قال ابن الجوزي :إذا جلست بالظلام بين يدي الملك العلام
فاستعمل أخلاق الأطفال؟؟؟فالطفل إذا طلب شيئاً فلم يعطى بكى حتى أخذه....
عرض للطباعة
قال ابن الجوزي :إذا جلست بالظلام بين يدي الملك العلام
فاستعمل أخلاق الأطفال؟؟؟فالطفل إذا طلب شيئاً فلم يعطى بكى حتى أخذه....
ثول جميل ومميز جدا
شكرا واتمنى ان اتي بالمزيد
طبقاتهم في قيام الليل حال السلف
قال ابن الجوزي: واعلم أن السلف كانوا في قيام الليل على سبع طبقات
الطبقة الأولى كانوا يحيون كل الليل وفيهم من كان يصلي الصبح بوضوء العشاءالطبقة الثانية كانوا يقومون شطر الليل الطبقة الثالثة : كانوا يقومون ثلث الليلالطبقة الرابعة : كانوا يقومون سدس الليل أو خمسه الطبقة الخامسة : كانوا لا يراعون التقدير وإنما كان أحدهم يقوم إلى أن يغلبه النوم فينام فإذا انتبه قام الطبقة السادسة : قوم كانوا يصلون من الليل أربع ركعات أو ركعتينالطبقة السابعة : قوم يُحيون ما بين العشاءين ويُعسِّـلون في السحر فيجمعون بين الطرفين
http://i459.photobucket.com/albums/q.../608866067.jpg
ما اجمله من قول سلمت يداك و بارك الله فيك
المواعظ لابن الجوزي - روض نفسك
يا هذا : طهر قلبك من الشوائب فالمحبة لا تلقى إلا في قلبٍ طاهر أما رأيت الزارع يتخير الأرض الطيبة ويسقيها ويرويها ثم يثيرها ويقلبها وكلما رأى حجراً ألقاه وكلما شاهد ما يؤذى نجاه ثم يلقى فيها البذر و يتعاهدها من طوارق الأذى وكذلك الحق عز وجل إذا أراد عبداً لوداده حصد من قلبه شوك الشرك وطهره من أوساخ الرياء والشك ثم يسقيه ماء التوبة والإنابة ويثيره بمسحاة الخوف والإخلاص فيستوي ظاهره وباطنه في التقى ثم يلقى فيه بذر الهدى فيثمر حب المحبة فحينئذ تحمد المعرفة وطناً ظاهراً وقوتاً طاهراً فيسكن لب القلب ويثبت به سلطانها في رستاق البذر فيسري من بركاتها إلى العين ما يفضها عن سوى المحبوب وإلى الكف ما يكفها عن المطلوب وإلى اللسان ما يحبسه عن فضول الكلام وإلى القدم ما يمنعه من سرعة الإقدام فما زالت تلك النفس الطاهرة رائدها العلم ونديمها الحلم وسجنها الخوف وميدانها الرجاء وبستانها الخلوة وكنزها القناعة وبضاعتها اليقين ومركبها الزهد وطعامها الفكر و حلواها الأنس وهي مشغولة بتوطئة رحلها لرحيلها وعين أملها ناظرة إلى سبيلها فإن صعد حافظاها فالصحيفة نقية وإن جاء البلاء فالنفس صابرة تقية وإن أقبل الموت وجدها من الغش خلية فيا طوبى لها إذا نوديت يوم القيامة : (يا أَيَّتُهَا النَّفسُ المُطمَئِنَّةُ ارجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرضِيَّة) .
المواعظ لابن الجوزي - بعض ثمرات الطاعة
إخواني : من أراد دوام العافية فليتق الله ما أقبل مقبلٌ عليه إلا وجد كل خير لديه ولا أعرض معرض عن طاعته إلا وتعثر في ثوب غفلته : واللَهِ ما جِئتُكُم زَائِراً إِلَّا الأَرضُ تُطوى لي وَلا انثَنَى عَزمي عَن بابِكُم إِلَّا تَعَثَّرَت بأَذيالي روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (قال ربكم عزَّ وجل : لو أنَّ عبادي أطاعوني لسقيتهم المطر بالليل وأطلعت عليهم الشمس بالنهار ولم أُسمعهم صوت الرعد) 0 قال أبو سليمان الداراني : من صفا صفا له ومن كدر كُدر عليه ومن أحسن في ليله كفى في نهاره 0 فيامن من يريد دوام العيش على البقاء دم على الإخلاص والنقاء وإياك والمعاصي فالعاصي في شقاء المعاصي والمعاصي تذل الإنسان وتخرس اللسان وتغير الحال المستقيم وتحمل الاعوجاج مكان التقويم 0 قال يحيى بن أبي كثير: لما أصاب داود الخطيئة نفرت الوحوش من حوله إلهي رد على الوحوش كي أستأنس بها فردها الله عليه فأحطن به واصطففن إليه فرفع صوته بقرآنه الزبور فنادته هيهات هيهات يا داود قد ذهبت الخطيئة بحلاوة صوتك فكان يقول: بح صوتي في صفا أصوات الصديقين وأصبحت كالبازي المنتف ريشه يرى حسران كلما طار طائرٌ: يَرى طائِراتُ الجَوِ يَخفِقنَ فِى الهَوىَ فيذكر رِيشاً مِن جناحيهِ وافر وَقد كانَ دَهراً في الرِّيَاضُ مُنَعَّماً عَلى كُلِ من يهوى مِن الصَّيدِ قادر إِلى أَن أَصابتهُ مِن الدهر نَكبَةً فأَصبحَ مَقصوصَ الجناحينِ حاسر مَضى السابِقونَ الأَوَّلون لفورهم وقصَّرت في أَمري وإِني لخاسر .
