-
في فلك الخلق القويم .
في فلك الخلق القويم . توطئة. هل يا ترى بالمقدور إرساء دعائم دين على أساس من الخلق القويم المنضبط بضوابط الخلق نفسه . أي أن يكون حافزه الخلق ومثوبته من نفس الجنس أي من الخلق .الخلق من أجل الخلق. هل يمكن أن يقوم دين على لحمة الخلق دون سواها من اللحمات. ربما هناك أديان من هذا الديدن. وفلسفات من هذه الأهياف. بيد أنني لا أزمع دعوة ولا أجمع فرية فلسفية ولا أروم الخوض في مقولة لا تكون من بنات تراثنا وأرثنا. خلق يكون وحيه من وحي عبقر أو من وحي النفس الأمارة بالخير. النفس الأمنة المطمئنة . خلق يهدي الى الأيمان دون أن يهدي إليه الأيمان. خلق يقي الأيمان ولا يقيه هذا. وإن فعل إلتقيا هجرا . خلق ليس له سفر قدسي ولا ثوب دمسقي. يبد أن له في النفس مس مسي. وقد يقوم مثل هذا الخلق ويقوم رابضته . قد يقوم مثل هذا الخلق ويثبت له جدار ويستقر له ركن ويقوى له صرح. يعقوب القاسمي.
-
في فلك الخلق القويم . المقالة الأولى . يعقوب القاسمي. الخلق ما كان . الخلق ما دعى الى الهداية ومهد لها . ما وقف على قوائم خاصة به . ما جعل من المرء هاديا ومهديا دون الرجوع الى سفر قدسي . ما جعل من المرء منارة رشاد وهداية . ما نأى به من الزيغ الرخيص و دنى به من معدن الفطرة السوية . الخلق ميل طبيعي إلى التصرف بحكمة وإعتدال . ميل طبيعي إلى رؤية الحق دون نزق في الحقاق . ميل طبيعي إلى الرغوب عن تعدي النفس لإطوارها وإختراق حدود ودوائر الغير. الخلق إستعداد نفسي في التعاطف مع الآخر وقبول بدواعي السلوك عند الآخرين . إن الخلق ومدار تقلب المرء فيه مرهون على أكثر تقدير بطبع المرء وما يشتمل هذا الطبع على سجايا وخلال قلما تكتسب بالدرس والتلقين . والعبرة في الطبع لا في التطبع . ومن كان على طبع الهدى والهداية إستقام وثبت بالنزر النزير من الوعظ . ومن كان في طبع السوء و على طبع الغواية إحتاج إلى الصقل الشديد والتريض المديد ليعوج عند أول عوجة وينعطف عند أول منعطف راجعا القهقري. فهو أخلف على الدين من بول البعير. ومن روض على خلق عاد أدراجه ورجع إلى أهيافه. أعود والعود أحمد. يعقوب القاسمي.
-
خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهتم/ في فلك الخلق القويم . المقالة الثانية . إن من الجلي بمكان أن عرب الجاهلية كلها لم تترافد ترافد الإبل بأبوالها . ألا ترى أن خير جيل الصحابة ولد من صلب أب جاهلي وأم جاهلية . فأي صحابي لم يك أباه وأمه على هذه الشاكلة وتتصف بأوصاف عرب الجاهلية . والنبي العربي ليس أستثناء هذه القاعدة الذهبية . ألا ترى أن النبي محمد وفي خضم جاهلية جهلاء كان يلقب بالصادق الأمين . وكان أمينا في إسلامه مثلما كان أمينا في جاهليته . والإسلام ربما زاد في تألق النبي أخلاقيا وربما لم يزد. فالأمانة كانت من طبعه ولم يطبع عليها . بل لقد كان معصوما من الوقوع في كل ما نهى عنه الإسلام لاحقا من خلق وأدب . وكذا كان عثمان ذو النورين فلقد كان عثمان رض صنو النبي محمد في أصالة الخلق في الجاهلية والإسلام وهكذا تتفاوت مراتب تقدم الصحابة وتأخرهم على سلم أصالة الخلق . ونعت القرآن الكريم النبي محمد بصاحب الخلق العظيم ولم يرجع ذلك إلى فرطه في صوم النفل أو تفريطه في صلاة النفل أو الذكر حد بلوغ الهلوسة والهذيان . ألا ترى أن كل خليقة من خلق عثمان بن عفان في الجاهلية كانت عينة تشفي الجرب . ألا ترى بأن عثمان هو الجاهلي الذي عدم ذما . وكانت كل خليقة من أخلاقه مصدرها النور الألهي . ولم يترافد عثمان بن عفان في أبوال حمر الإبل في الجاهلية بل كان حامل نور الجاهلية إلى الإسلام . أعود والعود أحمد . يعقوب القاسمي.
