-
صيد الخاطر لابن الجوزي - خطر الرفاهية
تأملت مبالغة أرباب الدنيا في اتقاء الحر و البرد . فرأيتها تعكس المقصود في باب الحكمة . و إنما تحصل مجرد لذة و لا خير في لذة تعقب ألما .
فأما في الحر فإنهم يشربون الماء المثلوج ، و ذلك على غاية في الضرر ، و أهل الطب يقولون : إنه يحدث أمراضاً صعبة يظهر أثرها في وقت الشيخوخة و يضعون الخيوش المضاعفة . و في البرد يصنعون اللبود المانعة للبرد .
و هذا من حيث الحكمة يضاد ما وضعه الله تعالى . فإنه جعل الحر لتحلل الأخلاط ، و البرد لجمودها ، فيجعلون هم جميع السنة ربيعاً . فتنعكس الحكمة التي وضع الحر و البرد لها ، و يرجع الأذى على الأبدان .
و لا يظنن سامع هذا أني آمره بملاقاة الحر و البرد .
و إنما أقول له : لا يفرط في التوقي ، بل يتعرض في الحر لما يحلل بعض الأخلاط ، إلى حد لا يؤثر في القوة ، و في البرد بأن يصيبك منه الأمر القريب لا المؤذي ، فإن الحر و البرد لمصالح البدن .
و قد كان بعض الأمراء يصون نفسه من الحر و البرد فتغيرت حالته فمات عاجلاً ، و قد ذكرت قصته في كتاب لقط المنافع في علم الطب .
-
صيد الخاطر لابن الجوزي - لا تشغل عن معاشك
رأيت جمهور العلماء يشغلهم طلبهم للعلم من زمن الصبا عن المعاش ، فيحتاجون إلى ما لا بد منه ، فلا يصلهم من بيت المال شيء ، و لا من صلات الإخوان ما يكفي ، فيحتاجون إلى التعرض بالإذلال ، فلم أر في ذلك من الحكمة إلا سببين :
أحدهما : قمع إعجابهم بهذا الإذلال ، و الثاني : نفع أولئك بثوابهم .
ثم أمعنت الفكر فتلمحت نكتة لطيفة ، و هو أن النفس الأبية إذا رأت حال الدنيا كذلك ، لم تساكنها بالقلب ، ونبت عنها بالعزم ، و رأت أقرب الأشياء شبهاً بها ، مزبلة عليها الكلاب ، أو غائطاً يؤتي لضرورة .
فإذا نزل الموت بالرحلة عن مثل هذه الدار ، لم يكن للقلب بها متعلق متمكن فتهون حينئذ .
.
-
صيد الخاطر لابن الجوزي - قمة التدبر
قرأت من غرائب العلم ، و عجائب الحكم ، على بعض من يدعي العلم ، فرأيته يتلوى من سماع ذلك ، و لا يطلع على غوره ، و لا يشرئب إلى ما يأتي ، فصدفت عن إسماعه شيئاً آخر و قلت : إنما يصلح مثل هذا الذي لب يتلقاه تلقي العطشان الماء .
ثم أخذت من هذه إشارة هي أنه لو كان هذا يفهم ما جرى و مدحني لحسن ما صنعت لعظم قدره عندي ، و لأريته محاسن مجموعاتي و كلامي . و لكنه لما لم أره لها أهلاً صرفتها عنه ، و صدفت بنظري إليه .
و كانت الإشارة : أن الله عز وجل ، قد صنف هذه المخلوقات فأحسن التركيب ، و أحكم الترتيب ، ثم عرضها على الألباب ، فأي لب أو غل في النظر مدح على قدر فهمه فأحبه المصنف ، و كذلك أنزل القرآن يحتوي على عجائب الحكم ، فمن فتشه بيد الفهم . و حادثة في خلوة الفكر ، استجلب رضى المتكلم به و حظي بالزلفى لديه .
و من كان للذهن مستغرق الفهم بالحسيات ، صرف عن ذلك المقام . قال الله عز و جل : سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق .
--
-
صيد الخاطر لابن الجوزي - المؤمن و الذنب
المؤمن لا يبالغ في الذنوب و إنما يقوى الهوى و تتوقد نيران الشهوة فينحدر .
و له مداد لا يعزم المؤمن على مواقعته ، و لا على العود بعد فراغه . و لا يستقصي في الانتقام إن غضب ، و ينوي التوبة قبل الزلل .
و تأمل إخوة يوسف عليهم السلام فإنهم عزموا على التوبة قبل إبعاد يوسف فقالوا : اقتلوا يوسف ثم زاد ذلك تعظيماً فقالوا : أو اطرحوه أرضاً ثم عزموا على الإنابة فقالوا : و تكونوا من بعده قوماً صالحين . فلما خرجوا إلى الصحراء هموا بقتله بمقتضى ما في القلوب من الحسد .
فقال كبيرهم : لا تقتلوا يوسف و ألقوه في غيابة الجب و لم يرد أن يموت بل يلتقطه بعض السيارة ، فأجابوا إلى ذلك .
و السبب في هذه الأحوال أن الإيمان على حسب قوته ، فتارة يردها عند الهم ، و تارة يضعف فيردها عند العزم ، و تارة عن بعض الفعل ، فإذا غلبت الغفلة ، و واقع لذنب ، فتر الطبع ، فنهض الإيمان للعمل ، فينغص بالندم أضعاف ما التذ .
-
صيد الخاطر لابن الجوزي - آثار الذنوب
لا ينال لذة المعاصي إلا سكراناً بالغفلة .
فأما المؤمن فإنه لا يلتذ ، لأنه عند التذاذه يقف بإزائه علم التحريم ، و حذر العقوبة .
فإن قويت معرفته رأى بعين علمه قرب الناهي ، فيتنغص عيشه في حال التذاذه .
فإن غلب سكر الهوى كان القلب متنغصاً بهذه المراقبات ، و إن كان الطبع في شهوته .
و ما هي إلى لحظة ، ثم خذ من غريم ، ندم ملازم ، و بكاء متواصل ، وأسف على ما كان من طول الزمان .
حتى إنه لو تيقن العفو و قف بإزائه حذار العتاب فأف للذنوب ما أقبح آثارها و ما أسوأ أخبارها ، و لا كانت شهوة لا تنال إلا بمقدار قوة الغفلة .
-
✨💫✨💫
د.حسان شمسي باشا
هل نكون من أصحاب الهمم؟
الإمام ابن الجوزي كان من أصحاب الهمم .. يحضر مجالسه الملوكُ والوزراء والأئمة والكبراء.. وقيل إنه حضر في بعض مجالسه مائة ألف.
وقال في آخر عمره : «كتبتُ بأصبعي ألفيّ مجلد ( المجلد حوالي 40 صفحة)، وتاب على يديّ مائة ألف، وأسلم على يديّ عشرون ألفًا»..
فقلتُ لنفسي:
فَتَشَبّهي إِن لَم تَكُوني مِثلَهُم إِنَّ التَّشَبّه بِالكِرامِ فَلاح
✨💫✨💫ُ
-
ابن الجوزي عالم نفتخر به , ترك لنا كل قضية وحلولها , شكراً للمهتمين بدراسة آثاره
-
رد: من أقوال ابن الجوزي
جزاه عنا خير الجزاء، ورضانا ورضى عنا
اجدتم النقل
تحيتي وشكري