مواعظ لابن الجوزي - تذكر يا عامل
يا من له قلبٌ ومات يا من كان له وقت وفات أشرف الأشياء قلبك ووقتك فإذا أهملت وَيَبكي عَلى الموتَى ويَترُكُ نفسه ويزعَمُ أَنَّ قَد قَلَّ عَنها عَزَاؤُهُ ولَو كانَ ذا رأىٍ وعقلٍ وَفِطنَةٍ لكانَ عَليهِ لا عَليهِم بُكَاؤُهُ رُئى سمنون يوماً على شاطئ دجلة وبيده قضيبٌ يضرب به فخذه حتى تبدد لحمه وهو يقول : كان لي قلب أعيش به ضاع مني في تقلبه رب فاردده على فقد عيل صبري في تطلبه وأغث ما دام لي رمقٌ يا غياثَ المستغاث به ابكِ على وقت كان قد صفا وعلى قلب صار كالصفا وعلى زمان تبدل فيه الوصل بالجفا وعلى ربع خلا من اليقظة وعفا : منَازلَ كنتُ أَهواها وآلَفُهَا أَيَّامَ كُنتُ على الأَيَّام منصوراً ما تتوفى في سمين بدنك حتى نسيت إدراجك في كفنك ولا متعت نفسك بمواعيد المُنى إلا بعد أن أسرك حُب الهوى أما وعظك الزمان من بسطه وقبضه أما أجد لك بجديد بعد الاعتبار ببعضه أما تدرك الحين من طوله وعرضه يا عجباً كيف التذَّ حامل بغمضة وكم طيل يوم ما أُدىَ بعض فرضه أما تعلم أنَّ الممات والحساب أمامك فتهيأ للرحيل وأصلح خيامك وأحفظ مقالتي واقطع قطع المدى مدامك واجتهد أن تنشر الإخلاص في المحل إلا على أعلامك وصل صلاتك في الدجى واهجر للمنام منامك ولا تترك ولو بت الليل عاصياً صيامك وأحضر قلبك وسمعك وإن قلا من لامك وأفق في زمان الإمكان قبل انثات العرى
-- .
صيد الخاطر لابن الجوزي - الممنوع مرغوب
تأملت حرص النفس على ما منعت منه . فرأيت حرصها يزيد على قدر قوة المنع .
و رأيت في الشرب الأول ، أن آدم عليه السلام لما نهي عن الشجرة ، حرص عليها مع كثرة الأشجار المغنية عنها .
و في الأمثال : [ المرء حريص على ما منع ، و تواق إلى ما لم ينل ] .
و يقال : [ لو أمر الناس بالجوع لصبروا ، و لو نهوا عن تفتيت البعر لرغبوا فيه ] .
و قالوا : ما نهينا عنه إلا لشيء . و قد قيل : [ أحب شيء إلى الإنسان ما منعنا ]
فلما بحثت عن سبب ذلك ، وجدت سببين :
أحدهما : أن النفس لا تصبر على الحصر ، فإنه يكفي حصرها في صورة البدن .
إذا حصرت في المعنى بمنع زاد طيشها .
و لهذا لو قعد الإنسان في بيته شهراً ، لم يصعب عليه .
و لو قيل له : لا تخرج من بيتك يوماً ، طال عليه .
و الثاني : أنها يشق عليها الدخول تحت حكم ، و لهذا تستلذ الحرام ، و لا تكاد تستطيب المباح .
و لذلك يسهل عليها التعبد على ما ترى ، و تؤثره لا على ما يؤثر .
--
صيد الخاطر لابن الجوزي - خيركم من عمل بما علم
تأملت المراد من الخلق ، فإذا هو الذل ، و اعتقاد التقصير و العجز .
و مثلت العلماء و الزهاد العاملين صنفين فأقمت في صف العلماء مالكاً و سفيان و أبا حنيفة و الشافعي و أحمد ، و في صف العباد مالك بن دينار و رابعة و معروف الكرخي و بشر بن الحارث .
فكلما جد العباد في العبادة ، و صاح بهم لسان الحال : عباداتكم لا يتعداكم نفعها و إنما يتعدى نفع العلماء ، و هم ورثة الأنبياء ، و خلفاء الله في الأرض ، و هم الذين عليهم المعول ، و لهم الفضل ، إذاً أطرقوا و انكسروا و علموا صدق تلك الحال ، و جاء مالك بن دينار إلى الحسن يتعلم منه و يقول : الحسن أستاذنا .
و إذا رأى العلماء أن لهم بالعلم فضلاً ، صاح لسان الحال بالعلماء : و هل المراد من العلم إلا العمل ؟ !
و قال أحمد بن حنبل : [ و هل يراد بالعلم إلا ما وصل إليه معروف ؟ ] .
و صح عن سفيان الثوري قال : [ وددت أن قطعت و لم أكتب الحديث ] .
و قالت أم الدرداء لرجل : [ هل عملت بما علمت ] ؟ قال : لا . قالت : [ فلم تستكثر من حجة الله عليك ؟ ] .
و قال أبو الدرداء : [ ويل لمن يعلم و لم يعمل مرة ، و ويل لمن علم و لم يعمل سبعين مرة ] .
و قال الفضيل : [ يغفر للجاهل سبعون ذنباً ، أن يغفر للعالم ذنب واحد ]
فما يبلغ من الكل قوله تعالى : هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون .
و جاء سفيان إلى رابعة : فجلس بين يديها ينتفع بكلامها ، فدل العلماء العلم على أن المقصود منه العمل به ، و أنه آلة فانكسروا و اعترفوا بالتقصير .
فحصل الكل على الاعتراف و الذل فاستخرجت المعرفة منهم حقيقة العبودية باعترافهم ، فذلك هو المقصود من التكليف .