-
في فلك الخلق القويم . المقالة الثالثة . وما صدق على عثمان من قول صدق على أصدق العرب ألا هو النبيي محمد عليه صلى السماء . إن الطبع يغلب التطبع . ويجد المرء في نبي العرب أنصع مثال وأجلى خصال وفصال . فإذا كان ضوء عثمان ذو النورين من القمر فإن ضوء نبي الرحمة من الشمس والشمس أضوأ . ألا ترى أن النبي محمد وفي خضم جاهلية جهلاء كان يلقب بالصادق الأمين . إذ كان أمينا في جاهليته مثلما كان في إسلامه والعكس بالعكس. وربما زاد الخلق أو الدين الجديد في تألق النبي أخلاقيا وربما لم يزد. ومهما يكن عليه الأمر فإن نبي الهداية لم ينقض غزله في خليقة أو سجية كان عليها في جاهليته . ولم تك شخصيته الإسلامية إلا سواد ركب شخصيته الجاهلية . أليس هذا بالشئ المعجز. بلى وألف بلى. ونعت القرآن النبي بصاحب الخلق العظيم . تأكيدا وتوكيدا على وقوع المعجزة الخلقية لدنه. الآية إنك على خلق عظيم. أي أن الخلق من سجيتك وطبعك . وينجلي من المعنى أيضا معاني الثبات والمداومة والديمومة. أي أن هذا الخلق معلم بارز فيك ونعتك الأول والأسمى . لا تصرف عن هذا الخلق ولا ينصرف عنك. فهل في وسعنا وفي بجدتنا أن نحب نبي العرب أولا وأخيرا لخلقه الجاهلي قبل الإسلامي .كيف تمكن النبي محمد ص من جعل النفس مصدر إلهام ومصدر وحي. وكيف مكنته العناية الربانية من الإنسلاخ عن خلق محيطه الجاهلي وعلى حمل زجاجة النور والشفافية في الخلق معتقدا ووجدانا وسلوكا . أعود والعود أحمد . يعقوب القاسمي.
-
عندما نقتدي وبصدق بقدوتنا ورسولنا سوف نكون افضل اكيد
اشكر لك مقالك القيم فعلا
ندى
-
في فلك الخلق القويم . ولقد كان نبي العرب خير أهل الجاهلية . ولقد كان وبحق وبصدق خيرأقوام العرب في فقه الخلق الجاهلي . وكان يصدق فيه قول كل شاعر قال القريض في الفخر والثناء . وكل ما قيل من روائع بحق قادة وسادة العرب تجد تطبيقا في خلق النبي . وحتى المعلقات التي سطرت حروفها بماء الذهب وبقصب العسجد . بيد أن ما ينبغي وضعه نصب العين أن نبي العرب لم يك شاعرا ولم تصبو إلى قول الشعر ولم يغرى بقول الشعر. وزيادة على ذلك فإنه لم يلهث وراء شهرة وشرف مجردة عن رسالة وبرنامج نور ونوار يضع به الآخرين على طريق التكامل والتمالك. فلم يحلف نبي العرب بالسماء والطارق كذبا وما له أن يصنع ذلك . لذا لم يفتخر نبي العرب بما ليس في جعبته ولم ينضح بما ليس في إناءه .أي لم يفتخر بعز مزور منقوص ومخدوج في حين كان الرسول في فعاله ونعاله ترجمة للخلق الجاهلي الذي يتطلع كل جاهلي إلى تحقيقه ويبرد على قلبه ويسعى إلى المسك بناصيته . ولقد كان النبي معجزا بمكان وإلى درجة أنه ميز الخبيث من طيب ذلك الخلق والغث من سمينه . لقد كان النبي وعلى هذه الشاكلة ترجمة العقل العربي في وروده وصدوره لمناهل الخلق المساغ والمستساغ لدن الله . ولم يقع في حمأة الخلق الغريب والمستهجن في سفر الله الأزلي . ولم يرتكب شنيعة ولا منيعة . ولم يتعدى طورا في خلق أورده المشيئة الإلهية في لائحة الفعال المحظورة والممنوعة . أعود والعود أحمد. يعقوب القاسمي.
