيء المتفرّق، تقول: شَتّ شَعْبُهم شَتَاتاً وشَتّاً، أي تفرَّقَ جَمْعُهم. قال الطرِمّاح:
شَتَّ شَعْبُ الحيِّ بعد التِئامْ وشَجَاكَ الرّبعُ رَبعُ المُقامْ"
قل: عهد إلي في كذا
ولا تقل: عهد إلي أمر كذا
وكتب إبراهيم اليازجي في لغة الجرائد: "فيستعملون عهد متعدياً بنفسه والصواب تعديته بفي قال في لسان العرب يقال عهد الي في كذا أي أوصاني.... ومنه قوله عز وجل "ألم أعهد اليكم يابني آدم"، يعني الوصية".
ومنه حديث عليّ، كرم الله وجهه: "عَهِدَ إِليّ النبيُّ الأُمّيُّ" أَي أَوْصَى.
قل: هذا العمل يقتضي كذا من النفقة
ولا تقل: هذا العمل يقتضي له كذا من النفقة
وكتب إبراهيم اليازجي: "ومن هذا القبيل قولهم هذا العمل يقتضي له كذا من النفقة وقد جمعت له الأموال المقتضية فيستعملون هذا الحرف لازماً بمنزلة يجب وهو لا يستعمل كذلك البتة لأن اقتضى هنا بمعنى طلب يقال افعل ما يقتضيه كرمك أي ما يطالبك به كما في الأساس. فالصواب أن يقال هذا العمل يقتضي كذا من النفقة باستعمال الفعل متعدياً مسنداً الى ضمير العمل وقد جمعت له الأموال المقتضاة بصيغة اسم المفعول".
قل: قَوَّمَ السلعةً تَقويما
ولا تقل: قَيَّم السلعة تقييما
وكتب عدنان النحوي: "الفعل: قَوَّمَ، ولها معنيان:
قَوَّمَ السلعة: قَدَّر قيمتها. وقَوَّمته: أي عدلته فهو قويم ومستقيم. والقيوم: الذي لا نِدَّ له. ومصدر قَوَّم في جميع الحالات تقويم فلا يوجد تقييم فنقول:
قَوَّم السلعة تقويما، وقوَّم الأمر أي عدله تقويما. فكلمة تقييم خطأ لا يجوز استعماله."
إلا أن الدكتور عبد الهادي بو طالب كتب في "معجم تصحيح لغة الإعلام العربي":
"تقييم وتقويم: فعلا الكلمتين هما قيَّم، وقوَّم. وقوَّم تفيد إعطاء قيمة أو ثمن للشيء. ويأتي فعل قوَّم بمعنى أصلحَ المعوجَّ أو عدَّله ليصبح أو يعود مستقيما لا عِوَجَ فيه. ومصدره تقويم.
وجاء في القرآن الكريم: "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويمٍ ثم رددناه أسفلَ سافلين".
وفي خطبة عمر جاء قوله: "إن رأيتم فيَّ اعْوِجاجاً فقوِّموني". وردَّ عليه من قال: "والله لو رأينا فيك اعْوِجاجا لقوَّمناك بسيوفنا".
والمعاجم الحديثة تعطي لكلمة التقويم (بالواو) معاني شتى:
فهو "سجلّ يبين أيام السنة موزعةً على شهورها، مع ذكر أيام العطل وأوقات الصلاة إلى غير ذلك". فنقول: "التقويم الميلادي، والتقويم الهجري". والتقويم الجغرافي هو خريطة للأقطار يُعنَى فيها خاصة بذكر طول البلدان وعرضها وخصائصها الجغرافية.
والمعاجم مُحدَثها وقديمها مُجمِعة على أن قيَّم (بالياء) يعني قدَّر القيمة. ومصدرها التقييم."
وهذه الجملة الأخيرة فيها خطل. ذلك لأني لم أجد في المعاجم العربية القديمة أية إشارة للفعل "قيم" أو للمصدر "تقييم". فكيف نص الدكتور "بو طالب" على إجماعها على وجود هذا الفعل؟ وحبذا لو أنه دلنا في أي من معاجم اللغة جاء هذا النص؟ فلم أجده لا في لسان العرب ولا الصحاح ولا القاموس المحيط ولا العباب الزاخر ولا مقاييس اللغة، وهي أمهات المعاجم القديمة.
إن واجب من يكتب دوماً هو تحري الدقة في النقل وهذا الواجب يصبح أكثر ضرورة عند الكتابة في العربية في هذا الزمن الذي تمر فيه اللغة في وقت عصيب طغت فيه الجهالة والعجمة. فالقارئ حين يقرأ ما كتبه رجل ذو إختصاص مثل أستاذنا "بو طالب"، وهو يتحدث بثقة، ليس له من خيار سوى التصديق.
أما إذا أراد الأستاذ الفاضل القول أن أحد المعاجم الحديثة قد استعمل "قيم" و "تقييم" فذلك ليس حجة، لأن ما دخل في عدد من المعاجم الحديثة لا أساس له في العربية وبعضها قد أفسد اللغة. وقد سبق أن علق أستاذنا المرحوم مصطفى جواد على الضرر الذي ألحقه "المنجد" بقواعد الصرف.
قل: تم قتله بطريقة وحشية
ولا تقل: تمت تصفيته بطريقة وحشية
ومما شاع إستعماله في الإعلام العربي لفظ آخر يعكس الواقع البائس لإعلامنا العربي وتردي الإلمام باللغة. فقد استشرى التفكير باللغات الأوربية بين الإعلاميين حتى أصبحوا يفكرون بها ويتجرمون الأخبار حرفياً غير آبهين بما لكل لغة من خصوصية. فقد استعاروا لفظة “Liquidation” الإنكليزية أو الفرنسية وترجموها حرفياً على أنها "تصفية" وهم يريدون بها القتل. فهم يكتبون عن عمليات "تصفية" واسعة أو ان فلاناً قد تمت "تصفيته" بطريقة وحشية. ورغم ان اللفظة لم تدخل قواميس اللغة الإنكليزية، والتي تُحَدَّثُ بشكل منتظم؟ لتعني القتل إلا أنها تستعمل في الفرنسية لتعطي هذا المعنى وهكذا دخلت للإعلام العربي الذي يفكر بلغة أعجمية ويكتب بلغة أكثر عجمة!
غير أن هذا لا يعنينا قدر ما يعنينا إستعمال العرب للفعل "صَفَّى يُصَفّي تَصْفيةً". فاذا بحثنا في معاجم اللغة عن الفعل لوجدنا ما يلي.
فقد كتب الجوهري في الصحاح في باب "صفا":
"الصَفاءُ ممدودٌ: خلاف الكدَر. يقال: صَفا الشراب يَصفو صَفاءً، وصَفَّيْتُهُ أنا تَصفيَةً".
وجاء في لسان العرب: "واسْتَصْفَيْتُ الشيء إذا اسْتَخْلَصْتَه".
ولم يرد في معاجم العربية أي استعمال للفعل "صفى" و "تصفية" تقترب من معنى "قتل". فما سبب إستعمال المغلوط؟ إن الاقتباس والتجديد في اللغة لا شك مطلوب لما يمكن أن يكون فيه من إبداع ولكن أي إبداع يلد من الخلط بين الصفاء والكدر الناتج عن القتل؟
فقل: وقعت عمليات قتل
ولا تقل: وقعت عمليات تصفية
وللحديث صلة....
عبد الحق العاني
10 كانون الثاني 2014
www.haqalani.com
-
-
قل ولا تقل / الحلقة الثانية والعشرون
إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟
قل: إجتمع رئيس الجمهورية وضيفه
ولا تقل: إجتمع رئيس الجمهورية مع ضيفه
كتب الحريري في درة الغواص في أوهام الخواص "ويقولون: اجتمع فلان مع فلان، فيوهمون فيه، والصواب أن يقال: اجتمع فلان وفلان لأن لفظة اجتمع على وزن افتعل، وهذا النوع من وجوه افتعل مثل اختصم واقتتل، وما كان أيضا على وزن تفاعل مثل تخاصم وتجادل يقتضي وقوع الفعل من أكثر من واحد، فمتى أسند الفعل منه إلى أحد الفاعلين لزم أن يعطف عليه الآخر بالواو لا غير وإنما اختصت الواو بالدخول في هذا الموطن لأن صيغة هذا الفعل تقتضي وقوع الفعل من اثنين فصاعدا، ومعنى الواو يدل على الاشتراك في الفعل أيضا، فلما تجانسا من هذا الوجه، وتناسب معناهما فيه، استعملت الواو خاصة في هذا الموضع، ولم يجز استعمال لفظة مع فيه، لأن معناها المصاحبة وخاصيتها أن تقع في المواطن التي يجوز أن يقع الفعل فيها من واحد، والمراد بذكرها الإبانة عن المصاحبة التي لو لم تذكر لما عرفت، وقد مثل النحويون في الفرق بينها وبين الواو، فقالوا: إذا قال القائل: جاء زيد وعمرو كان إخبارا عن اشتراكهما في المجيء على احتمال أن يكونا جاءا في وقت واحد، أو سبق أحدهما. فإن قال: جاء زيد مع عمرو كان إخبارا عن مجيئهما متصاحبين، وبطل تجويز الاحتمالين الآخرين، فذكر لفظة مع هاهنا أفاد إعلام المصاحبة، وقد استعملت حيث يجوز أن يقع الفعل فيه من واحد.
فأما في الموطن الذي يقتضي أن يكون الفعل فيه لأكثر من واحد، فذكرها فيه خلف من القول، وضرب من اللغو ولذلك لم يجز أن يقال: اجتمع زيد مع عمرو، كما لم يجز أن يقال: اصطحب زيد وعمرو معا للاستغناء عن لفظة مع بما دلت عليه صيغة الفعل. ونظيره امتناعهم أن يقولوا: اختصم الرجلان كلاهما للاستغناء بلفظة اختصم التي تقتضي الاشتراك في الخصومة عن التوكيد لأن وضع كلا وكلتا، أن تؤكد المثنى في الموضع الذي يجوز فيه انفراد أحدهما بالفعل ليتحقق معنى المشاركة، وذلك في مثل قولك: جاء الرجلان كلاهما لجواز أن يقال: جاء الرجل، فأما فيما لا يكون فيه الفعل لواحد فتوكيد المثنى بهما لغو.
ومثل ذلك أنهم لا يؤكدون بلفظة كل إلا ما يمكن فيه التبعيض، فلهذا أجازوا أن يقال: ذهب المال كله لكون المال مما يتبعض، ومنعوا أن يقال: ذهب زيد كله لأنه مما لا يتجزأ، وفي مع لغتان أفصحهما فتح العين منها، وقد نطق بإسكانها، كما قال جرير:
فريشي منكم وهواي مَعْكُمْ ** وإن كانت زيارتكم لماما".
قل: ذهبا معاً وجاءا معاً
ولا تقل: ذهبا سوية ولا جاءا سوية
وقل: ذهبوا معاً وجاؤوا معا
ولا تقل: ذهبوا سوية ولا جاؤوا سوية
وذلك لأن السوية تأتي على وجهين، أحدهما كونها مؤنث السويّ وهو الخالي من العيب والميل، والآخر كونها مصدر كالبلية والرزية والقضية والنقيصة، وهي بمعنى المساواة والإستواء والتساوي.
قال الجوهري في الصحاح: "وقسم الشيء بينهما بالسوية" إنتهى. يعني بالمساواة بينهما في القسمة.
وقال الزمخشري في أساس البلاغة: "وهما علة سوية من الأمر وسواء وفيه النّصفّة والسوية".
وقال ابن فارس في كتابه المقاييس: "والسين والواو والياء، أصل يدل على استقامة واعتدال بين شيئين، يقال: هذا الأمر سواء".
وورد في لسان العرب: "يقال: هما على سوية من الأمر أي على سواء أو إستواء".
ومن الشواهد على السوية التي تمثل الواقع اللغوي للكلمة، وتظهر قيمتها الإستعمالية بعد قيمتها المعجمية قول أبي جعفر الإسكافي في نقض بعض كتب الجاحظ "كرهوا إعطاء علي (ع) وقسمه بالسوية" أي بالمساواة.
وجاء في كتاب الأغاني قول ابراهمي الموصلي: "أو شيء أعطيته بالغناء أني كنت بالري أنادم أهلها بالسوية لا أرزؤهم شيئاً"، يعني منادمته أياهم بالمساواة بينهم، وعدم تفضيل بعضهم على بعض.
وجاء في بعض أحاديث الزكاة "فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية: يعني العدل. قال مجد الدين بن الأثير في كتابه النهاية في غريب الحديث والأثر: "وفي قوله بالسوية دليل على أن الساعي على الزكاة إذا ظلم أحدهما فأخذ منه زيادة على فرضه فإنه لا يرجع بها على شريكه، وإنما يغرم له قيمة ما يخصه من الواجب عليه دون الزيادة". والظاهر أن قولهم: ذهبوا سوية هو من اللغة العامية فكثير من الناس يقولون "رحنا سوية وجينا سوية".
أما قولنا "ذهبنا معاً وذهبوا معاً" فمعناه ذهبنا مصطحبين وذهبوا مصطحبين". قال الجوهري في الصحاح: "مع: كلمة تدل على المصاحبة والدليل على أنه اسم حركة آخره مع تحرك ما قبله وقد يسكن وينون، تقول: جاؤوا معاً" (م ج) إنتهى.
ولعل سبب إستعمال لفظة "سوية" وشيوعها هو الإعلام المتغرب والذي عرضنا أكثر من مرة دوره في هدم اللغة، حيث يفكر الإعلامي بلغة أعجمية فيكتب بالحرف العربي ولكن بتفكير وترجمة خبر أعجمية. فكلمة "سوية" هي ترجمة للكلمة الإنكليزية "together" والتي تستعمل بشكل طبيعي في التعبير عن الصحبة في تلك اللغة بينما هي تعني شيئاً آخر في العربية كما بين العارفون بلغة العرب.
قل: كل خائن سارق
ولا تقل: كل سارق خائن
وكتب إبن قتيبة في أدب الكاتب: "ومن ذلك: "الخائن، والسارق" لا يكاد الناس يفرُقُون بينهما، والخائن: الذي اؤتمن فأخذ فخان، قال النّمر بن تولبٍ:
وإنَّ بَنِي رَبيعةَ بَعْدَ وَهْبٍ ... كَرَاعِي البيتِ يحفظهُ فَخَانَا
والسارق: مَن سرق سراً بأي وجه كان. ويقال: كل خائن سارق، وليس كل سارق خائناً". إنتهى.
وكتب إبن فارس في مقاييس اللغة في التمييز بين الإثنين ما يلي. ففي باب "سرق":
" السين والراء والقاف أصلٌ يدلُّ على أخْذ شيء في خفاء وسِتر. يقال سَرَقَ يَسْرق سَرِقَةً." ... ومنه " استَرَقَ السَّمع، إذا تسمَّع مختفياً".
أما في باب "خون" فقد كتب إبن فارس:
" الخاء والواو والنون أصلٌ واحد، وهو التنقص. يقال خانَه يخُونه خَوْناً.
وذلك نُقصانُ الوَفاء." ثم قال بعد ذلك..."وسمعت عليَّ بنَ إبراهيمَ القَطَّان يقول: سُئِل ثعلبٌ وأنا أسمَعُ، فقِيل يجُوز أنْ يُقال إن الخُوان يسمَّى خِوانا لأنّه يُتخوَّن ما عليه، أي يُنْتَقَص. فقال: ما يَبْعُد ذلك."
قل: كل لئيم بخيل
ولا تقل: كل بخيل لئيم
كتب إبن قتيبة في أدب الكاتب: " ومن ذلك: " البخيل، واللئيم " يذهب الناس إلى أنهما سواء، وليس كذلك، إنما البخيل الشحيح الضَّنين، واللئيم: الذي جمع الشحَّ ومَهَانة النفس ودناءة الآباء، يقال: كل لئيم بخيل، وليس كل بخيل لئيماً." إنتهى.
وكتب إبن فارس في المقاييس: " يقولون: إن اللَّئيم: الشَّحيح المَهينُ النَّفْس، الدَّنيُّ السِّنْخ. يقال: قد لَؤُم."
أما البخيل فقد جاء في لسان العرب وصفه بانه غير الكريم في باب "بخل": "والبَخْل والبُخول: ضد الكرم، وقد بَخِلَ يَبْخَل بُخْلاً وبَخَلاً، فهو باخل: ذو بُخْل، والجمع بُخَّال، وبخيل والجميع بُخَلاء." وهكذا نرى أن من كان بخيلاً لا يقتضي أن يكون لئيماً.
قل: قد جاء نَعِيُّ فلان
ولا تقل: قد جاء نَعْيُ فلان
قال إبن قتيبة يقال " جاء نَعِيّ فلانٌ " بالتشديد. وكتب إبن السكيت في إصلاح المنطق: "ويقال: قد جاء نَعِيُّ فلان، ويقال: فلان يَنْعَى على فُلَان ذنوبه، أي يظهرها، ويشهره بها، قال الأصمعي: وكانت العرب إذا مات منها ميت له قدر، ركب رجل فرساً، وجعل يسير في النَّاس، ويقول: نعاءِ فلاناً." إنتهى.
وكتب إبن فارس في المقاييس في باب "نعي":
" النون والعين والحرف المعتلّ: أصلٌ صحيح يدلُّ على إشاعةِ شيء. منه النَّعِيُّ: خبَرُ الموت، وكذا الآتي بخَبرِ المَوْت يقال له نَعِيٌّ أيضاً.ويقال: نَعَاءِ فلاناً، أي انْعَه. قال:
نَعَاءِ جُذاماً غير موتٍ ولا قَتْلِ ولكنْ فراقاً للدَّعائمِ والأصلِ"
إلا انه رغم ما أورده إبن قتيبة وأيده إبن فارس فإن الجوهري أجاز الإثنين فكتب في الصحاح في باب "نعا":
"النَعْيُ: خبر الموت. يقال: نَعاهُ له نَعْياً ونُعْياناً.
وكذلك النَعِيُّ، يقال: جاء نَعِيُّ فلانٍ." وفوق كل ذي علم عليم!
قل: استصحبت فلاناً كتابي
ولا تقل: أرسلت الكتاب برفقة فلان
وكتب إبراهيم اليازجي: "يقولون ارفقه بكذا وجاء مرفوقاً بفلان وارسلت الكتاب برفق فلان أي برفقته وكل ذلك بعيداً عن استعمال العرب لأن فعل الرفقة لا يتجاوز المفاعلة وما في معناها يقال رافقته وترافقنا وارتفقنا ولا يقال ارفقت فلاناً بفلان ولا رفقته به على أن المرافقة لا تكون إلا في المفاعلة فإن أريد مطلق الصحبة قيل اصحبته الشيء واستصحبته كتابي".
قل: استصحب فلان زوجته في السفر (أي زوجه)
ولا تقل: اصطحب زوجته في السفر
وذلك لأن المراد بهذه الجملة هو جعله زوجته صاحبة ورفيقة له في السفر كما هي صاحبته وحليلته في الحضر، والفعل الذي يؤدي هذا المعنى هو "استصحب" مثل استبدل واستعمل واستحجب واستوزر أي اتخذ بدلاً وعاملاً وحاجباً ووزيراً. وأصل استصحب: دعا الى الصحبة ثم تُوسع في استعماله كاستخرج، فأصله دعا الى الخروج. قال مؤلف لسان العرب نقلاً: "واستصحب (فلان) الرجل: دعاه الى الصحبة وكل ما لازم شيئاً فقد استصحبه، وقال:
إن لك الفضل على صحبتي والمسك قد يستصحب الرامكا
... ويقال "استصحبته الكتاب وغيره"، انتهى المنقول من لسان العرب. وقال الزمخشري في أساس البلاغة (يقال) "استصحبت الكتاب وغيره: حملته صحبتي ومن هنا قيل: استصحبت الحال إذا تمسكت بما كان ثابتاً، كأنك جعلت تلك الحالة مصاحبة غير مفارقة. وجاء في نهج البلاغة "اللهم أنت الصاحب في السفر وأنت الخليفة في الأهل ولا يجمعهما غيرك لأن المستخلف لا يكون مُستصحباً والمستصحب لا يكون مستخلفاً".
وذكر ابن خلكان في أخبار بعض السلاطين السلجوقيين انه كان معه مارستان مستصحب أي مستشفى سيار.
أما "اصطحب" فهو فعل اشتراك. جاء في لسان العرب: "واصطحب الرجلان وتصاحبا واصطحب القوم: صحب بعضهم بعضاً واصلح اصتحبَ..." الى آخر كلام المؤلف. فاصطحب إذن يساوي تصاحب ولا يصدر إلا من جهتين أو أكثر منهما. مثل ذلك "اصطحب الرجلان وقال الزمخشري في أساس البلاغة: "واصطحبوا وتصاحبوا". وقال ابن القفطي في أخبار الحكماء في ترجمة ثابت بن قرة الحراني الصابي: "كان صيرفياً بحران اصطحبه محمد بن موسى بن شاكر لما انصرف من بلد الروم" فقوله "اصطحبه" يُريد به استصحبه فأخطأ وجه الصواب والظاهر لنا أن هذا الخطأ قديم على حسب ما دل عليه هذا الكتاب أعني أخبار الحكماء للقفطي إن لم يكن تحريف في النسخ.
واصطحب الرجلان واصطحب الرجال من الأفعال اللازمة وقد ورد اصطحب متعدياً لغير الإشتراك. جاء في لسان العرب: "واصحب الرجل واصطحبه" حفظه". فإذا قيل: اصطحب فلان أهله بمعنى ذلك حفظهم وصانهم وحماهم وليس هذا هو المراد بل المراد الإستصحاب. (م ج)
قل: كأنَّ الأمريكي بدأ يتراجع إلى حدود واقعيته
ولا تقل: كأنَّ الأميركي بدأ يتراجع إلى حدود براغماتيته
(جان عزيز – قناة المنار 24-10-2013)
كما شاع بين المتعلمين العرب، ونقله الإعلام العربي سواء أكان الناقل متعلماً أم غير متعلم، إستعمال كلمة "براغماتية" ومشتقاتها وذلك لتعني ما يعتقده الناقل معناها الصحيح. وهي كبقية ما يستعمل من لفظ أو مصطلح أعجمي تفهم من كل كاتب على وفق ثقافته. لكن إستعمال أي لفظ أعجمي يكشف عن علة في مقدرة الكاتب على التعبير. ذلك ان استعماله للأعجمي لا بد أن يكون لأحد سببين فإما هو يجهل حقيقة معنى الكلمة المستعارة أو يعجز عن ترجمتها، وفي كلا الحالتين لا يحق له أن يستعملها لأنه يخدع القارئ العربي في أنه يطلب من ذلك القارئ أن يفهم ما لا يقدر هو على توضيح معناه. وليس أمامه إذا توخى الأمانة إلا أن يترجم الكلمة الأعجمية أو يمتنع عن إستعمالها إذا تعذر عليه ذلك.
وكلمة "براغماتية" المستعملة في الإنكليزية والفرنسية، على سبيل المثال، مشتقة من اللاتينية والتي أخذتها عن الجذر الإغريقي والذي يعني "عَملَ" أو "أدَّى" أو "نَفَّذَ". فإذا كان هذا ما يراد من إستعمالها في الإنكليزية أو الفرنسية فلماذا يعدل العربي عن الكلمة العربية السليمة المعبرة عن هذا المعنى ليستعير اللفظ الأعحمي؟ أليس من السليم والفصيح أن يستعمل الكاتب العربي "واقعية" أو "عملية" لتعطي المعنى المراد في سياق الجملة بدل إستعماله "براغماتية" والتي لا توقع في أذن السامع العربي ما يوقعه اي من الألفاظ المقترحة؟ أم أن الكاتب يعتقد أنه يصنع مجداً موهوماً إذا ما استعمل لفظاً أعجمياً يوحي به للقارئ العادي أنه ذو ثقافة عالية وافق حضاري واسع!
وللحديث صلة....
عبد الحق العاني
20 كانون الثاني 2014
www.haqalani.com
-
قل ولا تقل / الحلقة العشرون
إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟
قل: السؤال بعهدة المبعوث الدولي
ولا تقل: السؤال برسم المبعوث الدولي
ليس غريباً أن ينشأ في كل لغة كلام تستعمله العامة وذلك للسهولة أحياناً وللإيجاز أحيانا ً أخرى.. وقد تتشعب العامية فتغدو عامية المصري تختلف عن عامية المغربي أو العراقي على سبيل المثال. وهذه ليست ظاهرة مختصة باللغة العربية ولا بيومنا هذا فهي معروفة في كل اللغات وفي كل العصور وإن كان مداها يتغير تبعاً للثقافة العامة في كل بلد فكلما انتشرت الأمية كلما إزداد تداول العامية والعكس صحيح.
لكن هناك فرقاً بين العامية في شوارع لندن مثلا وما يستعمله الإعلام والساسة والمتعلمون في خطابهم اليومي هناك سواء أكان ذلك مكتوباً أم مرئيا أم مسموعاً وبين العامية في بلاد الشام وما يستعمله الإعلاميون والساسة والمتعلمون بل وحتى رجال الدين. فمن النادر أن تقرأ مقالاً في صحيفة بريطانية أو تسمع سياسياً أو رجل دين وهو يستعمل العامية في خطابه أو يلحن بالقول أو يستعمل ألفاظاً لم تعرفها قواميس الإنكليزية.
أما بلاد الشام فهي نقيض ذلك تماماً وللقارئ أن يقدر سبب ذلك..
فلم يكتف الإعلامي والسياسي في بلاد الشام بالإجترار المستمر للألفاظ اللاتينية مثل ابستمولوجي، لبرالية، ديموقراطية، مورفولوجيا، إستراتيجية، الجيواستراتيجيا، تكتيك، ديموغرافيا، ديالكتيك، ديماغوغية، لوجستية وغيرها كثير وكثير. وليس أي منها مسمى لمخترع جديد أو إكتشاف لظاهرة كونية حتى يصعب تعريبه! وقد وصل الحد أحياناً أن الجملة تتكون كلها من كلمات لاتينية فإذا أفرغت الجملة من اللاتيني لم تعد هناك جملة، مما يدفع للتساؤل: ترى لماذا لا يكتب الكاتب مقاله بلغة لاتينية فيريح ويستيرح؟
أقول لم يكتف الإعلامي والسياسي في بلاد الشام بادخال هذه العجمة فتعداها لتشويه العربية وإصراره على الخطأ رغم التوضيح المستمر لذلك من أكثر من جهة...
فهو يصر يومياً على استعمال "وشى" بمعنى أخبر أو أنبأ في حين أن العرب لم تعرف "وشى يشي وشاية " بهذا المعنى..
وهو يصر يومياً على إستعمال "كباش" بمعنى خصومة أو نزاع بينما العرب لم تعرب "كباش" إلا على أنه جمع "كبش"...
وهو يصر على إستعمال "تقاطع" يريد بها توافق بينما العرب لم تعرف معنى للتقاطع سوى الخصومة وهي، أي الخصومة، نقيض التوافق!
وهذاغيض من فيض. وقد سبق لي أن أشرت لبعضها سابقاً.. واليوم نعرض استعمالاً آخر لا يقل بؤساً عن تلك..وذلك هو إستعمال "رسم" بمعنى "عهدة" أو "مسؤولية"...وقد يقول القائل وما ضير ذلك إذا كان أهل بلاد الشام يفهمون المقصود؟ والجواب هو أن مهمة الكاتب ألا يسقط حيث يسقط الناس بل يحاول رفعهم كلما أمكن ذلك فتلك مهمته.. فإن لم يقدر عليها فما شأنه والكتابة. كما ان الكاتب اللبناني أو السوري لا يكتب لمحيطه فقط فهو يكتب لكل العرب وأغلب العرب لا يفهمون هذا الإستعمال لكلمة "رسم". فقد أوردت المعجمات العربية المعنى التالي لكلمة "رسم". فكتب إبن فارس في مقاييس اللغة:
"رسم (مقاييس اللغة)
الراء والسين والميم أصلان: أحدهما الأثَر، والآخر ضربٌ من السير."
كما كتب إبن منظور في لسان العرب:
رسم (لسان العرب)
"الرَّسْمُ: الأَثَرُ، وقيل: بَقِيَّةُ الأَثَر، وقيل: هو ما ليس له شخص من الآثار، وقيل: هو ما لَصِقَ بالأَرض منها.
ورَسْمُ الدار: ما كان من آثارها لاصقاً بالأرض، والجمع أَرْسُمٌ ورُسومٌ."
وليس في ما جاء في معجمات العرب ما يشير إلى إمكانية إستعمال العرب لكلمة "رسم" بالمعنى الذي يريده الإعلامي أو السياسي اليوم. وما لم يسمع عن العرب أولا يقاس فلا حجة به.
والعربية غنية كما هو معروف، فلماذا لا يعدل الكاتب للصحيح في تعبيره فيستعمل كلمة "مسؤولية" أو عهدة" والتي اخترتها هنا؟
فقد عَرَّف إبن فارس العهدة تعريفاً جميلاً مستنداً للخليل بن أحمد الفراهيدي، فكتب في مقاييس اللغة:
"العين والهاء والدال أصلُ هذا الباب عندنا دالٌّ على معنىً واحد، قد أومأ إليه الخليل. قال: أصله الاحتفاظُ بالشَّيء وإحداثُ العهدِ به.
والذي ذكره من الاحتفاظ هو المعنى الذي يرجع إليه فُروع الباب. فمن ذلك قولهم عَهِد الرجل يَعْهَدُ عَهْداً، وهو من الوصيَّة.
وإنّما سمِّيت بذلك لأنَّ العهدَ مما ينبغي الاحتفاظُ به."
وكان الجوهري قد أعطى معنى آخر للعهدة في الصحاح:
"العَهْدُ: الأمانُ، واليمينُ، والموثقُ، والذمّةُ، والحِفاظُ، والوصيةُ.
وفي الأمرِ عُهْدَةٌ، بالضم، أي لم يُحْكَم بعد."
فمن تأمل ما أورده علماء العربية وجد أن "العهدة" هي اللفظ السليم للتعبير عن إيداع الشيء والإحتفاظ به لحين الحكم وهو ولا شك أدق واصوب للمعنى المراد من إستعمال "رسم" والتي تعني الأثر ولا قيمة لها هنا.
قل: فلان ذو كفاية في العمل
ولا تقل: فلان ذو كفاءة في العمل
فالكفاءة المساواة والمماثلة ومنها الكفاءة في الزواج والدماء، والعمل في الوظيفة لا يحتاج الى كفاءة أي مساواة بل يحتاج الى كفاية أي طاقة وقدرة محسنة، ولذلك لقب القدماء القدير على العمل القيم به الناهض بعبئه "الكافي" وهو إسم فاعل من "كفى فلان في الوظيفة" والتقدير "كفى الحاجة وكفى المراد في الوظيفة" فهو الكافي. وكان الوزير أبو الحسن علي بن محمد الكوكبي وزير بهاء الدولة يُلقّب "الكافي" ولو كان المراد الكفاءة للقبوه "المكافئ" ومن ذلك لقب "كافي الكفاة" الوزير الصاحب بن عباد وان غيره من اصحاب لقب الكافي كثير.
ويجوز استعمال "الكفاءة" في أول التوظيف باعتبار أن الرجل الطالب للوظيفة كالخاطب امرأة على نفسه، فكما تحتاج المرأة الى الكفاءة بينها وبين الرجل فكذلك الحال بين الرجل والوظيفة، ولذلك صح قولهم في التوظيف "شروط كفاءة الموظف" أو طالب التوظيف، و "توفرت الكفاءة في فلان للوظيفة المذكورة". وتقول: "عُيّن فلان في الوظيفة بكفاءة ثم أظهر فيها كفاية وصرامة وشهامة". (م ج)
قل: وقفت تجاه فلان وبإزائه وقبالته
ولا تقل: وقفت أمامه
ومن يُرد أن يعرف معنى "أمام" فليتذكر وقوف "الإمام" في الصلاة فالإسمان من أصل واحد ويدلان على وجهة واحدة، فالإمام يقف "أمام" المصلين المؤتمين به ويؤمهم، أي يوليهم ظهره ولا يستقبلهم، ولذلك ولغيره سمي "إماماً". قال أبو مخنف في بعض أخبار حرب الجمل: "وبلغنا أن عبد الرحمن بن طود البكري قال لقومه: أنا قتلت عمراً وان الأشتر كان بعدي (وأنا امامه) في الصعاليك، فطعنت عمراً طعنة لم أحسب أنها تُجعل للأشتر دوني، وإنما الأشتر ذو حظ في الحرب وإنه ليعلم أنه كان (خلفي) ولكن أبى الناس إلا أنه صاحبه".
وجاء في ذكر آداب المتعلم وما يجب عليه للمعلم مما نسب الى أمير المؤمنين علي (ع) "وأن تعظمه وتوقره ما حفظ أمر الله وعَظَّمه (وأن لا تجلس أمامه)"، أي أن لا توليه ظهرك. وقال (ع): "فكونوا كالسابقين قبلكم (والماضين أمامكم) قَوَّضوا من الدنيا تقويض الراحل وطَوَوْها طي المنازل".
وقال حماد عجرد في منيعة جارية أبي عمرو ابن العلاء وكانت رَسُحاءَ عظيمة البطن:
لو تأتى لك التحول حتى تجعلي خلفك اللطيف (أماما)
ويكون القدام ذو الخلقة الجز...........لة خلفا مؤثلاً مســتكاما
لإذن كنت يا منيعة خير الناس خلفاً وخيرهم قدامــــــــا
وقال أبو علقمة سنة 15 هـ
أرَّق عيني أخوا جذام كيف أنام وهما أمامي
إذ يرحلان والهجير الطامي أخو حُشيم وأخو حرام
فقولك "وقفت أمام فلان" معناه أوليته ظهرك وجعلت وجهك في ضد وجهته، كما تقول: سرت أمامه. (م ج)
قل: وضع جبهته على الأرض عند سجوده
ولا تقل: وضع جبينه على الأرض عند سجوده
وشاع الخلط بين الجبهة والجبين منذ عهد مبكر فقد كتب ابن قتيبة في أدب الكاتب: "الجَبْهة، والجَبِين " لا يكاد الناس يفرقون بينهما؛ فالجبهة: مَسْجِدُ الرجل الذي يصيبه نَدَبُ السجود، والجبينان: يكتنفانها، من كل جانب جبينٌ."
وكتب إبن منظور في لسان العرب:
"الجَبْهة للإِنسان وغيره، والجَبْهَةُ: موضع السجود، وقيل: هي مُسْتَوَى ما بين الحاجبين إلى الناصية."
أما الجبين فقد عرفه الجوهري في الصحاح كما يلي:
"والجَبينُ فوق الصدغ، وهما جَبينانِ عن يمين الجبهة وشمالها".
وأرود إبن فارس مثله فكتب في مقاييس اللغة:
"والجَبينان ما عن يمين الجبهةِ وشِمالها، كلُّ واحدٍ منهما جَبين."
ويبدو أن هذا اللحن واسع الإنتشار ولم يسلم منه حتى الشعراء فقد وقع فيه بشارة الخوري حين كتب:
يا عاقد الحاجبين على الجبين اللجين
فقد إفترض الشاعر خطأ أن هناك جبيناً واحداً عقد عليه الحاجبان. لكنه دون شك أراد بها الجبهة التي تقع بين الناصية والحاجبين.