--
صيد الخاطر لابن الجوزي - متاع الغرور
من تفكر بعواقب الدنيا ، أخذ الحذر ، و من أيقن بطول الطريق تأهب للسفر . ما أعجب أمرك يا من يوقن بأمر ثم ينساه ، و يتحقق ضرر حال ثم يغشاه ! و تخشى الناس و الله أحق أن تخشاه .
تغلبك نفسك على ما تظن ، و لا تغلبها على ما تستيقن . أعجب العجائب ، سرورك بغرورك ، و سهوك في لهوك ، عما قد خبئ لك . تغتر بصحتك و تنسى دنو السقم ، و تفرح بعافيتك غافلاً عن قرب الألم . لقد أراك مصرع غيرك مصرعك ، و أبدى مضجع سواك ـ قبل الممات ـ مضجعك . و قد شغلك نيل لذاتك ، عن ذكر خراب ذاتك :
كأنك لم تسمع بأخبار من مضى و لم تر في الباقين ما يصنع الدهر
فإن كنت لا تدري فتلك ديارهم محاها مجال الريح بعدك و البقر !
كم رأيت صاحب منزل ما نزل لحده ، حتى نزل ! و كم شاهدت والي قصر وليه عدوه لما عزل ! فيا من كل لحظة إلى هذا يسري ، و فعله فعل من لا يفهم لو لا يدري ...
و كيف تنام العين و هي قريرة ؟ و لم تدر من أي المحلين تنزل ؟
--
كتاب صيد الخاطر لابن الجوزى رحمه الله تعالى :.
124 - ـ فصل : ابتلاء العارف مزيد من الكمال
أعظم البلايا أن يعطيك همه عالية و يمنعك من العمل بمقتضاها فيكون من تاثير همتك الأنفة من قبول إرفاق الخلق استثقالا لحمل مننهم ثم يبتليك بالفقر فتأخذ منهم و يلطف مزاجك فلا تقبل من المأكولات ما سهل إحضاره فتحتاج إلى فضل نفقة ثم يقلل رزقك و يعلق همتك بالمستحسنات و يقطع بالفقر السبيل إليهن
من كتاب صيد الخاطر لابن الجوزى رحمه الله تعالى :.
125 - ـ فصل : الحزم أولى
تراعنت علي نفسي في طلبها شيئا من أغراضها بتأويل فاسد فقلت لها : بالله عليك تصبري فإن في المعبر شغلا يحذر الغرق من كثرة الموج عن التنزه في عجائب البحر إذا هممت بفعل فقدري حصوله ثم تلمحي عواقبه و ما تجتنين من ثمراته فأقل ذلك الندم على ما فعلت و لا يؤمن أن يثمر غضب الحق عز و جل و إعراضه عنك فأف للقاطع عنه و لو كان الجنة
تفضل على من شئت واعنَ بأمره *** فـأنت -ولـو كـان الأمير- أميرُه
وكن ذا غنىً عمن تشاء من الورى *** ولـو كـان سـلطانا فأنت نظيرُه
ومـن كـنت محتاجــاً إليه وواقــفا *** عـلى طـمع مـنه فـأنت أسيره
(من كتاب صيد الخاطر لابن الجوزي)
كيف إذا نجا الموعوظ و هلك الواعظ!!!
قال ابن الجوزي:
ولقد تاب على يدي في مجالس الذكر أكثر من مائتي ألف،
وأسلم علي يدي أكثر من مائتي نفس،
وكم سالت عين متجبر بوعظي لم تكن تسيل،
ويحق لمن تلمح هذا الإنعام أن يرجو التمام.
وربما لاحت أسباب الخوف بنظري إلى تقصيري وزللي.
ولقد جلست يومًا، فرأيت حولي أكثر من عشرة آلاف، ما فيهم إلا من قد رق قلبه، أو دمعت عينه،
فقلت لنفسي: كيف بك إن نجوا وهلكت؟!
فصحت بلسان وجدي:
إلهي وسيدي! إن قضيت علي بالعذاب غدًا، فلا تعلمهم بعذابي، صيانة لكرمك، لا لأجلي،
لئلا يقولوا: عذب من دل عليه.
إلهي! قد قيل لنبيك صلى الله عليه وسلم: اقتل ابن أُبَيٍّ المنافق! فقال: "لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه".
إلهي! فاحفظ حسن عقائدهم فِيَ بكرمك أن تعلمهم بعذاب الدليل عليك.
حاشاك والله يا رب من تكدير الصافي.
لا تبر عودًا أنت ريشته ... حاشا لباني الجود أن ينقضا
صيد الخاطر
صيد الخاطر لابن الجوزي - فضول الدنيا
تأملت أحوال الفضلاء ، فوجدتهم ـ في الأغلب ـ قد بخسوا من حظوظ الدنيا ، و رأيت الدنيا غالباً ـ في أيدي أهل النقائص .
فنظرت في الفضلاء ، فإذا هم يتأسفون على ما فاتهم مما ناله أولو النقص ، و ربما تقطع بعضهم أسفاً على ذلك . فخاطبت بعض المتأسفين فقلت له ، و يحك تدبر أمرك ، فإنك غالط من وجوه :
أحدها : أنه إن كانت لك همة في طلب الدنيا ، فاجتهد في طلبها تربح التأسف على فوتها ، فإن قعودك ـ متأسفاً على ما ناله غيرك ، مع قصور اجتهادك ـ غاية العجز .
الثاني : أن الدنيا إنما تراد لتعبر لا لتعمر ، وهذا هو الذي يدلك عليه علمك ويبلغه فهمك .
و ما يناله أهل النقص من فضولها يؤذي أبدانهم و أديانهم . فإذا عرفت ذلك ثم تأسفت على فقد ما فقده أصلح لك ، كان تأسفك عقوبة لتأسفك على ما تعلم المصلحة في بعده ، فاقنع بذلك عذاباً عاجلاً إن سلمت من العذاب الآجل .
