رد: تعرف على الناشئ الاكبر
ثالثا: الناشئ ناقدا:
1 - عن مكانته النقدية:
لعل أول إشارة للجانب النقدي عند الناشئ هي التي ذكرها أبو حيان التوحيدي في كتابه: (البصائر والذخائر حين قال:
« وما أصبتُ أحدا تكلم في نقد الشعر، وترصيفه أحسن مما أتى به الناشئ المتكلم، وان كلامه ليزيد على كلام قدامة وغيره...» (27).
وهو حكم من رجل تابع النشاط الفكري للقرن الرابع الهجري، حيث بلغ النقد العربي أوجه، فما وجد أحدا تكلم في نقد الشعر ما فعل الناشئ، بل وجد كلامه يزيد على كلام قدامة بن جعفر(337هـ) وغيره.
وقد ذكر له أبو حيان كتابا بعنوان (نقد الشعر) وأسماه ابن رشيق في العمدة (تفضيل الشعر)، ولا يعرف أهو كتاب واحد أم كتابان. ولم يبق من آثاره سوى نصوص قليلة نجدها مبثوثة في (البصائر والذخائر، وفي العمدة لابن رشيق، وفي زهر الآداب، وفي ما يجوز للشاعر في الضرورة). ومما تميز به الناشئ أنه عبر عن كثير من الحقائق النقدية في شعره، وقدم صورة لصناعة الشعر، وأغراضه، كما سنرى.
ولعل أهم من توقف عند الجانب النقدي عند الناشئ:
- د.إحسان عباس في كتابه (تاريخ النقد الأدبي عند العرب) - ط1،1971 - ص16،63 - 66.
- د.يوسف حسين بكار في مقالة بعنوان (الناشئ الأكبر ناقدا) : مجلة الأديب اللبنانية حزيران،1974 ص 22 - 26 .
- د.مصطفى الجوزو في كتابه (نظريات الشعر عند العرب) ، ص 176، (ط1، 1981).
- هلال ناجي في تقديمه للديوان:المورد عدد(2) المجلد 11 سنة 1982 ص 64-66.
يرى د.إحسان عباس « أن النقد الأدبي ولد في حضن الاعتزال (الجاحظ - بشر بن المعتمر- الناشئ الأكبر) والمتأثرين به»(28).
وبدا له أن الناشئ قد خص النقد الأدبي بالتأليف، فقد وجد من خلال النقول الواردة في كتاب ( البصائر والذخائر) أن الناشئ عرف الشعر ووصفه، وتناول موضوعات الشعر، وما يتصل منه بالغزل والنسيب، وذكر أن النصوص التي وصلتنا من الكتاب تدل على نزعة أدبية خاصة في الكلام على الشعر، وانتهى إلى القول:« ومهما تكون طبيعة هذه المحاولة، فان نسبتها إلى الناشئ الأكبر أمر هام؛ لأنها تؤكد أن الدوائر الاعتزالية كانت من أكثر المجالات اهتماما بالنقد سواء منه ما تناول الخطابة وما تناول الشعر» (29).
2 - مفهومه للشعر:
جاء في البصائر والذخائر:
« وقال الناشئ أبو العباس في "نقد الشعر": الشعر قيدُ الكلام، وعِقال الأدب، وسُور البلاغة، ومَحَلُ البراعة، ومَجَال الجَنان، ومَسْرح البيان، وذريعةُ المتوسِّل، ووسيلة المتوصَّل ، وذِمام الغريب، وحُرمة الأديب، وعِصمة الهارب، وعُذر الراهب، وفَرْحَة المتمثل، وحاكم الإعراب، وشاهد الصواب» (30).
فالشعر عنده مقيد بوزن، وهو مجال للإبداع، ووسيلة بيان وتواصل بل هو وسيلة لغايات كثيرة. ومن مهماته أن يكون شاهد إثبات على كثير من الحقائق الإنسانية واللغوية والنحوية.