قل: حاز فلان الشيء
ولا تقل: حاز عليه
فالفعل "حاز" يتعدى بنفسه الى مفعول به يقع عليه الحوز أي الحيازة. قال الجوهري في الصحاح: "الحوز: الجمع وكل من ضم الى نفسه شيئا فقد حازه حوزاُ وحيازة". والذي في مقاييس اللغة لإبن فارس: "وكل من ضم شيئاً الى نفسه فقد حازه حوزاً" عداه بنفسه أيضاً.
وقال الزمخشري في اساس البلاغة: "حاز المال واحتازه لنفسه وعليك بحيازة المال وحاز الإبل: ساقها الى الماء وحوزها". وقال المبارك ابن الأثير في النهاية: "فيه ان رجلاً من المشركين جمع الأمة كان (يحوز المسلمين) أي يجمعهم ويسوقهم.
حاز يحوزه: إذا قبضه وملكه واستبد به". وورد في لسان العرب في تفسير الماحوز "وقال بعضهم هو من قولك: حُزت الشيء إذا حرزته". وقال "الحوزي المتوحد وهو الفحل منها وهو من حُزت الشيء إذا جمعته أو نحيته" وقال: "وحُزت الأرض إذا أعلمتها وأحييت حدودها." وقال في التحيز: "وقال سيبويه هو تفعيل من حُزت الشيء، وقال: "والحوز: الجمع وكل من ضم شيئاً الى نفسه من مال أو غير ذلك فقد حازه حوزاً وحيازة وحازه اليه واحتازه اليه".
وفي المصباح المنير "حزت الشيء أحوزه حوزاً وحيازةً" ضممته وجمعته، وكل من ضم الى نفسه شيئاً فقد حازه". وأكثر هؤلاء اللغويين متشابهو الأقوال ويدل على ذلك اقتباس بعضهم من كتب البعض، ومن الشواهد الشعرية على تعدية "حاز" بنفسه قول يعقوب بن الليث الصفار وهو من شعراء الشعوبية:
أنا ابن الأكارم من نسل جَمْ وحائز إرث ملوك العجمْ
وحاز حيزاً من باب سار، لغة فيه وحزت الإبل باللغتين سقتهما. فالنصوص اللغوية متضافرة في تعدي "حاز" بنفسه على اختلاف معانيه. (م ج)
قل: وارو الميت في التراب
ولا تقل: وارو الميت الترابَ
وكتب ابراهيم اليازجي في لغة الجرائد: "ويقولون وارو الميت الترابَ أي واروه في التراب فيحذفون الحرف ويبقون التراب مفعولاً فيه وهو خطأ لأن التراب من أسماء المكان المختصة فلا يصلح للظرفية. وقد ورد مثل هذا للحريري في مقامته الكوفية وهو قوله: "وخلدوها بطون الأوراق" وكأن الذي سول له صحة هذا التركيب ما جاء في سورة يوسف من قوله "اطرحوه أرضاً" وهذا فضلاًعن كونه من التراكيب التي لا يقاس عليها فانما سهل هذا الإستعمال فيه تنكير الأرض وتجريدها من الوصف كما قاله الزمخشري فنصبت نصب الظروف المبهمة وقيل انها مفعول ثان لإطرحوه على تأويله بمعنى أنزلوه وكلاهما على ما فيه لا يصح في عبارة الحريري."
قل: كَشفتُ عن الأمر الخفي خفاءه
ولا تقل: كَشفتُ الأمر الخفي
قال ابن فارس في مقاييس اللغة: "الكاف والشين والفاء أصل صحيح يدل على سَرْو الشيء عن الشيء كالثوب يُسري عن البدن، يقال كشفت الثوب وغيره أكشفه". وجاء في لسان العرب: "الكشف: رفعك الشيء عما يواريه ويغطيه، كشفه يكشفه كشفاً وكشفةً...." وفي أساس البلاغة "كشفت عنه الثوب... من المجاز: كشف الله غمه وهو كشاف الغمم". وقال الراغب الأصبهاني في مفردات غريب القرآن: "كشفت الثوب عن الوجه وغيره، ويقال: كشف غمه، قال تعالى "وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو".
وهذا كتاب الله تعالى شاهداً، قال تعالى في سورة ق "لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد". فالمكشوف هو الغطاء وما جرى مجراه من الحسيات والمعنويات كالغم، وقد يحذف المفعول به كقوله تعالى في سورة النمل: "فلما رأته حسبته لُجة وكشفت عن ساقيها" أي وكشفت ثوبها عن ساقيها كما يفعل الخائض للماء الضحل، ولا بد للأشياء المادية كالكنوز والمعنوية كالطاقات من استعمال "عن" فالفصيح أن يقال "الكشف عن الأمر الخفي والطاقات". قال الإمام علي (ع) على ما ورد في نهج البلاغة: "فإن في الناس عيوباً الوالي أحق من سترها فلا تكشفن عما غاب عنك منهما، فإنما عليك تطهير ما ظهر لك". وفي كلام الله تعالى وكلام علي (ع) غنى عن تطلب الفصاحة في غيرهما. (م ج)
قل: قد أَوْغَلَ الرجل في العلم
ولا تقل: قد وَغَلَ الرجل في العلم
وكتب ابن السكيت في إصلاح المنطق: "ويقال: قد أَوْغَلَ في البلاد، إذا أَبْعَدَ فيها، ويقال: قد وَغَل يَغِلُ، إذا توارى بشجر أو نحوه، وقد وَغَل أيضاً يَغِلُ، إذا دخل على القوم في شَرَابِهِم فشرب من غير أن يدعى إليه، الوَاغِلُ في الشراب: مثل الوارش في الطعام، قال امرؤ القيس:
فاليوم فاشرب غير متسحقب إثماً من الله ولا وَاغِلِ
قال أبو يوسف: وسمعت أبا عمرو يقول للشراب الذي يشربه الرجل لم يدع إليه: الوَغْل، وأنشد لعمرو بن قمية:
إن أَكُ مِسْكِيرًا فلا أشرب الوَغْل ولا يسلم مني البعير."
وقال إبن فارس في مقاييس اللغة:
"الواو والغين واللام: كلمةٌ تدلُّ على تقحُّمٍ في سَيرٍ وما أشْبَه ذلك...
ويقال: وَغَلَ يَغِلُ، إذا تَوَارَى في الشَّجَر...
وأوْغَلَ القَوْمُ: أمْعَنوا في مَسيرهم."
وكتب الجوهري في الصحاح:
"وَغَلَ الرجلُ يَغِلُ وُغولاً، أي دخل في الشجر وتَوارى فيه.
ويقال أيضاً: وَغَلَ يَغِلُ وَغلاً، إذا دخل على القوم في شرابهم فشرب معهم، من غير أن يُدعى إليه."
أما إبن منظور فقد أورد في باب "وغل" في لسان العرب:
"ووَغَلَ في الشيء وُغولاً: دخل فيه وتوارى به، وقد خُصَّ ذلك بالشجَر..
وتوَغَّل في الأَرض: ذهَب فأَبعَد فيها، وكذلك أَوْغَل في العِلْم."
وفي الحديث: إِن هذا الدين مَتِينٌ فأَوْغِلْ فيه بِرِفقٍ؛ يُريد سِرْ فيه برِفق.
وهكذا يبدو أن العرب لم تستعمل "وَغَلَ" إلا في التواري في الشجر أو في الدخول على شاربي الخمر بينما استعملت العرب "أوغَلَ" للدخول في العلم والدين كما جاء في الحديث الشريف.
فقل: أوغل في اللعل
ولا تقل: وغل في العلم.
وللحديث صلة....
عبد الحق العاني
25 كانون الأول 2013
www.haqalani.com
-
قل ولا تقل / الحلقة الرابعة والعشرون
إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟
قل: هؤلاء الضباط البُسلاء والباسلون
ولا تقل: هؤلاء الضباط البواسل
لأن "البسلاء" هو جمع البسيل في الأصل وجمع الباسل في الإستعارة المعروفة باستعارة الجموع، والبسيل والباسل معناهما الشجاع والبطل الشديد، وجمع العقلاء على فُعلاء أي بُسلاء نحو كريم وكُرماء هذا لبسيل. ويقال باسل وبُسلاء نحو شاعر وشعراء وفاضل وفضلاء.
أما "البواسل" فهو جمع لغير العاقل وللمؤنث، تقول أسد باسل واسود بواسل وفتاة باسلة وفتيات بواسل، أي باسلات. قال في لسان العرب: "والبسالة الشجاعة والباسل الشديد والباسل الشجاع والجمع بُسلاء"، ولم نذكر الجمع الآخر الذي هو بُسل لأنه غريب، قال ابن مكرم الأنصاري في لسان العرب: "وفي حديث خيفان قال لعثمان (رض) أما هذا الحي من همدان فأنجاد بُسل اي شجعان وهو جمع باسل وسُمي به الشجاع لإمتناعه ممن يقصده".
وأما الجمع الصحيح "باسلون وبسيلون" فيستعمل عند إرادة الحدث أي الحدوث في الصفة أو في زمانها. قال الله تعالى في سورة المؤمنون: "ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ" أي ستكونون موتى. وقال عز من قائل في سورة الصافات: "أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ" أي لن نموت إلا موتننا الأولى. وقال جل وعز في سورة الزمر: "إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ"، يعني أنهم سيموتون بدلالة أنهم كانوا أحياءً حين خاطبهم على لسان نبيه. أما الذين ماتوا ودرجوا وعبروا فيقال لهم "أموات وموتى". وهذا هو القياس وقد يأتي خلافه شاذّاً. (م ج)
قل: فلان من شذّاذ الرجال
ولا تقل: فلان من شواذ الرجال
والسبب المانع من جمع الشاذ للإنسان على شواذ هو السبب الذي منع جمع "الباسل" للإنسان على "البواسل"، وإنما يقال جمل شاذ وجمال شواذ، وقول شاذ وأقوال شواذ.
أما الشذّاذ فهو جمع الإنسان من صفة الشاذ مثل كاتب وكتاب وحاسب وحساب وعامل وعمال وسارق وسراق وحاذق وحذاق وما لا يحصى لكثرته وهو جمع قياسي مطرد في كل المثل. (م ج)
قل: لا تقوم الدولة إلا بأطرها أو مَلاكاتها
ولا تقل: لا تقوم الدولة إلا بكوادرها
وكتب عبد الهادي بوطالب: "في المشرق العربي يستعمِل الإعلامُ كلمةَ الكَوادِر (جمعا لكلمة كادر) للدلالة على كبار العاملين في المكاتب والإمارات والوزارات ومرافق الدولة والقطاع الخاص. وهي كلمة فرنسية (Cadre) لا ضرورة لاستعمالها لوجود نظيرها في العربية الذي هو إطار ويجمع على أُطُر. ونقول "أُطُر التعليم، وأُطُر وزارة كذا، وأُطُر المهندسين، وأُطُر الأطباء".
يُطلِق البعض كلمة مَلاك (بفتح الميم) للدلالة على الإطار. فهما بذلك مترادفان. ولكن كلمة مَلاك غير شائعة. وأصل الإطار هو ما يحيط بالشئ. من خارجه : "إِطار الصورة". و"إِطار العَجَلة"، و"إِطار النظَّارة". والفعل هو أطَّر يُؤطِّر. والمصدر هو تأطير.
وبذلك تطور المعنى وامتد إلى تعابير مقبولة. كأن نقول : "الأحزاب تقوم بتأطير الشعب". وتُستعمَل كلمة إطار مرادفة لكلمة نِطاق ونقول: "وفي هذا الإطار نُدخِل هذا المثال". كما نقول: "وفي هذا النِّطاق جرى حادث كذا".
أما المَلاك فهو قِوام الشئ وأساسه وعنصره الجوهري. وكل ذلك ينطبق على الأُطُر وخاصة منها ذات الكفاءة. ونقول: "القلب مَلاك الجسد" أي لا يقوم الجسد إلا به. كما لا تقوم الدولة إلا بأُطُرها أو مَلاكاتها (جمع مَلاك).
لذا مع وجود هذين التعبيرين لا ضرورة تفرض استعمال كلمة كادر الأجنبية (مفردا) وكوادر (جمعا). وأُفضل استعمال الأُطُر (لشيوع هذه الكلمة) على كلمة مَلاك وهي قليلة الاستعمال.
والذين أدخلوا كلمة "كوادر" الفرنسية إلى العربية اقتصروا على جمعها. ولا يستعملون مفردها. وجمع كادِر على كوادر يُعترَض عليه لأن جمع فواعل يأتي في اللغة لجمع فاعِلة المؤنث لا لفاعل المذكر. فنقول شواعر العرب للدلالة على النساء. وفي القرآن الكريم : "والقواعد من النساء". وفيه أيضا: "ولا تُمسكوا بِعِصَم الكوافر"، أي الكافرات.
لكن "كوادر" تستعمل في المذكر والمؤنث، وفواعل تستعمل في اللغة العربية للمؤنث أكثر مما تستعمل للمذكر بشروط مفصلة في كتب اللغة، إذ نقول عن الرجال: "الجنود البواسل" وهذا قليل في الاستعمال." إنتهى
ولعل الأستاذ بو طالب تسرع في هذا القول ذلك لأن ما كتبه المرحوم مصطفى جواد هو الصحيح. أما قول بو طالب "إذ نقول عن الرجال الجنود البواسل وهذا قليل الإستعمال" فهو غير دقيق فقد كان حرياً به أن يقول انه خطأ لا يصح استعماله رغم شيوعه. وهذا ما أكدته المعاجم فقد جاء في لسان العرب: "والفارس: صاحب الفرَس على إِرادة النسَب، والجمع فُرْسان وفَوارس، وهو أَحَدُ ما شذَّ من هذا النَّوع فجاء في المذكر على فَواعِل؛ قال الجوهري في جمعه على فَوارس: هو شاذ لا يُقاس عليه لأَن فواعل إِنما هو جمع فاعلة مثل ضاربة وضَوارِب..... وقال بعض النحويين: لم يجئْ فاعل مجموعاً على فَواعِلَ إلا قولهم إنه لخالِفٌ من الخَوالِف، وهالِكٌ من الهَوالِكِ، وفارِسٌ من الفَوارِس. والخَوالِفُ: النساء المُتَخَلِّفاتُ في البيوت." ثم كتب أبن منظور في باب "نكس" : "ونَكَسَ رأْسَه إِذا طأْطأَه من ذُلٍّ وجمع في الشعر على نواكِس وهو شاذ على ما ذكرناه في فَوارس؛ وأَنشد الفرزدق: وإِذا الرِّجالُ رَأَوْا يَزيدَ، رأَيْتَهُم خُضْعَ الرِّقابِ، نَواكِسَ الأَبْصار قال سيبويه: إِذا كان الفِعْل لغير الآدميين جمع على فَواعِل لأَنه لا يجوز فيه ما يجوز في الآدميين من الواو والنون في الاسم والفعل فضارع المؤنث، يقال: جِمال بَوازلُ وعَواضِهُ".
وتوسع صاحب العباب الزاخر في شرح ذلك في باب "فرس" فكتب: "يُجْمَع على فَوَارِس، وهو جمع شاذٌّ لا يُقاس عَلَيه، لأنَّ فواعِل إنَّما هيَ جمع فاعِلَة - مثال ضارِبَة وضَوَارِب؛ أو جمع فاعِل إذا كان صفة للمؤنَّث مثل حائِض وحَوائِض؛ أو ما كان لِغَير الآدَمِييِّن مثل: جَمَلٍ بازِل وجِمالٍ بوازِل؛ وجَمَلٍ عاضِهٍ وجمالٍ عَواضِه؛ وحائطٍ وحَوائِط، فأمّا مُذَكَّرُ ما يَعْقِل فلم يُجْمَع عليه إلاّ فَوارِس وهَوَالِك ونَواكِس وعَواطِس وكَوادِس ورَواهِب وقَوارِس وقَوابِس وخَوالِف. ........ وأمّا هوالِك فانَّه جاء في المَثَل: هالِك في الهَوَالِك، فجرى على الأصل، لأنَّه قد يَجيء في الأمثال ما لا يَجِيءُ في غيرِها. وأما نواكِس فقد جاءت في ضرورة الشعر."إنتهى
وهكذا يتبين أن قول "بوطالب" في البواسل ليس موفقاً فقد كان عليه أن يقول إنه خطأ لأنه مخالف للقاعدة ولم يرد عن العرب أنه مما شذ عن تلك القاعدة وما لم يعرف عن العرب لا سمعاً ولا قياساً لا يصح.
قل: جلست صباحاً في الظل
ولا تقل: جلست صباحاً في الفيء
وكتب إبن قتيبة: "ومن ذلك: " الظلُّ والفَيْءُ " يذهب الناس إلى أنهما شيء واحد، وليس كذلك؛ لأن الظل يكون غُدوةً وعشيَّةً، ومن أول النهار إلى آخره، ومعنى الظل السِّتْر، ومنه قول النَّاس " أنا في ظِلِّكَ " أي: في ذَرَاك وسِترك، ومنه "ظل الجنة" ، وظل شجرها إنما هو سترُها ونواحيها، وظلُّ الليل: سواده؛ لأنه يستر كل شيء، قال ذو الرُّمة:
قدْ أعسِفُ النازِحَ المجهولَ مُعْسِفُه ... في ظلِّ أخضرَ يدعُو هامَهُ البُومُ
أي: في ستر ليل أسود، فكأن معنى ظل الشمس ما سترته الشخوص من مَسْقطها، والفيء لا يكون إلا بعد الزوال، ولا يقال لما قبل الزوال فيء، وإنما سمي بالعشي فيئاً لأنه ظلٌّ فاء عن جانب إلى جانب، أي: رجع عن جانب المغرب إلى جانب المشرق، والفيء هو الرجوع، ومنه قول الله عزّ وجلّ: (حتَّى تفيءَ إلى أمْرِ الله) أي: ترجع إلى أمر الله. وقال امرؤ القيس:
تَيَمَّمَتِ العينُ التي عندَ ضارِجِ ... يَفيءُ عليها الظلُّ عَرْمَضُهَا طامِ
أي: يرجع عليها الظل من جانب إلى جانب؛ فهذا يدلك على معنى الفيء.
وقال الشمّاخُ:
إذا الأرْطَى تَوَسَّدَ أبْرَدَيْهِ ...خُدودُ جَوازِئ بالرّمْلِ عِينِ
أبْرَداه: الظل والفيء، يريد وقت نصف النهار، وكأن الظباء في بعض ذلك الوقت كانت في ظل ثم زالت الشمس فتحول الظل فصار فيئاً فحوَّلتْ خدودها".
قل: جمعت الشَّمَع
ولا تقل: جمعت الشَّمْع
وكتب إبن السكيت: "هو الشَّمَع، هذا كَلَام العرب، والمولدون يقولون: شَمْع، بإسكان الميم." إنتهى
وكتب صاحب الصحاح في باب "شمع": " الشَمَعُ بفتحتين: الذي يُسْتَصْبَحُ به. قال الفراء: هذا كلام العرب، والمولَّدون يقولون شَمْعٌ بالتسكين. والشَمَعَةُ أخصُّ منه." أما إبن منظور فقد أورد الرأيين في لسان العرب فكتب في باب "شمع": الشَّمَعُ والشَّمْعُ: مُومُ العَسل الذي يُسْتَصْبَحُ به، الواحدة شَمَعةٌ وشَمْعة؛ قال الفراء: هذا كلام العرب والمُوَلَّدون يقولون شَمْعٌ، بالتسكين، والشَّمَعةُ أَخص منه؛ قال ابن سيده: وقد غَلِطَ لأَن الشَّمَع والشَّمْعَ لغتان فصيحتان. وقال ابن السكيت: قُلِ الشَّمَعَ للموم ولا تقل الشَّمْعَ." وفوق كل ذي علم عليم.
قل: أصاب جَفْنَ عينه
ولا تقل: أصاب جِفْنَ عينه
ومما كثر اللحن فيه قول الناس "جِفن العين " ووقع حتى الشعراء في هذا الخطأ. وفصيح العربية هو القول "جَفن العين" بفتح الجيم لا كسرها. فكتب الجوهري في الصحاح: "الجَفنُ: جَفْنُ العين...والجَفنُ أيضاً: غِمْدُ السَيف. والجَفْنُ قضبان الكرْم، الواحدة جَفْنَةٌ. والجَفْنَةُ كالقَصعة، والجمع الجفانُ والجَفَناتُ." أما إبن فارس فقد كتب في المقاييس: "الجيم والفاء والنون أصلٌ واحد، وهو شيءٌ يُطِيفُ بشيءٍ ويَحْوِيه. فالجَفنُ جَفْنُ العين.
والجَفْن جفن السَّيْف.وجَفْن مكان، وسمِّي الكَرْم جَفْناً لأنه يَدُورُ على ما يَعْلَق به."
وكتب إبن السكيت: "وتقول: هو جَفْن السيف وجَفْن العين، ولا تقل: جِفْن."
قل: هذا رجل سِكِّيرٌ
ولا تقل: هذا رجل سَكِّيرٌ
وكتب الكسائي: "وتقول هذا بَصَلٌ حِرِّيف بكسر الحاء وتشديد الراء. و خّلٌّ ثِقِّيق بتشديد القاف. ورجل عِنِّين كما قالوا: سِكِّير، إذا كان كثير السكر، وخِمِّير إذا كان يشرب الخمر، وعربيد. هذا كل على مثال: فِعِّيل.
وإنما تكلموا بهذه الأحرف، على مثال قول الله تعالى: "كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ" وكما قال: "تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ" فشدد، لأنه مبني على مثال: فِعِّيل. فافهم وقس عليه إن شاء الله تعالى." إنتهى
وكتب إبن منظور في باب "سكر": " السَّكْرَانُ: خلاف الصاحي.
والسُّكْرُ نقيض الصَّحْوِ. والسُّكْرُ ثلاثة: سُكْرُ الشَّبابِ وسُكْرُ المالِ وسُكْرُ السُّلطانِ؛ سَكِرَ يَسْكَرُ سُكْراً وسُكُراً وسَكْراً وسَكَراً وسَكَرَاناً، فهو سَكِرٌ؛ عن سيبويه، وسَكْرانُ، والأُنثى سَكِرَةٌ وسَكْرَى وسَكْرَانَةٌ؛ الأَخيرة عن أَبي علي في التذكرة. قال: ومن قال هذا وجب عليه أَن يصرف سَكْرَانَ في النكرة. الجوهري: لغةُ بني أَسد سَكْرَانَةٌ، والاسم السُّكْرُ، بالضم، وأَسْكَرَهُ الشَّرَابُ، والجمع سُكَارَى وسَكَارَى وسَكْرَى".
وكتب إبن فارس في المقاييس: "السين والكاف والراء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على حَيرة. من ذلك السُّكْر من الشراب. يقال سَكِر سُكْراً، ورجلٌ سِكِّير، أي كثير السُّكْر..... والسَّكْر حَبْس الماء".إنتهى وما زال أهل العراق يستعملون كلمة "السَّكر" للحديث عن المكان الذي يحتبس فيه الماء في النهر وهو كما يبدو من فصيح العربية.
قل: هاتِ المَحْبَرَة
ولا تقل: هاتِ المِحْبَرَة
وكتب الكسائي: " وتقول: هاتِ المَحْبَرَة بفتح الميم، على مثال مَفْعَلَة. وكذلك جلست في المَشْرَفة. وكذلك مَرَرت بالمَقْبَرَة وكذلك حلقت مَسرَبَتي، والمَسربَةُ شعر الصدر."
وما كان من الآلات مما يرفع ويوضع مما في أوله ميم فاكسر الميم أبداً، إذا كان على مِفْعَل و مِفْعَلَة، وتقول في ذلك: هذا مِثقَب، ومِقْوَد، ومِنْجَل، ومِبَرَد، و مِقْنَعَة، ومِصْدَغَة، ومِجهَرَة ومِسْرَجة، ومِشْرَبة، ومِرْفَقَة، ومِخَدّة، و مِحَسَّة، و مِظَلَّة، فهذا كله مكسور الأول أبداً، سوى، مُنجَل، و مُسعَط، ومُدهَن، ومُدُقّ، ومُكحَلَة، فإن هذا الأحرف جاءت عن العرب بضم الميم."
وتوسع الحريري في هذا فكتب: " ويقولون : مَطرد ومَبرد ومَبضع ومَنجل ، كما يقولون : مَقرعة ، ومَقنعة ، ومَنطقة ، ومَطرقة ، فيفتحون الميم من جميع هذه الأسماء وهو من أقبح الأوهام وأشنع معايب الكلام، لأن كل ما جاء على وزن مَفْعَل ومَفْعَلَة من الآلات المستعملة المتداولة فهو بكسر الميم كالأسماء المذكورة ونظائرها ، وعليه قول الفرزدق في مرثية سائس:
ليبك أبا الخنساء بغل وبغلة ** ومِخلاة سوء قد أضيع شعيرها
ومِجرفة مطروحة ومِحسة ** ومِقرعة صفراء بال سيورها
وإنما كسر الميم من محسة لأن الأصل فيها محسسة ، فأدغم أحد الحرفين المتماثلين في الآخر وشدده ، والمشدد يقوم مقام حرفين كما فعل في نظائرها، مثل مِحفة ومِخدة ومِظلة ومِسلة.
من وهمهم أيضا في هذا النوع قولهم لما يروح به: مَرْوَحَة بفتح الميم، والصواب كسرها. وأخبرني أبو القاسم الحسين بن محمد التميمي المعروف بالباقلاوي قراءة عليه، قال: أخبرنا أبو عمرو الهزاني عن عمه أبي روق عن الرياشي عن الأصمعي قال: قال أبو عمرو بن العلاء: بلغنا أن عمر رضي الله عنه كان ينشد في طريق مكة:
كأن راكبها غصن بمَروحة ** إذا تدلت به أو شارب ثمل
ثم قال لنا أبو عمرو: المَروحة بفتح الميم: الموضع الكثير الريح، والمِروحة بالكسر ما يتروح به.
وهذا الذي أصله أهل اللغة من كسر الميم في أوائل أسماء الآلات المتناقلة المصوغة على مِفْعَل ومِفْعَلَة، هو عندهم كالقضية الملتزمة والسنة المحكمة، إلا أنهم أشذوا أحرفا يسيرة منه، ففتحوا الميم من مَنقبة البيطار، وضموها في مُدهن ومُسعط ومُنخل ومُنصل ومُكحل ومُدق، وقيل فيه مِدق بالكسر على الأصل، ونطقوا في مِسقاة ومِرقاة ومِطهرة بالكسر، قياسا على الأصل، وبالفتح لكونها مما لا يتناقل باليد." إنتهى
قل: إنزلق إلى حافَةِ الوادي (بفاء مخففة)
ولا تقل: إنزلق إلى حافَّةِ الوادي (بفاء مشددة)
وكتب إبراهيم اليازجي: ""ويقولون حافَّة الوادي فيشددون الفاء ويجمعونها على حفافي وصوابها حافة بالتخفيف والمشهورة في جمعها حافَات على لفظ المفرد وتجمع أيضاً على حِيَف بالكسر مثل غادة وغيد...... وربما قالوا في جمعها حوافي كأنهم جمعوا حافية وهو كذلك مسموع من بعض عامتنا وقد ورد في شعر للطرماح رواه صاحب لسان العرب ثم قال فسر بأنه جمع حافة ولا أدري وجه هذا إلا أن تجمع حافة على حوائف كما جمعوا حاجة على حوائج وهو نادر عزيز ثم تقلب." إنتهى
وكتب إبن منظور في لسان العرب: "وحافةُ كل شيء: ناحِيَتُه، والجمع حيَفٌ على القِياسِ، وحِيف على غير قياس. ومنه حافَتا الوادي، وتصغيره حُوَيْفةٌ، وقيل: حِيفةُ الشيء ناحيته."
وجاء في العباب الزاخر: "الواحد: حاف -بتخفيف الفاء. الوادي: جانباه، وكذلك حافَتا كل شيء. وفي حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال للنساء: ليس لكن إن تحققن الطريق؛ عليكن بحافَات الطريق."
وكتب إبن منظور في لسان العرب في باب "حفف":"حَفَّ القومُ بالشيء وحَوالَيْه يَحُفُّونَ حَفّاً وحَفُّوه وحَفَّفوه: أَحْدَقُوا به وأَطافُوا به وعَكفوا واسْتَداروا، وفي التهذيب: حَفَّ القوم بسيدهم. وفي التنزيل: وترى الملائكة حافّين من حول العرش."
فيتضح مما جاء في معاجم العربية أن "حافَة" بتخفيف الفاء هي جانب الوادي، أما "حافَّة" فهي ما يحدق بالشيء أو يحيط به.
قل: هي مجموعات إرهابية موجودة في لبنان وسورية
ولا تقل: هي مجموعات إرهابية متواجدة في لبنان وسورية
وشاع على ألسن الناس، ونقله الإعلام، خطأ شنيع في إستعمال كلمة "تواجد" بمعنى "وجود" أو "حضور" وهي ليست كذلك. فنكاد نسمع بشكل مستمر قول من يقول "أين يتواجدون" أو "تواجد عدد كبير من الناس في المكان" أو "على الناس التواجد في مكان ما"، وما شابهه كثير.
وإذا نظرنا في الصحاح وجدنا الفرق بين الإثنين.
"وَجَدَ مطلوبه يَجِدُهُ وُجوداً. ووَجَدَ ضالَّته وِجْداناً. وَوَجَدَ عليه في الغضب مَوْجِدَةً، ووِجْداناً أيضاً، حكاها بعضهم......ووَجَدَ في الحزن وَجْداً بالفتح، ووَجَدَ في المال وُجْداً ووِجْداً وجِدَةً، أي استغنى...... وتَوَجَّدْتُ لفلانٍ: أي حزِنت له”. ولم يرد عن العرب إستعمال الفعل "تواجد" فهو إستعمال معاصر قد لا يتعدى محاولة ترجمة كلمة فرنسية أو إنكليزية كما هو الأمر في أكثر حالات هذا الدخيل على العربية. فإذا افترضنا جواز إستعمال "تواجد" فهي لا يمكن أن تعني "وجد" أو "حضر". لأن "تواجد" هي إظهار الحزن وليس الحضور أو الوجود في مكان معين. فقل"وجود" ولا تقل "تواجد" إذا قصدت هذا المعنى.
وللحديث صلة....
عبد الحق العاني
20 شباط 2014
www.haqalani.com
-
قل ولا تقل / الحلقة الخامسة والعشرون
إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟
قل: أمحمدٌ في الدار أم مستأجرها؟ وقل: أمقيمٌ أنت أم مسافر؟ وقل: أأردت هذا أم لم ترد؟
ولا تقل: هل محمدٌ في الدار أم مستأجرها؟ ولا تقل: هل مقيم أنت أم مسافر، ولا تقل: هل أردت هذا أم لم ترد؟
وذلك لأن الهمزة هي الأصل في الإستفهام، قال الزمخشري في المفصل: "والهمزة أعم تصرفاً في بابها من اختها (هل). تقول أزيد عندك أم عمرو؟ يعني لا يجوز في الكلام العربي الفصيح أن يقال: هل زيد عندك أم عمرو؟ فإذا استعملنا حرف العطف (أم) للتعيين بدل الإستفهام وجب أن نستعمل معها همزة الإستفهام ولا نستعمل "هل"، كقوله تعالى: "وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا؟، وقوله تعالى: "فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۖ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ؟". وقال الشاعر:
فَقُمتُ للطّيفِ مُرتاعاً وأرَّقَني فَقُلتُ أهلي سَرتْ أم عادني حُلمُ؟
وتحذف الهمزة في الشعر خاصة إذا دل عليها دليل كقول ابن أبي ربيعة:
لعمرك ما أدري وإن كنت دارياً بسبعٍ رَمَينَ الجَمرَ أم بثماني
أراد أبسبع رمين الجمر أم بثماني. (م ج)
قل: ألا يجوز أن يكون الأمر كذا وكذا
ولا تقل: هل لا يجوز أن يكون الأمر كذا وكذا
وكتب إبراهيم اليازجي: "ويقولون هل لا يجوز أن يكون الأمر كذا وكذا وهل لم تزر زيداً وهل ليس عمرو في الدار، فيدخلون هل على النفي وهي مخصوصة بالإثبات وأكثرهم يكتب هل لا كلمة واحدة على حد كتابة "هلا" ...وقد وقع مثل هذا لإبن الجوزي في كتاب عقلاء المجانين حيث قال "هلا" يدل هذا على نقصان العلم والصواب استعمال الهمزة في كل ذلك". إنتهى
قل: نُقطة ونِقاط ونُطفة و نِطاف
ولا تقل: نُقاط ونُطاف
وكل اسم على هذا الوزن يجوز جمعه على فِعال وإن لم يسمع الجمع من العرب، كما يجوز جمعه على فُعل كنُقط ونُطف، وهو الجمع الأشهر. ثم إن وزن "فُعال" ليس من أوزان الجموع، وما جاء من الجمع على فُعال فهو شاذ ومن قبيل التوهم في سماع الألفاظ. (م ج)
قل: لا أفعل ذلك، ولن أفعله
ولا تقل: سوف لا أفعله، ولا سوف لن أفعله
وذلك لأن "سوف" من الحروف التي تدخل على الفعل المضارع فتجعله للإستقبال وتصرفه عن زمان الحال، ولا تدخل إلا على الفعل المثبت، ولا يجوز الفصل بينها وبين الفعل. ومن المعلوم أن قولنا "لا أفعل ذلك ولن أفعله" من الأفعال المنفية وإن قولنا "سوف لا أفعل ذلك وسوف لن أفعله" فيه غلطتان إحداهما إدخال "سوف" على الفعل المنفي، مع أنها للمستقبل المثبت، والأخرى هي الفصل بين سوف والفعل بفاصل هو "لا" و "لن" وجميع ما ورد في القرآن الكريم من استعمال "سوف" هو للإثبات. قال تعالى في سورة التكاثر: "أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ". وقد ورد استعمال "سوف" مفصولاً بينها وبين الفعل لضرورة الشعر ومع ذلك وردت للإثبات، قال عبد الله بن المعتز:
أروح للشعرة البيضاء ملتقطاً فيُصبح الشيب للسوداء مُلتقطا
وسوف لا شَكَّ يُعييني فأترُكُهُ حَتَّامَ استخدم المقراض والمُشطا
أراد "سوف يعييني فأتركه ولا شك" فاقحم "لاشك" بين سوف والفعل "يعييني". فقل: لا افعل ذلك ولن أفعله، ولا تقل: سوف لا أفعله ولا سوف لن أفعله. (م ج)
وسبق أن كتب الحريري: "ومن أقبح أوهام جمهرة من كتاب العصر قولهم: سوف لن أفعل ذلك، وسوف لا أفعل ذلك، فيفصلون بين سوف والفعل بـ لا ولن وسواهما، وهذا مالا تجيزه اللغة. ذلك أن السين وسوف حرفان يختصان بالمضارع ويمحضانه للاستقبال، ولا يجوز أن يفصل بينهما وبين الفعل فاصل.
فإذا أردت الحال قلت: أنا أسافر.
وإذا أردت الاستقبال قلت: أنا سأسافر، أو سوف أسافر.
وإذا أردت النفي قلت: لن أسافر غدا.
ورب معترض على هذه القاعدة بقوله تعالى: "وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ". ونجيب هذا المعترض بالقول: إن لام التوكيد دخلت على الفعل لا على الحرف، لأن العرب اشتقت من سوف فعلا فقالت: سوفت الرجل تسويفا، أي ماطلته وصبرته.
