رد على الأستاذ الفاضل غالب الغول
رد على الأستاذ الفاضل غالب الغول
السلام عليكم أخي الكريم أبدأ بما كتبتم أنتم سيدي " لأننا واقعون تحت المجهر الغربي الذي عرف الدولة الإسلامية الماضية , وعرف كيف سيطرت على الكرة الأرضية بأسرها من خلال صدقها وعزمها وتمسكها بالفضائل , فأخذ الغرب عنا كل نظام وكل تنظيم مدعوماً بالفكر والمال , وحل محل دولتنا ولن يسمح لدولتنا الإسلامية بالنهوض مهما حاولنا , فكلما صعدنا درجة , كلما وضع حفرة لنا لنسقط أربع درجات للأسفل" هذا الكلام يشير إلى طبيعة المواقف التي تقفها شعوبنا في البلاد العربية وتقفها نخبها في السلطة وفي السياسية وفي الاقتصاد والمال والأعمال وفي الفكر والعلوم والثقافة عامة من حضارة الآخر وتفوّقه في كل المجالات إلاّ المجال الديني والأخلاقي، ومن علاقتنا بالآخر على جميع المستويات ومن صلة وضعنا المتردي والمتخلف والمأزوم بالآخر، مواقفنا اتخذت مناحي مختلفة تتقاطع في الفشل وفي تقديم كل موقف منها نفسه بشمولية وتعصب وعلى أنّه يملك الحق المطلق في المعرفة المطلقة وفي اليقين المطلق وما سواه باطل، وهي مواقف تعكس درجة الوعي في فكرنا الديني والسياسي والأخلاقي والاجتماعي والفلسفي، مما يؤكد غياب إستراتيجية وفلسفة تقف بالدقة المطلوبة على الواقع تحليلا ووصفا وتضبط ما ينبغي فعله وتحدد الوسائل والسبل الكفيلة لتحقيق ذلك. أما بخصوص مواقفنا التي تمثل وعينا بماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، بعضها اختار التراث، وبعضها اختار مدنية الغرب وثقافته، وبعضها اختار التوفيق بين الأصالة والمعاصرة، وبعضها اكتفى بالوقوف على الأطلال والتغريد على الماضي ومآثر وأمجاد الأسلاف، وبعضها قال بالارتباط السببي بين تخلفنا والغرب المتطور، ومهما كانت المبررات التي يسوقها أصحاب نظرية المؤامرة - وأنا لا أنفي وجود تآمر على الحق والعدل والإسلام من فئات وأفراد تخدم مصالح خسيسة في الداخل العربي الإسلامي وفي خارجه - فالأمة المحترمة لا تردّ ضعفها وتخلفها إلى غيرها وتتنصل من مسئولياتها الحضارية بل تبذل ما في وسعها للنهوض بأسباب وقيم التقدم وهذا ما فعلته أوروبا قبل وخلال نهضتها إذ ردّت الاعتبار كل الاعتبار للإنسان والحرية والعقل والفكر والعلم والعمل والوقت وتمثلت ذلك فكرا وشعورا وروحا وممارسة فكان لها أن تغيّر التاريخ وتبني حضارة. لا توجد دولة على الإطلاق في العالم العربي والإسلامي الحاضر تتمتع بالحرية والاستقلال بمختلف أشكاله، لا السياسي ولا الاقتصادي والثقافي ولا العسكري والأمني، الحرية وهم مع الاستبداد والاستقلال خرافة مع التبعية، كل شعوب العالم العربي والإسلامي تأكل من غير ما تنتج وتلبس من غير ما تنسج وتركب من غير ما تصنع، الحياة فيها تنظيما وثقافة وعلما واقتصاد واجتماعا ووسائل وأساليب عمل وتقنية وتكنولوجيا من إنتاج الآخر، يتحكم فيها كما يشاء وساعة يشاء، فالأمة العربية شعوب وأنظمة مغلوبة على أمرها بسبب التخلف والاستعمار بمختلف أشكاله ومن مصادر شتى واحتلال العقول والحقول والخنوع والانبطاح والدعارة السياسية والنفاق والتُقيا لدى العامة والخاصة والفساد والاستبداد والقهر وغيره، هل تقوم قائمة للنهوض الحضاري في هذا الجو من التردي والانهيار والتعفن. الأنظمة الحاكمة وسلطاتها منقسمة تديرها الفرقة وتحكمها الخلافات والنزاعات تتغذى من الداخل والخارج معا، تقدم السلطة في البلاد العربية والإسلامية نفسها فكرا ونظاما وممارسة بشمولية وإقصاء المعارضة وتحمي نفسها بالقوة البوليسية والعسكرية وبالتملّق للآخر الذي يدعمها خارجيا، والآخر براغماتي لا تهمه سوى مصالحه، ففي إفريقيا وفي آسيا وفي أمريكا اللاتينية الإنسان امرأة وشيخا وطفلا ورضيعا يتعرض يوميا للجوع والمرض والتشرد والقتل دون أن يحرك الآخر ساكنا لأنّ الأمر لا يهمه ويهمه النزاع الداخلي في مالي فتتحرك الجيوش من فرنسا ومن غيرها لحماية المصالح الغربية هناك، والأمر نفسه في العراق وفي أفغانستان في السودان الذي تعرّض للتقسيم بتواطؤ عربي عربي وغربي والقصص طويلة ومثيرة. فعلا الغرب يمتلك القوة العلمية والتكنولوجية والعسكرية، امتلك القوة بعد جهود وتضحيات عرفتها قرون من الزمن، والتزم آنذاك بجمع شروط وأسباب التقدم في الحياة وتمكّن منها ومازال إلى الآن يجتهد في تطوير حياته على المستويين النظري والعملي خاصة بالنسبة لوسائل وأساليب العمل والتأثير في الطبيعة وتسخيرها لخدمة مصالح الإنسان وسعادته، وبالتالي سيطر الغرب على الأرض وفرض العولمة وفي سياق السيطرة توجد تيارات تنحى بالعالم نحو التمييز بين الأمم وإلحاق الظلم والاستبداد بالشعوب المستضعفة، هذه التيارات لا تميز بين الشعوب عربية أو غير عربية، إسلامية أو غير إسلامية، أسيوية أو إفريقية أو غيرها، شعارها "ليس هناك عدو دائم وليس هناك صديق دائم وإنما هنا مصلحة دائمة". المجتمع الدولي اليوم ممثلا في كبار الدول تقدما وامتلاكا للقوة لا يعترف إلا بالأقوياء ولا يسمع من الضعفاء في اتخاذ القرارات وتنفيذها من خلال المنظمات الأممية أو من خلال دول بعينها، وأي دولة ضعيفة – وكل دول العالم العربي والإسلامي ضعيفة– مسلوبة الحرية والاستقلال، لا حق لها في اختيار نظامها السياسي أو الاقتصادي وأي محاولة للنهوض بشؤونها لابد أن يوافق عليه النظام الدولي، لكن لم يقف الغرب أمام محاولات الشعوب في تمثل قيم النهوض الحضاري، توجد شعوب استطاعت مع كل محاولات كسر همتها وإرادتها في الخروج من التخلف مثل اليابان وماليزيا وتركيا وبلدان تجتهد في اتجاه التنمية والتطور، لأنه لا يمكن ضمان تنمية حقيقية شاملة في أي بلد إلا بالانطلاق من الواقع المحلي والواقع الإقليمي والدولي وعيا وتحليلا واختيارا لبدائل شتى لتجاوز الانحطاط، فالانحطاط ليس موروثا بالفطرة أو بالاجتماع.