و الثالث : أنك قد علمت بخس حظ الآدمي في الجملة ، من مطاعم الدنيا و لذاتها بالإضافة إلى الحيوان البهيم ، لأنه ينال ذلك أكثر مقداراً ، مع أمن و أنت تناله مع خوف ، و قلة مقدار .
فإذا ضوعف حظك من ذلك كان ذلك لاحقاً بالحيوان البهيم ، من جهة أنه يشغله ذلك عن تحصيل الفضائل . و تخفيف المؤن يحث صاحبه على نيل المراتب . فإذا آثرت الفضول مع قلة الفضول ـ عدت على ما علمت بالإزراء ، فشنت علمك ، و دللت على اختلاط رأيك . . .
صيد الخاطر لابن الجوزي - من أعمالكم سلط عليكم
خطرت لي فكرة فيما يجري على كثير من العالم من المصائب الشديدة ، و البلايا العظيمة ، التي تتناهى إلى نهاية الصعوبة فقلت : سبحان الله ! إن الله أكرم الأكرمين ، و الكرم يوجب المسامحة .
فما وجه هذه المعاقبة؟
فتكفرت ، فرأيت كثيراً من الناس في وجودهم كالعدم ، لا يتصفحون أدلة الوحدانية ، و لا ينظرون في أوامر الله تعالى و نواهيه ، بل يجرون ـ على عاداتهم ـ كالبهائم .
فإن وافق الشرع مرادهم و إلا فمعولهم على أغراضهم . و بعد حصول الدينار ، لا يبالون ، أمن حلال كان أم من حرام . و إن سهلت عليهم الصلاة فعلوها ، و إن لم تسهل تركوها . و فيهم من يبارز بالذنوب العظيمة ، مع نوع معرفة الناهي . و ربما قويت معرفة عالم منهم ، و تفاقمت ذنوبه ، فعلمت أن العقوبات ، و إن عظمت دون إجرامهم . فإذا وقعت عقوبة لتمحص ذنباً صاح مستغيثهم : ترى هذا بأي ذنب ؟ و ينسى ما قد كان ، مما تتزلزل الأرض لبعضه .
و قد يهان الشيخ في كبره حتى ترحمه القلوب ، و لا يدري أن ذلك لإهماله حق الله تعالى في شبابه . فمتى رأيت معاقباً ، فاعلم أنه لذنوب .
--
صيد الخاطر لابن الجوزي - الشر و الخير
تأملت الأرض و من عليها بعين فكري ، فرأيت خرابها أكثر من عمرانها .ثم نظرت في المعمور منها فوجدت الكفار مستولين على أكثره ، و وجدت أهل الإسلام في الأرض قليلاً بالإضافة إلى الكفار .ثم تأملت المسلمين فرأيت المكاسب قد شغلت جمهورهم عن الرازق ، و أعرضت بهم عن العلم الدال عليه .فالسلطان مشغول بالأمر و النهي و اللذات العارضة له ، و مياه أغراضه جارية لا شكر لها .و لا يتلقاه أحد بموعظة بل بالمدحة التي تقوي عنده هوى النفس .و إنما ينبغي أن تقاوم الأمراض بأضدادها .كما قال عمر بن المهاجر : قال لي عمر بن عبد العزيز : [ إذا رأيتني قد حدت عن الحق فخذ بثيابي و هزني ، و قل : مالك يا عمر ] ؟ .و قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : [ رحم الله من أهدى إلينا عيوبنا ] .فأحوج الخلق إلى النصائح و المواعظ ، السلطان .و أما جنوده فجمهورهم في سكر الهوى ، و زينة الدنيا ، و قد انضاف إلى ذلك الجهل ، و عدم العلم ، فلا يؤلمهم ذنب ، و لا ينزعجون من لبس حرير ، أو شرب خمر ، حتى ربما قال بعضهم : [ إيش يعمل الجندي ، أيلبس القطن ] ؟ .ثم أخذهم للأشياء من غير وجهها ، فالظلم معهم كالطبع .و أرباب البوادي قد غمرهم الجهل ، و كذلك أهل القرى . ما أكثر تقلبهم في الأنجاس و تهوينهم لأمر الصلوات ، و ربما صلت المرأة منهن قاعدة .ثم نظرت في التجار ، فرأيتهم قد غلب عليهم الحرص ، حتى لا يرون سوى وجوه الكسب كيف كانت ، و صار الربا في معاملتهم فاشياً ، فلا يبالي أحدهم من أي تحصل له الدنيا ؟و هم في باب الزكاة مفرطون ، و لا يستوحشون من تركها ، إلا من عصم الله .ثم نظرت في أرباب المعاش ، فوجدت الغش في معاملاتهم عاماً ، و التطفيف و البخس ، و هم مع هذا مغمورون بالجهل .و رأيت عامة من له ولد يشغله ببعض هذه الأشغال طلباً للكسب قبل أن يعرف ما يجب عليه و ما يتأدب به .ثم نظرت في أحوال النساء ، فرأيتهن قليلات الدين ، عظيمات الجهل ، ما عندهم من الآخرة خبر إلا من عصم الله .فقلت : واعجباً فمن بقي لخدمة الله عز وجل و معرفته ؟فنظرت فإذا العلماء ، و المتعلمون ، و العباد ، و المتزهدون . فتأملت العباد ، و المتزهدين فرأيت جمهورهم يتعبد بغير علم ، و يأنس إلى تعظيمه ، و تقبيل يده و كثرة أتباعه ، حتى إن أحدهم لو اضطر إلى أن يشتري حاجة من السوق لم يفعل لئلا ينكسر جاهه .