ومنه ما ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المسوفة من النساء، وهي التي لا تجيب زوجها إذا دعاها إلى فراشه. ونظيره ما أنشده سيبويه لابن مقبل:
لو سوفتنا بسوف من تجنبها سوف العيوف، لراح الركب قد قنعوا
وكتب عبد الهادي بوطالب في سوف ولن نقتبس منه شيئاً: "لكن ماذا عن التعبير الشائع سوف لن يكون؟ هذا التعبير أيضا خطأ، لأنه يجمع بين أداتين (سوف، ولن) وكلتاهما تفيد الاستقبال. فهو حشْوٌ بمعنى زائد...... و"سوف لن" خير مثال للحشو. إذ "سوف" تفيد الاستقبال، و"لن" أداة استقبال أيضا. وبذلك تكرر الاستقبال مرتين بدون أن تحمل الزيادة فائدة. لأن المعنى يستقيم بالاقتصار على "سوف" أو على "لن". وبما أن "لن" تفيدُ النفي والاستقبال وينصب الفعل المضارع بعدها فلنقل إذن: "ولن يكونَ هذا الأمرُ" بدلا من: "وسوف لن يكون". إنتهى
قل: كانت السفينة لمساكين يعملون في البحر
ولا تقل: كانت السفينة لفقراء يعملون في البحر
وكتب إبن قتيبة: "ومن ذلك: " الفقير، والمسكين" لا يكاد الناس يفرقون بينهما، وقد فَرَق الله تعالى بينهما في آية الصدقات فقال جل ثناؤه: "إنما الصَّدَقَاتُ للفُقَراءِ والمَسَاكين" وجعل لكل صنف سَهْمَاً، والفقير: الذي له البُلْغة من العيش، والمسكين: الذي لا شيء له، قال الراعي:
أمَّا الفقيرُ الَّذي كانتْ حلُوبَتُهُ ... وَفْقَ العِيالِ فَلَمْ يُتركْ لهُ سَبَد
فجعل له حَلُوبة، وجعلها وَفْقاً لعياله، أي: قوتاً لا فَضْلَ فيه".
وأضاف ابن السكيت على ذلك فكتب: " وقال يونس: قلت لأعرابي: أفقير أنت؟ قال: لا والله، مسكين."إنتهى
فاختلف علماء العرببة على الفرق بين "الفقير" و"المسكين" منذ عصر مبكر. ولا يبدو لي أن أياً من ابن قتيبة أو إبن السكيت أصاب في التفريق حيث اتفقا على أن "الفقير" له بلغة في العيش، أما "المسكين" فهو من لا شيء له. ولا أدعي أن علمي بلغة العرب يقترب من اي منهما، لكني أجد في الكتاب الكريم ما يرد عليهما. فقد قال عز من قائل في قصة موسى (ص) وصاحبه في سورة "أهل الكهف" قول الخضر (ص): "أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ". فكيف يوصف من لديه سفينة بأن لا شيء له؟ ولعل ما يؤيد هذا الإستنتاج قوله تعالى في الآية التي أورها إبن قتيبة حيث قدم تعالى الفقراء على المساكين في إستحقاق الصدقات ثم أتبعهما بالعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم فهو تعالى وضع سلم توزيعها مبتدءاً بالأكثر حاجة إلى الأقل حاجة فيكون الفقراء أكثر حاجة لها من المساكين مما يعزز القناعة بأن الفقراء أقل مالاً من المساكين وليس العكس كما أكد كل من إبن قتيبة وإبن السكيت. أما الإستشهاد ببيت الراعي فليس حجة إذا كان الإستشهاد بالقرآن يرده.
قل: غَثَت نفسي وغَلَتْ القدر
ولا تقل: غَثِيَت نفسي وغَلِيَت القدر
وكتب الكسائي ذلك. ثم كتب بعده إبن السكيت: "ويقال: قد غلت القدرُ تغلي غلياً وغلياناً، ولا يقال: غليت. قال أبو الأسود الدؤلي:
ولا أقول لقدر القوم: قد غليت ... ولا أقول لباب الدار: مغلوق" إنتهى
وجاء في الصحاح: " غَلَتِ القدر تَغْلي غَلْياً وغَلَياناً." وكتب إبن منظور في لسان العرب: " غَلَتِ القِدرُ والجَرَّةُ تَغْلي غَلْياً وغَلَياناً وأَغْلاها وغَلاَّها، ولا يقال غَلِيتْ؛ قال أَبو الأَسود الدُّؤَلي: ولا أَقولُ لِقدرِ القَوْمِ: قدْ غَلِيتْ، ولا أَقولُ لبابِ الدَّارِ: مَغْلُوقُ أَي أَني فَصِيح لا أَلْحَنُ."
وكتب إبن فارس في المقاييس: "الغين واللام والحرف المعتل أصلٌ صحيحٌ في الأمر يدلُّ على ارتفاع ومجاوَزةِ قَدْر...... وغَلَتِ القِدْرُ تَغْلِي غَلَياناً."
قل: لا يلقى هذا الكلام أذن مصغية
ولا تقل: لا يلقى هذا الكلام أذنٌ صاغية
وكتب عبد الهادي بوطالب: "وشاع تعبير "لا يلقى أُذناً صاغية" والصواب مُصْغِية. فعل صغا الثلاثي المجرد يعني مال إلى. وفي القرآن الكريم: "إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا" أي مالت القلوب برضاها. كما جاء بصيغة صَغِيَ يَصْغَى في قوله تعالى: "وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ".
أما في معنى الاستماع فيُستعمَل الرباعي: أَصْغَى يُصْغِي إصغاءً. واسم الفاعل المذكر "مُصْغٍ" والمؤنث مُصْغِية (أذُن مُصْغِية). وأصغى لا يعني مجرد الاستماع، ولكن حسن الاستماع والاهتمام يما يُسمَع. وجاء في بعض المعاجم العربية الحديثة تعبير : "كلنا آذان صاغية". وذلك تَبَنٍّ لخطأ شائع." إنتهى
وكتب إبن منظور في لسان العرب: "صَغا إليه يَصْغى ويَصْغُو صَغْواً وصُغُوّاً وصَغاً: مال، وكذلك صَغِيَ، بالكسر، يَصْغى صَغىً وصُغِيّاً...... وصاغِيةُ الرجل: الذين يميلونَ إليه ويأْتونه ويَطْلُبون ما عنده ويَغْشَوْنَه؛ ومنه قولهم: أَكرِموا فلاناً في صاغَيتِه.... وفي حديث عليّ، كرم الله وجهه: كان إذا خلا مع صاغيته وزافِرتهِ انْبَسط".
ويبدو أن من استعمل عبارة "أذن صاغية" قاس في ذلك على قوله تعالى "وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ". لكنه غاب عنه أن كلمة واعية مشتقة من الفعل الثلاثي "وعى" وقد عرفه لسان العرب بقوله:" وعَى الشيء والحديث يَعِيه وَعْياً وأَوْعاه: حَفِظَه وفَهِمَه وقَبِلَه، فهو واعٍ"، وليس من الفعل "أوعى"، كما هو الحال في الفرق بين إستعمال "صغا" و "أصغى" والذي بينه بو طالب أعلاه.
قل: بدأ بيكر أمس زيارته للسعودية ضمن جولته لمنطقة الشرق الأوسط
ولا تقل: ضمن جولته لمنطقة الشرق الأوسط ، بيكر، بدأ أمس زيارته للسعودية
وكتب المرحوم الدكتور إبراهيم السامرائي مقالاً بعنوان "ضرب من التطور في الصحافة العربية" حاول فيه تلمس لغة الصحافة الجديدة والدخيلة على العربية، وذهب أبعد من ذلك لإيجاد الأعذار للتخبط الوارد أحياناً فيها. لكنه مع ذلك لم يستطع أن يخفي شعوره بالخيبة في ما ورد ويرد كل يوم في الكثير منها ونأخذ من ذلك أمثلة. فكتب:
"وقرأت أيضاً: (( .... ضمن جولته لمنطقة الشرق الأوسط ، بيكر
[ الوزير الأمريكي ] بدأ أمس زيارته للسعودية )) .
أقول: هذه لغة صحفية لا نعرفها في العربية التي لا تجيز عود الضمير على متأخر إلا في سياقات خاصة وردت في بعض الشواهد الشعرية القديمة، غير أن هذا جائز في اللغات الأعجمية ، فكان علينا أن نحمله على العربية ونهيّء أذهان القراء وأذواقهم إلى تقبّل هذا الجديد المحمول إلينا." إنتهى
ولعمري لا أدري لماذا تساهل المرحوم السامرائي مع هذه الإستهانة بعقولنا ولغتنا فدعى أن نهيء أذواق القراء لقبول هذه التفاهات والجهالة في اللغة؟ أما كان الأصوب القول بأن هذا اللغو غير جائز وأنه آن الأوان أن لا يكتب للعرب إلا من يعرف لسان القوم وليس كل من أمسك بقلم أو وضع أصابعه على مفاتيح الحاسوب؟
فالعنوان الذي أختاره السامرائي للتعليق مأخوذ من خبر مترجم عن الإنكليزية وربما كان من وكالة أنباء "رويترز"، ذلك لأن الخبر بالإنكليزية يكون سليما إذا أبتدأ بالقول "During his tour of the Middle East, Baker….." لكنه ليس سليماً إذا صيغ هكذا باللغة العربية. ولما كان أغلب رجال الإعلام العرب من أنصاف المتعلمين فإن الكارثة اليوم أكبر من تلك التي تحدث عنها المرحوم مصطفى جواد قبل خمسين عاماً عن تأثير مترجمي الأفلام السنمائية على الجمهور لأن الحاسوب والهاتف النقال دخلا في كل بيت ودخل معهما تجهيل الإعلام العربي.
قل: عاد من بغداد وزير الإسكان ناقلاً رسالة جوابية للأخ رئيس مجلس الرئاسة
ولا تقل: ناقلاً رسالة جوابية للأخ رئيس مجلس الرئاسة وزير الإسكان يعود من بغداد
وكتب إبراهيم السامرائي في المقال نفسه: "ومثل هذا ما قرأت أيضاً: ((ناقلاً رسالة جوابية للأخ رئيس مجلس الرئاسة وزير الإسكان يعود من بغداد )) .
أقول: وهذه (( الخلبطة )) في سوء النظم وفساد التركيب أدهى وأمر مما لحن فيه من أمر عود الضمير على ما هو متأخر في البناء السليم من العربية ، وأنه (( قرزحة )) صحفية بل عدوى داء حملت إلينا." إنتهى
وفي هذا الخبر إلى جانب ما ذكره السامرائي من عيب، فحش آخر ما انفك الإعلام العربي المسموع أو المرئي أو المقروء يخدش أسماعنا أو أبصارنا به في عدم التمييز بين الفعل الماضي والفعل المضارع. فالمذيع يقول لنا في كل مناسبة إن "الرئيس يعود.." و "المؤتمر ينعقد.." وما كان على شاكلتها يريد بها أحداثاً وقعت أمس أو قبل إذاعة الخبر دون أن يفهم أن الفعل المضارع يعبر عن الحدث وقت وقوعه وليس بعده، مما يقتضي أن يعني الخبر أن الرئيس، على سبيل المثال، "يعود" أثناء إذاعة الخبر وهو ليس المقصود. ولعل من أعجب العجب أن هؤلاء الجهلة من الإعلاميين العرب ومعدي الأخبار الذين تعودوا الترجمة عن الإنكليزية والفرنسية لم يأخذوا عن سادتهم الإنكليز أو الفرنسيين القاعدة التي لا تجير إستعمال الفعل المضارع للتعبير عن الماضي.
قل: سيناقش مجلس النواب يوم السبت القادم تقرير لجنة الحريات حول مشروع قانون الأحزاب مبتدئاً بذلك أعمال الفترة الثالثة من الدورة الأولى
ولا تقل: مبتدئاً أعمال الفترة الثالثة من الدورة الأولى .... السبت القادم مجلس النواب يناقش تقرير لجنة الحريّات عن مشروع قانون الأحزاب
وكتب إبراهيم السامرائي في المقال نفسه: "وقرأت في نظائر هذا وأشباهه الكثير من عبث الصحفيين بسماحة العربية وانتهي منه بما اجتزئ في هذا الموجز، وهو: (( مبتدئاً أعمال الفترة الثالثة من الدورة الأولى .... السبت القادم مجلس النواب يناقش تقرير لجنة الحريّات عن مشروع قانون الأحزاب ... )) .
أقول : لا أدري كيف أقول في عبارة لا أنت بالقادر على أن ترمّ بناءها فقد استهدم حتى بدا آيلاً إلى التدهور والسقوط. لقد مكر هؤلاء القائلون، فهل أتى أهل العلم بنيانهم من القواعد؟" إنتهى
بلى والله لقد أتى تعالى بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من ألف عام. فهؤلاء القوم لا يعرفون قيمة ما أعطاهم رب العزة في اللغة التي نطق بها تشريفاً لبني آدم، فأصبحت اللغة عندهم كقول الشاعر "من باع دراً على الفحام ضيعه".
وللحديث صلة....
عبد الحق العاني
4 آذار 2014
www.haqalani.com
-
-
قل ولا تقل / الحلقة السابعة والعشرون
إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟
قل: أمر مُهم وقد أهمَّه الأمر
ولا تقل: أمر هام وقد همَّه الأمر
قال الراغب الأصبهاني في مفردات غريب القرآن: وأهمّني كذا أي حملني على أن أهم به، قال تعالى: "وطائفة قد أهمّتهم أنفسهم". فالأنفس مهمَّة إذن لا هامَّة فالشيء المهم هو الذي يبعث الهمة في الإنسان ويجعله يهم ويقلقه أحياناً. ونقل اللفظ من الوصفية الى الإسمية فقيل له "المُهم" وجمع على "المهام" تكسيراً وعلى "المهمات" تصحيحاً. وهو بالبداية اسم فاعل من أهمّه يُهمّه إهماماً.
والهام هو المحزن وهو من همَّه أي أحزنه حزناً يذيب الجسم، ولا محل له في تلك الجملة. وقال ابن السكيت وهو الدليل الخريت في اللغة العربية، قال في كتابه اصلاح المنطق: "ويقال قد أهمّني الأمر: إذا أقلقك وأحزنك، ويقال قد همّني المرض اي أذابني....ويقال همّك ما أهمّك".
وجاء في لسان العرب: "ويقال: همَّك ما أهمّك، جعل "ما" نفياً في قوله ما أهمك اي لم يهمك. ويقال: معنى ما أهمك اي ما أحزنك أو ما أقلقك أو ما أذابك، يريد أن "ما" في الوجه الثاني تكون إسماً موصولاً، ومرادنا من إيراد هذه الجملة المبهمة هو فعلها الرباعي "أهمك يهمك إهماماً" فهو المستعمل عند العرب في مثل هذا المعنى.
وجاء في لسان العرب ما يُلبس المعنى على القارئ غير الفطن، قال: "الهمُّ: الحزن وجمعه هموم، وهمّه الأمر همّاً ومهمّة وأهمّه فاهتمّ واهتمّ به". أراد بقوله: همه الأمر: أحزنه لأنه بدأ المادة بتفسير الهم، مع ان قولنا أهمني الأمر يُهمني يعني جعلني أهم به بدلالة ما نقل صاحب اللسان بعد ذلك، قال: "وفي حديث سطيح (شمر فانك ماضي الهم شمَير) أي إذا عزمت على شيء أمضيته والهم ما هم به الإنسان في نفسه تقول: أهمني هذا الأمر". هذا ولو صحت دعوى أن "همه الأمر" بمعنى "أهمّه الأمر" الذي اشتق منه المهم وجمعه المهام والمهمات لسمت العرب "المهم" باسم "الهام" ولجمعته على "هوام وهامات"، ولكن هذا لم يكن ولم يُصر اليه قط. فالهام لم يرد في لغة العرب بمعنى المهم.
ثم أن "همَّ" بهذا لو كان فصيحاً لأستعمله الفصحاء في كلامهم وخطبهم ورسائلهم ولورد في القرآن الكريم، فالوارد فيه هو الرباعي. قال تعالى في سورة آل عمران: "وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظنّ الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء".
نضيف الى ذلك أن "همّ" لو صح بمعنى "أهمّ" في المعاني المشار اليها لفضله الفصحاء على الرباعي لأن قاعدة الفصاحة العامة في ذلك تفضيل الثلاثي على الرباعي إذا كانا بمعنى واحد إلا إذا نُبّه على العكس بالنص والتصريح، فنعشه أفصح من أنعشه، ورجعه أفصح من أرجعه، ووقفه أفصح من أوقفه، ونقصه أفصح من أنقصه، وعاقه أفصح من أعاقه، ونتجه أفصح من أنتجه، وغاض الماء يغيضه أفصح من أغاض الماء.
أما الشواهد على رجحان "أهمّه يُهمّه فهو مُهم" على قولهم "همّه يهمه فهو هام" بعد شواهد القرآن الكريم فكثيرة، كقول ابن المقفع في كليلة ودمنة "ويرتاح اليه في جميع ما أهمّه" وقوله "فأهمّه ذلك وقال: ما كان للأسد أن يغدر بي".
وجاء في نهج البلاغة "ما أهمّني أمر أمهلت بعده حتى أصلي ركعتين وأسأل الله العافية". وقال أبو زينب بن عوف يخاطب عمار بن ياسر: "وما احب أن لي شاهدين من هذه الأمة شهدا لي عما سألت من هذا الأمر الذي أهمني مكانكما". ذكر ذلك نصر بن مزاحم في أخبار صفين وقال البراض على رواية الفصحاء:
وداهية تُهمّ الناس قبلي شددت لها بني بكر ضلوعي
هدمت به بيوت بني كلاب وأرضعت الموالي بالضروع
وقال عمر بن الخطاب (رض): "دلوني على رجل استعمله على أمر قد أهمّني"، ذكر ذلك البهيقي مؤلف المحاسن. (م ج) إنتهى
وكان الشيخ إبراهيم اليازجي قد سبق أستاذنا الفاضل مصطفى جواد حين كتب في "لغة الجرائد": "ان الكتاب يستعملون لفظ (هامّ) ثلاثيًّا لا يكادون يخرجون عنها في الاستعمال، والأفصح: مهمّ الرباعي، وعليه اقتصر في الصحاح والأساس".
فرد على "لغة الجرائد" الأستاذ سليم الجندي ، وهو أحد علماء الشام، فذكر ما عده أغلاط اليازجي في كتيب نشر في دمشق عام 1935 بعنوان: "إصلاح الفاسد من لغة الجرائد". ومنها رده على هذا الرأي بما جاء في القاموس والتاج، “وهو: همّه الأمر كأهمه، فقد جعلوا الثلاثي والرباعي متماثلين ولم يذكروا أن أحدهما أفصح من الآخر”. وحين عدت للقاموس وجدت فيه قول الفيروزأبادي: "وهَمَّه الأَمْرُ هَمّاً ومَهَمَّةً: حَزَنَه، كأَهَمَّه فاهْتَمَّ". وقد يجد القارئ الفطن ما شرحه العالم مصطفى جواد كافياً للرد على الجندي. فإن لم يكن ذلك كافياً فإن صاحب القاموس قد لا يكون صائباً في إنفراده في أن "همه" و "أهمه" واحد.. وفوق كل ذي علم عليم.
قل: أهَمّية الشيئ بتشديد الميم وفتح الهاء
ولا تقل: أهْمية الشيء بتسكين الهاء
وذلك أن كلمة "أهمّية" مشتقة من "أهمّ" اسم التفضيل المعروف أيضاً بأفعل التفضيل و "أهم" مأخوذ من الفعل الرباعي "أهمّ يُهمّ إهماماً" واسم الفاعل "مُهمّ" ولم يثبت عندي وجود صوغ اسم التفضيل من الفعل الثلاثي فهو يصاغ من الثلاثي والرباعي الذي على وزن "أفعل يفعل" كأسنّ الرجل يسن إسناناً أي كبر وشاخ. تقول: هو أسنّ من فلان. ولا وجب عندي أن يصاغ من الفعل المبني للمعلوم فهو يصاغ من المبني للمجهول نحو "عُرف الضمير" و "هذا الضمير أعرف من غيره" و "خِيف الأمر" و "هذا الأمر هو أخوف ما أخاف عليكم"، و "قيس الفعل" و "هذا الفعل أقيس من ذاك".
والأهمية عند الصرفيين المتأخرين تسمى "مصدرا صناعياً" وليس لهذه الصيغة صيغة المصدرية، وأنا أسميها " الإسم الصناعي" وسبيل اشتقاقه أن يختم الإسم بياء مشددة وتاء تأنيث "كالهُوية" من هو و "الماهية" من ماهو و "الكمية" من كم و "الكيفية" من كيف و "الإنسانية" من الإنسان، و "الفردية" من الفرد و "الجمعية" من الجميع، و"الفاعلية" من الفاعل، و "الجاهلية" من الجاهل و "المفعولية" من المفعول و "المصدرية" من المصدر و "المسؤولية" من المسؤول، و "المحكومية" من المحكوم و "البشرية" من البشر، و "القابلية" من القابل وهلم جرا إلى ما نهاية له، وهذا من خصائص لغة العرب العظيمة. (م ج)
وجاء في ملحق مفردات أوهام الخواص للحريري: "وكثيرا ما تحملهم أوهامهم إلى عدم التمييز بين أفعال المضارعة ذات الأصل الواحد ، بسبب اختلاف حركاتها ، فيضعون هذا مكان ذاك ويخلطون الحابل بالنابل، الأمر الذي يخل بالمعنى ويؤدي إلى فساد المبنى. فمن أمثلة ذلك أنهم لا يفرقون بين يَهمُّ (بفتح الياء وضم الميم) ويُهِمُّ ( ضم الياء وخفض الهاء)، ويَهِمُّ (بفتح الياء وخفض الهاء).
فالأول من الاهتمام، كأن تقول: يهمني أن أراك ناجحا. والثاني من الهم أي الحزن.... والثالث من الفعل: هم بالأمر يهم ويهم هما وهمة: أي نواه وأراده وعزم عليه، ومنه قوله تعالى في قصة زليخا والنبي يوسف، على نبينا وعليه السلام: "ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه". وقوله تعالى أيضا:"وهموا بما لم ينالوا".
قل: أوكلت إليه مُهِمَّةٌ من المُهِمَّات
ولا تقل: أوكلت إليه مَهَمَّةٌ من المَهَمَّات
ومما إنتشر خصوصاً في الإعلام المسموع والمرئي حين لا يتبين ذلك في الإعلام المقروء قول المذيعة بإصرار متميز وهي تنطق كلمة "مَهَمَّة" كاشفة عن محدودية مفرداتها لأنها تريد "مُهِمَّة". وفي ذلك كتب عبد الهادي بو طالب:
"بدأ يشيع في لغة الإعلام ضبط الميم بفتحها في كلمة مُهِمّة وفتح الهاء (مَهَمَّة) والصواب ضم الميم وكسر الهاء (مُهِمَّة). وهي مذكر مُهِمّ. إذ نقول "أمر مُهِمٌّ"، و"قضية مُهِمَّة" وفعلها رباعي (أَهَمّ) وهو مُتعَدٍّ يتطلَّب مفعولا به. نقول : "أهمَّه الأمرُ" أي أخذ باهتمامه "أهَمَّ المعلّمَ (مفعول به مقدم) شأْنُ (فاعل مؤخر) تلميذِه فأعطاه عناية خاصة". ونقول "مُهِمَّة التعليم حرفة شريفة". و"مُهِمّة الصحافة أصبحت خطيرة".
ونجمع المُهِمّة على مُهِمَّات (جمع المؤنث السالم)، أو على مَهامّ (جمع تكسير). ونقول:"مَهامّ الأمور". و"مَهامّ الحكومة". و"مَهامّ المنصب الحكومي".
ونقول:"فلان مكلف بمُهِمّة في ديوان الوزير". و"بعثه الوزير في مُهِمّة". و"جاءت البعثة في مُهِمّة استطلاعية". أو"حضرت اللجنة للقيام بمُهمَّة تحقيق".
أما المَهمّة على وزن مَفْعَلَة وتجمع على مَهَمَّات، فتعني موضع الاهتمام والقصد. ونقول "هذه القضية لا مَهَمَّة لي بها" أي ليست من اهتماماتي، ولا مما يشغلني، أو لا غرض لي بها، ولا أقصدها أو أرغب فيها."إنتهى
وقد ذكرت أنفاً ما كتبه صاحب القاموس:"وهَمَّه الأَمْرُ هَمّاً ومَهَمَّةً: حَزَنَه"، فيكون من معاني "مَهَمَّة" الحزن. وكتب إبن منظور في باب "كود": "ويقال ولا مَهَمَّة لي ولا مَكادة أَي لا أَهُمُّ ولا أَكادُ". وهي ليس ما تريده المذيعة في تكليف المسؤول بمهمة.
قل: ما نَقَمَتْ منه إلاّ عَجَلَتُه
ولا تقل: ما نَقِمَتْ منه إلاّ عَجَلَتُه
وكتب الكسائي: " وتقول: ما نَقَمَتْ منه إلاّ عَجَلَتُه بفتح القاف، لا يقال غيره. قال الله عز وجل "وما نَقَموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله." إنتهى
وكتب إبن فارس في المقاييس في باب "نقم": " النون والقاف والميم أُصَيلٌ يدلُّ على إنكارِ شيءٍ وعَيبه.......ونَقَمْتُ عليه أَنْقِمُ: أنكرتُ عليه فِعلَه."
وكتب الجوهري في الصحاح: " نَقَمْتُ على الرجل أَنْقِمُ بالكسر فأنا ناقِمٌ، إذا عتبت عليه. يقال: ما نَقَمْتُ منه إلا الإحسان. قال الكسائي: نَقِمْتُ بالكسر لغة." ويبدو أن الجوهري نقل قولاً للكسائي غير الذي جاء أعلاه وقد يكون ذلك بسبب أن الكسائي كان له رأي سابق ثم غيره لاحقاً فقال بجواز "نَقِمَ".
قل: دَعْه حتى يَسْكُتَ عنه الغضبُ
ولا تقل: دَعْه حتى يَسْكُنَ عنه الغضبُ
وكتب الكسائي: " وتقول: دَعْه حتى يَسْكُتَ عنه الغضبُ بالتاء ولا يقال: "يسكن" بالنون. قال الله عز وجل "ولما سكت عن موسى الغضبُ".إنتهى
ورغم ان إبن منظور كتب في لسان العرب خلاف ذلك حين قال: "وسَكَنَ الرجل: سكت، وقيل: سَكَن في معنى سكت." إلا أن أيا من القاموس المحيط أو الصحاح أو مقاييس اللغة لم يذكر هذا المعنى للفعل "سكن". فعرفه إبن فارس في المقاييس في قوله: " السين والكاف والنون أصلٌ واحد مطّرد، يدلُّ على خلاف الاضطراب والحركة. يقال سَكَن الشّيءُ يسكُن سكوناً فهو ساكن. والسَّكْن الأهل الذين يسكُنون الدّار."
قل: أصابه ذُلٌّ بعد عِز (بضم الذال)
ولا تقل: أصابه ذِلٌّ بعد عز (بكسر الذال)
وكتب إبن قتيبة: "الذِّلُّ (بكسر الذال) ضد الصُّعوبة، و" الذُّلُّ" (بضم الذال) ضد العز، يقال " دابَّةٌ ذَلول بَيِّنةُ الذِّلِّ " إذا لم تكن صَعْباً، و "رَجُلٌ ذَليلَ بَيِّن الذُّلِّ". إنتهى
وكتب إبن فارس في المقاييس في باب "ذل": " الذال واللام في التضعيف والمطابقة أصلٌ واحد يدلُّ على الخُضوع، والاستكانة، واللِّين. فالذُّل: ضِدّ العِزّ. وهذه مقابلةٌ في التضادِّ صحيحة، تدلُّ على الحكمة التي خُصَّتْ بها العرب دون سائر الأمم؛ لأنّ العزّ من العَزَازِ، وهي الأرض الصُّلْبة الشديدة...... والذِّلُّ خلاف الصُّعوبة."
قل: تسلم وزير الخارجية اليمني رسالة من وزير الخارجية العراقي
ولا تقل: تسلم وزير الخارجية اليمني رسالة من نظيره العراقي
وكتب الدكتور إبراهيم السامرائي: "وقرأت : "إن وزير الخارجية يتسلم رسالة من نظيره العراقي". أقول: إن استعمال المحرر لـ " نظير" مأخوذ من اللغات الأجنبية ، فالوزير العراقي لا يصح أن نطلق عليه الوصف "نظير" لأنه يشغل هذا المنصب كالوزير اليمني ، ولكنها اللغة الجديدة التي تنقل الذي يدور ويعرف في اللغات الأجنبية." إنتهى
وحبذا لو أن الأستاذ إبراهيم السامرائي توسع فيما كتب وخبرنا عن معنى "نظير" ولم دخل إستعمالها هذا في الخبر العربي. إذ أنه يبدو وكأنه افترض فهم القارئ لإيجازه في الكتابة. ذلك لأن محرر الخبر كما اشار له السامرائي إما ترجم الخبر عن الإنكليزية أو كان يفكر باللغة الإنكليزية حين كتبه. فقد ترجم الأصل الإنكليزي لعبارة “his counterpart” على أنها تأتي في العربية "نظير". وهي ترجمة غير موفقة وإن جاءت في عدد من القواميس المعاصرة للترجمة من الإنكليزية إلى العربية.. فالكلمة العربية التي تعبر عن الإنكليزية هي "المقابل" أو "النسخة" أو "المتمم"، لكنها ليست "النظير". فإذا بحثنا عن معنى "نظير" في العربية وجدنا ما كتبه إبن منظور في لسان العرب:
"والنَّظِيرُ المِثْلُ، وقيل: المثل في كل شيء. ...وفلان نَظِيرُك أَي مِثْلُك لأَنه إِذا نَظَر إِليهما النَّاظِرُ رآهما سواءً. الجوهري: ونَظِيرُ الشيء مِثْلُه.
وحكى أَبو عبيدة: النِّظْر والنَّظِير بمعنًى مثل النِّدِّ والنَّدِيدِ." وقد يظن من ليس له فطنة أن هذا المعنى يجيز للمترجم أن يستعمل كلمة "نظير". لكنه فهم محدود لأن المثل ليس كالأصل لهذا قال السامرائي بعدم جواز الإشارة للوزير اللعراقي على أنه نظير الوزير اليمني لأنه ليس وزيراً كمثله ولكنه وزير أصيل. فوزير الخارجية العراقي ليس "مثل" وزير الخارجية اليمني حتى يكون نظيره لأن وزير خارجية العراقي أصيل كالوزير اليمني والشيء لا يمكن أن يكون مثل نفسه!
وقد نقل عن علي بن أبي طالب وهو سيد البلاغة أنه قال: "حَتَّى إِذا مَضَى لِسَبِيلِهِ جَعَلَهَا في جَمَاعَة زَعَمَ أَنَّي أَحَدُهُمْ. فَيَاللهِ وَلِلشُّورَى! مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الاْوَّلِ مِنْهُمْ، حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إِلَى هذِهِ النَّظَائِرِ". فإستعمل أبو البلاغة "نظائر" وهي جمع "نظير" لتدل على هذا المعنى.
وللحديث صلة....
عبد الحق العاني
30 آذار 2014
www.haqalani.com
-
قل ولا تقل / الحلقة التاسعة والعشرون
إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟
قل: توفرت الشروط في الأمر الفلاني
ولا تقل: توافرت الشروط (في الأمر الفلاني)
وذلك لأن معنى "تَوَفّرت" بلغت العدد المطلوب والحال المرادة والحد المعين، أما معنى "توافرت" فهو تكاثرت وليس المراد تكاثر الشروط ودواعي وفارتها بل المراد كونها كاملة كما ذكر آنفاً. وكان الكتاب والمتكلمون اللغة الفصيحة يقولون "توفّرت الدواعي وتوفّرت الشروط" حتى خرج أسعد خليل تذكرته المسماة تذكرة الكاتب وقال: "ويستعملون الفعل توفر بمعنى وَفَرَ أو توافر أي كثر، فيقولون: يجب أن تتوفر فيه الخبرة التامة، وهذا الأمر لا تتوفر فيه الأسباب الكافية. وفي اللغة توفر عليه رعى حرماته وصرف همه إليه" إنتهى قوله.
وقد أخطأ الرجل في الشرح والتصحيح، فقولهم: تتوفر فيه الخبرة التامة لا يراد به تكثر فيه الخبرة التامة، كما زعم أو ظن الرجل، لأن الكثرة لا حد لها فإلى أي مقدار تكثر الخبرة، ثم انهم لو أرادوا كثرة الخبرة ما قالوا "الخبرة التامة" فالتامة قيد للخبرة. وقد استعمل ابن خلدون وهو من فصحاء المتأخرين "توفّرت الدواعي" كما جاء في مقدمته، ونص قوله في أول مقدمته:
"وهو علة ما ذكروه من الغرابة تتوفر الدواعي على نقله"، وبهذا نعلم أننا ينبغي أن نقول: "تتوفر الشروط على كذا" فهو أفصح من "تتوفر في كذا"، فتتوفر الشروط على كذا معناه تكون مقصورة عليه وخاصة به مع شرط الكمال وانتفاء النقصان. أمّا إنكاره ورود "توفر" بغير "على" فغير صحيح، وقد ذكر الشيخ ابراهيم اليازجي في لغة الجرائد (ص 15) شيئاً مفيداً في هذا الباب، قال: "إنهم يقولون شيء وافر أي تام لا نقص فيه.... وقال ابن حمدون في مروج الذهب: فتعجبت من ذلك في أول أمره ثم تبينت القصة فإذا انه يتوفر من ذلك في كل شهر مال عظيم".
وخلاصة القول ان توفرت الأسباب والشروط والدواعي صحيح وان "توافرت" لا محل له لأنه بمعنى تكاثرت والتكاثر لا حد له. (م ج)
قل: تَوَفّر عليه
ولا تقل: تَوَفّر له
قال الفصحاء "تَوَفّر الشيء عليه" لا له، و "توفّر فلان على فلان". ونحن لا نقول كقول اسعد خليل الداغري:
"ويستعملون الفعل توفر بمعنى وفر أو توافر أي كثر فيقولون: يجب أن تتوفر في الخبرة التامة. وهذا الأمل لم تتوفر فيه الأسباب الكافية. وفي اللغة تَوَفّر عليه رعى حرماته وصرف همته اليه". فإن الرجل كان متسرعاً متترعاً بله أن تَوَفّر ورد في كلام الفصحاء وانه يختلف عن الفعل "توافر" فهذا بمعنى "تكاثر"، والقائل توفر لم يرد التكاثر بل أراد: تجمع وحصل، ولكنهم يستعملون "على" معه. قال زياد بن سمية: "ما يتوفر علي من تهالك غيرهم على العمارة وأمنهم جوري أضعاف ما وضعت عن هؤلاء".
وقال رجل لآخر من أهل الكوفة: "وأنا أسألك أن تقوم معي الى رحلي فتكون في ضيافتي الى الكوفة وتتوفر دنانيرك عليك".
وقال أبن بن عبد الحميد اللاحقي لأبي نؤاس: "فإن أنت توليته مع تشاغلك بلهوك ولذتك (لم يتوفر عليك فكرك) وخاطرك، ولم يخرج بالغاً في الجودة والحسن، وإن (توفرت عليه) واهتممت به قطعك ذلك عن لهوك ولذتك ومتعتك".
قال مسكويه: "وكانت الكرامة (متوفرة عليه) من الأمير أبي عبد الله الحسين بن أبي علي العارض"، يعني البريدي. ثم قال: "وأومأ الى مصالحته على مال يحمله يقوم بما أنفق على ذلك العسكر (وتتوفر، بعد ذلك بقية على خزانة السلطان ويضمن إصلاح حاله".
