ألف الشيخ محمود سعيد ممدوح في مطلع هذا القرن كتاب في أسانيد شيخنا العلامة المسند محمد ياسين بن محمد عيسى الفَادَاني الأصل المكي المولد (ت 1410هـ) رحمه الله تعالى- وطبعه باسم «تشنيف الأسماع بشيوخ الإجازة والسماع» وقد وجد هذا الكتاب رواجا عند كثير من الباحثين والمعتنين بفن الرواية والإسناد، على ملحوظات وهنات فيه لم يخل منها.
* وقد نبهت على شيء من ذلك في كتابي «إمداد الفتاح» على شيوخ ذكرهم لشيخنا الفاداني، مع أن روايته عنهم إنما هي بالإجازة العامة لأهل العصر ، ولم ينبه المؤلف على أنها بالعامة لأهل العصر ، مع مخالفته بذلك لشرط كتابه الذي تضمنه عنوان الكتاب فهي لا تدخل في الإجازة ولا في السماع.
* ومن أهم ما يؤخذ على الكتاب: وصفُ مجيزِنا العلَّامة المحدِّث السيد عبد العزيز الغماري ، شيخنا الفاداني – رحمهما الله تعالى- في مقدمته له ، بأنه ( حسني ) النسب ، وهذه النسبة محدَثة لم أجد من سبق السيد الغماري بها ، ولما كانت هذه الكلمة في مقدمة « تشنيف الأسماع »، الذي هو من تأليف الشيخ محمود سعيد ، سألته عن هذا الأمر، ومن أين أتيتم بها ولم يدعها الشيخ لنفسه؟ فقال لي : إن الذي يرى أن الفَادَاني: ( حسني ) هو السيد سالم ابن جندان ، وبعد اطلاعي على بعض كتب ابن جندان في الأنساب والأسانيد ، تبين لي حال السيد سالم ابن جندان، وأنه غير ثقة فيما كتب ، في الأنساب والأسانيد ، وقد بينت ذلك في كتابي« معجم النسابين »، وفي حديث مع الشيخ محمود سعيد بعد مدة وجاء ذكر سالم ابن جندان فقال عنه : ده كداب – أي كذاب – . فإن كان كذلك فكيف يرضاه في مسألة نسب آل البيت وهي ليست بالأمر الهين، ولا مجال فيها للاجتهاد.
ثم تحريت المسألة بنفسي فسألت شيخنا الفقيه الفرضي عبد الفتاح راوه الأندنوسي الأصل المكي الشافعي المولود سنة 1334هـ والمتوفى سنة1424هـ المدرس بالمسجد الحرام -رحمه الله تعالى-، وهو من أقران شيخنا الفاداني وأندنوسي مثله ، فقال : إنه أندنوسي فاداني ، ولا تصح هذه النسبة المحدَثة.
وقال في ترجمته صاحبُه وبلديُّه العلَّامة المؤرّخ الشيخ زكريا بن عبد الله بيلا الأندنوسي الأصل المكي المولود سنة 1329هـ،والمتوفى 1413هـ -رحمه الله تعالى-، في ترجمته له في كتابه« الجواهر الحسان في تراجم الفضلاء والأعيان من أساتذة وخلان» 1 : 187 ، ما نصه : « هو العالم الفاضل الأديب الأريب والأصولي الفلكي الحيسوبي علم الدين محمد ياسين بن محمد عيسى بن وادئ الفَادَاني ، نسبة إلى فادان إحدى مقاطعات جزيرة سومطرا ».
فلو كان حسنياً – وهو شرف ما بعده شرف - لما تأخر صاحبه عن وصفه بذلك وهو الأعرف به وهو بلديه ورفيق دربه، مع ما وصفه به من الصفات المبجلة؛ فكيف يخليه من نسبة كتلك إن كانت ، وذكر النسب من أصول الترجمة عند أهل الصناعة ، بل إن شيخنا الفَادَاني لم يدّع ذلك لنفسه مع كثرة مؤلفاته وما صدر له من إجازات من شيوخه، ولا ما صدر عنه من إجازات؛ فلم يصف نفسه بذلك ولا نعته به أحد .
وسبب كتابتي لهذه الكلمة أن هذا الوصف لشيخنا الفاداني بالحسني لا يزال موجودًا في الطبعة الثانية من تشنيف الأسماع، ولم نجد من مؤلفه تعليقا على هذا الأمر.
هذا ، ولا يجوز التساهل في قضية الأنساب، وخصوصا فيما يتعلق في نسب آل البيت رضي الله عنهم بإدخال من ليس منهم فيهم، وقد جاء من الشارع الحكيم الوعيد الشديد على من انتسب إلى غير أبيه ؛ فكيف من نسب لآل محمد –عليهم السلام – من ليس منهم؛ وذلك مستغرب أيما استغراب ممن ينادي بمحبة أهل البيت وفقه أهل البيت وو.. بل يجب على كل باحث منصف التنبيه على مثل ذلك حتى لا يسري هذا الخطأ في كتب التراجم ويتابع فيه، وهو أمرٌ لا مجاملة فيه؛ لأن الأنساب أمانة وأي أمانة، ورحم الله شيخ شيوخنا الإمام محمد زاهد الكوثري حيث قال : «النسب رزق» .
*وكان بودي أن يخرج كتاب «تشنيف الأسماع» في طبعته الجديدة كتاباً يكون مرجعاً موثوقاً يستفاد منه، لا سيما وأن هناك نهضة من الكثير في العناية بهذا الفن، حيث طبع الكثير من الأثبات والمعاجم والمشيخات، فكان الأولى من المؤلف أن يستفيد من تلك الكتب ، ويجعل عمله مطابقا لعنوانه، إلا أنه وللأسف الشديد تطرق لأمور كثيرة بعيدة كل البعد عن هذا الفن، فأصبح هذا الكتاب كما قيل: تصفية حسابات..
اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، والباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا.
https://scontent-mxp.xx.fbcdn.net/hp...b8&oe=554E6FE4