-
تقسيم المقسم (111)
الغرب والإسلام
تقسيم المقسم: خوف اليهود والغرب من الإســــــــلام! (111)
مصطفى إنشاصي
إن الخوف اليهودي الغربي الصليبي من الإسلام خوف عميق الجذور كما أوضحنا، وإذا ما حاولنا أن نؤصل له، أو بمعنى أصح نسبر أسبابه، فذلك راجع إلى الفهم اليهودي الصليبي الحقيقي للإسلام كعقيدة، وأحكام شرعية، وقد قلنا أن الحروب الصليبية كانت تجربة مهمة لنا ولأعداء الأمة فيها كثير من الدروس والعبر التي تكاد تتطابق مع الواقع، وإن كان الغرب قد استفاد منها فنحن للأسف لم نستفيد منها، ومن يراجع التاريخ يجد أن من أول نتائج تلك الحرب:
أن الغرب بدأ يتقدم ويخرج من تخلفه وجهله وأخذ علوم العرب كلها وسعى إلى تطويرها واستكمال ما بدؤوا، في محاولة للتفوق عليهم وإخضاعهم لسلطانه، وبدأ يكسر حواجز عزلته وينطلق خارج حدوده لا تحده قوة، وأن المسلمين بدؤوا في التخلف والانغلاق والعزلة والتقوقع داخل حدودهم، وفي الوقت الذي بدأ فيه الغرب يسوي خلافاته الداخلية ويحل مشاكله بالحوار والتفاوض، ويوحد كلمته ضد العدو الخارجي، المسلمون، الذي يهدد وجوده، ويتعاون على محاربته واحتلال أرضه، بدأ المسلمون تتأجج بينهم نار الفتنة والخلافات، وتشتعل أوراها وتزداد، ولا يثنيهم عن ذلك خطر داخلي ولا خارجي إلى أن وقعوا فريسة للاحتلالات الغربية الصليبية، ومزقتهم مؤامرات الغرب اليهودي - الصليبي ومخططاته لإضعاف وتمزيق الأمة، ومزقتهم أكثر الصراعات الداخلية حتى وهم محتلون، وبعد استقلالهم الشكلي إلى اليوم، ولم يتعلموا.
ومن الدروس المتشابه، بل المتطابقة بين ما حدث في الحروب الصليبية الأولى وما يحدث اليوم:
أنه بعد أن خرج لويس التاسع من أسره في المنصورة بعد فشل حملته الصليبية على دمياط، أطلق صيحته: "لنبدأ حرب الكلمة فهي وحدها القادرة على تمكينها من هزيمة المسلمين" . نفس الدرس تعلمه العدو الأمريكي المتصهين بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، حيث دعا مجرم الحرب دونالد رامسفيلد وزير الحرب الأمريكي إلى ضرورة شن حملة على الإسلام تحت ما أسماه "حرب فكرية"، لأن ما يدعيه (الإرهاب) في نظره لا يمكن هزيمته بالقوة العسكرية فقط، ولكن عبر محاولة كسب العقول والقلوب، الذي يحرم الجماعات المعادية لأمريكا من تجنيد عناصر جديدة. وأشد هذه الجماعات عداء لأمريكا هي الجماعات الجهادية الإسلامية.
لذلك يمكننا أن نجمل أسباب وعوامل الخوف اليهودي - الصليبي من الإسلام، والحركة الإسلامية المعاصرة، في الآتي:
• موقف الإسلام الثابت من اعتباره أن اليهود هم "أشد الناس عداوة للذين أمنوا".
• تحذير الإسلام الثابت من "الموالاة" التحالف الذي نشأ بين اليهود والنصارى ضد الأمة والوطن، والتحذير والوعيد لمن يواليهم من المسلمين بعد ذلك.