وقال الوزير أبو شجاع ناقلاً "فقال له الصوفي: هذا شيء نحب أن يتوفر عليك وقد علمت لأصحابنا ما يصلح لهم".
وقال ابن أبي الحديد: "فليت شعري ما يتوفر على أبي بكر وستة نفر معه". وقال سبط إبن الجوزي: هو الذي أشار بخراب عسقلان (لتتوفر) العناية على حفظ القدس. وجاء في كتاب الحوادث الذي سمي غلطاً بالحوادث الجامعة "فأمر السلطان بإجرائهم على عادتهم منذ فتحت بغداد (فتوفر عليهم) شيء كثير".
فهذه شواهد الواقع اللغوي لإستعمال "توفر عليه" من عصر زياد بن سمية الى القرن السابع لهجرة.
وجاء في لسان العرب: "وتوفر عليه اي رعى حرماته.... وتوفر على فلان يبره". ولم يخرج عن ذلك الحرف. وليست نيابة حروف الجر بعضها عن بعض قياسية وإن ورد أكثرها في الشعر وأقلها في النثر. ألا تراك لا تقول "غضبت له" بمعنى "غضبت عليه" ولا "تعصبت له" بمعنى "تعصبت عليه" ولا "حكمت له" بمعنى "حكمت عليه" ولا "وظفت له" بمعنى "وظفت عليه" ولا "قلت له" بمعنى "قلت عليه" ولا "وقفت له" بمعنى "وقفت عليه".
فالصواب أن تقول: "توفر عليه". (م ج)
قل: وفر كذا من المال
ولا تقل: إقتصد كذا من المال
وكتب إبراهيم اليازجي: "ويقولون اقتصد كذا من المال إذا استفضل منه فضلة فيغيرون معنى الفعل ووجه استعماله لأن الإقتصاد في اللغة بمعنى الإعتدال والتوسط في الأمر. يقال فلان مقتصد في معيشته إذا توسط بين التقتير والإسراف واقتصد الرجل في أمره إذا لم يبالغ فيه وأصل معنى القصد إستقامة الطريق فكان المقتصد لا يميل الى التفريط ولا الإفراط ولكن قصداً بين الطريقين وحينئذ فلا معنى لأن يقال اقتصدت مالاً، فضلاً عن أن الفعل لازم لا يحتمل التعدية. يا عجباً لم لا يستعمل التوفير في هذا الموضع وهو اللفظ اللائق به مع شهرته على الألسنة وعدم مباينته أصل المعنى الذي وضع له. بلى إنا لم نجد هذا اللفظ في كلامهم على وجهه الذي نستعمله اليوم ولكن يمكن رده الى كلامهم من أسهل سبيل وذلك أنهم يقولون شيء وافر .... .. لا نقص فيه وقد وفره توفيراً إذا جعله تاماً وكذلك إذا تركه تاماً يقال وفر شعره إذا لم يأخذ منه ووفرت عرضه إذا لم تنقصه بشتم. .... فيتحصل من ذلك أنك تقول وفرت المال إذا لم تنقص منه ثم استعمل في الحصة التي استبقيت منه فجعل استبقاؤه توفيراً وهو غير خارج عن أصل المعنى كما ترى. وقد تضافرت على هذا الإستعمال أقوال مشاهير الكتاب من المولدين ولا بأس أن ننقل شيئاً منها في هذا الموضع ولو أطلنا تقريراً للفائدة. فمن ذلك .........جاء في المجلد الثاني من نفح الطيب للمقري (صفحة 528 من النسخة المطبوعة في مصر) أمضى اليكم وألقاكم في بلادكم رفقاً بكم وتوفيراً عليكم وفي المجلد نفسه (صفحة 613) وما ذلك منه إلا توفير لرجاله وعدته ودفع بالتي هي أحسن، وفي المجلد الثاني من كتاب ألف با للبلوي (صفحة 168) نقلاً عن بعض التفاسير أن سليمان سأل مرة نملة كم تأكلين في السنة فقالت ثلاث حبات فأخذ النملة وجعلها في حق وجعل معها ثلاث حبات ثم نظر اليها بعد سنة فوجدها قد أكلت حبة ونصف حبة فقال كيف هذا فقالت لما سجتنتني هنا وأنت ابن آدم خشيت أن تنساني فوفرت قوت عام آخر. أ ه. وبهذا قدر كفاية."
قل: هذه حَلْقَةُ الباب (بتسكين اللام)
ولا تقل: هذه حَلَقَةُ الباب (بفتح اللام)
وكتب إبن قتيبة: و "هي حَلْقَةُ الباب" و "حَلْقَةُ القوم" بتسكين اللام.
قال أبو عمرو الشيباني: لا يقال حَلَقة في شيء من الكلام، إلا لحلقة الشعر جمع حالقٍ، مثل كافر وكفَرة وظالم وظلمة.
وكتب إبن السكيت: وتقول: هي حَلْقَةُ الباب: وحَلْقَةُ القوم، والجميع حَلَق وحِلَاق. قال أبو يوسف: وسمعتُ أبا عمرو الشيباني يقول: ليس في الكلام حَلَقةٌ، إلا جمع حالق، تقول: هؤلاء قوم حَلَقَةٌ للذين يحلقون الشعر، ويقال: قد حَلَق معزهُ وجَزَّ ضأنه، وهي حُلَاقة المعزى.
وكتب عبد الهادي بوطالب: كلمة الحَلْقة (بفتح الحاء وسكونٍ على اللاَّم) التي ينطق بها الإعلام محرَّفة فيضع الفتحة على اللام في المفرد بدلا من السكون.
الحلْقة على وزن فَعْلَة وجمعها فَعَلات بفتح الحرف الثاني منها. وهذا هو سبب الخطأ الذي يقع فيه بعض الإعلاميين الذين يجهلون هذه القاعدة فيظنون أن الكلمة مفتوحة اللام سواء في المفرد أو الجمع. إنه لا يمكن أن نقول في المفرد حلَقة لمجرد أننا نقول في الجمع حلَقات لأن صيغة المفرد تتغير في الجمع.
وأنبه إلى أننا لا نقول أعطى فلانٌ لفلان ضَرَبة (بفتح الراء) بل ضَرْبَة بسكون الراء، ونجمعها على ضَرَبات (بفتح الراء). ونقول لطْمة (سكون الطاء) ونجمعها على لطَمات، وفتْرة (بالسكون) زَمَنيَّة، ونجمعها على فَتَرات. كما نقول نظْرة ونجمعها على نظَرات. وجاء في الحكمة العربية المشهورة "رُبَّ أَكْلةٍ حرَّمتْ أَكَلات". وما أكثر الأمثلة على جمع فَعْلَة على فَعَلات."
قل: حضر وقت الصلاة
ولا تقل: أزف وقت الصلاة
كتب الحريري: "ويقولون أزف وقت الصلاة إشارة إلى تضايقه ومشارفة تصرمه. فيحرفونه في موضعه، ويعكسون حقيقة المعنى في وضعه، لأن العرب تقول: أزف الشيء بمعنى دنا واقترب، لا بمعنى حضر ووقع، يدل على ذلك أن سبحانه سمى الساعة آزفة وهي منتظرة لا حاضرة، وقال عز وجل فيها: "أزفت الآزفة"، أي دنا ميقاتها وقرب أوانها، كما صرح جل اسمه بهذا المعنى في قوله سبحانه: "اقتربت الساعة"، والمراد بذكر اقترابها التنبيه على أن ما مضى من أمد الدنيا أضعاف ما بقي منه، ليتعظ أولو الألباب به. ومما يدل أيضا على أن أزف بمعنى اقترب، قول النابغة:
أزف الترحل غير أن ركابنا
لما تزل برحالنا وكأن قد
فتصريحه بأن الركاب ما زالت، يشهد بأن معنى قوله: أزف، أي اقترب، إذ لو كان قد وقع لسارت الركاب. ومعنى قوله: "وكأن قد" أي وكأن قد سارت، فحذف الفعل لدلالة ما بقي على ما ألقي. ونبه بقد على شدة التوقع وتداني الإيقاع له."
قل: عَجَزْتُ عن الشّيء (بفتح الجيم)
ولا تقل: وعَجِزْتُ عن الشّيء (بكسر الجيم)
وكتب الكسائي: "وتقول عَجَزْتُ عن الشيء، بفتح الجيم. ومنه قول الله تعالى " قَالَ يَـٰوَيْلَتَىٰٓ أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا ٱلْغُرَابِ فَأُوَ ٰرِىَ سَوْءَةَ أَخِى ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّـٰدِمِينَ "."
وكتب أبو طالب المفضّل بن سَلَمَة الضبي المتوفَّى بعد 290هـ في كتابه "ما تلحن فيه العامة": "وعَجَزْتُ عن الشّيء. ولا تقل: عجِزْتُ. إنما يقال: عَجِزَ الرجل عَجْزًا، إذا ضَخَمت عجيزتُه."
وكتب الجوهري في صحاح اللغة:
" وعَجِزَتْ بالكسر تَعْجَزُ عَجَزاً وعُجْزاً بالضم: عظمت عَجيزتُها. قال ثعلب: سمعت ابن الأعرابيّ يقول: لا يقال عَجِزَ الرجل بالكسر إلا إذا عَظم عَجُزُهُ."
قل: نشير أخيراً إلى معلومات فرنسية تتتحدث عن إرسال روسيا عدة آلاف من الجنود
ولا تقل: نشير أخيرا الى معطيات فرنسية تتحدث عن إرسال روسيا عدة آلاف من الجنود.
وشاع في الإعلام العربي في السنوات الأخيرة، ضمن ما شاع من فحش الكلام، إستعمال كلمة "معطيات" في كل مناسبة. فاصبحت لازمة كلامية تستعملها المذيعة كلما نفدت مفرداتها المحدودة أصلا وهي تسأل سؤالاً أو تنقل خبراً. فتستعمل "معطيات" لتعني بها في كل مرة شيئاً آخر، كما في النماذج التالية وكلها منقولة من مصادرها.
"وأوضح بأنّ جميع المعطيات المستحصلة من منظومات الرصد."
وهي تريد "البيانات".
"غير ان ديبلوماسياً مخضرماً اوضح ان ما حصل عليه من معطيات يفيد بأن..."
وهي تريد "المعلومات".
"رئيس الجمهورية يطلب من وزير الخارجية جمع كافة المعطيات عن العدوان الأخير."
وهي تريد "التفاصيل".
"المعطيات الراهنة تشير الى أن سيناريو اشتعال المواجهة بين النصرة والحر."
وهي تريد "الحقائق".
ولم يكن هذا الإستعمال البائس معروفاً حتى في نهاية القرن العشرين إلا أنه يبدو أن أحد الإعلاميين الجهلة بلسان العرب، لأنهم متغربون فكراً ولساناً، أدخله في الإعلام اللبناني أو المصري، على الأغلب، فانتشر كالنار في الهشيم بين شاكلته من الإعلاميين الجهلة ثم اصبح على كل لسان حتى اني أسمعه بين العاملين في الوزارات والمؤسسات الرسمية وهو الأمر المخيف لأنه يكشف أثر الإعلام في تجهيل الناس وتضييع لغتهم وتسفيه عقولهم بالبائس من القول كأنه ليس كافياً ما يأتون به من ضلال القول في التحليل السياسي.
فمتى كانت "معطيات" تعني كل هذا؟ وهل العربية الثرية أمست بجهل هؤلاء بهذا الفقر حتى لم نعد نجد غير "معطيات" لنعبر عن كل ما نريد؟
فما معنى "معطيات" إذن؟
فاسم الفاعل من الفعل الرباعي "أعطى" أي مَنْ يعطي فهو "مُعطِي" أما إسم المفعول أي الشيء الذي يُعطى فهو "مُعْطَى".
و "معطيات" هي جمع "مُعْطَى" أي هي الأشياء التي تعطى. وقد استعملت في الرياضيات والمنطق لتعني الأمور التي قبلت على أنها حقائق من أجل الوصول لحل أمور مجهولة. فمن ذلك على سبيل المثال إن القول بأن مجموع زوايا اي مثلث هو 180 درجة سيكون في أية مسئلة هندسية من "المعطيات"، لأنه أمر مسلم به ومعطى للمسؤول مما يمكنه لاحقاً المساعدة في حل مسألة هندسية مجهولة.
ويتضح من هذا أن "معطيات" لا تعني بيانات لأن البيانات لا يقتضي وجودها أن تكون من الأمور المسلم بها. كما ان معطيات لا تعني "معلومات" ولا تعني "تفاصيل"، حتى تستعمل في كل مناسبة. فمن "أعطى" ماذا لمن؟ وما دامت العربية غنية بمفرداتها حيث تشير كل منها لمعنى دقيق يتعلق بالمطلوب فإن من سليم القول العدول عن إستعمال "معطيات" إلى إستعمال اللفظ المطلوب في سياق تلك الجملة.
وللحديث صلة....
عبد الحق العاني
21 أيار 2014
www.haqalani.com
-
قل ولا تقل / الحَلْقة الحادية والثلاثون
إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟
قل: أنا آسف عليه وأومن بالله
ولا تقل: أأْسف عليه وأؤمن به
ذلك لأن العرب أذا توالت في لغتها همزتان هكذا وكانت الثانية ساكنة قلبت الثانية مدة مجانسة لحركة الهمزة الأولى فتقول: "آسف عليه" لا "أأسف عليه" و "آجر الدار" لا "أأجر الدار" و "أنا آمن بالله" ولا "أؤمن بالله" و "أوخذ الى الدار" لا "أؤخذ الى الدار" و "أوجر الدار" لا "أؤجر الدار" و "ما أحلى الإيمان" لا "الإئمان" و "آت فلانا فقل له آسف" لا "إئت فلانا وقل له أأسف".
وإذا كانت الهمزة وصلية ودخلت الكلمة في أثناء الكلام سقطت القاعدة، تقول: أطِعني وأتِ فلاناً فقل له، وتقول: كن وفياً وأسف على صديقك المخلص المتوفى. (م ج)
قل: ناسف على هذا العطل الفني
ولا تقل: نأسف لهذا العطل الفني
كتب خالد العبري يقول: "مما شاع من الأخطاء كذلك قولهم "مما يؤسف له" وقولهم "نأسف لهذا العطل الفني"، وهو خطأ لعمري قديم. فهذا مهيار الديلمي يقول (من البسيط):
فما أسفت لشيء فائت أسفي من أن أعيش وجيران الغضا غَيَب
ومثله قول الحصري القيرواني في قصيدته المشهورة (من المتدارك):
يا ليل الصب متى غده أقيام الساعة موعده
رقد السمار فأرقه أسف للبين يردده
ومثل ذلك كثير جداً، وقد لحق الخطأ كل تصاريف "أسف" فيقولون أسف لكذا ويأسف لكذا ويؤسف لكذا وتأسف لكذا وهو آسف لكذا وهكذا.
والصواب أن الفعل "أسف" يتعدى بـ "على" لا بـ "اللام". يقول المولى عز وجل: "وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف" ويقول عمرو بن معدي كرب الزبيدي (من الوافر):
أيا أسفاً على خَزَر بن عمرو فيا نفعي عليه ولهف نفسي
و "أسف" تأتي بمعنى المبالغة في الحزن، والمبالغة في الغضب، يقول ابن منظور في اللسان: "الأَسَفُ: الـمُبالغةُ في الحُزْنِ والغَضَبِ.
وأَسِفَ أَسَفاً، فهو أَسِفٌ وأَسْفان وآسِفٌ وأَسُوفٌ وأَسِيفٌ، والجمع أُسَفاء.
وقد أَسِفَ على ما فاتَه وتأَسَّفَ أَي تَلَهَّفَ، وأَسِفَ عليه أَسَفاً أَي غَضِبَ، وآسَفَه: أَغْضَبَه." ويقول الفيروزأبادي في القاموس المحيط ما نصه: "وأَسَفَهُ: أَغْضَبَهُ..... وتأسَّفَ عليه: تَلَهَّفَ." فالصواب في عباراتنا السابقة أن يقال: "مما يؤسف عليه" و "نأسف على هذا العطل الفني".
قل: وقعَ القومُ في صَعُودٍ وهَبُوطٍ
ولا تقل: وقعَ القومُ في صُعُودٍ وهُبُوطٍ
وكتب الكسائي: " وتقول: وقعَ القومُ في صَعُودٍ وهَبُوطٍ وحَدُور، مفتوحات الأوائل. وكذلك: السَّحُور، سَحُور الصائم، والفَطور أيضاً، على مثال: فَعُول. قال الله عز وجل: "سأُرهقه صَعُوداً". وكذلك الرَّكُوب. قال الله تعالى: "فمنها رَكُبُهُم".
قل: ملأ الحب أحناءه
ولا تقل: ملأ الحب حناياه
وكتب عدنان النحوي: "يُخطئ كثيرون فيقولون ملأ الحب حناياه، وهذا خطأ. لأن حنايا جمع حِنيَّة وهي القوس. والصواب ملأ الحب أحناءه، لأن الأحناء جمع حنو – بفتح الحاء وكسرها – وهي الضلع وكل ما فيه اعوجاج من البدن. وجمع حنو: أحناء وحِنيُّ و حُنيُّ. فنقول: ملأ الحب أحناءه." إنتهى
وجاء في القاموس المحيط للفيروزأبادي قوله في باب "حنأه":
"الحَنِيَّةُ، كغَنِيَّةٍ: القَوْسُ... ج: حَنِيٌّ وحَنايَا."
وجاء في لسان العرب في باب "حنا":
"والحِنْوُ: كلّ شيءٍ فيه اعوجاج أَو شبْهُ الاعوجاج، كعَظْم الحِجاج واللَّحْي والضِّلَع والقُفِّ والحِقْفِ ومُنْعَرَجِ الوادي، والجمع أَحْناءٌ وحُنِيٌّ وحِنِيٌّ." والحِجاج هو العظم الذي ينبت عليه الحاجب.
ولا يخفى على القارئ هذه العبقرية في العربية والتي تجعل من الممكن الربط بين مشتقات الكلمات من جذر واحد. فها هي الحاء والنون وحرف العلة وهي أصل واحد تدل على "تعطف وتعوج" كما وصفها إبن فارس في المقاييس تعطي المعاني المتعددة من ضلع وقوس، فما أروعها من لغة.
قل: فلان حميد النيات
ولا تقل: فلان حميد النوايا
وكتب إبراهيم اليازجي: "ويقولون فلان حميد النوايا يريدون جمع نية وإنما النوايا جمع نوية مثل الطوايا جمع طوية ولم ترد النوية في شيء من كلامهم بهذا المعنى." إنتهى.
وأضاف خالد العبري على ذلك بقوله: " ونقول: إن هذا الجمع لم يرد عن العرب مطلقاً، والذي ورد عنهم واستعملوه جمعاً لِنيَة: نِيَات. والحديث المشهور عن الرسول (ص) الذي يقول فيه: "إنما الأعمال بالنّيات، ولكل امرئٍ ما نَوى" ولم يقل إنما الأعمال بالنّوايا." إنتهى
قل: كانت بينهما عَلاقَةُ حُبٍّ
ولا تقل: كانت بينهما عِلاقةُ حُبٍّ
وكتب إبن قتيبة: "و "عَلاقَةُ " الحُب والخصومة بالفتح، و"عِلاقَة" السَّوط بالكسر". إنتهى
وكتب عبد الهادي بوطالب: "ينطق البعض كلمة عِلاقة بكسر العين. وهو خطأ. فنحن نقول عَلاقة بين دولتين. عَلاقة تعاون وتكامل. العَلاقات الديبلوماسية، عَلاقات حسن الجوار، وتعني جميعُها رابطة تربط بين طرفين أو أكثر.
أما العِلاقة (بكسر العين) فتعني ما يُعَلَّق به الشيء. ونقول : إن السيف مربوط بعِلاقته. ونقول : عِلاقة السوط، أو عِلاقة الشجر. ولا علاقة بين العَلاقة والعِلاقة." إنتهى
وكتب إبن فارس في المقاييس: "العَلاقة: الحبُّ اللازم للقلب.
ويقولون: إنَّ العَلُوق من النِّساء: المُحبّة لزوجها. وقوله تعالى: فَتَذَرُوهَا كالمُعَلَّقَة [النساء 129]، هي التي لا تكون أيِّما ولا ذاتَ بعل، كأنَّ أمرَها ليس بمستقرّ."
وكتب الفيروزأبادي في القاموس:
"والعَلاقَى، كسَكارَى: الألْقابُ، واحِدَتُها: عَلاقِيَةٌ، وهي أيضاً العَلائِقُ، واحِدَتُها: عِلاقَةٌ، ككِتَابَةٍ، لأنها تُعَلَّقُ على الناسِ،....و~ مِنَ الصَّيْدِ: ما عَلِقَ الحَبْلُ بِرِجْلِها....... وأعلق القَوْسَ: جَعَلَ لها عِلاقَةً."
إلا أن الفيرزأبادي أنفرد وحده بالقول:
"والعَلاقَةُ، ويُكْسَرُ: الحُبُّ اللازِمُ للقَلْبِ، أو بالفَتْحِ: في المَحَبَّةِ ونَحْوِها، وبالكَسْرِ: في السَّوْطِ ونَحْوِه." فأجازها بالفتح والكسر ولعمري لا أدري لِمَ خالف الآخرين وما هو دليله على ذلك.
قل: هَجَوته هجاء قبيحاً
ولا تقل هَجَيته هجاء قبيحاً
وكتب إبن السكيت: "وتقول: هَجَوته هجاء قبيحاً فهو مَهْجوٌّ، ولا تقل: هجيته." إنتهى
وكتب إبن منظور في اللسان:
"هَجاه يَهْجُوه هَجْواً وهِجاء وتَهْجاء، ممدود: شتمه بالشِّعر، وهو خلاف المَدْح. قال الليث: هو الوَقِيعةُ في الأَشْعار."
وكتب الجوهري في الصحاح:
"وقد هَجَوْتُهُ هَجْواً وهِجاءً وتَهْجاءً. قال الجعديّ: دَعي عنكِ تَهْجاءَ الرجالِ وأَقْبِلي. فهو مَهْجُوٌّ. ولا تقل هَجَيْتُهُ.......... وهَجَوْتُ الحروف هَجْواً وهِجاءً، وهَجَّيْتُها تَهْجِيَةً، وتَهَجَّيْتُ، كلُّه بمعنًى".
قل: هذا فَكاكُ الرهن
ولا تقل: هذا فِكاكُ الرهن
كتب الضبي: "وهو فَكاكُ الرَّهنِ. ولا يُقال: فِكاك."
لكن المعجمات إختلفت مع الضبي في هذا فقد كتب إبن فارس في المقاييس:
"الفاء والكاف أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على تفتُّح وانفراج. من ذلك فَكَاك الرَّهْن، وهو فَتْحُه من الانغلاق..... وحكى الكسائي: الفِكَاك بالكسر".
ووافقه إبن منظور في ذلك فكتب في لسان العرب في باب "فكك":
"الليث: يقال فَكَكْتُ الشيء فانْفَكَّ بمنزلة الكتاب المختوم تَفُكُّ خاتَمه كما تَفُكُّ الحَنَكيْنِ تَفْصِل بينهما...... وفَكاكُ الرهن وفِكاكُه، بالكسر: ما فُكَّ به".
وفوق كل ذي علم عليم.
قل: هو الطّهُورُ ماؤهُ ، الحِلُّ مَيْتَتُهُ (بفتح الميم)
ولا تقل: هو الطّهُورُ ماؤهُ ، الحِلُّ مِيْتَتُهُ (بكسر الميم)
كتب البستي: "قوله ، صلى الله عليه وسلم ، في البحر : "هو الطّهُورُ ماؤهُ ، الحِلُّ مَيْتَتُهُ" . عوامُّ الرواةِ يُولعونَ بكسرِ الميمِ من المَيْتَةِ . يقولونَ : ميِتَتُهُ وإنَّما هي مَيْتَتُهُ ، مفتوحة الميم ، يريدون حيوان البحر إذا ماتَ فيه . وسمعتُ أبا عُمَر يقولُ : سمعتُ المُبَرّدَ يقولُ في هذا : المِيتةُ : الموتُ، وهو أمرٌ من اللهِ عزَّ وجَلَّ يقعُ في البَرِّ والبحرِ لا يُقالُ فيه حلالٌ ولا حرامٌ . قالَ أبو سُليمان: فأمّا قولُهُ (عليه السلامُ) : "مَنْ خرجَ من الطاعة فماتَ فميِتَتُهُ جاهِلِيّةٌ" . فهي مكسورةُ الميم ، يعني الحال التي ماتَ عليها . يُقالُ: ماتَ فُلانٌ ميتَةً حَسَنَةً وماتَ ميِتَةً سيِّئةً. كما قالوا: فُلانٌ حَسَنُ القِعْدَةِ والجِلْسَةِ والرِّكبْةِ والمِشْيَةِ والسيِرةِ والنيِمَة. يُرادُ بها الحالُ والهيئةُ ومِثْلُهُ قولُهُ ، صلّى الله عليه وسلّم : "إذا ذَبَحْتُم فأَحْسِنوا الذِّبْحَةَ، وإذا قَتَلْتُم فأحسِنوا القِتْلَةَ". وأَمّا الذَّبْحةُ والقَتْلةُ (مفَتْوُحَتَيْن) فالمَرَّةُ الواحدةُ من الفِعْلِ."
وجاء في ملحق مفردات أوهام الخواص للحريري: "ويقولون لمن قضى نحبه مِيْتٌ ( بتسكين الياء )، ولمن لا يزال حياً مَيِّتٌ ( بتضعيف الياء )، فيوهمون في ذلك لأن اللفظين يحملان نفس المعنى، ومنه ما جاء في
التنزيل العزيز قوله تعالى: "إنك مِيْتٌ وإنهم مَيِّتون".
وقد جمع الشاعر بين اللغتين فقال:
ليس من مات واستراح بمَيْتٍ إنما المَيْتُ مَيِّتُ الأحياء
إنما المَيْتُ من يعيش شقياً كاسفاً باله قليل الرجاء
فأناس يمصصون ثماداً وأناس حلوقهم في الماء
فقد جعل المَيِّتَ بالتضعيف كالمَيْتِ بالتخفيف.
ويقول الزجاج: المَيْتُ هو المَيِّتُ، إلا أنه يخفف، والمعنى واحد، ويستوي فيه المذكر والمؤنث، ومنه قوله تعالى: "لنحيي به بلدة مَيٍتاً" ولم يقل مَيْتَةً مع أن البلدة مؤنثة.
وقال بعضهم: إن أصل اللفظ مَيُوت، على وزن فيعل، ثم أدغموا الواو في الياء. وقال آخرون: أصل اللفظ مَويت نحو سيد وسويد حيث أدغمت الياء في الواو.
أما الحالة من هذا الفعل فهي المِيْتَةُ نحو: الجِلسة والقِعدة، ومنه ما جاء في حديث الفتن: "فقد مات مِيْتَةً الجاهلية." أي كما يموت أهل الجاهلية من الضلالة، والجمع: ميت.
والعرب تستعمل هذا الفعل كناية عن النوم والجهالة والخوف والفقر وسكون المتحركات. ومنه بمعنى النوم ما جاء في حديث دعاء الانتباه: "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور".
ومنه بمعنى الجهالة قوله تعالى: "أو من كان مَيْتَاً فأحييناه" وقوله: "فإنك لا تسمع الموتى" ومنه بمعنى الخوف قوله عز وجل "ويأتيه الموت من كل مكان". ومنه بمعنى الفقر حديث موسى، على نبينا وعليه صلى الله عليه وسلم قيل له: "إن هامان قد مات. فلقيه موسى، فسأل ربه، فقال له: أما تعلم أن من أفقرته فقد أمته. ومنه بمعنى سكون المتحركات قول الشاعر:
إني لأرجو أن تموت الريح فأسكن اليوم واستريح
ورب متسائل عن معنى قول عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه : اللبن لا يموت. أراد أن الصبي إذا رضع امرأة ميتة، حرم عليه من ولدها وقرابتها ما يحرم عليه منهم كما لو كانت حية وقد رضعها. وقيل: معناه إذا فصل اللبن من الثدي وأسقيه الصبي، فإنه يحرم به ما يحرم بالرضاع ولا يبطل عمله بمفارقة الثدي، فإن كل ما انفصل من الحي ميت إلا اللبن والشعر والصوف لضرورة الاستعمال.
ويقال: "أماته الله وموته، ومنه قول الشاعر:
فعروة مات مَوْتَاً مستريحاً وها أنا ذا أمَوَّتُ كل يوم
وقد تستعمل لفظة مَيْت مع تاء التأنيث للدلالة على المفرد المؤنث فيقال: امرأة مَيْتَة ومَيِّتَة.
والعامة يقولون: امرأة مَيتاء، على وزن حمراء، وهو وهم فاحش، لأن الميتاء تعني المحاذاة والطريق المسلوك، ومنه حديث أبي ثعلبة الخشني أنه استفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللقطة، قال: ما وجدت في طريق ميتاء فعرفه سنة.
قل: بعث برقية تهنئة للأسد لفوزه في الإنتخاب
ولا تقل: بعث برقية تهنئة للأسد بمناسبة فوزه في الإنتخاب
وشاع في الإعلام إستعمال لفظة "مناسبة" دون أي سبب أو حاجة لها. فيقول لنا الإعلام " أرسل له ببرقية بمناسبة عيد ميلاده" أو عزاه بمناسبة وفاة أبيه" وكثير مثل ذلك. فما هي الحاجة لإقحام لفظة "مناسبة"؟ فجذر الكلمة كما أخبرنا إبن فارس في المقاييس:
"النون والسين والباء كلمةٌ واحدة قياسُها اتِّصال شيءٍ بشيء. منه النّسَب، سمِّي لاتِّصاله وللاتِّصالِ به".
أما إبن منظور فقد أورد المعنى التالي للمناسبة:
"وتقول: ليس بينهما مُناسَبة أَي مُشاكَلةٌ."
ثم استحدث إستعمال جديد لها كي تعني "الحدث" أو "الفرصة"، وحتى لو إفترضنا جواز هذا المعنى الجديد للكلمة فما هو سبب إستعمالها في المثال أعلاه. لإن من الواضح أن خروج الكلمة "مناسبة" من الجملة لن يغير من معناها المطلوب لذا فإن دخول لفظة "مناسبة" يصبح غير مسوغ وليس في العربية حب للفظ زائد عن الحاجة.
لكن سبب إستعمال "مناسبة" هو أن الخبر مترجم عن الإنكليزية وأصله فيها:
"He sent him a congratulating telegram on the occasion of his election"
وفيه تم إستعمال كلمة "مناسبة" لترجمة العبارة الإنكليزية "occasion of". ذلك لأن صانع الخبر العربي لم يعد يفكر ولم يعد يقدر حتى على صياغة خبر صغير كهذا باستقلال فقد تمكن التغرب منه بالكامل فغدا يفكر بالإنكليزية وينقل كالآلة عنهم حتى صياغة الخبر. وهذا الإستعمال لا يختلف كثيراً عن المثال الذي أوردته في حلقة سابقة عن إستعمال "من خلال" والتي أشار المرحوم إبراهيم السامرائي إلى أنها فائضة عن الحاجة وأنها أقحمت لأنها ترجمة للخبر بالإنكليزية والذي يستعمل اللفظة "through".
وحيث إنه ليس هناك من حاجة لإستعمال "مناسبة" وهي غريبة الأصل فإن الصواب هو إسقاطها من الإستعمال في الجملة أعلاه والإكتفاء بحرف جر يحل محلها.
فقل: لفوزه في الإنتخاب
ولا تقل: بمناسبة فوزه في الإنتخاب.
وللحديث صلة....
عبد الحق العاني
25 حزيران 2014
www.haqalani.com
-
قل ولا تقل / الحلقة الرابعة والثلاثون
إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟
إن اللغة العربية هي أعظم تراث للعرب وأقدسه وأنفسه، فمن استهان بها فكأنما استهان بالأمة العربية نفسها وذلك ذنب عظيم ووهم جسيم أليم. (م ج)
قل: وزع بينهم الجوائز ووزعها فيهم (إذا أعطاهم اياها مفرقة)
ولا تقل: وزع عليهم الجوائز (إذا أعطاهم إياها مفرقة)
ذلك لأن "وزّع" بمعنى فضّ وفرّق وقسّم، فاذا استعملنا حرف الجر "على" معه، وهي للأذى والتسلط والتكليف والإستعلاء، كان معنى "وزّع عليهم" جعل عليهم ضريبة وأتاوة وتكليفاً. ومن المعلوم أن الجائزة ليست ضريبة، أعني أنها يُعطيها المجيزُ غيرَه من مستحقيها ولا يأخذها. يضاف الى ذلك أن مراد القائل "وزّع عليهم الجوائز" هو أنه أعطاهموها لا أخذها منهم ولا ضربها عليهم، ثم أن المسموع من فصحاء العرب والمذكور في كتب اللغة هو أن يقال "وزع الأشياء بينهم أوفيهم"، إذا أريد أنه فرقها فيهم وأعطاهم إياها مفضوضة.
جاء في لسان العرب: "التوزيع القسمة والتفريق، ووزّع الشيء: قسمه وفرّقه، يقال: وزّعنا الجزور فيما بيننا.... وفي الحديث أنه حلق شعره في الحج ووزّعه توزيعا. فقد نقل مؤلف اللسان من أقوال العرب "وزّعه بينهم" و "فيما بينهم" ولم يقل "وزّعه عليهم" لأن المراد الإعطاء.
وقال جار الله الزمخشري في أساس البلاغة في مادة وزع: "ووزّع المال والخراج توزيعاً قسّمه". وقال في مادة الخاء والياء والفاء، من أساس البلاغة أيضاً: "خُيّيف المال بينهم وُزِّع".
أما شاهد "وزّع فيهم" بمعنى أعطاهم إياه مفرقاً فما رواه الواقدي في مغازيه، قال خفاف بن إيماء بن رخصة: "كان أبي ليس شيء أحب اليه من إصلاح بين الناس وكان موكلاً بذلك فلما مرت به قريش أرسلني بجزائر عشر هدية لها فأقبلت أسوقها وتبعني أبي فدفعتها الى قريش فقبلوها (ووزعوها في القبائل)"، قال وزعوها في القبائل لا عليها.