ثم تترقى بهم رتبة الناموس إلى ألا يعودوا مريضاً ، و لا يشهدوا جنازة ، إلا أن يكون عظيم القدر عندهم . و لا يتزاورون ، بل ربما ضن بعضهم على بعض بلقاء ، فقد صارت النواميس كلأوثان يعبدونها و لا يعلمون .و فيهم من يقدم على الفتوى و هو جاهل لئلا يخل بناموس التصدر ثم يعيبون العلماء لحرصهم على الدنيا و لا يعلمون أن المذموم من الدنيا ما هم فيه ، إلا تناول المباحات .ثم تأملت العلماء المتعلمين ، فرأيت القليل من المتعلمين عليه أمارة النجابة ، لأن أمارة النجابة طلب العلم للعمل به . و جمهورهم يطلب منه ما يصيره شبكة للكسب ، إما ليأخذ به قضاء مكان أو ليصير به قاضي بلد ، أو قدر ما يتميز به عن عن أبناء جنسه لم يكتفي .ثم تأملت العلماء فرأيت أكثرهم يتلاعب به الهوى و يستخدمه ، فهو يؤثر ما يصده العلم عنه ، و يقبل على ما ينهاه ، و لا يكاد يجد ذوق معاملة الله سبحانه ، و إنما همته أن يحدث و حسب .إلا أن الله لا يخلي الأرض من قائم له بالحجة ، جامع بين العلم و العمل . غارف بحقوق الله تعالى ، خائف منه . فذلك قطب الدنيا ، و متى مات أخلف الله عوضه .و ربما لم يمت حتى يرى من يصلح للنيابة عنه في كل نائبة .و مثل هذا لا تخلو الأرض منه ، فهو بمقام النبي في الأمة .و هذا الذي أصفه يكون قائماً بالأصول ، حافظاً للحدود ، و ربما قل علمه أو قلت معاملته .فأما الكاملون في جميع الأدوات فيندر وجودهم ، فيكون في الزمان البعيد منهم واحد .و لقد سبرت السلف كلهم فأردت أن أستخرج منهم من جمع بين العلم حتى صار من المجتهدين ، و بين العمل حتى صار قدوة للعابدين ، فلم أر أكثر من ثلاثة : أولهم الحسن البصري ، و ثانيهم سفيان الثوري ، و ثالثهم أحمد بن حنبل .و قد أفردت لأخبار كل واحد منهم كتاباً ، و ما أنكر على من ربعهم بسعيد بن المسيب .و إن كان في السلف سادات إلا أن أكثرهم غلب عليه فن ، فنقص من الآخر ، فمنهم من غلب عليه العلم ، و منهم من غلب عليه العمل ، و كل هؤلاء كان هؤلاء كان له الحظ الوافر من العلم ، و النصيب الأوفى من المعاملة و المعرفة .و لا يأس من و جود من يحذو حذوهم ، و إن كان الفضل بالسبق لهم . فقد أطلع الله عز وجل الخضر على ما خفى من موسى عليهما السلام .فخزائن الله مملوءة ، و عطاؤه لا يقتصر على شخص .و قد حكي لي عن ابن عقيل أنه كان يقول عن نفسه : [ أنا عملت في قارب ثم كسر ] .و هذا غلط فمن أين له ؟ فكم معجب بنفسه كشف له من غيره ما عاد يحقر نفسه على ذلك و كم من متأخر سبق متقدماً ، و قد قيل :إن الليالي و الأيام حاملة و ليس يعلم غير الله ما تلد
صيد الخاطر لابن الجوزي - شغل الحياة
خطر لي خاطر و المجلس قد طيب ، و القلوب قد حضرت ، والعيون جارية ، و الرؤوس مطرقة ، و النفوس قد ندمت على تفريطها ، و العزائم قد نهضت لإصلاح شؤونها ، و ألسنة اللوم تعمل في الباطن على تضييع الحزم و ترك الحذر ، فقلت لنفسي : ما بال هذه اليقظة لا تدوم فإني أرى النفس و اليقظة في المجلس متصادقين متصافيين ، فإذا قمنا عن هذه التربة ، و قعت الغربة .
فتأمت ذلك فرأيت أن النفس ما تزال متيقظة ، و القلب ما يزال عارفاً ، غير أن القواطع كثيرة ، و الفكر الذي ينبغي استعماله في معرفة الله سبحانه تعالى قد كل مما يستعمل في اجتلاب الدنيا ، و تحصيل حوائج النفوس ، و القلب منغمس في ذلك ، و البدن أسير مستخدم .
و بينا الفكر يجول في اجتلاب الطعام و الشراب و الكسوة ، و ينظر في صدد ذلك ، و ما يدخر لعده و سنته ، إذا هو مهتم بخروج الفضلات المؤذية ـ و منها المني فاحتاج إلى النكاح ، فعلم أنه لا يصح إلا باكتساب كسب الدنيا فتفكر في ذلك وعمل بمقتضاه .
ثم جاء الولد فاهتم به وله ، و إذا الفكر عامل في أصول الدنيا و فروعها . فإذا حضر الإنسان المجلس فإنه لا يحضر جائعاً و لا حاقناً . بل يحضره جائعاً لهمه ، ناسياً ما كان من الدنيا على ذكره فيخلو الوعظ بالقلب فيذكره بما ألف ، و بجذبه بما عرف ، فينهض عمال القلب في زوارق عرفانه . فيحضرون النفس إلى باب المطالبة بالتفريط ، و يؤاخذون الحس بما مضى من العيوب ، فتجري عيون الندم ، و تنعقد عزائم الاستدراك .
و لو أن هذه النفس خلت عن المعهودات التي وصفتها ، لتشاغلت بخدمة باريها .
و لو وقعت في سورة حبه ، لاستوحشت عن الكل شغلاً بقربه .