3 - موضوعات الشعر ومجالات القول فيه:
« قال الناشئ أبو العباس الكبير: أول الشعر إنما يكون بكاءً على دمن، أو تأسفاً على زمن، أو نُزوعاً لفراق، أو تلوعا لاشتياق، أو تطلعا لتلاق، أو أعذارا إلى سفيه، أو تغمدا لهفوة، أو تَنُصُّلا من زلة، أو تحضيضا على أخذ بثأر، أو تحريضا على طلب أوتار، أو تعديدا للمكارم، أو تعظيما لشريف مُقاوم، أو عتابا على طوية قلب، أو إعتابا من مُقارفة ذنب، أو تعهُّدا لمعاهد أحباب، أو تحسُّرا على مشاهدة أطراب، أو ضربا لأمثال سائرة، أو قرعا لقوارع غائرة، أو نظما لحِكَم بالغة، أو تزهيدا في حقير عاجل، أو ترغيبا في جليل آجل، أو حفظا لقديم نّسّب، أو تدوينا لبارع أدب» (31).
تناول الناشئ في هذا النص ما يتعلق موضوعات الشعر، ومجالات القول؛ مما تقرر في أغراض الشعر. ويبدو أنه لم يُسبق إلى مثل هذا.
كما تناول موضوعات الشعر في القصيدة الآتية، وبين صنعة الشعر وحدد موقفه منها. ومناسبة هذه القصيدة أنه تكلم أناس في الشعر عند أبي الصقر إسماعيل بن بلبل [ تولى الوزارة للمعتمد العباسي، وقد مدحه البحتري وابن الرومي، وتوفي سنة 278هـ] من حيث لا يعلمون، فكتب إليه أبو العباس الناشئ هذه القصيدة من الخفيف (32):
لعن اللهُ صَنعةَ الشعر، مـــاذا ..... من صنوف الجُهال فيها لقينا؟
يُؤثرون الغريبَ منه على ما ..... كان سهلا للســامعين مبينا
ويرَوْنَ المُحالَ شيئا صحيحا ..... وخسيسَ المقال شيئا ثمينا
يجهلون الصواب منه ولا يَدْ ..... رون، للجـــهل، أنهم يَجهلونا
فهمُ عند مَن ســوانا يُلامــــو ..... نَ، وفي الحق عندنا يُعذرونا
إنما الشعرُ ما تناسبَ مع النظــــ ..... مِ، وإن كان في الصفات فنونا
فأتى بعضُه يُشــاكلُ بعضـــا ..... قد أقامـت له الصدور المتونا
كل معنى أتاك منه على مـــا ..... تتمــــنى لو لم يكن أن يكونا
فتناهى من البيان إلــــــى أن ..... كاد حسنا يبينُ للنــــاظرينا
فكأن الألـــــفاظَ منه وجـــــوهٌ ..... والمــعاني رُكِّبْنَ فيها عيونا
فائتاً في المَرام حسْبَ الأماني ..... فيُحلى بحسنه المُنشدينا
فإذا ما مدحتَ بالشعر حُـــــرّاً ..... رمتَ فيه مذاهب المُسهبينا
فجعلتَ النسيبَ سهـــــلا قريا ..... وجعلتَ المديحَ صدقا مُــــبينا
وتنكَّبْتَ ما يُهَجَّنُ في السمْـ ..... عِ، وإن كان لفظـــه مــــوزونا
وإذا ما قرضْـــتَه بهجــــــــاء ..... عِفْتَ فيه مذاهب المُرفثــينا
فجعلتَ التصــــريحَ منه دواءٌ ..... وجعلتَ التعـــريضَ داءً دفينا
وإذا ما بكيتَ فيه على الغا ..... دين يوما للبين والظاعـــنينا
حُلْتَ دون الأسى، وذلَّلتَ ما كا ..... نَ من الدمـع في العيون مَصونا
ثم إن كنتَ عاتبا شُْبْتَ في الوعْـ ..... دِ وعيدا، وبالصــــــــعوبة لينا
فتركتَ الذي عَتِبْــــــــتَه فيه ..... حَذِرا، آمـنا، عـزيزا، مهــــينا
وأصحُّ القريض ما فات في النظـم ..... وإن كان واضــــحا مستـبينا
فإذا قيل أطمــعَ الناسَ طُرا ..... وإذا ريم أعجـز المُعــــجزينا
وهو يرى أن الشعر ما تحقق فيه التناسب والمشاكلة في النظم، وجاء سهلا صحيحا يكشف عما في النفس، معانيه تأتيك كما تتمناها، وتتمثل شاخصة للبصر من شدة وضوحها، وحدد ما به يتميز كل غرض شعري. ورأى في نهاية القصيدة أن أصح القريض ما لا تناله القرائح؛ من سمعه يحس أن يستطيع أن ياتي بمثله، وحين يحاول يعجز عن إنجاز مثله.