وإذا قال قائل "وزّع فلان عليهم مالاً" فمعنى ذلك وضعه عليهم ضريبة أو عقوبة أو أتاوة أو خراجاً. وأوجب عليهم دفعه اليه وذلك كما يقال "وظف عليهم وظيفة وضرب عليهم مالاً وأوجب عليهم مالاً" وشاهده ما ورد في مغازي الواقدي أيضاً، قال: قال خفاف بن إيماء: مر أبي على عتبة بن ربيعة وهو سيد الناس يومئذ فقال له: يا أبا الوليد ما هذا المسير، قال: لا أدري والله غُلبت. قال أبي: فأنت سيد العشيرة فما يمنعك أن ترجع بالناس وتحمل دم حليفك؟ واحمل العير التي أصابوا بنخلة (فتوزعها على قومك) فوالله لا يطلبون قبل محمد إلا هذا". انه قال "فتوزعها على قومك" اي يؤدوها الى مستحقيها مفرقة عليهم. (م ج)
قل: وفّقه الله للخير والإنجاح
ولا تقل: وفّقه الله الى الخير والإنجاح
وذلك لأن وفقه الله للشيء معناه جعله وفقاً له اي موافقاً ومطابقاً له وملائماً، فهذا موضع اللام، لا موضع إلى، والقاعدة العامة في اللام وإلى هي جواز أن يوضع اللام في مكان إلى ولا يجوز العكس، لأن المراد بوضع اللام موضع إلى هو التخفيف فإذا وضعت الى موضع اللام كان ذلك تطويلاً وتثقيلاً، فضلاً عن استعمال الحرف في غير معناه. يقال "دعاه الى الطعام ودعاه للطعام" و "قدم اليه هدية وقدم له هدية" و "قصد اليه وقصد له" و "عمد اليه وعمد له" و "أهدى اليه وأهدى له". ويقال "وفّقه الله للخير ولا يقال "وفقه إلى الخير". ويقال "نصح له" ولا يقال "نصح اليه" و "رضخ له من ماله شيئاً" ولا يقال "رضخ إليه" و "وهب له مالاً" ولا يقال "وهب إليه" و "تعرض له" ولا يقال "تعرض إليه". وقد يقول الذين لا علم لهم بالفصاحة "تعرض اليه" كما قال غير الفصحاء "وفّقه الله إلى الخير". والإحتجاج بالتضمين عند الشعور بالخطأ هو حجة المخطئ المُقوية لا حجة الفصيح القّوّية. (م ج)
قل: وَدِدْتُ أني في منزلي
ولا تقل: وَدَدْتُ أني في منزلي
وكتب الكسائي: " وتقول: وَدِدْتُ أني في منزلي بكسر الدال الأولى. قال بعض الأعراب:
أُحبُّ بنيتي وَوَدِدْتُ أنَّي حَفَرتُ لها برابيةٍ قُبيرا." إنتهى
وقد توسع إبن منظور كعادته فكتب في لسان العرب:
" ووَدِدْتُ الشيءَ أَوَدُّ، وهو من الأُمْنِيَّة؛ قال الفراء: هذا أَفضل الكلام؛ وقال بعضهم: وَدَدْتُ ويَفْعَلُ منه يَوَدُّ لا غير؛ ذكر هذا في قوله تعالى: يَوَدُّ أَحدُهم لو يُعَمّر أَي يتمنى. الليث: يقال: وِدُّكَ وَوَدِيدُكَ كما تقول حِبُّكَ وحَبِيبُك. الجوهري: الوِدُّ الوَدِيدُ، والجمع أَوُدٌّ مثل قِدْحٍ وأَقْدُحٍ وذِئْبٍ وأَذْؤُبٍ؛ وهما يَتَوادّانِ وهم أَوِدّاء. ابن سيده: وَدَّ الشيءَ وُدًّا وَوِدًّا وَوَدّاً وَوَدادةً وَوِداداً وَوَداداً ومَوَدَّةً ومَوْدِدةً: أَحَبَّه؛ قال: إِنَّ بَنِيَّ لَلئامٌ زَهَدَهْ، ما ليَ في صُدُورِهْم مِنْ مَوْدِدِهْ أَراد من مَوَدّة. قال سيبويه: جاء المصدر في مَوَدّة على مَفْعَلة ولم يشاكل باب يَوْجَلُ فيمن كسر الجيم لأَن واو يَوْجَلُ قد تعتل بقلبها أَلفاً فأَشبهت واو يَعِدُ فكسروها كما كسروا المَوْعِد، وإِن اختلف المعنيان، فكان تغيير ياجَل قلباً وتغيير يَعِدُ حذفاً لكن التغيير يجمعهما."
قل: هو مَحْجِرُ العين
ولا تقل: هو مَحْجَرُ العين
وكتب إبن قتيبة: "و " مَحْجِرُ العَيْنِ " - بكسر الجيم - ، و " المَحْجَر " بفتحها من الحِجْر، وهو الحرام." إنتهى
وكتب الجوهري في الصحاح:
"ومَحْجِرُ العين أيضاً: ما يبدو من النِقاب. والمَحْجَرُ بالفتح: ما حولَ القرية. والمَحْجَرُ أيضاً: الحِجْرُ، وهو الحرام.
ويقال: حَجَّرَ القمر، إذا استدارَ بخطٍّ دقيق من غير أن يَغلُظَ، وكذلك إذا صارت حولَه دارةٌ في الغَيْم."
قل: قد سَخِرت منه
ولا تقل: قد سَخِرت به
وكتب إبن السكيت: "قد سَخِرت منه، ولا تقل: سَخِرت به، قال الله جل وعز: "إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ". إنتهى
إلا أن كلاً من ابن منظور والفيروزأبادي خالف إبن السكيت فأجاز الإثنين فكتب ابن منظور في لسان العرب:
" سَخِرَ منه وبه سَخْراً وسَخَراً ومَسْخَراً وسُخْراً، بالضم، وسُخْرَةً وسِخْرِيّاً وسُخْرِيّاً وسُخْرِيَّة: هزئ به؛ ويروى بيت أَعشى باهلة على وجهين: إِني أَتَتْنِي لِسانٌ، لا أُسَرُّ بها، مِنْ عَلْوَ، لا عَجَبٌ منها ولا سُخْرُ ويروى: ولا سَخَرُ، قال ذلك لما بلغه خبر مقتل أَخيه المنتشر، والتأْنيث للكلمة. قال الأَزهري: وقد يكون نعتاً كقولهم: هُم لك سُخْرِيٌّ وسُخْرِيَّةٌ، من ذكَّر قال سُخْرِيّاً، ومن أَنث قال سُخْرِيَّةً. الفراء: يقال سَخِرْتُ منه، ولا يقال سَخِرْتُ به. قال الله تعالى: لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ."
وكتب الفيروزأبادي في القاموس:
" سَخِرَ منه وـ به، كفَرِحَ، سَخْراً وسَخَراً وسُخْرَةً ومَسْخَراً وسُخْراً وسُخُراً: هَزِئَ."
لكن ابن فارس بدوره خالفهم ووافق إبن السكيت فكتب في المقاييس:
"ومن الباب: سَخِرت منه، إذا هزئت به. ولا يزالون يقولون: سخِرت به، وفي كتاب الله تعالى: فإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُون."
وفوق كل ذي علم عليم!
قل: لا صَدَقَةَ في أَقَلِّ من خمسِ أواقِيَّ
ولا تقل: لا صَدَقَةَ في أَقَلِّ من خمسِ أواقٍ.
وكتب الحريري: "ويقولون في جمع أوقية: أواق على وزن أفعال، فيغلطون فيه لأن ذلك جمع أوق وهو الثقل، فأما أوقية فتجمع على أواقي بتشديد الياء، كما تجمع أمنية على أماني. وقد خفف بعضهم فيها التشديد، فقال: أواق كما قيل في تخفيف صحارى: صحار."
وكتب البستي: "قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: "لا صَدَقَةَ في أَقَلِّ من خمسِ أواقِيَّ". الأَواقيُّ: مفتوحة الألف مُشَدَّدَة الياءِ غير مصروفةٍ، جمعُ أُوقِيّة، مثل: أُضْحِيّة وأَضَاحِيّ، وبُخْتِيّة وبخاتِيّ، ورُبَّما خُفِّفَ فقيلَ: أَواقٍ وأَضاحٍ. والعامَّةُ تقولُ: خمس آواق، ممدودة الألفِ بغيرِ ياءٍ. والآواق إنّما هي جمعُ أَوْقٍ، وهو الثقلُ."
قل: هو رجل تاعس وتعس
ولا تقل: هو رجل تعيس أو متعوس
وكتب الحريري: ويقولون: رجل متعوس، ووجه الكلام أن يقال: تاعس، وقد تعس، كما يقال: عاثر، وقد عثر. والتعس الدعاء على العاثر بألا ينتعش من صرعته، وعليه فسر قوله تعالى: "فتعساً لهم". والعرب تقول في الدعاء على العاثر: تعسا له وفي الدعاء له: لعا له، كما قال الأعشى:
بذات لوث عَفَرْناةٍ إذا عثرت فالتعس أدنى لها من أن أقول لعا عني أنها تستحق أن يدعى عليها لالها.
واختار الفراء أن يقال للغائب: تعِس بكسر العين، وللمخاطب تعَس بفتح العين، فأما في التعدية فيقال: أتعسه الله، وعليه قول مجمع بن هلال:
تقول وقد أفردتها عن خليلها تعست كما أتعستني يا مجمع
وعلى ذكر التعس فإني رويت في أخبار أبي أحمد العسكري عن أبي علي الأعرابي قال: حدثني بعض الأدباء، قال: وقف علينا أعرابي في طريق الحج، وقد عن لنا سرب ظباء، فقال: بكم تشترون واحدة منهن فقلنا: بأربعة دراهم قال: فتركنا وسعى نحوهن، فما كذب أن جاء وعلى عاتقه ظبية وهو يقول:
وهي على البعد تلوي خدها
تقيس شدي وأقيس شدها
كيف ترى عدو غلام ردها
فقلت:
أراه قد أتعبها وكدها
وأتعس الله لديه جدها
أنت أشد الناس عدوا بعدها
قال: فتركها وانصرف، فقلت له خذ حقك، فقال: سبحان الله أتمدحني وآخذ منك."
وكتب إبراهيم اليازجي: "ويقولون رجل تعيس وقوم تعساء وهو من أهل التعاسة وكل ذلك خلاف المنقول عن العرب والمسوع رجل تاعس وتعس... وقد تعس بفتح العين وكسرها والمصدر التعس بالفتح والتعس بالتحريك ويعدى الأول بالهمزة تقول أتعسه الله اتعاساً والثاني بالحركة تقول تعسه بالفتح وهو متعس ومتعوس لم يحك فيه غير ذلك."
قل: ما رأيته منذ أمس
ولا تقل: ما رأيته من أمس
وكتب الحريري: "ويقولون: ما رأيته من أمس والصواب أن يقال: منذ أمس، لأن من تختص بالمكان ومذ ومنذ يختصان بالزمان، وأما قوله عز وجل: "إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة " فإن من هاهنا بمعنى في الدالة على الظرفية، بدليل أن النداء للصلاة المشار إليها يوقع في وسط يوم الجمعة، ولو كانت من ها هنا هي التي تختص بابتداء الغاية لكان مقتضى الكلام أن يوقع النداء في أول يوم الجمعة.
وأما قوله تعالى: "لمسجد أسس على التقوى من أول يوم" فهو على إضمار مصدر حذف لدلالة الكلام عليه، وتقديره: من تأسيس أول يوم، وأما قولهم: ما رأيته مذ خلق ومذ كان، ففي الكلام حذف، تقديره مذ يوم خلق ومذ يوم كان.
وعلى هذا قول زهير:
لمن الديار بقنة الحجر ** أقوين من حجج ومن دهر
فقال: من حجج ومن دهر.
وقيل إن من في هذا البيت زائدة على ما يراه الأخفش من زيادتها في الكلام الواجب، فكأنه قال: أقوين حججا ودهرا.
وكتب الحنفي: "العامة تقول: ما رأيته مِن أمس، ومِن أَيّام. وهو غَلَطٌ، والصواب: مُذْ أمسِ، ومُذْ أيام، لأنّ "مِنْ" تختص بالمكان، و "مُذ ومُنْذُ" يختصان بالزمان."
قل: قام الرئيس بزيارته أول أمس
ولا تقل: قام الرئيس بزيارته أول من أمس
وكتب عبد الهادي بوطالب: "يقول البعض: قام الرئيس بزيارته أولَ مِنْ أمس، يقصدون في اليوم السابق ليوم أمس. والصواب حذف مِن فنقول أوّلَ أَمْس، أو أمسِ الأول، أو ما قبل الأمس.
وقد جاء في قول الشاعر :
وأعلم ما في اليوم والأَمْسِ قَبْلَ
ولكنني عن علم ما في غدٍ عَم".
قل: رزَقَ الله فلاناً مولوداً
ولا تقل: رَزَقَ الله فلاناً بمولود
كتب خالد العبري: "شاع بين كثير من الناس إدخال الباء على المفعول الثاني للفعل رزق فتسمعهم يقولون: رزق الله فلاناً بمولود. وأول ما يتبادر الى الذهن سؤال محير وهو: ماذا أفادت الباء هنا؟ وما الغرض الذي جيء بها من أجله؟ والجواب أنها لم تفد شيئاً وليس لها اية وظيفة إنما هو خطأٌ شائعٌ يقع الناس فيه، حتى بعض المتعلمين منهم. والصواب أن نقول: رزق الله فلاناً مولوداً، وذلك لأن رزق تتعدى الى مفعوليها من دون الحاجة الى حرف جر.
وتأمل الآيات التالية التي ورد فيها الفعل** "رزق" وقد عُدّي الى مفعوليه من دون استعمال الباء، يقول المولى عز وجل:
"قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسناً"، "والذي هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقاً حسناً".
قل: فالإعتراض على مشروع ناجح هو موقف فاشل دوماً
ولا تقل: فالاعتراض على مشروع ناجح تكتيك فاشل دوماً
وإنتشر بين المتعلمين من العرب وليس فقط رجال الإعلام إستعمال كلمتي "إستراتيجية" و "تكتيك". حتى إن السياسي او الصحفي لا يعد نفسه متعلماً إذا لم يستعمل إحداهما أو كلتيهما في اي تحليل أو حديث. فمن اين جاءت وما هي وكيف نتخلص من هذه العجمة؟ وحيث إني كنت قد كتبت عن إستعمال "إستراتيجية" في الحلقة الثامنة من هذه السلسلة فسأكتفي اليوم بالحديث عن كلمة "تكتيك".
فقد دخل اللغة الإنكليزية وغيرها من اللغات الأوربية إستعمال كلمة "تاكتيكس" من الأصل اليوناني "تاكتكوس" والتي تعني ترتيب الشيء أو تهيئته. ثم سرعان ما أصبح استعمالها في الإنكليزية مقبولا في المصطلح العسكري مترافقاً مع إستعمال "إستراتيجي" حيث يعني اللفظ الأول الخطط المحلية في تهئية الجيوش وتعبئتها بينما تعني الثانية وضع خطط السوق الرئيسة للدولة في استعدادها للمواجهة. ثم ساد إستعمال الكلمتين ليشمل النشاط العام والفردي خارج الإستعمال العسكري فغدى كل سلوك فيه إستعداد أو تهيئة يقال له "تاكتك" في اللغة الإنكليزية على سبيل المثال.
وقد كان من مساهمات الجيش العراقي في خدمة الأمة العربية في القرن العشرين، وذلك قبل أن تحله الصهيونية العالمية في غزوها البربري عام 2003، أنه عَرَّب كل المصطلحات المستعملة في الجيش بما في ذلك أسماء السلاح والعجلات وأجزائها. فكان تعريب الجيش العراقي لكلمة "تاكتك" هو "تعبئة"، وهي ترجمة موفقة.
فقد كتب الجوهري في الصحاح:
"أبو زيد: عَبَأْتُ الطيبَ عَبْأً، إذا هَيَّأتُه وَصَنَعْتَهُ وَخَلَطْتَهُ. قال: وعَبَأْتُ المتاع عَبْأَ، إذا هيأته وعَبَّأْتُه تَعْبِئَةً وتعبيئاً. قال: كُلٌّ من كلام العرب. وعَبَّأْتُ الخيل تعبئة وتعبيئاً. قال: والعِبْءُ بالكسر: الحِمْلُ، والجمع الأعباء."
أما ابن منظور في كتب في لسان العرب:
" وقيل: عَبَأَ المَتاعَ يَعْبَأُه عَبْأً وعَبَّأَه: كلاهما هيأَه، وكذلك الخيل والجيش.
وكان يونس لا يهمز تَعْبِيَةَ الجيش. قال الأَزهري: ويقال عَبَّأْت المَتاعَ تَعْبِئةً، قال: وكلٌّ من كلام العرب. وعَبَّأْت الخيل تَعْبِئةً وتَعْبِيئاً.
وفي حديث عبدالرحمن بن عوف قال: عَبَأَنا النبيُّ، صلى اللّه عليه وسلم، ببدر، لَيْلاً. يقال عَبَأْتُ الجيشَ عَبْأً وعَبَّأْتهم تَعْبِئةً، وقد يُترك الهمز، فيقال: عَبَّيْتُهم تَعْبِيةً أَي رَتَّبْتُهم في مَواضِعهم وهَيَّأْتُهم للحَرْب."
مما يبين بوضوح سلامة التعريب لكلمة "تاكتك" الذي أثبته الجيش العراقي.
أما ما يخص تعريب إستعمال "تاكتك" السائد في اللغة الإنكليزية والذي أخذه الكاتب العربي في تغربه الفكري فيجب أن يكون متفقاً مع المقصود في الجملة. فقد يكون تهيئة أو موقفاً أو سلوكاً أو ممارسة اياً كان الحال. ذلك لأن غنى اللغة العربية تمكن الكاتب والمتحدث العربي أن يعدل عن إستعمال كلمة "تاكتك" للتعبير عن كل هذه حين يمكنه أن يستعمل لفظاً مختلفاً في كل حال يعبر فيه عما يريده.
عبد الحق العاني
5 تشرين الأول 2014
www.haqalani.com
-
قل ولا تقل / الحلقة الخامسة والثلاثون
إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟
إن اللغة العربية هي أعظم تراث للعرب وأقدسه وأنفسه، فمن استهان بها فكأنما استهان بالأمة العربية نفسها وذلك ذنب عظيم ووهم جسيم أليم. (م ج)
قل: الهندسة العِمارية والمهندس المِعمار
ولا تقل: الهندسة المعمارية ولا المهندس المعماريّ
وذلك لأن الأشياء، من الفنون والعلوم والآداب، ينبغي أن تنسب عند إرادة النسبة الى الفن نفسه والعلم نفسه والأدب نفسه، وليس في الفنون والعلوم فن أو علم يسمى "المعمار"، حتى ينسب اليه، فالمعمار صفة مشتقة من الفعل "عَمَر يَعمر عمراناً وعمارة"، وإن أردت الحقيقة فالمعمار اسم آلة استعيرت صيغته لتأدية المبالغة كالمفضال والمحواج والمذياع للكثير الفضل والكثير الحاجة والكثير الإذاعة. فأنت لا تقول "الشؤون التاجرية" بل "الشؤون التجارية"، ولا تقول "الأحوال الصانعية" بل "الأحوال الصناعية"، فكذلك ينبغي أن يقال "الهندسة العِمارية" نسبة الى العمارة لأن الفن والصناعة هي العَمارة.
وإذا كان المعمار يراد به الوصف في الأصل، ثم نقل الى الإسمية، يكون كالتاجر والصانع والمهندس والطابع والمنجم، فلا يقال لهؤلاء "التاجري والصانعي والمهندسي والطابعي والمنجمي" حتى يقال "المعماري". فالصواب "المهندس المعمار" أو "المعمار" وحده. ومما يحضرني من شواهد استعماله وصفاً للمبالغة قول أبي الفوارس سعد بن محمد التميمي يمدح الوزير جمال الدين أبا جعفر محمد بن علي الأصفهاني ثم الموصلي:
وتقر عين محمد بمحمد محي دريسي علمه والمنزل
مِعمار مرقده وحافظ دينه ومُعين أمته بجود مـــسبل
ومن شواهد استعماله إسماً من الأسماء ما ذكره ياقوت في معجم الأدباء في أخبار الأمير ابن أبي حصينة الشاعر مع الأمير محمود بن صالح بن مرداس في بناء دار: "يا مولانا هذا الرجل تولى عمارتها ولا أدري كم صرف عليها؟ فسأل المعمار فقال: غرم عليها ألفي دينار مصرية". ومن ذلك أبو عبد الله محمد بن أبي بكر البغدادي المعروف بابن المعمار مؤلف كتاب الفتوة وقد نشرناه مع جمعية من الفضلاء، ويجمع المعمار على معامير كالمذياع والمذاييع والمفضال والمفاضيل، ولا يجوز معمارون لأنه اسم آلة في الأصل كما ذكرت فلا يجمع جمع مذكر سالم. (م ج)
قل: أمره فأطاع أمره وأذعن له وائتمر بأمره
ولا تقل: انصاع له
وذلك لأن "انصاع" بمعنى انفتل راجعاً ومر مسرعاً ونكص نكوصاً سريعاً وبمعنى تفرق وبمعنى ذهب سريعاً. وكل هذه المعاني لا تدل على الطاعة والإذعان والإئتمار. قال ابن فارس في المقاييس: "الصاد والواو والعين أصل صحيح وله بابان أحدهما يدل على تفرق وتصدع والآخر إناء. فالأول قولهم: تصوّعوا إذا تفرّقوا، قال ذو الرمة:
عَسَفت إعتساف الصدع كل مهيبة تّظل بها الآجال عني تّصَوّع
ويقال: انصاع القوم سراعاً: مرّوا". قال الجوهري في الصحاح: "صنعت الشيء فانصاع أي فرقته فتفرق ومنه قولهم: يصوع الكمي أقرانه إذا أتاهم من نواحيهم.... وانصاع: أي انفتل راجعاً ومر مسرعاً والتصوع: التفرق...".
وقال الزمخشري في أساس البلاغة: "يحوذهم ..... ومنه انصاع القوم إذا مروا سراعاً". وعلق الأزهري على التفسير القديم قال: "ومعنى الكمي يصوع أقرانه أي يحمل عليهم فيفرق جمعهم". وقال الفيروزأبادي في القاموس: "انصاع: انفتل راجعاً مسرعاً".
هذا ما ذكره اللغويون الذين ذكرناهم ومن سواهم من معاني "انصاع" وينبغي لنا أن نبحث عن الواقع اللغوي لهذا الفعل فلعل فيه ما يفيد الطاعة والإنقياد والإئتمار والإذعان، قال أبو ذؤيب الهذلي يصف الثور الوحشي:
فانصاع من حذر فسد فروجه غضف ضوار وافيان وأجدع
قال أبو زيد محمد بن ابي الخطاب القرشي في جمهرة أشعار العرب "إنصاع: انحرف". ونحن نعلم أن الإنحراف ضد الطاعة والإذعان. وقال الأخطل التغلبي:
فانصاع كالكوكب الذري ميعته غضبان يخلط من معج وإحضار
قال أبو زيد أيضاً "انصاع: انحرف" فأكد قوله السابق وقال ذو الرمة:
فانصاع جانبه الوحشي وانكدرت يلجن لا يأتلي المطلوب والطلب
قال أبو زيد: "فانصاع اي انحرف". وهذه المرة الثالثة التي يفسر فيها الفعل المكذور بكلمة واحدة.
ونعود الى استعمال "أطاع" بدلاً من "انصاع" فنجده صواباً ونلفي أطاع من الوضوح بحيث يكون شرحه من تحصيل الحاصل، وكذلك الإئتمار ويبقى "أذعن"، قال ابن فارس في المقاييس: "الذال والعين والنون أصل واحد يدل على الإصحاب والإنقياد، يقال: أذعن الرجل إذا انقاد، يذعن إذعاناً، وبناؤه ذ ع ن إلا أن استعماله "أذعن" هو الراجح ويقال ناقة مذعان سلسة الرأس منقادة".
وجاء في لسان العرب: "قال الله تعالى: وان يكن لهم الحق يأتوا مذعنين، قال ابن الأعرابي مذعنين: مقرين خاضعين. وقال أبو اسحاق جاء في التفسير: مسرعين. قال والإذعان في اللغة الإسراع مع الطاعة. وقال الفرار: مذعنين: مطيعين غير مستكرهين. وقيل مذعنين منقادين، الإذعان الإنقياد، وأذعن الرجل: انقاد وسلس"، انتهى" وذكر استعمالاً آخر إلا أن المعنى العام هو كما ذكر آنفاً: الإسراع مع الطاعة، مع أن الإنصياع إسراع وانحراف ونكوص ومرور سريع فلا يشعر بالطاعة. جاء في كليلة ودمنة قوله: "بما يدعوه اليه من طاعته والإذعان لدولته". فقل: أطاع أمره وائتمر به وأذعن له إذعاناً، ولا تقل: انصاع لأمره. (م ج)
قل: أذعن له
ولا تقل: رضخ له
وكتب اليازجي: "ويقولون رضخ له اي أذعن وانقاد ولم يرد رضخ في شيء من هذا المعنى وإنما الرضخ كسر الشيء اليابس يقال رضخ الجوزة ورضخ رأس الحية ويقال رضخ له من مال إذا أعطاه عطاءً يسيراً."
قل: أذعن له يُذعن إذعاناً وخضع له خضوعاً وأطاعه إطاعة وائتمر بأمره وما أشبه ذلك
ولا تقل: رضخ له بهذا المعنى
وذلك لأن "رضخ يرضخ رضخاً" معناه كسر أو حطّم أو أعطى قليلاً من المال أي كسر من المال، فلا صلة بالإذعان والطاعة والإستسلام والخضوع والإئتمار وما اشبه ذلك. جاء في لسان العرب: "وَرَضَخْتُ رأْسَ الحية بالحجارة.ورَضَخ النوى والحصى والعظم وغيرها من اليابس يَرْضَخُه رضخاً: كسره.والرَّضْخُ كسر رأس الحية..... والرَّضْخُ: كسر الرأْس، ويستعمل الرَّضْخُ في كسر النَّوَى والرأْس للحيات وغيرها.... والرَّضْخُ أَيضاً: الدَّقُّ والكسر وكذلك العطاء. يقال: فيه الرَّضْخُ، بالخاء المعجمة، ورَضَخَ له من ماله يَرْضَخُ رَضْخاً: أَعطاه.
ويقال: رَضَخْت له من مالي رَضِيخَةً وهو القليل." وجاء في أمالي الشريف الرضي "رضخ له فلان بشيء من المال" بالباء.
ولقائل أن يقول: إن باب المجاز في العربية مفتوح لكل فصيح مجتاز أفلا يكون بقولهم "رضخ له" وجه من وجوه المجاز؟ فأقول: إذا تساهلنا فقلنا "رضخ له بشيء من الطاعة" بذكر الطاعة أو "رضخ له بشيء من الإذعان" فإنه لا يؤدي المعنى المقصود، فالمقصود هو الطاعة والإذعان لا الشيء القليل منهما. ثم ان الراضخ في العادة له اليد العليا والمرضوخ له اليد السفلى فلا يصح الإذعان للصغير المحتاج والراجي المسترفد، فلا وجه إذن للمجاز. (م ج)
وكتب الحنفي: ومما يُوْهَمُونَ في لفظ " الإذعان" حيث يستعملونه بمعنى الإدراك ، فيقولون: أذعنته بمعنى فهمته، والصحيح أَنَّ معناه الخضوع والإنقياد. كذا ذكره بعض الأفاضل.
قل: أمره أن يصنع كذا فأطاع الأمر
ولا تقل: أمره أن يصنع كذا فصدع بالأمر
وكتب اليازحي: "ويقولون أمره أن يصنع كذا فصدع بالأمر يعنون أنه أطاع وأمضى ما أمر به، ولم يات صدع في شيء من هذا المعنى، ولكن أصل هذا التعبير ما جاء في سورة الحجر من قوله "فاصدع بما تؤمر". قال البيضاوي اي فاجهر به من صدع بالحجة إذا تكلم بها جهاراً أو فأفرق به بين الحق والباطل. وقيل غير ذلك وكله بعيد عن المعنى الذي يذهبون اليه."
قل: شَلَّت يده
ولا تقل: شُلَّت يده
وكتب إبن قتيبة: "وتقول " شَلَّت يده " بالفتح تَشَلُّ شَلَلاً."
وكتب المقدسي: "ويقولون: إذا ضَرَبَهُ في يَدِهِ فشُلَّتْ، بضَم الشينِ. وصوابُهُ: فشَلَّتْ بفتحِ الشينِ."
وجاء في لسان العرب قول ابن منظور:
"الشَّلَلُ: يُبْسُ اليَدِ وذَهابُها، وقيل: هو فَساد في اليد، شَلَّتْ يَدُه تَشَلُّ بالفتح شَلاًّ وشَلَلاً وأَشَلَّها اللهُ".
وكتب الجووهري في الصحاح:
"والشَلَلُ: أثر يصيب الثوبَ لا يذهب بالغَسْل. يقال: ما هذا الشَلَلُ في ثوبك؟ والشَلَلُ: فسادٌ في اليد. شَلِّتْ يمينه تَشَلُّ بالفتح، وأَشَلَّها الله. يقال في الدعاء: لا تَشْلَلْ يَدُك ولا تَكْلَلْ!".
وتوسع ابن فارس في المقاييس فكتب:
"الشين واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تباعُد، ثم يكون ذلك في المسافة، وفي نسج الثَّوب وخياطته وما قارب ذلك. فالشلُّ: الطرْد، يقال شَلَّهم شَلاًّ، إذا طَرَدهم.
ويقال أصبح القوم شِلاَلاً، أي متفرِّقين. قال الشاعر:
أما والذي حَجَّت قريشٌ قَطينةً شِلالاً ومولَى كلِّ باقٍ وهالكِ
والشَّلل: الذي قد شُلّ، أي طُرِد.
ومنه قوله: ويقال شَللت الثوب أشُلُّه، إذا خِطته خياطةً خفيفة متباعدة. ومن الباب الشلل: فساد اليد، يقال: لا تشْلل ولا تَكْللْ، ورجلٌ أَشَلُّ وقد شَلَّ يَشَلّ."
قل: هو يملك رَجعة المرأة
ولا تقل: هو يملك رِجعة المرأة
وكتب المقدسي: ويقولون: "هو يملكُ رِجْعَةَ المرأةِ، بكسرِ الراء. والأَفْصَحُ: رَجْعَة، بفتحِ الراءِ. وكذلكَ: طلاقٌ رَجْعِيٌّ. وكذلكَ: فُلانٌ يؤمِنُ بالرَّجْعَةِ، أي بالرجوعِ إلى الدنيا بَعْدَ الموتِ."
ولم تتفق معجمات العربية مع المقدسي في ما كتبه فأجازت الإثنين فكتب ابن فارس في المقاييس:
"الراء والجيم والعين أصلٌ كبيرٌ مطّرد مُنْقاس، يدلُّ على رَدّ وتَكرار. تقول: رَجَع يرجع رُجوعاً، إذا عادَ.
ورَاجَعَ الرّجُل امرأتَه، وهي الرَّجْعَة والرِّجْعَةُ."
وكتب ابن منظور في اللسان:
"وارتجع إِلي الأَمرَ: رَدَّه إِليّ؛ أَنشد ثعلب: أَمُرْتَجِعٌ لي مِثْلَ أَيامِ حَمّةٍ، وأَيامِ ذي قارٍ عَليَّ الرَّواجِعُ؟ وارْتَجَعَ المرأَةَ وراجَعها مُراجعة ورِجاعاً: رَجَعها إِلى نفسه بعد الطلاق، والاسم الرِّجْعة والرَّجْعةُ. يقال: طلَّق فلان فلانة طلاقاً يملك فيه الرَّجْعة والرِّجْعةَ، والفتح أَفصح." واضاف ابن منظور في وصف من يؤمن بالرجعة فكتب:
"والرَّجْعةُ مذهب قوم من العرب في الجاهلية معروف عندهم، ومذهب طائفة من فِرَق المسلمين من أَولي البِدَع والأَهْواء، يقولون: إِن الميت يَرْجِعُ إِلى الدنيا ويكون فيها حيّاً كما كان، ومن جملتهم طائفة من الرَّافضة يقولون: إِنَّ عليّ بن أَبي طالب، كرم الله وجهه، مُسْتتِر في السحاب فلا يخرج مع من خرج من ولده حتى ينادِيَ مُنادٍ من السماء: اخرج مع فلان."
قل: هذا خوان لتقديم الطعام
ولا تقل: هذه مائدة لتقديم الطعام
وكتب الحريري "ويقولون لما يتخذ لتقديم الطعام عليه: مائدة، والصحيح أن يقال له خوان إلى أن يحضر عليه الطعام، فيسمى حينئذ مائدة، يدل على ذلك أن الحواريين حين تحدوا عيسى عليه السلام بأن يستنزل لهم طعاما من السماء، قالوا: "هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء"، ثم بينوا معنى المائدة بقولهم: "نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا".
وحكى الأصمعي قال: غدوت ذات يوم إلى زيارة صديق لي، فلقيني أبو عمرو بن العلاء، فقال لي: إلى أين يا أصمعي فقلت: إلى صديق لي، فقال: إن كان لفائدة، أو عائدة، أو مائدة، وإلا فلا.
وقد اختلف في تسميتها بذلك، فقيل: سميت به لأنها تميد بما عليها، أي تتحرك، مأخوذ من قوله تعالى: "وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم"، وقيل: بل هو من ماد، أي أعطى، ومنه قول رؤبة بن العجاج:
إلى أمير المؤمنين الممتاد
أي المستعطى، فكأنها تميد من حواليها مما أحضر عليها.
وقد أجاز بعضهم أن يقال فيها: ميدة، واستشهد عليه بقول الراجز:
وميدة كثيرة الألوان ** تصنع للجيران والإخوان
وفي كلام العرب أشياء تختلف أسماؤها باختلاف أوصافها فمن ذلك أنهم لا يقولون للقدح: كأس ألا إذا كان فيها شراب، ولا للبئر: ركية إلا إذا كان فيها ماء، ولا للدلو: سجل إلا وفيها ماء ولو قل، ولا يقال لها: ذنوب إلا إذا كانت ملأى، ولا يقال أيضا للبستان: حديقة، إلا إذا كان عليه حائط، ولا للإناء: كوز إلا إذا كانت له عروة، وإلا فهو كوب، ولا للمجلس: ناد إلا وفيه أهله، ولا للسرير: أريكة إلا إذا كانت عليه حجلة، ولا للمرأة: ظعينة إلا ما دامت راكبة في الهودج، ولا للستر: خدر إلا إذا اشتمل على امرأة، ولا للقدح سهم: إلا إذا كان فيه نصل وريش، ولا للطبق: مهدى إلا ما دامت فيه الهدية، ولا للشجاع: كمي إلا إذا كان شاكي السلاح، ولا للقناة رمح إلا إذا ركب عليها السنان، وعليه قول عبد القيس بن خفاف البرجمي:
وأصبحت أعددت للنائبات عرضا بريا وعضبا صقيلا
ووقع لسان كحد السنان ورمحا طويل القناة عسولا
ولو كان الرمح هو القناة لقال: رمحا طويلا، لأن الشيء لا يضاف إلا إلى ذاته.
ومن هذا النمط أيضا أنه لا يقال للصوف: عهن إلا إذا كان مصبوغا، ولا للسرب: نفق إلا إذا كان مخروقا، ولا للخيط: سمط إلا إذا كان فيه نظم، ولا للحطب: وقود إلا إذا اتقدت فيه النار، ولا للثوب: مطرف إلا إذا كان في طرفه علمان، ولا لماء الفم: رضاب إلا ما دام في الفم، ولا للمرأة: عانس ولا عاتق إلا ما دامت في بيت أبويها، ولذلك لا يقال للأنبوبة: قلم إلا إذا بريت.
وأنشدني أحد شيوخنا رحمه الله لأبي الفتح كشاجم:
لا أحب الدواة تحشى يراعا تلك عندي من الدوي معيبه
قلم واحد وجودة خط فإذا شئت فاستزد أنبوبه
هذه قعدة الشجاع عليها سيره دائبا وتلك جنيبه."