• موقف الإسلام الثابت، والواضح من نوايا الحوار الذي يجري من بعض المسلمين مع اليهود والنصارى تحت مسميات متعددة، وتحذيره المسلمين منها، لأن اليهود والنصارى يريدون من وراء هذه الحوارات دفع المسلمين إلى تبديل دينهم وتحريفه كما فعلوا هم بدينهم، حتى يرضوا عن المسلمين الذين لن يعودوا مسلمين بعدها.
• موقف الإسلام الثابت من الصرع الدائر بين أدعياء التبعية لأنبياء ورسل الله السابقين عليهم صلوات الله وسلامه، من اليهود والنصارى، وبين المسلمين الذين هم الورثة الشرعيين لتركة جميع الأنبياء والرسل الدينية والدنيوية.
• موقف الإسلام الثابت من عدم التفريط في أي شبر من أرض المسلمين، أو المساومة عليه، أو القبول بأنصاف الحلول، مهما طال عمر اغتصابه واحتلاله من قبل أعداء الأمة، وخاصة إذا كان فلسطين والقدس والأقصى، مركز الصراع بين أدعياء التبعية لنبيي الله موسى وعيسى عليهما السلام.
• فريضة الجهاد في الإسلام، السنة الماضية إلى يوم القيامة، هي ما ترعب أعداء الله وتخيفهم، هذه الكلمة التي بقي الاحتلال الفرنسي للجزائر طوال 130 عام من عمر الاحتلال، يدرسها ويمنع تفسير معناها لخوفه من فهم المسلمين الجزائريين لهذا المعنى! وهذا ما يجعل اليهود والنصارى الصليبيين غير آمنين على وجودهما مهما طالت سنوات ضعف المسلمين، مادام لازال في دينهم كلمة الجهاد، وفي تاريخهم حوادث الصراع، وفي حاضرهم شواهد للعداء.
الجهاد في سبيل الله، ترى فيه مجلة "جويش كرونيكل" اليهودية، ليس هلاك كيان العدو الصهيوني وحده، ولكن زعزعة الاستقرار في جزء كبير من العالم، فقد نشرت في أحد أعدادها الصادرة في الأسبوع الأول من شهر يناير (كانون الثاني) 1979ـ مقالاً جاء فيه:
"إن على خبراء الاستراتيجية السياسية في بلدان الحضارة الغربية وبلدان المعسكر الشيوعي، أن يتنبهوا جيدا للأخطار التي تمثلها التيارات الإسلامية المتعصبة المنتشرة في كل البلدان العربية، ومعظم البلدان الإسلامية، والتي تهدف إلى إحياء نظرية (الجهاد في سبيل الله) من جديد، والتي تكافح بشدة لإقناع العرب والمسلمين بالعودة إلى تعاليم الإسلام ..". وواصلت المجلة القول: "إنه لا العالم الغربي ولا الاتحاد السوفيتي يستطيعان أن يرقبا بهدوء هذه اليقظة التي لو أسيئ توجيهها من قبل الجماعات المتعصبة لنتج عن ذلك، ليس هلاك (إسرائيل) فحسب، وإنما زعزعة الاستقرار في جزء كبير من العالم. ولن تسلم من ذلك لا الحضارة الغربية ولا الحضارة الشيوعية .." .
• إن تجارب التاريخ والواقع تثبت لأعداء الأمة أن الإسلاميين طلاب شهادة وآخرة، وأنهم لا يفيد معهم لا ترغيب ولا ترهيب، ولا يقبلون بغير عودة الحق الإسلامي كاملاً، وأنهم هم الذين أخبر الله تعالى أنهم سيدمرون هذا التحالف اليهودي - النصراني، وما تمخض عنه من علو وإفساد إسرائيلي في الأرض، وأنهم هم وحدهم القادرون على مواجهة وإفشال المخططات الغربية اليهودية - الصليبية ضد الأمة والوطن، وشواهد الواقع تؤكد وتنبئ بذلك.
لهذه الأسباب وغيرها يخشى التحالف اليهودي - الصليبي من الإسلام والإسلاميين، ويعملون جهدهم إبعاد الإسلام عن ساحة المعركة وميدان الصراع.