-
الانسان يبقى ضمن دائرة الخليقة المثالية المتعالية في هذا التكوين الوجودي ، فالانسان بما منح يمكنه من اتباع وسائل الحياة الخاصة به من اجل تحقيق سعادته / ان وجدت / وهذا مما يعني أن الاختيار قائم وهو السبيل من اجل تعميق اية فكرة او دين ، وليس الجبرية القاتمة والحتمية .
دم بخير
محبتي
جوتيار
-
في فلك الخلق القويم . المقالة الخامسة. خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهتم . لم يأتي نبي العرب صلى عليه السلام بالجديد من الخلق وإنما ثبت كل المفاهيم الخلقية التي سادت أيام الجاهلية . وبالطبع الناصعة المشرقة منها . وأدخل في تطبيقها بعض الضوابط وجعل منها ممارسة السواد الأعظم من الأقوام بدل حكرها على نفوس جوهرها النبل . نفوس تصفو عبر التسامي وإستخلاص العبر. نفوس تميل إلى القيلولة من هجير البطحاء. وأسماء هؤلاء أكثر من أن تعد وتحصى . أما خلق النبي في إسلامه فظل طبعة أصيلة غير منقوحة لجاهليته . وربما اللفظه هذه يتعذر تطبيقه على خلق النبي فخلق نبي العرب بعجره وبجره كان مستقاة من وادي النور وضياء جبل قبيس . لذا ما دعا القرآن النبي إلى الرغوب عن خلقه أو الإنصراف عنه . ولم يحض القران على خلق غير خلق النبي لا بل مضى به قدما ليصيره ويجعل منه لحمة الخلق القرآني . ما أعجزك يا نبي العرب . فلقد كنت أعلم الناس بالخلق والعقل العربي . بالقض والقضيض. ببواطن صلاحهما وظواهر جمالهما. ولقد حباك الرعاية الألهية بطبع يتحسس الطيب وبعقل يقبل به . بطبع ينفر من الخبيث وعقل يتبعه بلجامه . إنك علمت أن الصدق ينبأ عنك وعن الغيب ولذا وقفت على الصفا وناديت في رأد الضحى يا بني عبد مناف يا بني هاشم يا بني فلان وعلان فأجتمعوا من كل مكان وكل وادي وقلت لهم لو أخبرتكم أن خيلا وراء هذا الوادي يريد أن يغير عليكم أكنتم مصدقي قالو نعم ما جربنا عليك كذبا قط فقلت إني رسول الله إليكم . لقد قرن النبي قول الصدق بالصدق في الإنباء عن الغيب . إن هذا الحدث المنعطفي يفتح الأعين على حقيقة صارخة مؤداها أن مجرد أن يكون الصدق أولى شمائل المرء وأرفع سجاياه يؤهل صاحبه ويبوءه مكانة عالية ويرفعه في المقام ليتبوء مقام النبوة . أعود والعود أحمد . يعقوب القاسمي.
