أتى العيد .. يلهو بثوب قشيب .. تخيلت لقاءك الجميل وسلامك الأجمل ..!
ابتدأ حباً كبيراً وثيقاً قوياً شفّتْ به الأرواح..
كنا نأوي إليه .. لا يهم أين يكون اللقاء! في الظلال أو في الشموس .. في الأمطار أو الغبار في الصيف أو الشتاء في الليل أو النهار .!
كلما التقينا ازداد الشوق ..
حين نأوي إليه .. كنا نمتلك الكون .. لا تسل عن المال .!؟. لئن كنا خاوين منه إلا أننا ملوك كنا بالحب.
هاقد .. نأت بنا الديار .. فبقي لنا أن نأوي إلى ذكريات ما كان لنا أن نفرح باللقاء من جديد..
أردنا القرب بنسب وذات رحم لم تتممه المشيئة فسبحان الله ..
بعد مدة علمت أنك في المستشفى والزيارة غير متاحة ..
ثم رحلت بصمت وبقيتُ على غصون النوى وها هي الأرواق تذبل وتتساقط من حولي ..
فقدتك في ربيع العمر غصنا ... فلم يبقى على شجري وروود
وفي ربوع الحنان .. وقبل الرحيل .. تواري ذلك الحزن وارفات الظلال.
ودخلتُ في حالة من الصمت ! وبقيت لي ابتسامته تهمس بجمال الحياة ..
انشغلتُ بكثرة الترحال ولم أتذكر ما ضيات .. رقت لها النفس وشفت عن تلك الصداقة الوفية
رجعت إلى حزني ووحدتي حين بقي في الدنيا جفاة يبذلون ما في وسعهم ليؤذوا مشاعرك !
هم للأسف يظنون أنهم سعداء ؟. ولا يجدون من السعادة إلا قشرة الأنانية ..
وأنت لم تبالي بمدح الناس لك فمع كل كلمة تقال لك كنت تستغفر .
كنت أتعجب من صفاءك و إحساسك بتفاهة الدنيا و ما يعرض عليك من زخرفها و ما لديك من متاعها إلا أنك كنت متأكد بأنك سترحل إلى عالم السعادة الذي كنت تعمل له.
لا أريد العبور على ذكرياتك أريد أن أحبس المشهد هنا عند نظري إلى وجهك الصافي وبسمتك الغالية ونظرات عينيك الخجلى أريد أن أنهل من الصورة مدادا ليومي وغدي فإني لا أعرف هل سأبقى بهذه الفرحة إلى ذلك الحين أم ستغمرني الصور فتسبيني من مشهدك الحبيب؟
حديثك السلوى كم أفتقده .. ذلك الجمال وكأنه بتميزه ديمة أمطرت وابلاً على الربى.
وكأنه يسكب الشهد على الأفواه
حديثك يرصع الياقوت على ردهات الحوار
ويبث العطر على الأزهار
كنت أنتظر بلهفة لقاءك وتتجاذبني في الطريق التخيلات عن روعة الاستماع إليك
حديثك يسكب النسائم على حقول الكلم
ويسكب الألحان على أغاريد الطيور
حديثك يشدني إلى درجة الحلم فأحلم بما أسمع
ينساب رقة فأتمنى أن لا أتركك حديثك يرسو بي في شواطئ الكلمات ويطير بي في ذرى الطموح أخبرتك أني رأيتك في المنام تطير
ها قد طارت روحك ورحلت
اتصلت بك يوما بلهفة الشوق ذات مساء جلست أبحث عن تلك البسمة فأخبرني أحدهم بأنك رحلت ركبت مركبتي وأنا ابن المدينة وربيبها بل أني ذرعت شوارعها وأزقتها وأحياءها مشيا دؤوبا .. وما من زائر في صغري قبل الكبر إلا وكنت له دليلا فيها .. فمالي اليوم أضعت الطريق ونسيت الأهل في المسجد النبوي ولم أعرف كيف أخرج من تلك المنطقة.
دخلت في عالم الأحزان واشتدت الحالة حزنا وتاهت المعالم فاستوقفت أحد السائقين وشعرت بأني غريب فسألته عن مخرج فقال اتبعني وخرجت ولم أدر بنفسي إلا وأنا في طريق طويل اتصلت بالأهل طلبت منهم أن يأخذوا سيارة أجرة لأني لم أعد في منطقة الحرم ومضى الليل كئيبا .. وعدت إلى البيت .. لم أفق إلا على يوم آخر لكنه بطعم غيابك.
تفكرت في حالي فإن كنت أحبك وأنت من البشر فكيف يطيب العيش إذا خلا من حب خالق البشر سبحانه وتعالى فحبه طب القلوب وشفائها وحب نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وحب سنته واتباعها .. نجاة وشفاعة .. يوم لا ينفع حب غير هذا الحب.
أحسست بلوعة الحب حينما تعب ثوبان رضي الله عنه وأرضاه وغاب عن مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم .. افتقده الرسول صلى الله عليه و سلم فقيل له إن ثوبان يشتكي المرض فعاده النبي صلى الله عليه وسلم وسأله عن ما أصابه فقال : إني تفكرت يا رسول الله فإن كنتُ في الجنة كنتَ أنت في مكانة أعلى منا منزلة فلن نراك طويلا
وإن كنتُ في النار ـ والعياذ بالله ـ فلن أراك أبدا.. فأصابني ما ترى .. قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ثوبان إن المرء يحشر يوم القيامة مع من أحب .. فشفي ثوبان.
إذاً هي الأرواح .. جنود مجندة ما تعارف منها إتلف وما تناكر منها اختلف .
نم قرير العين .. أسأل الله جل في علاه أن يهنئك في حياتك الأخرى وأصدقاءك الأوفى هنيئا لك على ما أسلفت من صدق ونقاء وأسأل الله أن يجعلك مع من أحببت من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .. وحسن أولئك رفيقا ..
وأسأله أن يجعلنا معكم إن دنا يوم ينادينا فيه منادي الرحيل.
تحية للأوفياء الراحلون ومن ينتظر