قل: هذا الكتاب نفسه قرأت
ولا تقل: هذا الكتاب إياه قرأت
وكتب عبد الهادي بوطالب: أخذ يشيع في الاستعمال "هذا الكتابُ إيَّاه قرأته". و"هذا الموضوعُ إيّاه طرحه باحث آخر". وهذا خطأ، فلا تأتي إيّا - وهي ضمير منفصل يقع موقع النصب - نعتاً أو توكيداً لاسم مرفوع، لأنها ضمير منفصل في موضع النصب. إيَّاي، وإيَّانَا، وإيَّاكَ، وإيَّاكِ، وإيَّاكُمَا، وإيَّاكُمْ، وإيَّاكُنَّ، وإيَّاهُ، وإيَّاهَا، وإيَّاهُمَا، وإيَّاهُمْ، وإيَّاهُنَّ، لا تقع جميعُها إلا في موضع النصب.
ويقصد من يقولون: هذا الكتابُ إيَّاه استعمالَ كلمة إيَّاه للتوكيد. والصواب في هذه الحالة التوكيد بالاسْم أو العين، فنقول: الكتابُ نَفْسُه، أو عَيْنُه. ولا نقول إيَّاه. وتوكيد المرفوع بإياه خطأ شائع بالأخص في لبنان. ويروج في الأحاديث والكتب والإعلام السمعي والإعلام المرئي وينطق به خطأ حتى بعض الجامعيين.
ففي سورة الفاتحة نقرأ "إيَّاكَ نعبد وإيَّاكَ نستعين". فالأولى مفعول به لفعل نعبد، والثانية مفعول به لفعل نستعين. وفي القرآن أيضاً: "وإيَّاي فاتَّقون" "وإيَّايَ فارْهَبون" "نحن نرزقكم وإيَّاهُمْ" "أَمَرَ أن لا تعبدوا إلا إيَّاه". وفي المثل العربي: "إيّاكَ أعْني واسمعي يا جارة". ونقول أعطيتك إيَّاه فتأتي إيَّاه في موضع النصب مفعولاً به ثانياً لأعطى التي تنصب مفعولين.
عبد الحق العاني
27 تشرين أول 2014
www.haqalani.com
-
قل ولا تقل / الحلقة السادسة والثلاثون
إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟
إن اللغة العربية هي أعظم تراث للعرب وأقدسه وأنفسه، فمن استهان بها فكأنما استهان بالأمة العربية نفسها وذلك ذنب عظيم ووهم جسيم أليم. (م ج)
قل: ما هو فهمك أو تفسيرك للحدث
ولا تقل: ما هي قراءتك للحدث
لا يمكن لأي متابع لقنوات التلفاز أن يفوته سماع مقدم البرنامج وهو يسأل المعلق "ما هي قراءتك للحدث" أو "كيف تقرأ ما يحدث في غزة اليوم" وما شابهها كثير. ويستعمل السائل في كل هذه الأسئلة الفعل "تقرأ" أو أي من تصريفاته ليعني به "تفسر" أو "تفهم". ولست ممن يقف أمام تطور اللغة لكن ذلك لا يعني إستحداث إستعمال جديد لفعل يعرفه الناس ويعرفون معانيه دون سبب. وحيث إن العربية غنية بأفعالها فهي ليست بحاجة لأن تعطي الفعل "تقرا" هذا المعنى الجديد حين يوجد فعل آخر يؤدي ذلك المعنى.
لكن سبب شيوع إستعمال الفعل "تقرا" بالمعنى الوارد أعلاه هو السبب نفسه الذي سبق وذكرناه أكثر من مرة في التغرب الفكري الكامل إذ ان معد الخبر أو البرنامج أصبح يفكر بلغة أوربية. لذا فإنه حين يسمع مقدم البرنامج الإنكليزي يسأل المسؤول "How do you Read this event" فإنه يترجم النص كما يسمعه بالإنكليزية حرفياً فيأتي بترجمة الفعل "Read" الذي يقابله في العربية "تقرا" فيصوغ السؤال في العربية كذلك، فيأتي بالفحش من القول.
ذلك لأن ما يصح من إصطلاح في لغة قد لا يصلح بالضرورة للترجمة النصية في كل لغة. فإذا كان للفعل في الإنكليزية أكثر من معنى فلا يعني هذا أن الفعل نفسه يمكن أن يحمل تلك المعاني في العربية.
إن العربي الفصيح اللسان يجب أن يرد على السؤال أعلاه: "ما هي قراءتك للحدث" بأن يقول: "قراءتي كقراءتك"!
قل: هو رجل أبله وهي امرأة بلهاء وهم رجال بُلْه وهن نساء بُلْه
ولا تقل: رجال بُلهاء
وذلك لأن "الأبله" صفة من صفات العيوب الظاهرة كالأخرق والأحمق والأنوك والألوث والأثول، والمؤنث "بلهاء" كخرقاء وحمقاء ولوثاء وثولاء. ويجمع الأبله ومؤنثه البلهاء على "بُله" أي وزن "فُعل"، ولم يسمع فيه غير ذلك. وجاء في الحديث النبوي الرشيف: "أكثر أهل الجنة البله، فالبله جمع الأبله والأبله كما في لسان العرب، وهو ذو البله والبلاهة، والبلاهة هي غلبة سلامة الصدر وحسن الظن على الإنسان. جاء في لسان العرب في تسمية السليمي الصدر بالبله "لأَنهم أَغفَلوا أَمْرَ دنياهم فجهلوا حِذْقَ التصرف فيها، وأَقبلوا على آخرتهم فشَغَلوا أَنفسهم بها، فاستحقوا أَن يكونوا أَكثر أَهل الجنَّة، فأَما الأَبْلَه وهو الذي لا عقل له فغير مُرادٍ في الحديث، وهو قوله، صلى الله عليه وسلم: أَكثرُ أَهلِ الجنة البُلْهُ، فإِنه عنى البُلْهَ في أَمر الدنيا لقلة اهتمامهم، وهم أَكياسٌ في أَمر الآخرة. قال الزِّبْرقانُ بن بدر: خيرُ أَولادِنا الأَبْلهُ العَقُولُ؛ يعني أَنه لشدَّة حَيائِه كالأَبْله، وهو عَقُول". وجاء في لسان العرب أيضاً: "وقال أَحمد بن حنبل في تفسير قوله اسْتَراح البُلْهُ، قال: هم الغافلون عن الدنيا وأَهلِها وفَسادِهم وغِلِّهم، فإِذا جاؤُوا إِلى الأَمرِ والنهيِ فهم العُقَلاء الفُقَهاء، والمرأَة بَلْهاء؛ وأَنشد، ابن شميل: ولقَدْ لَهَوْتُ بطِفْلةٍ مَيّالةٍ بَلْهاءَ تُطْلِعُني على أَسْرارِها أَراد: أَنها غِرٌّ لا دَهاءَ لها فهي تُخْبِرني بأَسْرارِها ولا تَفْطَن لما في ذلك عليها؛ وأَنشد غيره: من امرأَةٍ بَلْهاءَ لم تْحْفَظْ ولم تُضَيَّعِ يقول: لم تُحْفَظْ لِعَفافها ولم تُضَيَّعْ مما يَقُوتها ويَصُونها، فهي ناعمة عَفِيفةٌ. والبَلْهاءُ من النساء: الكريمةُ المَزِيرةُ الغَرِيرةُ المُغَفَّلةُ...... والأَبْلَه الرجلُ الأَحمق الذي لا تمييز له... لتهذيب: والأَبْلَهُ الذي طُبع على الخير فهو غافلٌ عن الشرّ لا يَعْرِفه؛ ومنه: أَكثرُ أَهل الجنة البُلْه. وقال النضر: الأَبْلَه الذي هو مَيِّت الدَّاءِ يريد أَن شَرَّه ميِّتٌ لا يَنْبَه له..... وعيش أَبْلَهُ: واسعٌ قليلُ الغُمومِ؛ ويقال: شابٌّ أَبْلَه لما فيه من الغَرارة.... قال الأَزهري: الأَبْلَهُ في كلام العرب على وجوهٍ: يقال عَيْش أَبْلَه وشبابٌ أَبْلَه إِذا كان ناعماً".
وخلاصة الكلام أن "الأبله" صفة حسنة اذا كانت البلاهة في أمور الدنيا مقرونة بالفقاهة في أمور الآخرة وصفة قبيحة إذا كانت صفة عامة، وتظهر بلادة الذهن وفيولة الرأي وسخافة العقل. (م ج)
قل: خرجنا في رُفقَة عظيمة
ولا تقل: خرجنا في رِفقة عظيمة
وكتب الكسائي: " وتقول: خرجنا في رُفقة عظيمة، بضم الراء ومثله الكلام: جُلبَة و جُبْلَة. والجبلى: فشر القَرحة وأثرها، وجمعها جُلًب، قال الشاعر:
أصبَرُ من عودٍ بجنبيه جُلًب."
قل: تسَرَّبتُ جِريِة الماء
ولا تقل: تسَرَّبتُ جَريِة الماء
وكتب الكسائي: "وتسَرَّبتُ جِريِة الماء بكسر أوله، والجَرية بفتح الجيم المرة الواحدة. وتقول هي بِغْيَتي، لا يقال في هذه الحروف إلا بالكسر."
تقول: لعبت لَعْبَةً واحدةَ (بفتح اللام)
ولا تقل: لعبت لِعبَةً واحدةً (بكسر اللام)
وكتب إبن السكيت: "وتقول: لمن اللُّعْبة، فتضم أولها؛ لأنها اسم، وتقول: الشطرنج لُعْبة، والنرد لُعْبةٌ، [وكل ملعوب به فهو لُعْبة، تقول: اقعد حتى أفرغ من هذه اللُّعْبة، وهو حسن اللِّعْبَةِ، كما تقول: هو حسن الجِلْسَةِ، وتقول: لعبت لَعْبَةً واحدة، وتقول: كنا في رُفْقة عظيمة، ورَفْقةٌ لغةٌ، وقد دنت رِحْلَتُنا، وأنتم رُحْلَتُنا، أي الذين يرتحل إليهم."
قل: قَتَلَهُ شَرَّ قِتْلَةٍ (بكسر القاف)
ولا تقل: قتله شَرَّ قَتلَةٍ (بفتح القاف)
وكتب إبن قتيبة: و " قتَلَهُ شَرّ قِتْلَةٍ ".
وكتب الحريري: "ويقولون : قتله شر قَتلة ، بفتح القاف ، والصواب كسرها ، لأن المراد به الإخبار عن هيئة القتلة التي صيغ مثالها على فِعلة، بكسر الفاء، كقولك: ركب رِكبة أنيقة، وقعد قِعدة ركينة، ومنه المثل المضروب في الحاذق: "إن العوان لا تعلم الخمرة" من الاختمار.
ومن شواهد حكمة العرب في تصريف كلامها أنها جعلت فَعلة بفتح الفاء كناية عن المرة الواحدة، وبكسرها كناية عن الهيئة، وبضمها كناية عن القدر لتدل كل صيغة على معنى تختص به، وتمتنع من المشاركة فيه.
وقرئ: "إلا من اغترف غَرفة بيده"، بفتح الغين وضمها، فمن قرأها بالفتحة أراد بها المرة الواحدة فيكون قد حذف المفعول به الذي تقديره: إلا من اغترف ماء مرة واحدة، ومن قرأها بالضم أراد بها مقدار ملء الراحة من الماء.
قل: كانت الجَلسة الأولى جِلسة صاخبة (فالجلسة الأولى للعدد والثانية للهيأة)
ولا تقل: كانت الجِلسة الأولى، ولا تقل أيضاً: كانت جَلسة صاخبة
لأن المراد هنا وصف هيأتها، وإذا اجتمع أمران فالحكم للمتقدم منهما فهو إما العدد وإما الهيأة. يقال: متى كانت النَهضة الأولى العربية؟ ومتى كانت النِهضة العربية الأولى. ففي المثال الأول تقدم العدد ففتحنا أول الكلمة وفي المثال الثاني تقدم وصف الهيأة فكسرنا أول الكلمة. (م ج)
قل: فتحت في الشيء فُتحة (بضم الفاء)
ولا تقل: فتحت في الشيء فَتحة (بفتح الفاء)
وذلك لأن الفُتحة هو اسم الموضع المفتوح في الشيء المصمت، ولكونها مفتوحة جاءت على مثال "الفُرجة" وزناً ومعنىً، وهو أحد أوزان اسم المفعول القديمة كالحُفرة بمعنى المحفورة والثُلمة بمعنى المثلومة والحُزمة بمعنى المحزومة والنُطفة بمعنى المنطوفة والُّلقمة بمعنى الملقومة.
أما "الفَتحة" بفتح الهاء فهي مصدر المرة تقول "فتحت الباب فَتحة واحدة" و "فُتحت هذه البلاد قديماً فَتحتين" و "فُتحت تلك البلاد قديماً عدة فَتَحات". فقل: ما أوسع هذه الفُتحة ولا تقل: ما أوسع هذه الفَتحة، يفتح الله عليك باب الصواب. (م ج)
قل: قال رسول الله: أنا سيِّدُ وَلدِ آدمَ ولا فَخْر (بسكون الخاء)
ولا تقل: قال رسول الله: أنا سيِّدُ وَلدِ آدمَ ولا فَخَر (بفتح الخاء)
وكتب البستي: قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: "أنا سيِّدُ وَلدِ آدمَ ولا فَخْر"، ساكنة الخاءِ. يريدُ أَنَّهُ يذكرُ ذلك على مذهب الشكرِ والتحدُّثِ بنعمة اللهِ دونَ مذهبِ الفَخْرِ والكِبْرِ. وسمعتُ قوماً من العامَّة يقولونَ: ولا فَخَر، مفتوحة الخاءِ، وهو خَطَأٌ ينقلبُ به المعنى ويستحيلُ إلى ضِدِّ معنى الأَوّلِ. أَخبرني أبو عُمَر، أَخبرنا ثعلب، عن ابن الأعرابيّ قالَ: يُقالُ: فَخَرَ الرجلُ بآبائِهِ يَفْخَرُ فَخْراً. فإذا قُلتَ: فَخِرَ، بكسر الخاءِ، فَخَراً، مفتوحتها، كانَ معناهُ: أَنِفَ. وأًنْشَدَ: وتراهُ يَفْخَرُ أنْ تَحُلَّ بيوتُهُ بمَحَلّةِ الزَّمِرِ القَصِيرِ عِنانا أي يأنَفُ منه. قالَ أبو العباسِ: ويقالُ: فَخَزَ الرجلُ، بالزاي معجمة، وفايَشَ: إذا افتخرَ بالباطلِ، وأًنشدَ: ولا تفخروا إنَّ الفياشَ بكم مُزرِي.
قل: هم في حاجة إلى الغذاء والكسى
ولا تقل: هم في حاجة إلى الغذاء والكساء
وكتب اليازجي:"ويقولون هم بحاجة إلى الغذاء والكساء فيستعملون الكساء بالمد المطلق الملبوس وإنما الكساء ثوب بعينه وهو نحو العباءة من صوف، قال:
جزاك الله خيراً من كساء
فقد أدفأتني في ذا الشتاء
فأمك نعجة وابوك كبش
وأنت الصوف من غزل النساء
والصواب في مرادهم الكسى بالقصر مع ضم الكاف وكسرها جمع كسوة بالوجهين وهي كل ما يكتسي." إنتهى
وقد وافق لسان العرب والصحاح رأي اليازجي في جمع "كسوة" على "كسا" إلا أن صاحب القاموس إنفرد من بين معجمات اللغة بجواز جمع الكسوة على "كساء" فكتب:
"ج: كُساً وكِساءٌ." والله أعلم!
قل: تُعَدُّ القراءة مصباح طريق المؤمن في هذا الزمان المظلم
ولا تقل: تُعْتَبرُ القراءة مصباح طريق المؤمن في هذا الزمن المظلم
وكتب خالد العبري: "يستعمل الكثير منا كلمة "تُعتَبرُ" وما تفرّع منها، في معنى كلمة "تُعَدُّ"، فيقولون مثلاً: تعتبر القراءة مصباح المؤمن في هذا الزمان المظلم، وهذا خطأٌ شائع جدّاً بين المتعلمين حتى إن كثيراً من معاجم اللغة تستعمل "تعتبر" مكان "تعد" وقد استعملها كثير من أرباب الأدب والشعر حتى ظن بعضهم أنها صحيحة فصيحة في معناها هذا.
وهي بعيدة عن ذلك كل البعد، فـ "تعتبر" تعني: تتخذ عبرة لمن يعتبر، يقول المولى عز وجل: "فاعتبروا يا أولي الأبصار" ومنه أخذت "العبرة" – بكسر العين – أي العِظَة، يقول جل وعلا: "إن في ذلك لعبرة لمن يخشى".
فلماذا نخلط بين الكلمتين والفرق بينهما واضح جداً. فالصواب في عبارتنا السابقة أن نقول "تُعَدُّ القراءة مصباح طريق المؤمن في هذا الزمان المظلم". أما نقرأ في كتب الله: "وقالوا ما لنا لا نرى رجالاً كنا نعدهم من الأشرار" ولم يقل كنا نعتبرهم، وكفى بالقرآن شاهداً ودليلاً.
وقد استعملها العرب قديماً ونأوا عن استعمال "تعتبر" ومن ذلك قول عنترة بن شداد (من الكامل):
يا قيس أنت تَعُدُّ نفسك سيداً وأبوك أعرفه أجلَّ وأفضلا
فاتبع مكارمه ولا تُذري به إن كنت ممَّن عقله قد أُكملا
ويقول لبيد بن ربيعة العامري (من الوافر):
فإن بقية الأحساب منا وأصحاب الحمالة والطعان
جراثيم منعن بياض نجد وأنت تُعَدُّ في الزمع الدواني
وغير ذلك كثير فلينظر فيه.
عبد الحق العاني
4 تشرين الثاني 2014
www.haqalani.com
-
قل ولا تقل / الحلقة السابعة والثلاثون
إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟
إن اللغة العربية هي أعظم تراث للعرب وأقدسه وأنفسه، فمن استهان بها فكأنما استهان بالأمة العربية نفسها وذلك ذنب عظيم ووهم جسيم أليم. (م ج)
قل: الإرواء والتروية لسقي الزرع والغرس
ولا تقل: الرَّي ولا الرِّي ولا الرّوي
وذلك لأنه يقال رَوي الزرع أو الغرس بنفسه من الماء، يروي رَيَّاً ورِيَّاً ورِوى، ويقال ترّوى ترّوياً فإذا سقاه الإنسان بالإجراء أو الإساحة أو بطريقة من الطرائق غيرهما قيل "أرواه يُرويه إرواءً ورواه يُروَيه تروَية." قال الجوهري في الصحاح: "رويت من الماء بالكسر أروي رَيّا ورِيّا أيضاً .... وارتويت تروَّيت كله بمعنى".
وجاء في لسان العرب: "رَوِيَ من الماء، بالكسر، ومن اللَّبَن يَرْوَى رَيّاً ورِوىً أَيضاً مثل رِضاً وتَرَوَّى وارْتَوَى كله بمعنى، والاسم الرِّيُّ أَيضاً، وقد أَرْواني. ويقال للناقة الغزيرة: هي تُرْوِي الصَّبِيَّ لأَنه يَنام أَول الليلِ، فأَراد أَنّ دِرَّتها تَعْجَلُ قبلَ نَوْمِه..." انتهى.
وقد نقل أكثر كلام الجوهري في الصحاح إلا أنه جعل "الرّي إسماً للمصدر وزاد عليه الرباعي المتعدي وهو أرواني ومصدره "الإرواء". ويقال للمبالغة "روّاه يُروّيه تروية" قال عويف القوافي يرثي سليمان بن عبد الملك:
ذاك سقى ودقاً فروّى ودقه قبر إمرئ أعلم ربي حقه
قال أبو العباس المبرد: وقوله" ذاك سقى ودقاً فروّى ودقه يقال فيه قولان أحدهما: فروى الغيم ودقه هذا القبر يريد من ودقه فلما حذف حرف الجر عمل الفعل. والقول الآخر كقولك: روّيت زيداً ماءً. وروّى أكثر من أروى لأن رَوّى لا يكون إلا مرة بعد مرة، يقول: فَرَوَّى الله ودقه أي جعله رواءاً"انتهى. وقال ديك الجن:
روَّيت من دمها الثرى ولطالما روَّى الهوى شفتيَّ من شفتيها
وقد ورد "روى يروي" متعدياً بالحرف وهو بمعنى استقى.
قال الجوهري في الصحاح: "قال يعقوب (ابن السكيت): ورَوَيْتُ القوم أَرْويهِمْ، إذا استقيتَ لهم الماء."
وجاء في لسان العرب مثله وزاد عليه قوله "قال: رَوَيْت على الرّاوية أَرْوِي رَيّاً فأَنا راوٍ إِذا شدَدْتَ عليهما الرِّواء" يعني الحبل الذي يُروى به على الرواية، ثم قال "ورويت على أهلي ولأهلي رَيَّاً أتيتهم بالماء". فعلمنا أن أصل قولهم "رويت القوم أرويهم" هو "رويت القوم ورويت عليهم" أي استقيت لهم، معلوم أن الإستسقاء غير تروية الزرع وإروائه، فقل: الإرواء أو التروية ولا تقل: الرَّي والرّوي بهذا المعنى. (م ج)
قل: ان هذه الأمسيَّة فريدةٌ من الأماسيّ (بالتشديد)
ولا تقل: هذه الأمسيَةُ (بالتخفيف)
وذلك لأن "الأمسيَّة" بمعنى المساء أصلها أمسُوية على وزن أفعولة فأبدلت الواو ياءً وأدغمت في الياء الأخيرة فصارتا ياءً مشددة أي أمسيَّة كالأغنيَّة واصلها "أغنويّة" والأمنيَّة أصلها "أمنويّة" والأحجية اصلها "أحجويّة" و الأضحية اصلها "أضحويّة" كالأضحوكة والأغلوطة والأنشودة والأحدوثة. وللأفعال ذوات الوجهين صورتان الأصلية والإبدالية وكالأدحيّة والأدحوّة لمبيض النعام. فالأدحية التي أصلها "أدحويّة" مشتقة من دحى الشيء يدحاه دحياً أي بسطه، والأدحوة التي لا ابدال فيها هو من دحا الشيء يدحوه دحواً أي بسطه وذوات الياء منها أكثر من ذوات الواو في الإستعمال لأن الياء في هذا الوزن أخف من الواو فقولنا "أمسية" على الخطأ هو نقلها الى "أفعلة" بحذف الواو وكُسِرت السين لمكان الياء بعدها، وهذا مخالف للسماع والقياس، وكل ما خالف السماع والقياس يجب أن يُطرح وينبذ وشذت "الأنملة" على لغة ضعيفة.
وجمع الأمسية أماسيّ كأمانيّ جمع الأمنيّة وأحاجي جمع الأحجيّة وأغاني جمع الأغنيّة والتخفيف جائز في الجمع دون المفرد. (م ج)
قل: شَمِمْتُ الريحان
ولا تقل: شَمَمْتُ الريحان
وكتب الكسائي: " وتقول: شَمِمْتُ الريحان بكسر الميم. قال الشاعر:
ألا لَيتَ أني قبل تدنو منيتي شَمِمْتُ الذي ما بين عينيك والفمِ" إنتهى
وخالف الجوهري الكسائي فكتب في الصحاح:
"شَمِمْتُ الشيء أَشَمُّهُ شَمّاً وشَميماً، وشَمَمْتُ بالفتح أَشُمُّ لغةٌ...... والشَمَمُ ارتفاعٌ في قصَبة الأنف مع استواءِ أعلاهُ. فإن كان فيها احدِيدابٌ فهو القَنا."
وكتب ابن فارس في المقاييس:
"الشين والميم أصلٌ واحد يدلُّ على المُقارَبة والمداناة. تقول شَمَمت الشيءَ فأنا أشمُّهُ.......... وأشمَمْتُ فلاناً الطيبَ. قال الخليل: تقول للوالي أشمِمني يدك، وهو أحسنُ من قولك: ناوِلْني يدَك."
قل: حَسِبتُ الأمر سَهْلاً
ولا تقل: حَسَبتُ الأمر سهلاً
وكتب إبن قتيبة: "وحَسِبْتُ الشيء بمعنى ظننت "حِسْباناً" وحَسَبَتُ الحساب "حُسْباناً "؛ قال الله عزّ وجلّ: "الشَّمسُ والقمرُ بِحُسْبَان"، أي: بحساب."إنتهى
وكتب ابن منظور في باب "حسب" من لسان العرب:
"وحَسَبَ الشيءَ يَحْسُبُه، بالضم، حَسْباً وحِساباً وحِسابةً: عَدَّه. أَنشد ابن الأَعرابي لـمَنْظور بن مَرْثَدٍ الأَسدي: يا جُمْلُ! أسْقِيتِ بِلا حِسابَهْ، سُقْيَا مَلِيكٍ حَسَنِ الرِّبابَهْ، قَتَلْتني بالدَّلِّ والخِلابَهْ أَي أُسْقِيتِ بلا حِسابٍ".إنتهى
وكتب في موضع آخر من الباب نفسه:
"وحَسِبَ الشيءَ كائِناً يَحْسِبُه ويَحْسَبُه، والكَسر أَجْودُ اللغتَين(1) (1 قوله «والكسر أجود اللغتين» هي عبارة التهذيب)، حِسْباناً ومَحْسَبَةً ومَحْسِبةً: ظَنَّه؛ ومَحْسِبة: مصدر نادر، وإِنما هو نادر عندي على من قال يَحْسَبُ ففتح، وأَما على من قال يَحْسِبُ فكَسَر فليس بنادر." إنتهى
قل: ما كان ذلك في حسباني
ولا تقل: ما كان ذلك في حسابي
وكتب الحريري: "ويقولون: ما كان ذلك في حسابي، أي في ظني، ووجه الكلام أن يقال: ما كان ذلك في حسباني، لأن المصدر من حسبت بمعنى ظننت محسبة وحسبان بكسر الحاء، فأما الحساب فهو اسم للشيء المحسوب.
واسم المصدر من حسبت الشيء بمعنى عددته الحسبان، بضم الحاء، ومنه قوله تعالى: و "الشمس والقمر بحسبان" وقد جاء الحسبان بمعنى العذاب، كقوله تعالى: "ويرسل عليها حسبانا من السماء" وأصله السهام الصغار، الواحدة حسبانة." إنتهى
وأضاف ابن فارس في المقاييس شرحا آخر للحسبان فكتب في باب "حسب":
"ومن هذا الأصل الحُسبْان: سهامٌ صغار يُرْمى بها عن القسيِّ الفارسية، الواحدة حُسبانة. وإنما فرق بينهما لصِغَر هذه و[كبر] تلك. ومنه قولهم أصاب الأرض حُسبان، أي جراد. وفُسِّرَ قوله تعالى: "وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِنَ السَّمَاء" [الكهف 40]، بالبَرَد". إنتهى
قل: إليكم أذان الصلاة حَسَبَ التوقيت المحلي
ولا تقل: إليكم أذان الصلاة حَسْبَ التوقيت المحلي
وكتب عبد الهادي بوطالب: "يتردد على ألسنة بعض العاملين في الإذاعة والتلفزة المغربيتين قولهم: "وإليكم أذان الصلاة حسْب (بسكون السين) توقيت الرباط " والصواب حَسَب (بفتح السين).
لكلٍّ من حَسْب وحَسَب معنى. حَسْبُ تفيد معنى كافٍ أو يكفي. وفي القرآن الكريم: "حَسْبُنا اللهُ ونعم الوكيل" وقد تكرر هذا التعبير في آيات أخرى. وحسْب (بالسكون) تأتي بمعنى لا غير تُبْنَى على الضم في آخرها فنقول: "حصل التلميذ في الامتحان على نقطتين فَحَسْبُ، أو وَحَسْبُ".
أما حَسَب (بفتح السين) فمعناها بمقدار، أو بمقتضى حساب كذا. وفعلها هو حسَبَ يَحْسُبُ حِساباً وحُسْباناً أي عَدَّ وأحصى. وعلى ذلك فَحسَب أي بمقدار، ومقتضى حساب، هو الألْيَق بالتوقيت. فنقول: "إليكم أذان الصلاة حسَبَ التوقيت الفلاني".
وتدخل أحيانا على حَسَب حرف الباء، أو على، أو ترتبط بها كلمة ما. فنقول: "وقع ذلك بَحَسَب ما بلغني، أو على حَسَبِ ما بلغني. أو حسَبَما بلغني".
لم تفرق بعض المعاجم (وهي قليلة) بين ضبط سين هذه الكلمة، وأجازت ضبطه بالسكون أو الفتح. ومنهجيتي في هذه الحلقات تفضل أن نضبط الكلمات ضبطاً واحداً ما أمكن تحديداً للفوضى اللغوية التي تعانيها العربية."
قل: لا يخفى عليك أن الأمر صحيح
ولا تقل: لا يخفاك أن الأمر صحيح
وكتب اليازجي:"ويقولون لا يخفاك أن الأمر كذا فيعدون الفعل بنفسه والصواب لا يخفى عليك كما صرح في الأساس والمصباح ومنه في سورة آل عمران"إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء". ومن الغريب أن هذا الوهم وقع لقوم من أكابر الكتاب كقول صاحب نفح الطيب في المجلد الثاني (صفحة 375 من الطبعة المصرية) ولا يخفاك حسن هذه العبارة. وقوله في المجلد الرابع (صفحة 447) ولا يخفاك انه التزم في هذه القطعة ما يلزم.
ومنه قول سراج الدين المدني:
ما الحال قالوا صف لنا فلعل ما بك أن يزاح
فأجبت ما يخفاكم حال السراج مع الرياح" إنتهى
وكتب ابن فارس في المقاييس في باب "خفي":
"الخاء والفاء والياء أصلان متباينان متضادّان. فالأوّل السَّتْر، والثاني الإظهار. فالأوّل خَفِيَ الشَّيءُ يخفَى؛ وأخفيته، وهو في خِفْيَة وخَفاءٍ، إذا ستَرْتَه......... ويقال خَفَيْتُ [الشَّيءَ] بغَيْر ألِفٍ، إذا أظهرتَه........... ويقرأ على هذا التأويل: "إنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أَخْفِيها" [طه 15] أي أُظهِرُها". إنتهى
أما ابن منظور فكتب في لسان العرب في باب "خفا":
"أَخْفَيْتُ الشيءَ: سَتَرْتُه وكتَمْتُه.... وشيءٌ خَفِيٌّ: خافٍ، ويجمع على خَفايا......وخَفِيَ عليه الأَمرُ يَخْفَى خَفاءً." إنتهى
قل: أنا أقرأ الكتابَ نَفسَه الذي تقرأه أنت
ولا تقل: أنا أقرأ نَفسَ الكتابَ الذي تقرأه أنت
كتب خالد العبري: "من الأخطاء التي شاعت حتى ظنها بعضهم صواباً، تقديم المؤكِّدِ على المؤكَّدِ إذا كان التأكيد بلفظي (النفس والعين)، فتسمعهم يقولون مثلاً: أنا أقرأ نفس الكتاب الذي تقرأه أنت" أو قولهم "زرت نفس البلد التي زرتها أنت". والأصل أن لا يتقدم المؤكِّدُ على المؤكَّدِ، فالنفس من ألفاظ التوكيد فكيف تُقدّم على الذي جيء به لتؤكِّده؟
فائدة: وجائز جر التوكيد بالباء، فتقول: "جاء محمد بنفسه" وتكون الباء: حرف جر زائد ونفس: توكيد مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة التي منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالإضافة."
قل: سيستمر هذا الوضع حتى إنتخاب الرئيس
ولا تقل: سيستمر هذا الوضع حتى الإستحقاق الرئاسي
شاع في الإعلام اللبناني بشكل خاص والعربي بشكل عام استعمال لفظة "استحقاق" لتعني ممارسة معينة مثل إنتخاب رئيس الجمهورية المنتظر أو إنتخاب مجلس نواب جديد قديم .. ولست على يقين ما هو مصدر هذا الإستعمال وقد يكون ترجمة عن كلمة فرنسية أجهلها لجهلي بالفرنسية حيث أعرف أنها ليست إنكليزية الأصل لخلو الأخيرة من لفظ شبيه.
إلا أن هذا ليس مهماً هنا قدر أهمية معرفة سبب لجوء الإعلام لاستعمال هذا اللفظ...ولا بد عند إستحداث اي إستعمال جديد أن تكون له حاجة وأن يكون الإشتقاق مقارباً في إستعماله للأصل الذي أخذ عنه أو لحاجة جمالية أو فنية لا تتحقق إلا بهذا الإشتقاق. ويجب في هذه الحالة العودة لأصل الكلمة التي وقع منها الإشتقاق وليس التعويل على ما تتناقله العامة في لسانها البائس فهذه المصادر هادمة للغة ومخربة للذوق والثقافة.
فلو نظرنا في أصل الفعل "استحق" لوجدنا ما كتبه ابن منظور في لسان العرب:
"واستحقَّ الشيءَ: استوجبه.
وفي التنزيل: فإن عُثِرَ على أنَّهُمَا اسْتَحقّا إثْماً، أي استوجباه بالخِيانةِ، وقيل: معناه فإن اطُّلِعَ على أنهما استوجبا إثماً أي خيانةً باليمين الكاذبة التي أقْدما عليها، فآخرانِ يَقُومانِ مَقامها من ورثة المُتوفَّى الذين استُحِقَّ عليهم أي مُلِك عليهم حقٌ من حقوقهم بتلك اليمين الكاذبة، وقيل: معنى عليهم منهم، وإذا اشتَرَى رجل داراً من رجل فادّعاها رجل آخر وأقامَ بيِّنةً عادلةً على دعواه وحكم له الحاكمُ ببينة فقد استحقها على المشتري الذي اشتراها أي مَلَكَها عليه، وأخرجها الحاكم من يد المشتري إلى يد مَن استحقَّها، ورجع المشتري على البائع بالثمن الذي أدَّاه إليه، والاستِحْقاقُ والاسْتِيجابُ قريبان من السواء." إنتهى
مما تقدم يبدو واضحاً أن الإستحقاق هو ما وجب وقوعه. فكيف يكون إستعمال "إستحقاق رئاسي" سليماً إذا كان المقصود وجوب الإنتخاب وليس وجوب الرئاسة؟ أليس الصحيح عندها القول "إستحقاق الإنتخاب الرئاسي"؟ وإذا كنا سنحتاج لقول ذلك فلماذا لا نعدل عن كل هذا ونقول "إنتخاب الرئيس" ونكتفي بموجز القول وبليغه وسليمه دون حاجة لاستعارات طويلة ومغلوطة؟
والإعلام اللبناني لم يكتف بادخال المفردات الفاحشة في الإستعمال مثل "كباش" و "يشي" و "أدلجة" و "جيواستراتيجيا" و "تقاطع" و "معطيات" و "تداعيات" و "تكتيك" و "ديماغوغية" و "ابستمواوجية" وكثير غيرها مما يجهل الكاتب معناه ويعتقد أنه يبدو في إستعماله مثقفاً في حين انه يساهم في هدم قواعد اللغة العربية في الترجمة النصية عن الإعلام الغربي فاصبح يبتدأ بشبه الجملة دون إضطرار لذلك فيكتب الإعلامي:
"في صبيحة أمس قام الرئيس" وهو يريد "قام الرئيس صبيحة أمس.." لكنه ما دام يفكر بالخبر باللغة الإنكليزية فهو يكتب بأسلوبها كذلك ضارباً قواعد العربية بعرض الحائط.