-
في فلك الخلق القويم . المقالة السادسة . الخلق ما كان . والوصفة الجاهلية للخلق إمتازت بمزايا وتوفرت فيها مقاديرالحركة والديمومة والحمية بحيث أعطت هذه المزايا الخلق الأسلامي الوليد بعدا لا يضاهيها بعد وزخما لا يوازيها زخم . ولم يتغير من الخلق الجاهلي المثالي في ظل الإسلام إلا إسمه ورسمه . وتجلى هذا الأسم في الإسلام والرسم في النبي الجديد . أما الشمائل والخلال التي يتنافس الملأ من أجل إكتسابها فظل كما هو . فلم يطل التغير جوهر الخلق ولا إسمه . فظل الصدق يسمى بمسماه القديم . والوفاء بذات الإسم وهلم جرا . وعلى هذه الشاكلة ولد الإسلام من رحم طيب كريم وحضن عريض وبوادي ترفع لواء الخير . وكانت الجزيرة العربية الرحم وبوادي العراق الحضن . ولم يظهر فساد البر والبحر إلا في أكناف نفر من قريش ولن بعض الرؤوس الضالة من قريش. الرؤوس التي ركبت عرعرها وركبت المركب الصعب . أما الخلق الجاهلي بطبعته المنقحة ,الإسلامي, فكان له صدى طيبة ورجعا حميدا في نفس كل عربي . وبذا كانت حركة الإسلام مجمعة لا مفرقة . حركة أرست أسسا مشتركة في كل نفس ورموزعامة للملأ في طول البوادي وعرضها . ووجدت أقوام العرب في مسميات النبي والله والقران جوامع وقواسم مشتركة تجتمع عليها كلمة الأقوام وتتحقق عبرها مصالح العباد . إذ أصبح لذلك الخلق الجاهلي مرجعا إجتماعيا أعلى في كل نفس وغدت كل نفس تنفعل وتتفاعل مع تلك الرموز على طريقتها الخاصة . وكان الخلق الجاهلي أصلا قواسم مشتركة للخلق الأجتماعي لدى أقوام العرب ولم يك قوما حيال هذا الخلق في العكم . أعود والعود أحمد. يعقوب القاسمي .
-
في فلك الخلق القويم .المقالة السابعة . وكانت قواسم الخلق الإجتماعي مبثوثة في ثنايا النسيج الذي ينطوي فيه قبائل وأقوام العرب قاطبة . ولم يك قوما من الأقوام حيال هذا الخلق في العكم. وكان لهذا الخلق جدار ثابت وبنيان راسخ وشعر صادح . الكل يقف حيال هذا الخلق على قدم المساوات . لا طبقية إجتماعية كانت أم غيرها تقوى على الوقوف أمام أرواح أو أرياح الجزيرة .أمام الشمال والجنوب . أمام القبلة والدبور. المجتمع أو ما أشكل على شكله ,والشئ من شكله , مفتوح , كإنفتاح ثغر وادي على الأرياح , فلا حاجز لتخترق ولا سور لتسلق . ولهذا إرتقى الكثير من الصعاليك سنام الخلق ووصل من وصل منهم مدارج الصيت والشهرة وصدح من صدح منهم وبز في القريض. ولم يقصروا عن بلوغ سدرة السيادة والإيالة إلا لأنهم فقدوا شرف الإنتساب القبلي إلى أمهات قبائل العرب . وكذا كان الحال والمآل في بلاد السواد. وكانت مملكة الحيرة إمتدادا طبيعيا لجزيرة العرب رغم أن الحيرة كانت أرقى تنظيما في الشكل والجوهر من الجزيرة . وكان بطحاء الموصل إمتدادا لبطحاء مكة أو العكس بالعكس من حيث نمط الخلق أو أعراف وعادات الأقوام . الخلق الجاهلي خبز يومي للجميع وكلأ مباح . ولهذا كان في وسع العربي أن يفطن وبلمحة بصر وعلى البداهة أن يكتشف مواطن الإعجاز في الدين الوليد .أعود والعود أحمد . يعقوب القاسمي .