و لهذا سكن الزهاد الخلوات ، و تشاغلوا بقطع المعوقات ، و على قدر مجاهدتهم في ذلك نالوا من الخدمة مرادهم ، كما أن الحصاد على مقدار البذر .
غير أن تلمحت في هذه الحالة ـ دقيقة ـ و هو أن النفس لو دامت لها اليقظة لوقعت فيما هو شر من فوت ما فاتها ، و هو العجب بحالها ، و الاحتقار لجنسها .
و ربما ترقت بقوة علمها و عرفانها ، إلى دعوى قولها : لي ، و عندي ، و أستحق . فتركها في حومة ذنوبها تتخبط .
فإذا وقفت على الشاطئ قامت بحق ذلة العبودية ، و ذلك أولى لها .
هذا حكم الغالب من الخلق ، و لذلك شغلوا عن هذا المقام ، فمن بذر فصلح له فلا بد له من هفوة تراقبها عين الخوف بها تصح عبوديته ، و تسلم له عبادته .
و إلى هذا المعنى أشار الحديث الصحيح : لو لم تذنبوا لذهب الله بكم و جاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم .
--
صيد الخاطر لابن الجوزي - نقد الصوفية
تفكرت فرأيت أن حفظ المال من المتعين ، و ما يسميه جهلة المتزهدين توكلا من إخراج ما في اليد ليس بالمشروع . فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال لكعب بن مالك : أمسك عليك بعض مالك أو كما قال له ، و قال لسعد : لأن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس .
فإن اعترض جاهل فقال : فقد جاء أبو بكر رضي الله عنه بكل ماله .
فالجواب أن أبا بكر صاحب جأش و تجارة ، فإذا أخرج الكل أمكنه أن يستدين عليه ، فيتعيش .
فمن كان على هذه الصفة لا أذم إخراجه لماله ، و إنما الذم متطرق إلى من يخرج ماله و ليس من أرباب المعائش .
أو يكون من أولئك ، إلا أنه ينقطع عن المعاش فيبقى كلا على الناس ، يستعطهم و يعتقد أنه على الفتوح ، و قلبه متعلق بالخلق ، و طعمه ناشب فيهم .
و مت حرك بابه نهض قلبه . و قال : رزق قد جاء .
و هذا أمر قبيح بمن يقدر به على المعاش ، و إن لم يقدر كان إخراج ما يملك أقبح ، لأنه يتعلق قلبه بما في أيدي الناس .
و ربما ذل لبعضهم ، أو تزين له بالزهد ، و أقل أحواله أن يزاحم الفقراء و المكافيف و الزمني في الزكاة .
فعليك بالشرب الأول ، فانظر هل فيهم من فعل ما يفعله جهلة المتزهدين ؟
و قد أشرت في أول هذا إلى أنهم كسبوا و خلفوا الأموال .
فرد إلى الشرب الأول ، الذي لم يطرق فإنه الصافي .
و احذر من المشارع المطروقة بالآراء الفاسدة الخارجة في المعنى على الشريعة مذعنة بلسان حالها أن الشرع ناقص يحتاج إلى ما يتم به .
واعلم ـ وفقك الله تعالى ـ أن البدن كالمطية ، و لا بد من علف المطية ، و الاهتمام به .
فإذا أهملت ذلك كان سببا لوقوفك عن السير .
وقد رئي سلمان رضي الله عنه يحمل طعاما على عاتقه ، فقيل له : أتفعل هذا وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فقال : [ إن النفس إذا أحرزت قوتها اطمأنت ] .
و قال سفيان الثوري : [ إذا حصلت قوت شهر فتعبد ] .
و قد جاء أقوام ليس عندهم سوى الدعاوي فقالوا : هذا شك في الرازق والثقة به أولى . فإياك وإياهم .
و ربما ورد مثل هذا عن بعض صدور الزهاد من السلف فلا يعول عليه ، ولا يهولنك خلافهم .
فقد قال أبو بكر المروذي : سمعت أحمد بن حنبل يرغب في النكاح . فقلت له : قال ابن أدهم ، فما تركني أتمم حتى صاح علي ، و قال : أذكر لك حال رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه ، وتأتيني ببنيات الطريق ؟
و اعلم وفقك الله : أنه لو رفض الأسباب شخص يدعي التزهد . و قال : لا آكل و لا أشرب ، و لا أقوم من الشمس في الحر ، و لا استدفئ من البرد ، كان عاصياً بالإجماع .
و كذلك لو قال و له عائلة : لا أكتسب و رزقهم على الله تعالى ، فأصابهم أذى ، كان آثماً .
كما قال عليه الصلاة و السلام : كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يوقت .
و اعلم أن الاهتمام بالكسب يجمع الهم ، و يفرغ القلب ، ويقطع الطمع في الخلق ، فإن الطبع له حق يتقاضاه .
وقد بين الشرع ذلك فقال : إن لنفسك عليك حقاً ، و إن لعينك عليك حقاً .
و مثال الطبع من المريد السالك ، كمثل كلب لا يعرف الطارق ، فكل من رآه يمشي ، نبح عليه ، فإن ألقى إليه كسرة سكت عنه .
فالمراد من الاهتمام بذلك جمع الهم لا غير ، فافهم هذه الأصول ، فإن فهمها مهم .
صيد الخاطر لابن الجوزي - إصلاح البدن سبب لإصلاح الدين
رأيت نفسي كلما صفا فكرها ، أو اتعظت بدارج ، او زادت قبور الصالحين ، تترك همتها في طلب العزلة ، و الإقبال على معاملة الله تعالى .