وقال في القصيدة الثانية (33):
والشعر ما قوَّمْتَ زيْغً صـــدوره ..... وشدَدْتَ بالتهذيب أَسْرَ متونهِ
ورأبْتَ بالإطناب شعْبَ صدوره ..... وفتحتَ بالإيـــــجاز عُورَ عيونهِ
وجمـعتَ بين قريبه وبعيـــده ..... ووصلتَ بين مَجَمّــــِهِ ومَعينِهِ
فإذا بكيْتَ به الديارَ وأهـــلَها ..... أجـريتَ للمخـزون ماءَ شؤونه
وإذا مدحتَ به جواداً ماجداً ..... وقضيـــــْتَه بالشكر حقَّ ديونِهِ
أصفيْتَه بنفيـــسه ورصينه ..... وخصّصــْتَه بخــطيره وثمـــينِهِ
فيكونَ جزلا باتساق صنوفِهِ ..... ويكون سهلا في اتفاق فـــنونه
فإذا أردتَ كنايــــةً عن ريبِهِ ..... بايْنتَ بين ظــــهوره وبُطـــونِهِ
فجعلتَ سامعَه يشوبُ شكوكَهُ ..... ببيــــانه وظــــــنونه بيقــــينه
وإذا عتْــــتَ على أخٍ في زلة ..... أدمجْتَ شــِدَّتَه له في لينِهِ
فتركتَه مسأتنســــاً بدماثةٍ ..... مُستيئساً لوُعـــــوثِه وحُزونِهِ
وإذا نبَذْتَ إلى التي عُلِّقْتَها ..... إن صارمَتْكَ بفاتــنات شؤونه
تَيَّمْتَها بلطيـــــــفه ودقيقه ..... وشغَفْتَها بخبـيئهِ وكمــــينِه
وإذا اعتذرْتَ إلى أخ من زلةٍ ..... واشكْتَ بين مُحـــيله ومُبينه
وقد مهد ابن رشيق بهاتين القصيدتين للحديث في أغراض الشعر وصنوفه؛ ذلك أن الناشئ يقدم توجيهات لمن طلب الشعر في غرض من أغراضه؛ مُبينا حقيقة ذلك الغرض في نفسه ونفس متلقيه. ولا يشك أحدٌ في استفادة ابن رشيق من حديث الناشئ عن أغراض الشعر.
وفي ضوء ما ورد في القصيدتيْن لا حظ د. يوسف بكار أن الناشئ من الذين تحدثوا عن كيفية بناء الشعر ونسجه، وممن رأوْا التنقيحَ ضرورةً، وممن ربطوا بين اللفظ والمعنى ربطا مُحكماً، وأنه مهّد الطريق لمن بعده من النقاد في كيفية تناول كل فن من فنون الشعر.
يقول د. مصطفى الجوزو: يبدو أنه أول من عرف الشعر بالنظم؛ منكرا الغريب والمُحال فيه، وأنه من أنصار تثقيف الشعر(34).
ولعله بعد تناول الشعر جملة، وقف عند كل غرض غرض. ومما قاله في موضوع الغزل والنسيب هذا النص الذي ورد في ( البصائر والذخائر).
الهوامش
27 - البصائر والذخائر:2/109
28 - تاريخ النقد الأدبي عند العرب: د. إحسان عباس، ص16 – ط1 [ بيروت، مؤسسة الرسالة،1981].
29 – نفسه، ص63
30– البصائر والذخائر:5/218 – 219
31 – نفسه:5/209 – 210
32 – العمدة:2/748 – 749
33 –نفسه:2/751 – 752
34 – نظريات الشعر عند العرب: د. مصطفى الجوزو، ص196 – ط1 [ بيروت، دار الطليعة، 1981].
http://www.culture-reflection.net/fo...smilies/d5.gif
رد: تعرف على الناشئ الاكبر
4– المرأة والشعر:
ورد في كتاب (البصائر والذخائر) لأبي حيان التوحيدي:« قال الناشئ في كتاب ( نقد الشعر):
ومخاطبات النساء تحلو في الشعر، وتعذبُ في القريض، لا سيما لغانيةٍ قد أطرَّ الفَتاءُ شاربَها، وزوى الإباء حاجبها، وأشطَّ الجمالُ قَوامَها، وأفردَ الحسنُ تمامَها (...) فكيف إذا هي برزت من حجابها، وسفَرَتْ عن نِقابها، وتهادتْ بين أترابها» (35)
والنص طويل يُراجع في مصدره.