-
في فلك الخق القويم . المقالة الثامنة . وهكذ كان خلق الدين الجديد من ذات عود خلق أقوام العرب . وقدحه من قسي ونبع وشريان بوادي العرب . فلم يدخل ذلك الدين الندي بوادي العرب متطفلا ولا على أهلها دخيلا . ولقد كان الخلق الذي بشر به محمدا من بناة وصلب خلق العرب . لم يك الخلق الوليد غريبا على القوم مثلما كانت المسيحية على روما أو الإمبراطورية الرومانية ومثلما كان الإسلام غريبا على خلق أهل بلاد فارس. والمسيحية دين أوربي مستورد . دين غريب على أوربا . نقله الحواري بوولس إلى هناك . وزرعه في تربة غير تربته الأصلية . ومن دأب أوربا وهيفها أن تنقل إليها وتغرس في أرضها كل شئ مستورد من الشرق سواء كان في ميدان الدين أو الدنيا . ولم تقبل روما بالمسيحية وتجعلها مرفقا من مرافقها وهيفا من أهيافها إلا لأنها كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة وتعيش ساعة إحتضارها . لتصبح ترياق الشفاء والنجاة معا .قشة النجاة والقشة القاصمة للظهر في ذات النفس . إن روما وعلى رأسها الإمبراطور قسطنطين قبلت بالدين الوافد لأنها كانت تعيش أفول شمسها . ووجدت روما في المسيحية منقذا ومحررا لها من النظام الطبقي الثقيل والضارب للأطناب .السوريالي في المحتوى والشكل والمضمون. النظام الطبقي الثقيل بثقل كانون لا بل أثقل منه . الثقيل في طقوسه وتراتيله . المعذبة للنفس وللزرع وللضرع . النظام الذي أحال السواد الأعظم من مواطني روما إلى عبيد وأجراء . لا يتمتع بحق ولا يزاول حق . أعود والعود أحمد . يعقوب القاسمي .
-
في فلك الخلق القويم . المقالة التاسعة . و دخل الإسلام دخيلا على بلاد كسرى مثلما دخلت المسيحية دخيلا ومتطفلا على الأمبراطورية الرومانية وعلى روما تحديدا . والعكس بالعكس . فلقد كان منطق بلاد فارس وفي مقدمتهم أو بالأحرى وعلى رأسهم كسرى كان غريبا على المنطق العربي أوالخلق العربي . كان منطق كسرى غريبا ومضحكا . وتتجلى هذه الغرابة في أحاديثه مع موفديه من رجال العرب من أمثال حاجب إبن زرارة والحارث بن كلدة بن الثقفي . و بهت هؤلاء كسرى في السجال والجدال في أكثر من مرة . وكانت لهم الدائرة في الحديث أكثر من مرة . وكسرى يسعى إلى تعليل تفوق باع هؤلاء في فن السجال البلاطي وإيجاد نظرية تبرير لعزة ومنعة موفديه من العرب فلا يجد من تبرير في أفقه الضيق وفي منطقه المهترئ إلا أن العرب من أهل نظام غذاءي صارم وشديد وينبغي ألا يكون للعربي باع في فنون الكلام وأساليب السجال والجدال وهو صاحب التمر واللبن وصاحب الشويهة والبعير . هذه طريقة تفكيرغريبة على طرائق العرب . والأغرب من هذا أنها تنطلق من كسرى أي من رجل يقف على قمة الهرم الإجتماعي في بلاد فارس وهو يتربع على عرش مزخرف ويسكن بلاط الأبهة ويحمل صولجان الملك في ظل نظام يؤمن بحق النخبة في الحكم وبرسن وأصل ملكي عائلي تقوم على نقاء وزرقة الدم . فكيف دخل سنن وديدن العربي بلاد فارس لتصبح نواة وأس الدين الجديد الذي يسمى بالإسلام . وكيف قبل بلاد فارس هذا الدين ومن وراءه نبي ديدنه غير ديدنهم ونمط تفكيره غير نمط تفكيرهم . ومنبت خلقه غير منبت خلقهم . أي أن مارية ليست من هند . وهكذا وقف أهل بوادي العرب في وادي وأهل بلاد فارس في وادي آخر . وسأشبع هذا الحديث حديثا لاحقا . أعود والعود أحمد . يعقوب القاسمي .