وهكذا نجد في الجملة أعلاه استعمالاً غريباً على العربية حيث يكثر الإعلاميون من إستعمال النسبة حين يكفي المضاف والمضاف إليه. ذلك لأن القول "إنتخاب الرئيس" أبلغ عند العرب من قول "الإنتخابات الرئاسية". فليست هناك حاجة للنسبة. ولعل هذا الخطأ الذي إنتشر واتسع في استعمال النسبة أحد عوامل هذه الإشتقاقات الغريبة مثل "الإستحقاق الرئاسي"، فلو لم يستعمل الكاتب النسبة لأضطر للقول "استحقاق الرئيس" ولو فعل ذلك لتوقف لأن هذه العبارة لا تعني ما يريد إيصاله.
هكذا يتضح لنا أن لا حاجة للقول "الإستحقاق الرئاسي" حين يكفي القول "إنتخاب الرئيس".
وفوق كل ذي علم عليم!
عبد الحق العاني
25 تشرين الثاني 2014
www.haqalani.com
-
الأخت ريمه
بارك الله فيك على هذا الجهد ىأولا وعلى الفائدة الكبيرة المرجون منها
وعلى اهتمامك بلغتنا العربية الجميلة
كل الاحترام
-
قل ولا تقل / الحلقة الثامنة والثلاثون
إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟
إن اللغة العربية هي أعظم تراث للعرب وأقدسه وأنفسه، فمن استهان بها فكأنما استهان بالأمة العربية نفسها وذلك ذنب عظيم ووهم جسيم أليم. (م ج)
قل: سلام على الأنفس التي حلت بفنائك
ولا تقل: سلام على الأرواح التي حلت بفنائك
استوقفني قول السيد حسن نصر الله في عاشوراء الأخير عند قراءته لزيارة الحسين بن علي (ع) في ترديده لما شاع من خطأ على لسان المسلمين لأكثر من ألف عام في استعمال الروح وهم يريدون النفس. ولن أخوض هنا في الفرق بين النفس والروح في القرآن ذلك لأن لي بحثاً مستقلاً في هذا سوف يرد في كتابي "رسائل من القرآن" لمن أراد البحث الديني. لكني أكتب هنا في الخطأ اللغوي الذي يمنع استعمال لفظة "الأرواح".
فما سبب شيوع الخطأ في اللغة إذن؟
فقد كتب الحريري: "ويقولون: هبت الأرياح، مقايسة على قولهم: رياح وهو خطأ بين ووهم مستهجن، والصواب أن يقال: هبت الأرواح، كما قال ذو الرمة:
إذا هبت الأرواح من نحو جانب به أهل مي هاج قلبي هبوبها
هوى تذرف العينان منه وإنما هوى كل نفس حيث كان حبيبها
والعلة في ذلك أن أصل ريح روح لاشتقاقها من الروح، وإنما أبدلت الواو ياء في ريح للكسرة التي قبلها، فإذا جمعت على أرواح فقد سكن ما قبل الواو، وزالت العلة التي توجب قلبها ياء فلهذا وجب أن تعاد إلى أصلها، كما أعيدت لهذا السبب في التصغير فقيل: رويحة.
ونظير قولهم: ريح وأرواح قولهم في جمع ثوب وحوض: ثياب وحياض، فإذا جمعوها على أفعال قالوا: أثواب وأحواض.
فإن قيل: فلم جمع عيد على أعياد وأصله الواو بدلالة اشتقاقه من عاد يعود فالجواب عنه أن يقال: إنهم فعلوا ذلك لئلا يلتبس جمع عيد بجمع عود، كما قالوا: هو أليط بقلبي منك، وأصله من الواو ليفرقوا بينه وبين قولهم: هو ألوط من فلان. وكما قالوا أيضا: هو نشيان للخبر ليفرقوا بينه وبين نشوان من السكر.
ومما يعضد أن جمع ريح على أرواح ما روي أن ميسون بنت بحدل لما اتصلت بمعاوية، ونقلها من البدو إلى الشام كانت تكثر الحنين إلى أناسها والتذكر لمسقط رأسها، فاستمع إليها ذات يوم وهي تنشد:
لبيت تخفق الأرواح فيه أحب إلي من قصر منيف
ولبس عباءة وتقر عيني أحب إلي من لبس الشفوف
وأكل كسيرة في كسر بيتي أحب إلي من أكل الرغيف
وأصوات الرياح بكل فج أحب إلي من نقر الدفوف
وكلب ينبح الطراق دوني أحب إلي من قط ألوف
وبكر يتبع الأظعان صعب أحب ألي من بغل زفوف
وخرق من بني عمي نجيف أحب إلي من علج عليف
فلما سمع معاوية الأبيات قال لها: ما رضيت ابنة بحدل حتى جعلتني علجاً عليفاً."
ويبدو واضحاً مما كتبه الحريري أن "أرواح" هي جمع "ريح" وليست جمع "روح". وأيد ذلك ابن منظور حين كتب في باب "روح":
" وأَنكر أَبو حاتم على عُمارة بن عقيل جمعَه الرِّيحَ على أَرْياح، قال فقلت له فيه: إِنما هو أَرْواح، فقال: قد قال الله تبارك وتعالى: وأَرسلنا الرِّياحَ؛ وإِنما الأَرْواحُ جمعُ رُوح، قال: فعلمت بذلك أَنه ليس ممن يؤْخذ عنه."
وقد أخطأ ابن الأنباري ثلاث مرات في ما نسبه له ابن منظور حين كتب:
" والرُّوحُ النَّفْسُ، يذكر ويؤنث، والجمع الأَرواح. التهذيب: قال أَبو بكر بنُ الأَنْباريِّ: الرُّوحُ والنَّفْسُ واحد، غير أَن الروح مذكر والنفس مؤنثة عند العرب."
فقد كتب صاحب القاموس:
" الرُّوحُ، بالضم: ما به حَياةُ الأَنْفُسِ، ويُؤَنَّثُ".
أما الخطأ الثاني فهو جمعه "روح" على "أرواح" وهو ما لم تعرفه العرب، أما الخطأ الثالث الفاحش والذي ما كان على ابن الأنباري أن يخوض فيه فهو قوله "الروح والنفس واحد" ولو عرف ابن الأنباري سر الخلق لأدرك أن ما بين الروح والنفس هو ما بين السماء والأرض.....
فقد ذكر تعالى خلق النفس وابتلاءها وثوابها وعقابها وقبضها ثم أفردها وجمعها..... لكنه تعالى لم يذكر الروح في القرآن إلا مفردة ولم يخبر عن خلقها ثم قطع الطريق في الحديث عنها حين أخبر عز من قائل "ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا"..... فكيف يكونان واحداً ومن اين جاء ابن الأنباري بهذا الفحش من القول بالتقول على رب العزة؟
أما ما جاء من أحاديث مختلقة مما نسب لنبي الرحمة (ص) من إستعماله لفظة "أرواح" فلا يختلف كثيراً عن مثيله مما نسجه بعض الجهلة الذين سموا فقهاء وسار على نهجهم اللاحقون. فشاع بين الناس الحديث عن "القبض على الأرواح" أو "الترحم على الأرواح" وكله عبث ذلك لأنه ليس في الكون إلا روح واحدة وهي التي أخبر عنها تعالى "فإذا نفخت فيه من روحي" وهذه لا تقبض ولا تعذب ولا تبتلى لأنها ليست مخلوقة وهي سر الحياة في الكون.
وقد أصاب النصارى العرب حين عجز المسلمون العرب ذلك لأن النصارى يقولون "الصلاة عن راحة نفس فلان" ولا يقولون "روح فلان"...وربما قادهم لذلك، حتى دون وعي، أنهم يؤمنون بروح القدس الأوحد.
فقل: الله يقبض الأنفس
ولا تقل: الله يقبض الأرواح
لأن الأرواح جمع "ريح" والله تعالى لا شأن له بقبض الريح.
قل: كان ثوبه أدكن وكانت جبته دكناء
ولا تقل: كان ثوبه داكناً ولا كانت جبته داكنة
وذلك لأن الوصف من الألوان يأتي للمذكر على وزن "أفعل" كأبيض وأحمر وللمؤنث على وزن "فعلاء" كبيضاء وحمراء، والأدكن والدكناء لونهما الدّكنة وهي الغبرة والميل الى السواد. جاء في لسان العرب: " دَكِن يَدْكَن دَكَناً وأَدْكَن وهو أَدْكَنُ". ومؤنث الأدكن دكناء كما هو معلوم وسمى لبيد بن ربيعة زق الخمر "الأدكن" لسواد لونه في معلقته:
أغلى السباء بكل أدكن عاتم أو جونة قدحت وفُضّ خِتامها
وإذا اتسخ الثوب، او اصابه الدخان كثيراً واغبر لونه صار أدكناً، وإذا اشتدت السمرة ضاربة الى السواد فهي دُكنة، وكما لا يقال للأبيض بائض ولا للأحمر حامر ولا للأصفر صافر ولا للأسود ساود كذلك لا يقال للأدكن داكن ولا للدكناء داكنة، فقل: أدكن ودكناء. (م ج)
وقل: وجدت الباب مُغْلَقاً
ولا تقل: وجدت الباب مَغلُوقاً
وكتب الكسائي: "وتقول أغلقت الباب فهو مُغلَق ولا يقال: مَغلُوق. قال أبو الأسود الدؤلي:
ولا أقول لقدر القوم قد غليت ولا أقول لباب الدار مغلوق
لكن أقول غلت للقوم قدرهم والباب مغلق أو فالباب مصفوق
وكتب إبن السكيت في الباب نفسه: "وقد أَغْلَقْت الباب فهو مُغْلق، ولا يقال: مَغْلُوق، وقد أَقْفَلْتُهُ فهو مقفل."
قل: اسْتَخْفَيْتُ من فُلانٍ
ولا تقل: اخْتَفَيْتُ من فُلانٍ
وكتب إبن قتيبة: اسْتَخْفَيْتُ من فُلانٍ " ولا يقال " اخْتَفَيْتُ " إنما الاختفاء الاستخراج، ومنه قيل للنَّبَّاش: مُخْتَفٍ، قال الله عزّ وجلّ: "يَسْتَخْفونَ منَ النَّاسِ". إنتهى
وعارض الأزهري ابن قتيبة في هذا كما أورد ابن منظور في اللسان فكتب:
"وخَفِيَ عليه الأَمرُ يَخْفَى خَفاءً، ممدود. الليث: أَخفَيْتُ الصوتَ وأَنا أُخْفِيه إخفاءً وفعله اللازمُ اخْتَفى. قال الأَزهري: الأَكثر اسْتَخْفَى لا اخْتَفى، واخْتَفى لغةٌ ليست بالعالية، وقال في موضع آخر: أَمّا اخْتَفى بمعنى خَفِيَ فلغةٌ وليست بالعالية ولا بالمُنْكَرة."
ولعل من المفيد أن نورد هنا ما كتبه ابن فارس في باب "خفي" في قاموسه الجامع "مقاييس اللغة" حيث أوجز المعنى فكتب:
"الخاء والفاء والياء أصلان متباينان متضادّان. فالأوّل السَّتْر، والثاني الإظهار.فالأوّل خَفِيَ الشَّيءُ يخفَى؛ وأخفيته، وهو في خِفْيَة وخَفاءٍ، إذا ستَرْتَه، ويقولون: بَرِحَ الخَفَاء، أي وَضَحَ السِّرُّ وبدا...... ويقال للرّجُل المستترِ مستخْفٍ. والأصل الآخر خفا البرقُ خَفْواً، إذا لمع، ويكون ذلك في أدنى ضعف......
ويقال خَفَيْتُ [الشَّيءَ] بغَيْر ألِفٍ، إذا أظهرتَه..... قال امرؤ القيس:
خَفاهُنّ من أَنْفَاقِهنّ كأنَّما خَفاهُنَّ وَدْقٌ من سَحابٍ مُركبِ
ويقرأ على هذا التأويل: إنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أَخْفِيها [طه 15] أي أُظهِرُها."
قل: أَيَّتكُنَّ تنبحُها كلابُ الحَوْأب
ولا تقل: أَيَّتكُنَّ تنبحُها كلابُ الحُوَّب
كتب البستي: "وفي حديثهِ، صلّى الله عليه وسلّم، حينَ قالَ لنسائِهِ: "أَيَّتكُنَّ تنبحُها كلابُ الحَوْأبِ. أصحابُ الحديثِ يقولون: الحُوَّب، مضمومة الحاء مُثَقّلَة الواو. وإنّما هو الحَوْأبُ، مفتوحة الحاء مهموزة اسْمُ بعضِ المياهِ. أنشدني الغَنَوي قال: أنشدني ثَعْلبٌ: ما هو إلاّ شَرْبَةٌ بالحَوْأبِ فَصَعِّدِي مِن بَعْدِها أو صَوِّبي. الحوأبُ: الوادي الواسعُ: قالَ بعضُ رُجّاز الهُذَليِّين يصفُ حافِرَ فَرَسٍ: يلتهمُ الأرضَ بوَأْبٍ حوأبِ كالقُمْعُلِ المنكَبِّ فوقَ الأَثْلَبِ. الوأْبُ: الخفيفُ. والقُمْعُلُ: القَدَحُ الضّخْم بُلُغَةِ هُذَيْلٍ."
قل: مصح الله ما بك
ولا تقل: مسح الله ما بك
وكتب الحريري: "ويقولون للمريض: مسح الله ما بك، بالسين، والصواب فيه مصح كما قال الراجز:
قد كاد من طول البلى أن يمصحا
وكقول الشاعر وقد أحسن فيه:
يا بدر إنك قد كسيت مشابها من وجه أم محمد ابنة صالح
وأراك تمصح في المحاق وحسنها باق على الأيام ليس بما صح
ويحكى: أن النضر بن شميل المازني مرض، فدخل عليه قوم يعودونه، فقال له رجل منهم يكنى أبا صالح: مسح الله تعالى ما بك، فقال له: لا تقل: مسح، بالسين ولكن قل: مصح بالصاد، أي أذهبه الله وفرقه، أما سمعت قول الشاعر:
وإذا ما الخمر فيها أزبدت أفل الإزباد فيها ومصح
فقال له الرجل: إن السين قد تبدل من الصاد كما يقال: الصراط والسراط، وصقر وسقر، فقال له النضر: فأنت إذا أبو سالح.
ويشبه هذه النادرة ما حكي أيضا أن بعض الأدباء جوز بحضرة الوزير أبي الحسن بن الفرات أن تقام السين مقام الصاد في كل موضع، فقال له الوزير: أتقرأ: "جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم " أم ومن سلح فخجل الرجل وانقطع."
قل: هنأ القادم بوصوله سالماً
ولا تقل: هنأ القادم بسلامة الوصول
وكتب اليازجي: "ويقولون هنأ القادم بسلامة الوصول يعنون بوصوله سالماً وهي من العبارات الشائعة التي لا تكاد تخلو منها جريدة ولا يخفى ما فيها من فساد التعبير لأن مفادها إثبات السلامة للوصول لا للقادم والوصول لا يوصف بكونه سالماً وغير سالم".
قل: جاء هذا العام برد قارِسٌ
ولا تقل: جاء هذا العام برد قارِصٌ
وكتب عبد الهادي بوطالب: لا معنى لوصف البرد بالقارص (بالصاد): فالفعل من اسم الفاعل هذا هو قَرَصَ يقرُصُ قَرْصا: إذا لَوَى عليه بأُصْبُعه وآلمه. ويقال أيضا قَرَصَ العجينَ إذا ضغط عليه ليبسطه ويسْهُلَ جمعُه.
أما البرد فيكون قارسا (بالسين) عندما يشتدُّ حتى يعجز من يعمل بيديه عن استعمالهما ونقول: "قرسَ البردُ يديه". وفعله الرباعي أقرَسَ يُقرِسُ يفيد نفس المعنى. ونقول: "أقرسَ البردُ أصابعَه" فالبرد مُقْرِس، كما نقول قارِس، ونقول: "يومٌ قارسٌ، أي شديد البرد".
قل: دار في خَلَدِهِ
ولا تقل: دار في خُلْدِهِ
وكتب خالد العبري: "شاع استعمال كلمة "الخُلْد" (بضم الخاء وسكون اللام) في معنى الضمير والنفس والقلب، فيقال: مثلاً "دار في خُلْدِهِ"، والصواب "دار في خَلَدِهِ" (بفتح الخاء واللام معاً)، يقول ابن منظور في لسان العرب: "والخَلَدُ بالتحريك: البال والقلب والنفس، وجمعه أخلادٌ، يقال: وقع ذلك في خَلَدي، أي في روعي وقلبي".
والخُلْدُ – بضم الخاء وسكون اللام – تعني دوام البقاء، وهي مصدر من الفعل "خَلَدَ"، تقول: خَلَدَ يَخْلُدُ خُلْداً وخُلوداً، فهي إذن غير الخَلَدِ (بفتح الخاء واللام معاً). يقول المولى عز وجل "وما جعلنا لبشر من قبلك الخُلدَ أفإن متَّ فهم الخالدون"، ويقول "قل أذلك خيرٌ أم جة الخُلد التي وُعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا"، والخُلْدُ – بضم الخاء وسكون اللام – كذلك نوعٌ من الحيوان أعمى."
عبد الحق العاني
8 كانون الأول 2014
www.haqalani.com
-
قل ولا تقل / الحلقة الأربعون
إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟
إن اللغة العربية هي أعظم تراث للعرب وأقدسه وأنفسه، فمن استهان بها فكأنما استهان بالأمة العربية نفسها وذلك ذنب عظيم ووهم جسيم أليم. (م ج)
قل: ثبت ذلك بدلالة كذا وكذا، وهذا ثابت بدلالة كذا وكذا
ولا تقل: بدليل كذا وكذا
وذلك لأن موضع هذا موضع المصدر أو ما يقوم مقامه وهو إسم. فأنت تقول: ثبت هذا بدلالة ما قدمنا من القول كما تقول: ثبت الحق بشهادة فلان وأنت لا تقول: ثبت الحق بشاهد فلان لأن فلاناً هو الشاهد.
قال ابو حيان التوحيدي في الإمتاع والمؤانسة: "فإن الحد راجع الى
واضعه ومنقيه بدلالة أنه يضعه ويفصله ويخلصه ويسويه ويُصلحه".
وقال ابو الفتح ابن جني في كتابه سر صناعة الإعراب: "لأن التذكير هو الأصل بدلالة أن الشيء مذكر وهو يقع على المذكر والمؤنث". هكذا كان يقال في القرن الرابع للهجرة وفيما قبله ثم نشأ قولهم "بدليل كذا وكذا" ومن المؤسف أننا نرى هذا الخطأ كثيراً في كتب النحويين الذين عليهم المعول في حفظ اللغة من اللحن والسبب في شيوعه في كتبهم كونهم من الأعاجم العائشين في بلادهم فإذا غلط بعضهم قادوه في غلطه. (م ج)
وكتب عبد الهادي بوطالب: "يقع خطأ في ضبط الدال المشددة، فيكسرها البعض ويفتحها البعض، ولكل منهما معنى خاص به. فالدَّلالة بفتح الدال آتية من فعل دَلَّ بمعنى أشار وأَرشد. فنقول: "دلَّه على الطريق" أي أرشده إليه. واسم الفاعل من فعل دَلَّ هو الدَّالُّ (بتشديد اللام). وقد ورد في القول المشهور: "الدَّالُّ على الخير كفاعله". وجاء في القرآن في ذكر سليمان: "ما دَلَّهُم على موتِه إلا دَابَّةُ الأرضِ تأكل مِنْساتَه". أما في الدَّلالة (بفتح الدال وتشديده) فقد قيل: "دَلالة المَبنَى تدلُّ على دَلالة المعنى". وبعض المعاجم اللغوية ذكرت كلمة دِلالة (بكسر الدال) مع كلمة دَلالة مصدرين ولكن منهجيتي تجعلني أنصح بالاقتصار على استعمال الدَّلالة بالفتح في الإشارة والإرشاد، واستعمال كلمة الدِّلالة (بكسر الدال) لبيان حِرْفة الدَّلال أو أجرته.
والدَّلاَّل هو من يحترف الوساطة بين البائع والمشتري، أو من يُعلِن عن الأثمان في سوق الدِّلالة. وفي المعنى الأول يصبح مقتربا من كلمة سمسار، أي الذي يتوسط لإنجاز صفقة البيع." انتهى
وحين قرأت هذا عجبت كيف يمكن لمن يجعل نفسه عالماً بالعربية أن يمنع العرب من هذا الثراء في لغتهم فيسلبهم ما عرفه العرب وقبلوه سمعاً وقياساً منذ القدم؟ فقد كتب ابن منظور في اللسان:
"دَلَّه على الشيء يَدُلُّه دَلاًّ ودَلالةً فانْدَلَّ: سدَّده إِليه، ودَلَلْته فانْدَلَّ؛ قال الشاعر: ما لَكَ، يا أَحمقُ، لا تَنْدَلُّ؟ وكيف يَنْدَلُّ امْرُؤٌ عِثْوَلُّ؟...... وقد دَلَّه على الطريق يَدُلُّه دَلالة ودِلالة ودُلولة، والفتح أَعلى." فأجاز الإثنين. ثم قال في موضع آخر من الباب نفسه:
"والدَّلاَّل الذي يجمع بين البَيعَيْن، والاسم الدَّلالة والدِّلالة، والدِّلالة: ما جعلته للدَّليل أَو الدَّلاَّل."
وكتب الجوهري في الصحاح:
" وقد دَلَّهُ على الطريق يَدُلُّهُ دَلالَةً ودِلالَةً ودُلولَةً، والفتح أعلى."
وكتب ابن فارس في المقاييس:
" هو بيِّن الدَّلالة والدِّلالة".
وهكذا يبدو أنه لا يصح للكاتب أن يدعو عرب اليوم لنبذ ما أقره السابقون من تنوع اللسان وثروته.
قل: سَخِرتُ من فلان
ولا تقل: سَخِرتُ بفلان
وكتب الكسائي: " وتقول سَخِرتُ من فلان بالميم ولا تسخر منه. ولا يقال سخرت بفلان بالباء. قال الله جل وعزَ "لا يسخر قومٌ من قومٍ عسى أن يكونوا خيراً منهم". إنتهى
إلا ان الفيروزأبادي خالف ذلك فكتب في القاموس:
" سَخِرَ منه وـ به، كفَرِحَ، سَخْراً وسَخَراً وسُخْرَةً ومَسْخَراً وسُخْراً وسُخُراً: هَزِئَ".
وأخذ عنه ابن منظور فكتب في القاموس:
" سَخِرَ منه وبه سَخْراً وسَخَراً ومَسْخَراً وسُخْراً، بالضم، وسُخْرَةً وسِخْرِيّاً وسُخْرِيّاً وسُخْرِيَّة: هزئ به."
لكن الجوهري وافق الكسائي فكتب في الصحاح:
" سَخِرْت منه أَسْخَرُ سَخَراً بالتحريك، ومَسْخَراً وسُخْراً بالضم". فلم يقل بجواز القول "سخر به".
وعلق ابن فارس في المقاييس على ذلك بقوله:
"ومن الباب: سَخِرت منه، إذا هزئت به.
ولا يزالون يقولون: سخِرت به، وفي كتاب الله تعالى: فإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُون." وكأنه عاب عليهم قولهم "سخرت به".
ولا أدري من أين جاء الفيروزأبادي بقوله "سخر به"؟ حيث إنه لم يأت بشاهد واحد من شعر العرب استعمل فيه الحرف "به" مع الفعل "سخر". والعربية لغة سماع فكيف أجاز لنفسه ذلك دون شاهد؟
هذا إلى جانب أن القرآن الكريم وهو فصل الخطاب لم يأت إلا بالحرف "من" مع الفعل "سخر"، فقال عز من قائل: "فيسخرون منهم سخر الله منهم" وقال العزيز الغفار "إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون" وقال عز من قائل "لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم".
قل: أبصرَتُ بعيني
ولا تقل: بَصُرتُ بعيني
كتب إبن قتيبة: " بَصُرْتُ " من البصيرة أي: علمتُ. قال الله عزّ وجلّ: "بَصُرْتُ بما لم يَبْصُروا بِهِ"، و " أَبْصَرْتُ " بالعين."
وكتب الجوهري في الصحاح:
" وبَصُرْتُ بالشيء: عَلِمْتُهُ. قال الله تعالى: "بَصُرْتُ بما لم يَبْصُروا به"....... وأَبْصَرْتُ الشيءَ: رأيته."
وكتب ابن فارس في المقاييس:
" الباء والصاد والراء أصلان: أحدهما العِلْمُ بالشيء...... يقال بَصُرْتُ بالشيءِ إذا صِرْتَ به بصيراً عالماً، وأبْصَرتُه إذا رأيتَه".
قل: سُرِرْتُ برؤية فلان
ولا تقل: سُرِرْتُ برؤيا فلان
كتب الحريري: ويقولون سررت برؤيا فلان إشارة إلى مرآه، فيوهمون فيه، كما وهم أبو الطيب في قوله لبدر بن عمار، وقد سامره ذات ليلة إلى قطع من الليل:
مضى الليل والفضل الذي لك لا يمضى
ورؤياك أحلى في العيون من الغمض
والصحيح أن يقال: سررت برؤيتك، لأن العرب تجعل الرؤية لما يرى في اليقظة، والرؤيا لما يرى في المنام، كما قال سبحانه إخباراً عن يوسف عليه السلام: "هذا تأويل رؤياي من قبل".
ويجانس هذا الوهم قولهم: أبصرت هذا الأمر قبل حدوثه. والصواب فيه أن يقال: بصرت بهذا الأمر لأن العرب تقول: أبصرت بالعين، وبصرت من البصيرة، ومنه قوله تعالى: "قال بصرت بما لم يبصروا به" وعليه فسر قوله تعالى: "فبصرك اليوم حديد"، أي علمك بما أنت فيه اليوم نافذ، وإلى هذا المعنى يشار بقولهم: هو بصير بالعلم."
قل: حَسَرتُ العمامة على رأسي
ولا تقل: حَسِرتُ العمامة على رأسي
وكتب إبن السكيت: "ويقال: قد حَسَرت العمامة على رأسي، وحَسَرت كمي عن ذراعي أحسِره حَسْرًا، وقد حَسِر الرجلُ يَحْسَرُ حَسَرًا وحَسْرة، إذا تلهف على ما فاته." إنتهى
وتوسع ابن منظور في ذلك فكتب في اللسان:
"حَسَرَ عن ذراعيه، وحَسَرَ البَيْضَةَ عن رأْسه، وحَسَرَتِ الريحُ السحابَ حَسْراً. الجوهري: الانحسار الانكشاف. حَسَرْتُ كُمِّي عن ذراعي أَحْسِرُه حَسْراً: كشفت.......... حَسِرَتِ الدابة حَسَراً إِذا تعبت حتى تُنْقَى، واسْتَحْسَرَتْ إِذا أَعْيَتْ. قال الله تعالى: ولا يَسْتَحْسِروُن ..... وفي التنزيل: ينقلب إِليك البصر خاسئاً وهو حَسِيرٌ؛ قال الفراء: يريد ينقلب صاغراً وهو حسير أَي كليل كما تَحْسِرُ الإِبلُ إِذا قُوِّمَتْ عن هُزال وكَلالٍ". ثم قال في موضع آخر من الباب نفسه: "وحَسِرَ يَحْسَرُ حَسَراً وحَسْرَةً وحَسَراناً، فهو حَسِيرٌ وحَسْرانُ إِذا اشتدّت ندامته على أَمرٍ فاته؛ وقال المرّار: ما أَنا اليومَ على شيء خَلا، يا ابْنَة القَيْن تَوَلَّى بِحَسِرْ، والتَّحَسُّر: التَّلَهُّفُ."
قل: الحرب خَدْعَةٌ
ولا تقل: الحرب خُدْعَةٌ
كتب البستي: "قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: "الحَرْبُ خَدْعَةٌ". اللغةُ العاليةُ: خَدْعَة، مفتوحة الخاء. قالَ أبو العباس: وبَلَغَنا أَنَّها لغةُ النبي، صلّى الله عليه وسلّم. والعامَّةُ ترويه: خُدْعَة. قالَ الكسائيّ وأبو زيدٍ: يُقالٌ أيضاً: خُدَعَة، مضمومة الخاء مفتوحة الدال." إنتهى
وكتب الجوهري في الصحاح:
"خَدَعَهُ يَخْدَعُهُ خَدْعاً وخِداعاً أيضاً، أي ختله وأراد به المكروه من حيث لا يعلم والاسم الخديعَةُ."
أما ابن منظور فكتب حول "خدعة" ما يلي:
"في الحديث: الحَرْبُ خَدْعةٌ وخُدْعةٌ، والفتح أَفصح، وخُدَعةٌ مثل هُمَزة. قال ثعلب: ورويت عن النبي، صلى الله عليه وسلم، خَدْعة، فمن قال خَدْعة فمعناه من خُدِع فيها خَدْعةً فزَلَّت قدَمُه وعَطِبَ فليس لها إِقالة؛ قال ابن الأَثير: وهو أَفصح الروايات وأَصحها، ومن قال خُدْعةٌ أَراد هي تُخْدَعُ كما يقال رجل لُعْنةٌ يُلْعَن كثيراً، وإِذا خدَعَ الفريقين صاحبه في الحرب فكأَنما خُدعت هي؛ ومن قال خُدَعة أَراد أَنها تَخْدَعُ أَهلها كما قال عمرو بن مَعْدِ يكرب: الحَرْبُ أَوَّلُ ما تكونُ فَتِيَّةً، تَسْعَى بِبِزَّتِها لكلِّ جَهُول."
قل: حار الرجل في الأمر
ولا تقل: إحتار الرجل في الأمر
وكتب اليازجي:"ويقولون إحتار في الأمر من الحيرة ولم يسمع افتعل من هذا وإنما يقال حار يحار فهو حائر وحيران وحيرته فتحير."
وأخذ عدنان النحوي ذلك فكتب: "حارَ يحارُ حَيرَة وحَيْراً وحَيَرَاً وحَيَرَنَاً وكذلك: تَحَيَّر واستحارَ، فهو حَيران وحائرُ. والخطأ قول بعضهم: إحتارَ، فهذا اللفظ وهذا الإشتقاق لا نجده في المعاجم ولا في المراجع ولا في لغة العرب.ولذلك نقول: حار الرجل في أمرة حيرة شديدة."
وأصاب اليازجي في نفيه أن يكون قد سمع عن العرب قولهم "افتعل" من "حار". فكتب ابن منظور في اللسان في باب "حير":
"حار بَصَرُه يَحارُ حَيْرَةً وحَيْراً وحَيَراناً وتَحيَّر إِذا نظر إِلى الشيء فَعَشيَ بَصَرُهُ.....وتَحَيَّرَ واسْتَحَارَ وحارَ: لم يهتد لسبيله.....وحارَ يَحَارُ حَيْرَةً وحَيْراً أَي تَحَيَّرَ في أَمره؛ وحَيَّرْتُه أَنا فَتَحَيَّرَ."إنتهى
أما قوله تعالى "إنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ" فهو من الحور، وهو كما أوضح ابن فارس في المقاييس:
"الحاء والواو والراء ثلاثة أصول: أحدها لون، والآخَر الرُّجوع، والثالث أن يدور الشيء دَوْراً.فأما الأول فالحَوَر: شدّةُ بياض العينِ في شدّةِ سوادِها. قال أبو عمرو:الحَوَر أن تسودَّ العين كُلُّها مثلَ الظباء والبقر........ وأمّا الرجوع، فيقال حارَ، إذا رجَع. قال الله تعالى: إنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ."
ورغم أن الفعل الثلاثي هو نفسه "حار" إلا أنه في تصريفه بهذا المعني يكون "حار يحور" وليس "حار يحار". فكتب ابن منظور في هذا:
"الحَوْرُ: الرجوع عن الشيء وإِلى الشيء، حارَ إِلى الشيء وعنه حَوْراً ومَحاراً ومَحارَةً وحُؤُورواً: رجع عنه وإِليه".
قل: أعطيت فلاناً
ولا تقل: أعطيت لفلان
كتب خالد العبري: "نقول أحياناً: أعطيت لكل إنسان حقه ونقول: أعطيت لعلي ثوباً" بتعدية الفعل "أعطى" الى مفعوله الأول باللام، وهذا خطأ وصوابه أن الفعل "أعطى" يتعدى الى مفعولين من دون الحاجة الى حرف جر في كليهما، أي أن هذا الفعل ينصب مفعولين مباشرة، من دون الحاجة الى حرف جر، نصباً ظاهراً.
فالصواب أن نقول: أعطيت كل إنسان حقه وأعطيت علياً ثوباً، فالمولى عز وجل يقول في كتابه العزيز "قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى" ولم يقل: أعطى لكل شيء خلقه".
عبد الحق العاني
30 كانون الأول 2014
www.haqalani.com
-
قل ولا تقل / الحلقة الثانية والأربعون
إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن
نعاقب من يهدم لغتنا؟
إن اللغة العربية هي أعظم تراث للعرب وأقدسه وأنفسه، فمن استهان
بها فكأنما استهان بالأمة العربية نفسها وذلك ذنب عظيم ووهم جسيم
أليم. )م ج(
قل: الحقوق القبيلية والرسوم الكنيسية
ولا تقل: الحقوق القبلية والرسوم الكنسية
وذلك لأن القبيلة والكنيسة إسمان من أسماء الجنس أعني أن القبائل كثيرة
والكنائس كثيرة، فلا يجوز حذف الياء منهما عند النسبة اليهما. أما حذف
الياء فيكون مقصوراً على الأعلام كقبيلة بجيلة وجزيرة ابن عمر وقبيلة
ثقيف وعتيك وجهينة و ع رينة و س ليم و ه ذيل، فيقال" بَجَلي و جَزَري و ثَقَفي
وعَتَكي و وجهني و عرَني و سلَمي و هذَلي" ومع وجود هذه القاعدة
الخاصة بالأعلام شذ منها "تميمي" لأنه مضعف فلم يقولوا "تممي" وشذ
من النسب الى البلدان والمواضع نوادر كالحديثي نسبة الى الحديثة
والحَظيري نسبة الى الحظيرة والقطيعي نسبة الى محلة القطيعة في بغداد.
فإن كانت هذه القاعدة لا يبنى عليها إلا في الأعلام وكثر الشذوذ منها في
الأعلام بأعيانها فكيف يبنى عليها في أسماء الجنس كالبديهة والقبيلة
والكنيسة؟ فإن جاز حذف الياء في العلم فذلك لأن العلم له من الشهرة
والإستفاضة ما يحفظه عند الحذف وله من قوة المنسوب ما يميزه عن
غيره، ويبعده عن اللبس.
ومن الخطأ القديم الذي ارتكب في هذه النسبة قولهم "فلان الفرضي" نسبة
الى علم الفرائض بدلاً من الفرائضي. قال أبو سعد السمعاني في الأنساب
وعز الدين بن الأثير في اللباب: "الفرائضي.. ويقال لمن يعلم ذلك فَرَضي
وفرائضي وفارض" وذكر من الفرائضيين أبا الحسن الجرجاني الفرائضي
وقد توفي سنة 453 ه، وأبا الليث الفرائضي وقد توفي سنة 413 ه،
فنسبة الفرائضي سابقة للفرضي بنحو مئة سنة، وهذا يدل على أن الخطأ
حدث في القرن الرابع للهجرة.