5 - ما قاله في وصف شعره (36):
يتحيَّرُ الشعراءُ إن سمعوا به .... في حسن صنعته وفي تأليفهِ
فكأنه في قربه من فهمهم .... ونكولهم في العجز عن ترصيفه
شجرٌ بدا للعين حسنُ نباته .... ونأى عن الأيدي جَنَى مقطوفه
فإذا قــــرَنْتَ أَبِيَّهُ بمُطــيعِهِ .... وقرنتــــــَهُ بغــــريبه وطريفِــــــهِ
ألفيْتَ معنـاهُ يُطابقُ لفظَهُ ..... والنظـــمُ منه جليُّــــه بلطـــيفه
فأتاهُ مُتّسِقاً على إحسانه .... قد نِيــــطَ منه رزينُــه بخفيـــفه
هَذَّبْتُهُ فجــــــعلتُه لك باقيا .... ومنَعْتُ صَرْفَ الدهر عن تصريفه
وقال الناشئ:
« الشعرُ ما كان سهلَ المطالع، فصل المقاطع، فحلَ المَديح، جزل الافتخار، شجيَّ النسيب، فَكِهَ الغزل، سائرَ المثل، سليم الزلل، عديم الخَلل، رائع الهجاء، موجب المَعذرة، مُحب المَعْتَبَة، مُطمِعَ المَسالك، فائتَ المدارك، قريبَ البيان، بعيد المعاني، نائيَ الأغوار، ضاحيَ القرار، نقيَّ المُستَشَفّ، قد هُريقَ فيه ماء الفصاحة، وأضاء له نور الزجاجة، فانهل في صادي الفهم، وأضاء في بهيم الرأي، لمُتأمِّله ترقْرُقٌ، ولمُستشفِّه تألقٌ، يروق المُتوسِّم، ويسرُّ المُترسم، وقد أبدتْ صدورُه متونُه، وزهتْ في وجوهه عيونُه، وانقادتْ كهولُه لهواديه، وطابقتْ ألفاظُه معانيَه، وخالفتْ أجناسُه مبانيه، فاطّرَدَ لمُتصفِّحِه، وأنارَ لمُستوْضِحِه، وأشبَهَ الروْضَ في وَشْيِ ألوانه، وتعمُّم أفنانه، وإشراق أنواره، وابتهاج أنجاده بأغواره، وأشبه الرَّوْض في اتفاق رقومه، واتساق رسومه، وتسطير كُفوفه، وتحبير فُوفِه، وحَكَى العِقْدَ في التئام فصوله، وانتظام وصوله، وازديان ياقوته بدُرِّه، وفريده بشدْرِه، فلو اكتنف الإيجازُ مواردَه، وصقَلَتْ مداوِسُ الدُّرْبة مناصلَه، وشحَذَتْ مدارس الأدب فياصله، جاء سليماً من المعايب، مُهذّباً من الأدناس، تتحاشاهُ الأَبَن، وتَتحاماه الهُجَن، مُهْدِياً إلى الأسماع بهجَتَه، وإلى العقول حِكمتَه»(37).
ولاحظ ابن رشيق أن الناشئ كان مُعجبا بنفسه، مثنيا على شعره، كما « في كتابه الموسوم بـ (تفضيل الشعر)، وهو ما لا يجوز لشاعر، كما لا يجوز لغيره،» (38).
الهوامش
35 – البصائر والذخائر:9/25 – 26
36 – زهر الآداب وثمر الألباب:3/685
37– زهر الآداب وثمر الألباب: الحصري 453هـ)، تحقيق: د. زكي مبارك:3/685 – 686 – ط4 [ بيروت، دار الجيل، د.ت].