-
في فلك الخلق القويم . المقالة العاشرة . كيف دخل الإسلام على بلاد فارس ؟ والاسلام نتاج خلق العرب ووصول لهذا الخلق ذرى وسنام سموه وتكامله وجمال بنيانه . دخل الإسلام غريبا على بلاد فارس وعاش في ديار بلاد فارس غريبا ويعيش في بلاد فارس غريبا فطوبى للإسلام وطوبى لمعتنقيه . هل قدر الله للإسلام أن تدخل بلاد فارس والقران كله مدح وثناء بحق العرب على ما سواهم من الأمم . ومهما يكن من أمر فإن الإسلام بدخوله على بلاد كسرى مزج بطينة غير طينته وخلط بمعدن غير معدنه وأسكن صدور قوم غير صدور قومه . وجعل من الإسلام جزءا من معادلة صعبة وتركيبات معقدة .فالتركيبة الإجتماعية في بلاد فارس إختلفت عما كانت عليه الأمر في بوادي العرب . فكسرى ساد قومه ومملكته عبر بلاطه . وعرفت تلك المملكة بطاعة عمياء وركوع مطلق للملك . ومن المؤكد والطبيعي أن هذه التركيبة الإجتماعية وقفت على طرف نقيض عما كانت عليه الحال في بلاد العرب . فالعربي عقد بلاطه على ظهور الخيل وساسه شيوخ من بني جلدته . وكلاهما من ذات الأديم وينتعلون ذات الشسع . وعرفت بلاد كسرى طقوسية مذلة لا تليق بمكانة الآدمي وإنما تنزل بهذا الآدمي إلى الدرك والحضيض على سلم الآدمية . وعلى هذا النحو فإن ولوج الخلق الجديد إلى بلاد فارس كان عامل إخلال أخل بطبيعة دين وديدن ما سادت من الأخلاقيات الإجتماعية . لا بل أباد ما كان سائدا وقلع قلع البعير للصليانة جذور الكثير من تلك الأخلاقيات المستمدة من أخلاقية البلاط وأخلاقية عبادة النيران . وبذا أصبح الخلق الوافد من بوادي العرب عنصر ركوص ونكوس . أعود والعود أحمد . يعقوب القاسمي .
-
صلى الله على سيدنا محمد الذي قال
انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق
فاظن ان الخلق من الفطره
سلمت يداك
-
في فلك الخلق القويم .المقالة الحادية عشرة . وهل طمع نبي العرب محمد ص في إسلام بلاد فارس ؟ كان نبي العرب آنما تحمله الموقف على إبداء الرأي حيال بلاد فارس وكسرى إنما كان يصنع ذلك في سياق الظلم التاريخي الذي لحق بالعرب على أيادي الفرس. ولا ريب فإن نبي العرب كان على علم بإخلاقيات بلاد فارس المغايرة لأخلاقيات العرب. ويعلم أن طينة الخلق العربي غير طينة الخلق الفارسي. ولقد كانت فرحة نبي العرب عظيمة بإنتصار العرب على الفرس في ذي قار. ونعت الإنتصار بأنه إنتصار الحق العربي . دون تكليف نفسه مشقة تشخيص الظالم أو المظلوم .المعتدي أو المعتدى عليه. فكل كان يعرف بتمادي الفرس قي ظلمهم بحق العرب . فلم يك بحاجة إلى فتح تحقيق في أسباب الحرب ومسبباتها . وإنما حكم بحسه وحدسه لإحقية الحق العربي . إذ أن الفرس كانوا غزاة وفي عقر أرض الغير. في أراضي عرب السواد أو عرب العراق . وكانوا يتفرسون وكدأبهم في أراضي العرب ويحدقون فيها بحثا عن ثغرة في الأرض العربية لكي يغرزوا مخالبهم فيها . ولقد كان الفرس كذلك وهم يحاولون في نهاية المطاف ضم بلاد الشام إلى مملكتهم وطرد العرب منها . وكان الفرس في بداية القرن السابع الميلادي قوة إمبريالية تستعد للغزو وللفتح . تحارب وتغامر في العراق وفي الشام . في زمن ظهر فيه النبي العربي على مسرح الأحداث . والنبي العربي يرمق هذه القوة المتغطرسة والراكبة رأسها. أعود اعود أحمد . يعقوب القاسمي.