وبناء بعض الصرفيين القاعدة على الغلط حَمَل غيره على أن يعد الصواب
غلطاً في قول الشاعر:
ولسست بنحوي يلوك لسانه ولكن سليقي يقول فيعرب
فالنسبة الى السليقة "سليقي" لأنها من أسماء الجنس ولا يجوز حذف الياء
ومن يقل "سَلَقي" فقد سلق اللغة العربية وصلقها،
فقل بديهي وقبيلي وكنيسي و سليقي
ولا تقل: بدهي وقبلي وكنسي وطبعي )م ج(
قل: هذا الأمر بديهي أو طبيعي في النسبة الى البديهة والطبيعة
ولا تقل: بدهي وطبعي
لأن العرب لم تحذف الياء من أمثال هذه الأسماء إلا إذا كانت من الأعلام
المشهورة كقبيلة ثقيف وعتيك وبجيلة وجزيرة ابن عمر، فقالوا ثقفي
وعتكي وبجلي وجزري. أمّا أسماء الجنس وأشباهها كغريزة وبديهة
وطبيعة وسليقة فلا تخذف منها الياء أبداً لئلا تلتبس بعشرات أسماء بل
مئات. وقد قالت العرب علم الطبيعيات ولم يقولوا "علم الطبع يات" ولقب
أحد الشعراء "البديهي" وهو شاعر مشهور من أهل القرن الرابع للهجرة
واسمه علي بن محمد ولم يقل له أحد طوال حياته "أنت بدهي". )م ج(
أما عبد الهادي بو طالب فقد خالف مصطفى جواد فكتب: "والنسبة إلى
فَعيلة هي فَعَلى )بفتح الفاء والعين( بشرط أن يكون المنسوب إليه صحيح
عَيْنِ الكلمة وغير مضَعَّف. فنقول في النسبة إلى حنيفة حَنَفي، وإلى قبيلة
قَبَلي. وإلى طبيعة طَبَعي، وإلى بَديهة بَدَهي، وإلى عَقيدة عَقَدي، وإلى
صحيفة صَحَفِي.ٌّ وجميعها بفتح ثاني )عين( الكلمة لكن إذا نسبنا إلى
الصحافة قلنا صَحَافِيٌّ.
لكنه شاع في الاستعمال طبيعي وبديهي وغيرهما على وزن فَعِيلي بدون
إدخال أي تغيير على المنسوب إليه.
وتقول كتب اللغة والنحو إن هذه أيضا لغة. إلا أني أفضل أن لا نغير هذه
الكلمات وأمثالَها إلى وزن فَعَلي، لاستعمال الشائع المشهور وتفضيله على
الصواب المهجور."
قل: أحْدَدْت السكين
ولا تقل: حَدَدتُ السكين
كتب الكسائي: "وتقول أحددت السكين بالألف. وحَدَّت المرأ ة زوجَها إذا
لبست الحِدادَ، فهي تَحِدُّ حِدَاداً. وحَدَدْ ت أنا عليه فأنا أحدُّ حِدَّةً من الغضبِ.
وحَدَدْ ت حدودَ الدار فأنا أ حدُّ."
قل: فحص الطبيب لِثَةَ الرجل )بتخفيف الثاء(
ولا تقل: فحص الطبيب لِثَّةَ الرجل )بتشديد الثاء(
وكتب إبن قتيبة: و "هي لِثَة الرجل" لما حول أسنانه، وجمعها لِثَاثٌ
مكسورة اللام مخففة، ولا يقال لِثَّةٌ." إنتهى
وأورد ابن منظور آراء الأخرين في اللثة فكتب في اللسان:
"اللِّثة، بالتخفيف، ما حول الأَسنان، و أَصلها لِثَيٌ، والهاء عوض من الياء.
قال ابن بري: قال ابن جني اللّثة محذوفة العين من ل ثْ ت العِمامة أي أَدرتها
على رأْسي، واللِّث ة محِيطة بالأَسنان...... واللثةُ، بالكسر والتخفيف: عُمور
الأَسنان، وهي مَغارِزها؛ الأَزهري".
قل: هذا إبزيم الحزام
ولا تقل: هذا بَزِيمُ الحزامِ
وكتب الزبيدي: "ويقولن "بَزِيم" للحديدة التي تكون في طرف حزام
السرج، يشر ج بها. وقد تكون في طرف المنطقة ولها لسان يدخل في
الطرف الآخر من الحزام والمنطقة .. والصواب "إبزيم" على مثال إفعيل.
وفيه لغة أخرى، يقال "إبزام"، والجمع "أبازيم". قال العجاج:
من كًلِّ هَرَّاجٍ نبيلٍ مَحزَ مه
يَ دقُّ إبزيم الحِزامِ جشَ مهْ
والجشم: عكن البطن.
ويقال أيضاً "إبزين" ويجمع على "أبازين". وقال أبو دواد الأيادي:
من كلِّ جَرداءَ قد طارَتْ عَقِيقَ تها و كلُّ لأجرَدَ مستَرْخي الأبازِيِنِ
ويقال للإبزيم أيضاً "زِرْ فَن" و " زرْفَن". وفي الحديث أن درع رسول الله
)ص( كانت ذات زَرَا فن، إذا عَلّقَتْ بزرافينها شَمَّرَت وإذا أرسلت مَسَّت
الأرض.
وقال مزاحم:
يباري سَدِيساها إذا ما تَلَمَّجَت شَباً مثل إبزيم السَّلاح ال مؤَسَّلِ
يصف ناقة. وال مؤسَّل: المحدَّد الذي رقِّقَت أسَلته.
ويقال للقفل أيضاً "إبزيم" وهذه العبارات كلها متفقة. لأن الإبزيمَ إفعيل من
"بَزَمَ" إذا عَضَّ. قال أبو زيد: بَزَم ت به أبزِ م بَزْمَاً أذا عضضته بالثنايا
دون الأنياب والرباعيات. وكذلك "البَزْ م" في الرمي، هو أخذك الوتر
بالإبهام والسَّيابة ثم نرسل السهم.
قل: أدخل اللص السجن
ولا تقل: أدخل باللص السجن
وكتب الحريري:"ويقولون: أدخل باللص السجن فيغلطون فيه، والصواب
أن يقال: أدخل اللص السجن، أو دخل به السجن، لأن الفعل يعدى تارة
بهمزة النقل كقولك: خرج وأخرجته، وتارة بالباء، كقولك: خرج وخرجت
به فأما الجمع بينهما فممتنع في الكلام، كما لا يجمع بين حرفي الإستفهام.
وقد اختلف النحويون: هل بين حرفي التعدية فرق أم لا فقال الأكثرون:
هما بمعنى واحد.
وقال أبو العباس المبرد: بل بينهما فرق، وهو أنك إذا قلت: أخرجت زيدا كان بمعنى حملته على الخروج. فإذا قلت: خرجت به، فمعناه أنك خرجت
واستصحبته معك.
والقول الأول أصح بدلالة قوله تعالى: "ذهب الله بنورهم". فإن اعترض
معترض في جواز الجمع بين حرفي التعدية بقراءة من قرأ: "وشجرة
تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن" بضم التاء، فقد قيل فيها عدة أقوال:
أحدها أن أنبت بمعنى نبت، والهمزة فيها أصلية، لا للنقل، كما قال زهير:
رأيت ذوي الحاجات حول بيوتنا قطينا لهم حتى إذا أنبت البقل
فعلى هذا القول تكون هذه القراءة بمعنى من قرأ: "تنبت بالدهن" بفتح
التاء، والمعنى أن الدهن ينبتها. وقيل في القراءة: إن الباء زائدة كزيادتها
في قوله تعالى: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" وكزيادتها في قول الراجز:
نحن بنو جعدة أصحاب الفلج نضرب بالسيف ونرجو بالفرج
فيكون تقدير الكلام على هذا التأويل: تنبت الدهن، أي تخرج الدهن.
وقيل : إن الباء متعلقة بمفعول محذوف تقديره تنبت ما تنبته، وفيه دهن،
كما تقول: ركب الأمير بسيفه أي وسيفه معه، وخرج زيد بثيابه، أي وثيابه
عليه.
وقيل - وهو أحسن الأقوال: إنما زيدت الباء لأن إنباتها الدهن بعد إنبات
الثمر الذي يخرج منه الدهن، فلما كان الفعل في المعنى قد تعلق بمفعولين
يكونان في حال بعد حال، وهما الثمرة والدهن، احتيج إلى تقويته في
التعدي بالباء.
قل: أَصْل كُلِّ داءٍ البَرَدَة ولا تقل: أَصْ ل كُلِّ داءٍ البَرْدَ
كتب البستي: "في حديثِ عبد الله بن مسعود: " أَصْ ل كلِّ داءٍ البَرَدَة ".
البَرَدَة ، مفتوحة الراء: التُّخم ة. وأصحا ب الحديثِ يقولون: البَرْ د، وهو
غَلَطٌ." إنتهى
أما ابن منظور فقد رأى أن هناك علاقة بين البَرَدَة والبَرْد فكتب:
"والبَرَدَة التخمة؛ وفي حديث ابن مسعود: كل داء أَصله البَرَدة وكله من
البَرْد؛ البَرَدة، بالتحريك: التخمة وثقل الطعام على المعدة؛ وقيل: سميت
التخم ة بَرَدَةً لأَن التخمة تبْرِ د المعدة فلا تستمرئ الطعامَ ولا تنْضِ جه."
لكن الجوهري روى الحديث رواية مختلفة فكتب:
"وفي الحديث "أص ل كلِّ داءٍ ال بردَة . بالكسر: عِلَّةٌ معروفة من غَلَبَةِ البَرْدِ
والرطوبة، تفَتِّر عن الجماع."
قل: جاء المُعَذِّرُون من الأعراب
ولا تقل: جاء المُعْذِرُون من الأعراب
كتب المقدسي: "ويَضَ عونَ ال مقْصِرَ مَوْضِعَ ال مقَصِّرِ، وال معْذِ رَ مَوْضِعَ
ال معَذِّرِ، ولا يفَرِّق ونَ بينَ ذلكَ. والفَرْ ق بينَ ذلكَ أنَّ ال معْذِرَ، بإسكانِ العينِ
وكَسْرِ الذالِ وتَخْفِيفِها: ال مبالِ غ في ال عذْرِ. وال معَذِّر، بفتحِ العَيْنِ، وتشديدِ
الذَّالِ وكسرِها: ال مقَصِّ ر في ال عذْرِ. وال مقْصِ ر، بإسكانِ القافِ، وتخفيفِ
الصادِ مع كَسْرِها: هو الذي ينزَ ع عن الشيءِ وهو قادِرٌ عليهِ. وال مقَصِّ ر،
بفتحِ القافِ، وتشديدِ الصادِ مع كسرها أَيضاً: هو العاج ز. وأَنْشَدَ اب ن درَيْدٍ
لنَفْسِهِ:
ليسَ ال مقَصِّ ر وانِياً كال مقْصِرِ حكْ م ال معَذِّ رِ غَيْ ر حكْمِ ال معْذِرِ
قل: وَضُؤَ وجهُهُ
ولا تقل: وَ ضَ أَ وجهُهُ
كتب الضبي: "وقد وَ ضؤَ وج ه ه يَوْ ض ؤ وَضاءَةً. ولا تقل: وَضَأَ. وهو
وَضِيءٌ، ممدودٌ."إنتهى
وكتب اليازجي:"ويقولون فلان ذو طلعة وضاء فيؤنثون لفظ وضاء ذهاباً
إلى أن ألفه للتأنيث على حد ألف غراء مثلاً ومقتضاه أن الوضاء مؤنث
الأوض مثل غراء وأغر. وهي مادة لم ينطقوا بها ولا يعرف لها معنى.
وإنما الوضاء من الوضاءة بمعنى الحسن يقال وضؤ الرجل وهو وضيء
على فعيل و و ضَّ اه بضم فتشديد مثل كبير و ك بار وعجيب و ع جَّ اب فالهمزة
فيه أصيلة وهي لام الكلمة. ويقال في مؤنثه وضاءة. على أن مثل هذا
الوهم قد جاء حتى في كلام بعض الجاهليين مثل الحارث بن حلزة:
أجمعوا أمرهم بليل فلما أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء
فأنث الضوضاء عن توهم أنه من باب شحناء وبغضاء والذي يلزم عن هذا
أن يكون اشتقاقه من ضاض يضوض... وهي مادة لم ينطقوا بها أيضاً.
والصحيح أن الضوضاء وزنه فعْ لال على حد بلبال. اشتقاقه من الضوة
وهي الصياح والجلبة."إنتهى
وكتب ابن منظور في اللسان:
"والوَضاءة ال حسْ ن والنَّظاف ة.
وقد وَ ضؤَ يَوْ ض ؤ وَضَاءة، بالفتح والمدّ: صار وَضِيئاً، فهو وَضِيءٌ من قَوْم
أَوْضِياءَ، وَوِ ضَاءٍ و وضَّاءٍ. قال أَبو صَدَقة الدُّبَيْرِيُّ: والمرْ ء يلْحِق ه، بِفِتْيانِ
ظاهره أنه » وليس بالوضاء « النَّدَى، * خل ق الكَريم، ولَيْسَ بال وضَّاءِ ، قوله
جمع واستشهد به في الصحاح على قوله ورجل وضاء بالضم أَي وضيء
فمفاده أنه مفرد. الجمع: وضَّا ؤون."
قل: وقع ذلك تحت زَخْم الأحداث المتوالية
ولا تقل: وقع ذلك تحت زَخَمِ الأحداث المتوالية
وكتب عبد الهادي بوطالب: تستعمل كلمة الزَّخْم بمعنى قوة الدفع. وترد في
هذا التعبير وأمثاله: "وقع ذلك تحت زَخْم الأحداث المتوالية". لكن سمعت
الكثيرين ينطقونها بفتح الخاء )زَ خَم(.
وفعل زَخْم )بالسكون( غير فعل زَخَم )بالفتحة(. الأول لازم متعدٍّ. يقال
زَخَم الشي ء إذا اندفع بقوة وشدة. وزخَمَ الشيءَ إذا دفعه دافعٌ بقوة وشدة.
أما الزَّخَم )بالفتح( ففعله لازم. زَخِم يزْخَم زَخَما. الشي ء تغيرت رائحته.
واللح م إذا تغير وأصبح كريها. ونقول:" نشمُّ من هذا الماء الراكد زَخَما"
والزَّخَمة هي الرائحة الكريهة.
قل: أصرالرجل على ضيفه تناول الغداء
ولا تقل: أصر الرجل على تناول ضيفه الغداء
كتب خالد العبري: "من الأساليب التي شاع استعمالها قولهم "أصر الرجل
على تناول ضيفه الغداء"، فالعبارة فيها من الركاكة ما يؤذي سامعها. إذ
كيف يكون الإصرار موجها للتناول؟ وهو مما لا يعقل ومما لا يصلح أن
يصر عليه بشيء، فمن البداهة أن يكون الإصرار على الضيف لتناول
الغداء. فالصواب أن يقال: "أصر الرجل على ضيفه أن يتناول الغداء أو
أصر الرجل على ضيفه تناول الغداء". فالضيف عاقل يجوز أن نصر
عليه لكي يقوم بأمر ما أو أن يجتنب أمراً آخر."
عبد الحق العاني
28 كانون الثاني 1015
عبدالحق العاني
-
قل ولا تقل / الحلقة الثامنة والعشرون
إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟
قل: بالأصالة عن نفسي والوَكالة كالأصالة
ولا تقل: الإصالة (عن نفسي)
وذلك لأن "الأصالة" مصدر الفعل "أصل يأصل" وهو من أفعال الغرائز واشباهها فينبغي أن يكون مصدره على وزن "فَعالة". قال الجوهري في الصحاح "ورجل أصيل الرأي أي محكم الرأي وقد أصل أصالة مثل ضخم ضَخامة ومجد اصيل اي ذو أصالة". وجاء في مختار الصحاح "وقد أصُل من باب ظَرُف ومجد اصيل: ذو أصالة".
وورد في لسان العرب: "أصُلَ الشيء: صار ذا أصل. قال أمية الهذلي:
وما الشُّغْلُ إِلا أَنَّني مُتَهَيِّبٌ لعِرْضِكَ ما لم تجْعَلِ الشيءَ يَأْصُلُ
.... ويقال إِنَّ النخلَ بأَرضِنا لأَصِيلٌ أَي هو به لا يزال ولا يَفْنى. ورجل أَصيِل: له أَصْل. ورَأْيٌ أَصيل: له أَصل. ورجل أَصيل: ثابت الرأْي عاقل. وقد أَصُل أَصالة، مثل ضَخُم ضَخامة، وفلان أَصِيلُ الرأْي وقد أَصُل رأْيُه أَصالة، وإِنه لأَصِيل الرأْي والعقل. ومجد أَصِيل أَي ذو أَصالة". إنتهى
وفذلكة القول أن "الأصالة" مفتوحة الهمزة لا مكسورتها وأنها مصدر أصُل يأصُل وهو من أوزان الثلاثي المجرد لازم غير واقع، وهو عندي من أوزان المجرد الحديثة ابتدعته العرب ليعبر عن نشوء الغرائز والتغيرات الأصلية، كما اختارت "فعِل يفعَل" للتغيرات الظاهرة نحو "عطِش يعطَشُ وفرِح يفرَح". وإنما حكمت بحداثة هذين الوزنين لأن الأصل في الأفعال التعدي بسبب أن حربة الحي التعدي على غيره، وهو قانون الأحياء العام. ولما احتاجت الإنسانية المتمدنة الى الفعل اللازم اخترعت هذين الوزنين ووضعت على الأول ضمتين لماضيه ضمة ولمضارعه ضمة، وأمره شبيه بالمعدوم لأن الغرائز لا يؤمر بها قديماً، فلا يقال "أشرف فلست شريفاً" و "اضخمي فلستِ بضخمة" و "أعظم فلست عظيماً"، فإن ذلك لا يدخل في الإمكان، واختيار الضمة للماضي والمضارع من هذا الضرب اللازم من الأفعال يُبطل دعوى من ادعى من المعاصرين لنا أن الضمة تمثل الشدة أو الغلبة. فقل: أصالة ولا تقل: إصالة. ومثل الأصالة "الأداء" اسم مصدر "التأدية". (م ج)
قل: قاسَوا عذاباً أليماً، وتمادَوا في سكوتهم، وسمَّوا أنفسهم شجعاناً
ولا تقل: قاسُوا عذاباُ، ولا تمادُوا في سكوتهم، ولا سمُّوا أنفسهم شجعاناً
هذه أمثلة من الخطأ في تصريف الأفعال يكررها كثير من المذيعين والخطباء والقارئين في المشرق والمغرب وطائفة من الناطقين بها وأمثالها، والسبب في ارتكاب مثل هذا الخطأ قلة العلم بتصريف الأفعال وضعف تعليمه وضآلة العناية به والنظر اليه نظر الإستهانة والإستخفاف مع أن الصرف، أو التصريف على التسمية الأخرى، من ضروريات العلم باللغة العربية في النطق بها والكتابة فيها. وقد يخفى الغلط الصرفي في الكتابة وينجو الكاتب من المؤاخذة عليه ولكنه يظهر في النطق ويبرز في اللفظ، فيقول قائلهم "قاسُوا عذاباُ أليماً، وتمادُوا في سكوتهم، وسمُّوا أنفسهم شجعاناً" مع أن "قاسُوا" هذا فعل ثلاثي مصدره القياس، يقال: قاس الشيء وقاساه قياساً كلاهما وقاسوه كلهم. مع أن مُراد القائلين هو "قاسَوا" بفتح السين اي كابدوا وعانوا وتحملوا وهو مأخوذ من "قسا يقسو قسوة وقساوة" ولا صلة له بـ "قاس يقيس". فالغلط في حركة واحدة وهي الفتحة قلب صورة الفعل وغيّر معناه تغييراً تاماً. واللغة العربية تتغير بتغير الحركات إذا كانت من أصل ثلاثي واحد فكيف الحال إذا أخرجها تغير الحركات من أصلها واصارها إلى أصل آخر، كما في قاسَوا وقاسُوا، وسمَّوا من الإسم وسمُّوا من السُّم؟ أو قلبها إلى صيغة أخرى من الأفعال؟
ورأس الخطأ في هذه الأوهام جهل تصريف الفعل المعتل وخاصة المعتل بالألف الظاهرة المنقلبة عن ياي أو واو، نحو "دعَوا و رمَوا وعانَوا ولاقَوا وتمادَوا وسمَّوا وسوّوا وعادَوا وغدَوا"، فالألف في مثل هذا تحذف وتبقى الفتحة دليلاً عليها نحو "عادى يعادي وعادوا يُعادون" فإذا أخطأنا في الحركة وقلنا: عادُوا لبيان العدوان صار بمعنى رجعوا وآبوا وتغير من العداوة الى العودة أي الرجوع والإياب وشتان ما بينهما. وإذا قلنا "لاقُوا" بمعنى "لقَوا" انقلب الفعل الماضي الى فعل أمر، وأنا أعجب أشد العجب ممن يكتب باللغة العربية ولا يكلف نفسه معرفة المبادئ من قواعدها، والضروري من نحوها وصرفها، والدهر يأتي بالعجائب. (م ج)
قل: أخْفَوا القبيح وأظهروا الإحسانا (بفتح الفاء)
ولا تقل: اخْفُوا القبيح وأظهروا الإحسانا (بضم الفاء)
أرسل لي صديقي الشاعر والأديب، كعادته، بيتاً من الشعر يقول:
إن الكرام إذا تناقص ودهم
أخْفُوا القبيح وأظهروا الإحسانا
ولم أكن قد سمعته من قبل، لكني ما أن قرأته حتى عرفت الخلل فيه فكتبت لصاحبي متسائلاً عن قائله. فرد علي أنه يجهل القائل لكنه يحسبه من الشعر القديم، فأجبته أني لا أعتقد أنه قديم لأن فيه لحن والشعراء القدماء لا يلحنون كثيرا.
ذلك لأن البيت من بحر الكامل وهو متفاعلن ست مرات. وقد وجد قائل البيت ان عليه أن يقول "أخْفُوا القبيحَ" بضم الفاء كي يستقيم الوزن. لكنه في قوله هذا وقع في الخطأ نفسه الذي أشار اليه مصطفى جواد في الجهل بتصريف الأفعال. ذلك لأن الفعل "اخْفُوا" هو فعل الأمر من "أخفى". أما ماضي الفعل ألذي أراده قائل البيت فهو "أخْفَوا" (بفتح الفاء). لكن القائل لو استعمل التصريف الصحيح للفعل لخرج عن البحر وسليم الإيقاع الشعري الذي تستسيغه الأذن العربية السليمة. ومثل أخفى أخفَوا، أعطى أعطَوا، وأبقى أبقَوا، وأوفى أوفَوا.
قل:إشتريت غِسْلاً جديداً لشعري
ولا تقل: إشتريت شامبو جديداً لشعري
وشاع في عصرنا هذا إستعمال الدخيل على العربية في كل مرافق الحياة. ومن ذلك إستعمال كلمة "شامبو" لمادة غسل الشعر. فهل يعقل أن العرب لم تكن لديهم كلمة تدل على ما يستعمل لغسل الشعر حتى نحتاج لما جاءت به لغات الأعاجم؟
فقد كتب إبن قتيبة: و " الغَسْلُ " مصدرُ غَسَلْت، و " الغِسْلُ " الخِطْمِيُّ وكلُّ ما غُسِل به الرَّأسُ، و " الغُسْلُ " بالضم - الماء الذي يُغْتَسَل به.
وكتب الكسائي: " وتقول: غسلت رأسي بِخِطميِّ بكسر الخاء وعندي غِسلة بكسر الغين. قال علقمة بن عبدة:
كأنَّ غِسلًة خِطْمِيٍّ بمشفَرِها في الخَدِّ منها وفي اللَّحيينِ تَلغِيمُ
وتقول للرجل: إمض راشداً أنقى الله غِسلَك لأن الغسل هو الخطمي".
وكتب الحريري: "ويقولون لما يغسل به الرأس: غَسلة بفتح الغين، فيخطئون فيه لأن الغَسلة بالفتح كناية عن المرة الواحدة من الغسل، فأما الغسول فهو الغِسلة بكسر الغين، وعليه قول علقمة ابن عبدة:
كأن غسلة خطمي بمشفرها في الخد منها وفي اللحيين تلغيم
وأما الغَسل فمصدر غسلت والاسم منه الغُسل بضم الغين، وأما الغسلين فهو ما يسيل من صديد أهل النار. وذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: كل ما في القرآن قد علمته إلا أربعة أحرف: لا أدري ما الأواه، والحنان - مخففة - والغسلين، والرقيم، وقد فسرها غيره، فقال: الحنان الرحمة، ومنه قولهم: حنانيك، أي رحمة منك بعد رحمة، وقالوا: ألأواه الكثير التأوه من الذنوب. وقيل إنه المتضرع في الدعاء، وقيل فيه: إنه المؤمن الموقن ، وفسر الغسلين على ما بيناه.
وقيل في الرقيم إنه القرية التي خرج منها أهل الكهف، وقيل: بل هو اسم الكلب، وقيل: بل هو الوادي الذي فيه أهل الكهف. وذكر الفراء أنه لوح من رصاص، كتب فيه أسماؤهم وأنسابهم."
قل: أحطت بالأمر أو أعلمته الأمر
ولا تقل: أحطته علماً بالأمر
كتب إبراهيم اليازجي: "ويقولون أحطته علماً بالأمر أي أنهيته اليه وأعلمته به فيجعلون هذا الفعل متعدياً وهو لا يكون إلا لازماً يقال أحطت بالأمر وأحطت به علماً لم يسمع في غير ذلك". إنتهى
وكتب إبن منظور في لسان العرب: "وأَحاطَ بالأَمر إِذا أَحْدَقَ به من جَوانِبِه كلِّه. وقوله تعالى: واللّه من ورائهم مُحِيطٌ؛ أَي لا يُعْجِزُه أَحَدٌ قدرته مشتملة عليهم.. وأَحاطَ به: عَلِمَه وأَحاطَ به عِلْماً."
قل: أحاطوا الكتمان بالمحادثات وينبغي إحاطتهم الكتمان بالمحادثات
ولا تقل: أحاطوا المحادثات بالكتمان وينبغي إحاطتهم المحادثات به
وذلك لأن معنى "أحاط الشيء بغيره" وإحاطته إياه بغيره هو جعله له كالحائط والحظار والسور والجدار. ومن البديهي أن "أحاط" الرباعي المستعمل غالباً للأذى مأخوذ من الثلاثي "حاط" المستعمل غالباً للخير. يقال: حاطه يحوطه حوطاً وحيطةً وحِياطةً" أي حفِظه وصانه وحماه، ومنه الحائط وهو بمعنى الحافظ، وتطور اللغة يُشعر بأن اصل حاطه هو حاط به، كما أن اصل "حَفَّه يحِفَّه" هو حَفَّ به وكلاهما فصيح أي حفَّه وحفَّ به.
فحذف الباء من حاط به قديماً لم يغن أفعل الرباعي عن استصحاب الباء، فقالوا "أحاط به" والمفعول مقدر والتقدير "أحاط الشيء به" أي جعله له كالحائط وحذف المفعول من جملة الفعل، لا يدل على أن الفعل لازم، ولو كان هذا الحذف شبيهاً بالدائم كمثل صبر وكفَّ ودافع غريمه وحامى خصمه وعدوه، وعلى هذا يكون الأصل في الجملة المذكورة آنفاً "حاط الكتمان بالمحادثات وحوط الكتمان بالمحادثات". فإذا أدخلنا همزة التعدية الثانية قلنا: أحاط فلان الكتمان بالمحادثات وينبغي إحاطتهم الكتمان بالمحادثات" . أما "أحاطوا المحادثات بالكتمان" فمعنى ذلك أن المحادثات صارت كالحائط للكتمان وليس ذلك المراد بل هو عكس المراد.
فقل: أحاطوا الكتمان بالمحادثات وينبغي إحاطتهم الكتمان بالمحادثات.
جاء في نهج البلاغة "أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي ضرب الأمثال ووقت لكم الآجال وألبسكم الرياش وأرفع لكم المعاش وأحاط بكم الإحصاء" أي جعل الإحصاء من حولكم، والإحصاء في هذه العبارة كالكتمان في تلك العبارة. وجاء في الدعاء المرفوع: "اللهم من أراد بنا سوءً فأحط به ذلك السوء كإحاطة القلائد بترائب الولائد". (م ج)
قل: فالدولة تسير في تعامــلها مع مواطنيها على المستوى الداخلي....
ولا تقل: فالدولة في تعامــلها مع مواطنيها على المستوى الداخلي، تسير....
وشاع في الإعلام العربي المعاصر نقل الخبر عن الإنكليزية والفرنسية بترجمة نصية دون أخذ قواعد العربية في الحسبان. وتجاوز الأمر حدود الترجمة إلى التفكير بلغة أعجمية فأصبح الإعلامي العربي بوعي أو بدون وعي يصوغ الخبر وكأنه يفكر بلغة أوربية.
وكتب العالم اللغوي الدكتور إبراهيم السامرائي مقالاً يبحث في ألفاظ وتراكيب شاعت في لغة الصحافة المعاصرة في المشرق العربي. وأظهر تعاطفاً في قبول بعض التراكيب والألفاظ التي شاعت في الصحافة وسوغ ذلك أن هذه الإستعمالات الجديدة تخطت الصحافة فدخلت الإستعمال في "العلوم الاجتماعية عامة كالجغرافية والتاريخ والاجتماع والاقتصاد وغير هذا. ولا تعدم أن تجد لمادة هذه اللغة حضوراً في الأدب الجديد من شعر وقصة ونحو هذا." وعرض السامرائي طائفة من هذه النماذج اللغوية وعلق عليها كما يرى. وقد أخذت اليوم هذه النموذج.
فكتب السامرائي: "قرأت وأنا في صنعاء صحفاً يمنية وأخرى مصرية ولبنانية وعراقية فوجدت في بعضها مَن قال:
(( ....... فالدولة في تعامــلها مع مواطنيها على المستوى الداخلي أولاً، وفي تعاملــها مع الغــير على المستوى الخارجي، تسير ... )) .
أقول: إن من خصائص هذه اللغة المتأثرة باللغات الأعجمية من إنكليزية أو غيرها، طول الجمل بحيث يأتي ما ندعوه المسند إليه في ابتداء الكلام، ولكنك لا تظفر بالمسند الذي يتم به المعنى إلا بعد كلام طويل، وقد يتجاوز هذا المعترض في طوله حداً يكاد القارئ فيه ينسى أول الجملة.
ثم إن (( التعــامل )) مصدر الفــعل (( تعامل )) قد استعير من حيز الاقتصاد في دلالته في البيع والشراء إلى هذا الحيز الجديد. و(( المستوى ))، وهو كلمة عربية قد وصلوا إليها لتؤدّي ما تؤديه كلمة أجنبية في الانكليزية أو الفرنسية بمعناها، ووصف (( المستوى )) بالداخلي أو الخارجي كله مما يصادفه الذي يقرأ الصحف الأجنبية." إنتهى
ورغم إن الدكتور السامرائي لم يقترح رفض هذا الإستعمال لرغبته الصادقة في دراسة هذه اللغة الجديدة من كل جوانبها إلا أنه لا يخفى على القارئ الخطر الذي يترتب على التفكير والصياغة بلغة أعجمية. ولعل قول السامرائي بأن هذا الأسلوب المطابق لقواعد الصياغة في اللغة الإنكليزية يجعل القارئ ينسى أول الجملة حين يكون بين المسند إليه والمسند، وهما عمودا الجملة العربية، معترض طويل يجعل القارئ يعود لأول الجملة كي يتذكر ما هو المسند إليه.
قل: هذا التصريح فتح آفاقاً للتفاهم
ولا تقل: هذا التصريح فتح آفاق َ للتفاهم
وكتب عبد الهادي بوطالب: أصبح شائعا على الألسنة في لغة الإعلام: "وهذا التصريح فتح آفاقَ للتفاهم". و"هناك أشياءُ أخرى"، وأسماءُ تُذْكَر". و"مَردُّ هذا لأسبابَ أخرى". "وتقدم المحلِّل بآراءَ جَيِّدة". و"قد تمَّ هذا في أجواءَ غير عادية". "ولأغراضَ خاصة".
والصواب فتْح هذه الكلمات وتنوينها، وأن نقول: لأسبابٍ أخرى، وتقدم المحلل بآراءٍ جيدة، وتم هذا في أجواءٍ غير عادية، ولأغراضٍ خاصة.
ونقول ألفاظٌ، وأعمالٌ، وأوزانٌ، وأشعارٌ، وأولادٌ في حالة الرفع - ونفتح آخر هذه الكلمات مع التنوين في حالة النصب، ونكسر آخرها مع تنوينه في حالة الكسر: مثال: أوزاناً، وأوزانٍ.
إن الجمع لا يُمنع من الصرف إلا إذا كان على وزن أفاعل (أفاضل) أو وزن فعائِل (منائر) أو وزن مَفاعِل (مدارس) أو فواعِل (شوارع) أو أفاعِيل (أناشيد) أو مَفاعيل (مصابيح) أو فعاليل (عصافير) أو فواعِيل (نواعير). وحينئذ لا يحمل التنوين ولا الكسرة في حالة الجر.
أما وزن أفعال فيبقى مصروفا بالتنوين. وتدخل على آخره الضمة في حالة الرفع، والفتحة في حالة النصب، والكسرة في حالة الجر.
جاء في القرآن الكريم : "إن هي إلا أسماءٌ سميتموها" وجاء أيضا، "ولا يتخذ بعضنا بعضا أرباباً من دون الله". وأيضا: "وأتوا على قوم يعكِفون على أصنامٍ لهم".
وجاءت صيغ منتهى الجموع ممنوعةً من الصرف في القرآن: "ولي فيها مآربُ أخرى". وتتخذون مصانعَ لعلكم تخلُدون". "وأرسل عليهم طيرا أبابيلَ ترميهم بحجارة من سِجِّيل". وأيضا: "يعملون له ما يشاء من محاريبَ وتماثيلَ" بدون تنوين في آخر كلمات أبابيل، ومحاريب، وتماثيل، وبفتح آخر الكلمتين محاريب وتماثيل وفتحه بدلا من كسره، لأن حالة المنع من الصرف تنوب فيها الفتحة عن الكسرة.
وجاء في شعر المتنبي قوله:
كيف الرجاءُ من الخطوب تخلُّصا
من بَعدِ ما أَنشَبْنَ فيَّ مَخالِبَا
ونصبنني غرض الرُّماة تُصيبني
مِحَن أشدُّ من السيوف مَضَارِبَا
لكن إذا أُدخل على هذه الأوزان أل للتعريف، أو أضيفت إلى معرَّف بأَلْ تصبح مصروفة تُرفع بالضمة وتُنصب بالفتحة وتُجَرُّ بالكسرة بدون تنوين.
فنقول : ذهبت إلى المدارسِ، وصلَّيت في المساجدِ، وطفت على مدارسِ التعليم، وصليت في مساجدِ المدينة بكسر الحرف الأخير في جميع هذه الكلمات.
ونقول توصلت برسائلَ (بفتح اللام بدلا عن الكسرة). ولكن نقول توصلت برسائلِ الاستدعاء بكسر اللام بسبب الإضافة.
ومن الأخطاء التي يقع فيها الإعلام كلمة جرائم. فيقول البعض "وسيُدان ميلوسوفتش بجرائمَ حربٍ"، والصواب كسر الميم (بجرائم)، لأن الكلمة أضيفت إلى حرب. لكن عندما لا تضاف ولا تعرَّف بأل تُمنع من الصرف وتنوب الفتحة عن الكسرة فنقول: "حكام إسرائيل مسؤولون عن جرائمَ ارتكبوها ضد شعب فلسطين".
وللحديث صلة....
عبد الحق العاني
23 نيسان 2014
www.haqalani.com