فقلت لها يوماً ، و قد كلمتني في ذلك : حدثني ما مقصودك ؟ و ما نهاية مطلوبك ؟
أتراك تريدين مني أن أسكن قفراً لا أنيس به ، فتفوتني صلاة الجماعة ، و يضيع مني ما قد علمته لفقد من أعلمه ؟
و أن آكل الجشب الذي أتعوده فيقع نضوى طلحاً في يومين ؟
و أن ألبس الخشن الذي لا أطيقه . فلا أدري من كرب محمولي من أنا ؟ و أن أتشاغل عن طلب ذرية تتعبد بعدي بقاء القدرة على الطلب .
با الله ما نفعني العلم الذي بذلت فيه عمري إن وافقتك ، و أنا أعرفك غلط ما وقع لك بالعلم .
اعلمي أن البدن مطية ، و المطية إذا لم يرفق بها لم تصل براكبها إلى المنزل . و ليس مرادي بالرفق الإكثار من الشهوات ، و إنما أغنى أخذ البلغة الصالحة للبدن ، فحينئذ يصفو الفكر ، و يصح العقل ، و يقوى الذهن .
ألا ترى إلى تأثير المعوقات عن صفاء الذهن في قوله عليه الصلاة و السلام : لا يقضي القاضي بين اثنين و هو غضبان ، و قاس العلماء على ذلك الجوع و ما يجري مجراه من كونه حاقناً ، أو حاقباً .
و هل الطبع إلا ككلب يشغله الآكل ؟ ، فإذا رمى له ما يتشاغل به طاب له الكل . فأما الإنفراد و العزلة فعن الشر لا عن الخير .
و لو كان فيها لك وقع خير لنقل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و عن أصحابه رضي الله عنهم .
هيهات لقد عرفت أن أقواماً ما دام بهم التقلل و اليبس إلى تغير فكرهم ، و قوى الخلط السوداوي عليهم ، فاستوحشوا من الناس ، و منهم من اجتمعت له من المآكل الردية أخلاط مجة ، فبقي اليوم و اليومين و الثلاثة لا يأكل و هو يظن ذلك من أمداد اللطف ، و إذا به من سوء الهضم .
و فيهم من ترقي به الخلط إلى رؤية الأشباح فيظنها الملائكة .
فا الله الله في العلم ، وا الله الله في العقل ، فإن نور العقل لا ينبغي أن يتعرض لإطفائه ، و العلم لا يجوز الميل إلى تنقيصه .
فإذا حفظا حفظا و ظائف الزمان ، و دفعا ما يؤذي ، و جلباً ما يصلح ، و صارت القوانين مستقيمة في المطعم و المشرب و المخالطة .
فقالت لي النفس : فوظف لي و ظيفة و احسبني مريضاً قد كتبت له بشربه .
فقلت لها : قد دللتك على العلم و هو طبيب ملازم ، يصف كل لحظة لكل داء يعرض دواء يلائم .
و في الجملة ينبغي لك ملازمة تقوى الله عز وجل في المنطق و النظر ، و جميع الجوارح و تحقق الحلال في المطعم و إيداعي كل لحظة ما يصلح لها من الخير ، و مناهبة الزمان في الأفضل ، و مجانبة [ ما يؤدي إلى ] ما يؤدي من نقص ربح أو وقوع خسران .
و لا تعملي عملاً إلا بعد تقديم النية .
تأهبي لمزعج الموت فكان قدوما عندك من مجيئه في أي و قت يكون .
و لا تتعرض لمصالح البدن ، بل وفريها عليه و ناوليه إياها على قانون الصواب ، لا على مقتضى الهوى ، فإن إصلاح البدن سبب لإصلاح الدين .
و دعي الرعونة التي يدل عليها الجهل لا العلم ، من قول النفس فلان يأكل الخل و البلق ، وفلان لا ينام الليل ، فاحملي ما تطيقين ، و ما قد علمت قوة البدن عليه .
[ فإن البهيمة إذا أقبلت إلى نهر أو ساقية فضربت لتقفز لم تفعل حتى تزن نفسها .
فإن علمت فيها قوة الطفر طفرت و إن علمت أنها لا تطيق لم تفعل ] و لو قتلت .
و ليس كل الأبدان تتساوى في افطاقة ، و لقد حمل اقوام من المجاهدات في بداياتهم أشياء أوجبت أمراضاً قطعتهم عن خير ، و تسخطت قلوبهم بوقوعها فعليك بالعلم فإنه شفاء من بالعلم فإنه شفاء من كل داء ، و الله الموفق .
صيد الخاطر لابن الجوزي - خطر الرفاهية
تأملت مبالغة أرباب الدنيا في اتقاء الحر و البرد . فرأيتها تعكس المقصود في باب الحكمة . و إنما تحصل مجرد لذة و لا خير في لذة تعقب ألما .
فأما في الحر فإنهم يشربون الماء المثلوج ، و ذلك على غاية في الضرر ، و أهل الطب يقولون : إنه يحدث أمراضاً صعبة يظهر أثرها في وقت الشيخوخة و يضعون الخيوش المضاعفة . و في البرد يصنعون اللبود المانعة للبرد .
و هذا من حيث الحكمة يضاد ما وضعه الله تعالى . فإنه جعل الحر لتحلل الأخلاط ، و البرد لجمودها ، فيجعلون هم جميع السنة ربيعاً . فتنعكس الحكمة التي وضع الحر و البرد لها ، و يرجع الأذى على الأبدان .
و لا يظنن سامع هذا أني آمره بملاقاة الحر و البرد .
و إنما أقول له : لا يفرط في التوقي ، بل يتعرض في الحر لما يحلل بعض الأخلاط ، إلى حد لا يؤثر في القوة ، و في البرد بأن يصيبك منه الأمر القريب لا المؤذي ، فإن الحر و البرد لمصالح البدن .
و قد كان بعض الأمراء يصون نفسه من الحر و البرد فتغيرت حالته فمات عاجلاً ، و قد ذكرت قصته في كتاب لقط المنافع في علم الطب .