-
في فلك الخلق القويم . المقالة الثانية عشرة . وتربص الفرس بالعرب الدوائر. وغزوا في أوائل القرن السابع الميلادي بلاد الشام دمشق تحديدا والقدس . وأستلبوا من القدس بعض الآثار والرموز النصرانية ومنها صليب النصارى المقدس . والغزوة كانت في الأهمية بمكان . وهزيمة الروم واضحة . ومن شواهد نفور العرب من الفرس و سوءتهم في إنتصار الفرس على الروم أن سورة في القرآن نزلت وهي تحمل اسم الروم . والسورة تنطوي على آيات تنقل خبر إنتصارالفرس على الروم وتواسي الروم بنصر مرتقب في قوادم الأيام . ومن الجلي بمكان إنحياز القران للروم . ومواساته لهم , وإستبشاره لهم . وهذه هي كلمات وأحرف الآية . الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله .ينصر الله من يشاء وهو العزيز الرحيم . وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون . واضح تأسف وأسى العرب من هزيمة الروم . وواضح أن العرب كانوا يطمعون في كسر شوكة الفرس . ولقد تحقق وعد القران للروم بالنصر . وأعاد الروم تشكيل جيوشهم ونازلوا الفرس مجددا فكانت لهم الغلبة والفوز المبين . وتم لهم خراج الفرس من بلاد الشام . ومن الواضح أن العرب أدرجوا مملكة الفرس ضمن قائمة العدو الأستراتيجي . العدو الذي يشكل خطرا خلقيا على الدين الوليد . ولهذا السبب ذاته ألقى العرب بكل ثقلها وبخيرة محاربيها في سوح الوغى بغية كسر شوكة بلاد فارس وفتحها حتف أنفها .لا طمعا في إسلامها وإنما بغية إزاحتها كقوة معادية للعرب وللمسلمين . ألا ترى أن العرب صنعوا ذلك عند أول فرصة سنحت بعيد وفاة سيد الخلق محمد . وألا ترى أن سعد بن أبي وقاص , أحد العشرة المبشرة بالجنة , كان على رأس جيوش المسلمين وهي تتصدى لمملكة فارس . وألا ترى أن مملكة فارس كانت أول مملكة عمل فيها المسلمون سيوفهم . وأول هدف يصبح دريئة سيوفهم . أعود والعود أحمد . يعقوب القاسمي .
-
في فلك الخلق القويم . المقالة الثالثة عشرة . وما لعب الدين الجديد من دور أفضل من دور تصفية وتنقية وغربلة للخلق الجاهلي . دور تلحيم وتمتين وتمسيك . لقد جعل الدين الجديد من الخلق الجاهلي القويم مادة بناءه ولحمة طبخه . جوهر ودرة تاجه . وخلط هذا الخلق الناصع بأصول وفرائض تمت إلى المفهوم الهيكلي الجديد ألا وهي موضوعة العبودية لله . والوحدانية في الله . وعلى هذه الشاكلة فإن الدين الجديد رسخ العربي وثبته على أخلاقيته ولياقته . على فرسه و فروسيته . على كياسته وفراسته . لا بل زاده حركة على حركة . حمية على حمية . جرعة على الصولة وطاقة على الجولة . ومن هذا المنطلق فإن المرء يجرء على القول أن الإسلام كان وهو في مهده دين العربي . دين ناغم أهيافه اهياف خلق العربي . وجانس في عود نبعه نبع خلق العربي . في رهافة الوجدان وقوة البيان . وقدم كل هذه الخصال في الدين الجديد العربي على غير العربي . وجعل من العربي الرائد في كل مضمار . والمرشح الطبيعي في تبوء دور القيادة والتربع على دست الإمارة . وجعل من بوادي الجزيرة والعراق والشام أرضا للنمو وحمى للإيراق . فلا يكون خلق العربي وبالا على هذا الدين الجديد ولا يكون الدين الجديد وبالا على خلق آخر . معدنه غير معدن خلق العرب . دين أبقى على أنفة العربي وكبرياءه مقابل الإقرار بوجود كائن أكبر وأجل في السموات العلى . أعود والعود أحمد . يعقوب القاسمي .
-
في فلك الخلق القويم . المقالة الرابعة عشرة . ولم ينازع العربي أو بالأحرى لم يقبل بسمو وسيادة كائن عليه إلا لإن هذا الكائن أو الذات الإلهية كيان متوار ومحجوب عنه . كيان له شرف التربع على العرش الإلهي في السموات العلى . له من السمو والسيادة ما يؤهله الترفع عن الحياة الأرضية . ويفصله كنهه وطبيعته عن تلك الحياة . فلا يراه العربي ولا يستشعر بتهديد هذه الماهية المقدسة لكبرياءه .لا يكبحه في شئ . ولا يحد من طبعه على شئ . إن هذه الماهية ليست ككل ماهية . ولا هذا المليك ككل مليك . إن العربي إذ يطأطأ رأسه لهذا المليك وينحني له بالركوع والسجود إنما يصنع ذلك لإن هذا المليك يتمتع بسجايا وخلال خاصة . ويزدان اسمه بسلسلة لا متناهية من الإسماء . وينعت بنعوت مثالية .إنه مليك يترفع عن الوصف . وماهية تدق عن التشخيص . وسجايا تتناهى في الإعجاز والتعجيز . ومن الجلي بمكان أن شطرا كبيرا من كتاب الله مكرس لتثبيت حقيقة هذا الذات العالية المستعلية .هذا الذات المعجزة في الوصف الممانعة في القدرة .إله ليس كمثله في شئ . ومن له هذه الفرادة في الوصف له الفرادة في الوحدانية . حتى تجلت في عيون العربي جبروت هذا المليك وعظمته . وحينئذ قبل العربي بطأطأة الرأس أمام هذا المليك القادر المقتدر شريطة ألا يفصل بينه وبين ملكه هذا جدار أو حاجز ولا يقف بينه وبين ملكه حاجب أو عصام . وكأن هذا الذات جزءا من إخلاقية عرفها العربي وخضب وتخضب بها . وهو ما يعرفه من طرق الإتصال بشيوخ ورؤوس قبيلته . وكذا ظل الطريق الذي يسلكه في الإتصال طريقا مفتوحا طريق العنصل . أي طريق البصرة واليمامة . يدعوه قائما أو قاعدا . يدعوه عشيا ومبكرا . ويناجيه مصبحا وممسيا . وهكذا أصبح الامتزاج بين خلق العربي وطقوسيات الدين الجديد حقيقة واقعية . ونسقا وتناسقا لا يقبل التجزيء ولا التجريد ولا التفتيت . أعود والعود أحمد . يعقوب القاسمي .
-
في فلك الخلق القويم . المقالة الخامسة عشرة . وفهم المتعانق للخلق الجديد من رعايا كسرى غير فهم العربي . لقد كان الدين الجديد قوة دفع لخلق العربي الجاهلي . إعادة صياغة . وبعث روح جديدة . في الخلق العربي الجاهلي . أما ماذا عنى الدين الجديد لرعايا كسرى . ماذا كان حقا دوافع قادة العرب الفاتحين من فتح بلاد فارس . هل كمن مثل هذه الدوافع في رفع الغبن الذي لحق بالعرب على يدي الفرس عبر حقب وعصور من الزمن . أم أن باعث ونزعة العرب إلى التبشير ونشر الدين الجديد الباعث الأول للفتح . ومهما يكن من أمر فإن العرب جردوا سيوفهم على بلاد فارس . ليفتحوها بحد السيف . وتخيل رعاع ورعية كسرى نارا فرأوا في الدين الجديد نيرانا . نيرانا لم يراه العربي . إلا أن رحمة هذا الدين لأهل فارس لم تك واضحا جليا في كل الأوقات . رحمة ممذوقة أو ممزوجة . ولم يعرفوا ماذا يصنعوا بالدين الجديد . وكيف ينظروا إليه . وكيف يواءموه مع ما تعارفوا عليه من طقوس وسنن كسروية . ولم يطل بأهل بلاد فارس الأمد ولا العهد فعادوا على حافرتهم . ليروا في دين العرب ما دأبوا أن يروه ويلمسوه وعهدوه في نواميس وطقوس كسرى . نظام البلاط والكسروية . نظام الحاجب والمحجوب . نظام يحوجك إلى بلاط الملك وسدرته . وهيهات هيهات الوصول إلى هناك بدون التذلل والخنوع المغالى فيه . يعقوب القاسمي .