صيد الخاطر لابن الجوزي - لا تشغل عن معاشك
رأيت جمهور العلماء يشغلهم طلبهم للعلم من زمن الصبا عن المعاش ، فيحتاجون إلى ما لا بد منه ، فلا يصلهم من بيت المال شيء ، و لا من صلات الإخوان ما يكفي ، فيحتاجون إلى التعرض بالإذلال ، فلم أر في ذلك من الحكمة إلا سببين :
أحدهما : قمع إعجابهم بهذا الإذلال ، و الثاني : نفع أولئك بثوابهم .
ثم أمعنت الفكر فتلمحت نكتة لطيفة ، و هو أن النفس الأبية إذا رأت حال الدنيا كذلك ، لم تساكنها بالقلب ، ونبت عنها بالعزم ، و رأت أقرب الأشياء شبهاً بها ، مزبلة عليها الكلاب ، أو غائطاً يؤتي لضرورة .
فإذا نزل الموت بالرحلة عن مثل هذه الدار ، لم يكن للقلب بها متعلق متمكن فتهون حينئذ .
.
صيد الخاطر لابن الجوزي - قمة التدبر
قرأت من غرائب العلم ، و عجائب الحكم ، على بعض من يدعي العلم ، فرأيته يتلوى من سماع ذلك ، و لا يطلع على غوره ، و لا يشرئب إلى ما يأتي ، فصدفت عن إسماعه شيئاً آخر و قلت : إنما يصلح مثل هذا الذي لب يتلقاه تلقي العطشان الماء .
ثم أخذت من هذه إشارة هي أنه لو كان هذا يفهم ما جرى و مدحني لحسن ما صنعت لعظم قدره عندي ، و لأريته محاسن مجموعاتي و كلامي . و لكنه لما لم أره لها أهلاً صرفتها عنه ، و صدفت بنظري إليه .
و كانت الإشارة : أن الله عز وجل ، قد صنف هذه المخلوقات فأحسن التركيب ، و أحكم الترتيب ، ثم عرضها على الألباب ، فأي لب أو غل في النظر مدح على قدر فهمه فأحبه المصنف ، و كذلك أنزل القرآن يحتوي على عجائب الحكم ، فمن فتشه بيد الفهم . و حادثة في خلوة الفكر ، استجلب رضى المتكلم به و حظي بالزلفى لديه .
و من كان للذهن مستغرق الفهم بالحسيات ، صرف عن ذلك المقام . قال الله عز و جل : سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق .
--
صيد الخاطر لابن الجوزي - المؤمن و الذنب
المؤمن لا يبالغ في الذنوب و إنما يقوى الهوى و تتوقد نيران الشهوة فينحدر .
و له مداد لا يعزم المؤمن على مواقعته ، و لا على العود بعد فراغه . و لا يستقصي في الانتقام إن غضب ، و ينوي التوبة قبل الزلل .
و تأمل إخوة يوسف عليهم السلام فإنهم عزموا على التوبة قبل إبعاد يوسف فقالوا : اقتلوا يوسف ثم زاد ذلك تعظيماً فقالوا : أو اطرحوه أرضاً ثم عزموا على الإنابة فقالوا : و تكونوا من بعده قوماً صالحين . فلما خرجوا إلى الصحراء هموا بقتله بمقتضى ما في القلوب من الحسد .
فقال كبيرهم : لا تقتلوا يوسف و ألقوه في غيابة الجب و لم يرد أن يموت بل يلتقطه بعض السيارة ، فأجابوا إلى ذلك .
و السبب في هذه الأحوال أن الإيمان على حسب قوته ، فتارة يردها عند الهم ، و تارة يضعف فيردها عند العزم ، و تارة عن بعض الفعل ، فإذا غلبت الغفلة ، و واقع لذنب ، فتر الطبع ، فنهض الإيمان للعمل ، فينغص بالندم أضعاف ما التذ .
صيد الخاطر لابن الجوزي - آثار الذنوب
لا ينال لذة المعاصي إلا سكراناً بالغفلة .
فأما المؤمن فإنه لا يلتذ ، لأنه عند التذاذه يقف بإزائه علم التحريم ، و حذر العقوبة .
فإن قويت معرفته رأى بعين علمه قرب الناهي ، فيتنغص عيشه في حال التذاذه .
فإن غلب سكر الهوى كان القلب متنغصاً بهذه المراقبات ، و إن كان الطبع في شهوته .
و ما هي إلى لحظة ، ثم خذ من غريم ، ندم ملازم ، و بكاء متواصل ، وأسف على ما كان من طول الزمان .
حتى إنه لو تيقن العفو و قف بإزائه حذار العتاب فأف للذنوب ما أقبح آثارها و ما أسوأ أخبارها ، و لا كانت شهوة لا تنال إلا بمقدار قوة الغفلة .
✨💫✨💫
د.حسان شمسي باشا
هل نكون من أصحاب الهمم؟
الإمام ابن الجوزي كان من أصحاب الهمم .. يحضر مجالسه الملوكُ والوزراء والأئمة والكبراء.. وقيل إنه حضر في بعض مجالسه مائة ألف.
وقال في آخر عمره : «كتبتُ بأصبعي ألفيّ مجلد ( المجلد حوالي 40 صفحة)، وتاب على يديّ مائة ألف، وأسلم على يديّ عشرون ألفًا»..
فقلتُ لنفسي:
فَتَشَبّهي إِن لَم تَكُوني مِثلَهُم إِنَّ التَّشَبّه بِالكِرامِ فَلاح
✨💫✨💫ُ
ابن الجوزي عالم نفتخر به , ترك لنا كل قضية وحلولها , شكراً للمهتمين بدراسة آثاره
جزاه عنا خير الجزاء، ورضانا ورضى عنا
اجدتم النقل
تحيتي وشكري