38 – العمدة:1/367
رد: تعرف على الناشئ الاكبر
قال يمدح الرسول صلى الله عليه وسلم
مدحت رسول الله أبغي بمدحه * وفور حظوظي من كريم المآرب
مدحت امرءا فاق المديح موحدا * بأوصافه عن مبعد ومقارب
نبيا تسامى في المشارق نوره * فلاحت هواديه لأهل المغارب
أتتنا به الأنباء قبل مجيئه * وشاعت به الأخبار في كل جانب
وأصبحت الكهان تهتف باسمه * وتنفي به رجم الظنون الكواذب
وأنطقت الأصنام نطقا تبرأت * إلى الله فيه من مقال الأكاذب
وقالت لأهل الكفر قولا مبينا * أتاكم نبي من لؤي بن غالب
ورام استراق السمع جن فزيلت * مقاعدهم منها رجوم الكواكب
هدانا إلى ما لم نكن نهتدي له * لطول العمى من واضحات المذاهب
وجاء بآيات تبين أنها * دلائل جبار مثيب معاقب
فمنها انشقاق البدر حين تعممت * شعوب الضيا منه رؤوس الأخاشب
ومنها نبوع الماء بين بنانه * وقد عدم الوراد قرب المشارب
فروى به جما غفيرا وأسهلت * بأعناقه طوعا اكف المذانب
وبئر طغت بالماء من مس سهمه * ومن قبل لم تسمح بمذقة شارب
وضرع مراه فاستدَّر ولم يكن * به درة تصغي إلى كف حالب
ونطق فصيح من ذراع مبينة * لكيد عدو للعداوة ناصب
وإخباره بالأمر من قبل كونه * وعند بواديه بما في العواقب
ومن تلكم الآيات وحي أتي به * قريب المآني مستجم العجائب
تقاصرت الأفكار عنه فلم يطع * بليغا ولم يخطر على قلب خاطب
حوى كل علم واحتوى كل حكمة * وفات مرام المستمر الموارب
أتانا به لا عن رؤية مرتىء * ولا صُحْف مُسْتَمُل ولا وصف كاتب
يواتيه طورا في إجابة سائل * وإفتاء مستفت ووعظ مخاطب
وإتيان برهان وفرض شرائع * وقص أحاديث ونص مآرب
وتصريف أمثال وتثبيت حجة * وتعريف ذي جحد وتوقيف كاذب
وفي مجمع النادي وفي حومة الوغى * وعند حدوث المعضلات الغرائب
فيأتي على ما شئت من طرقاته * قويم المعاني مستدر الضرائب
يصدق منه البعض بعضا كأنما * يلاحظ معناه بعين المراقب
وعجز الورى عن أن يجيئوا بمثل ما * وصفناه معلوم بطول التجارب
تأتى بعبد الله أكرم والد * تبلج منه عن كريم المناسب
وشيبة ذي الحمد الذي فخرت به * قريش على أهل العلى والمناصب
ومن كان يستسقي الغمام بوجهه * ويصدر عن آرائه في النوائب
وهاشم الباني مشيد افتخاره * بغر المساعي وامتنان المواهب
وعبد مناف وهو علم قومه اشتطاط * الأماني واحتكام الرغائب
وإن قصيا من كريم غراسه * لفي منهل لم يدن من كف قاضب
به جمع الله القبائل بعد ما * تقسمها نهب الأكف السوالب
وحل كلاب من ذرى المجد معقلا * تقاصر عنه كل دان وغائب
ومرة لم يحلل مريرة عزمه * سفاه سفيه أو محوبة حائب
وكعب علا عن طالب المجد كعبه * فنال بأدنى السعي أعلا المراتب
وألوى لؤي بالعداة فطوعت * له همم الشم الأنوف الأغالب
وفي غالب بأس أبي البأس دونهم * يدافع عنهم كل قرن مغالب
وكانت لفهر في قريش خطابه * يعوذ بها عند اشتجار المخاطب
وما زال منهم مالك خير مالك * وأكرم مصحوب وأكرم صاحب
وللنضر طول يقصر الطرف دونه * بحيث التقى ضوء النجوم الثواقب
لعمري لقد أبدى كنانه قبله * محاسن تأبى إن تطوع لغالب
ومن قبله أبقى خزيمة حمده * تليد تراث عن حميد الأقارب
ومدركة لم يدرك الناس مثله * أعف وأعلى عن دني المكاسب
وإلياس كان إلياس منه مقارنا * لأعدائه قبل اعتداد الكتائب
وفي مضر يستجمع الفخر كله * إذا اعتركت يوما زحوف المقانب
وحل نزار من رياسة أهله * محلا تسامى عن عيون الرواقب
وكان معد عدة لولية * إذا خاف من كيد العدو المحارب
ومازال عدنان إذا عد فضله * توحد فيه عن قرين وصاحب
وأد تأدي الفضل منه بغاية * وأرث حواه عن قروم أشايب
وفي أدد حلم تزين بالحجا * إذا الحلم أزهاه قطوب الحواجب
ومازال يستعلي هميسع بالعلى * ويتبع آمال البعيد المراغب
ونبت بنته دوحة العز وابتنى * معاقله في مشمخر الأهاضب
وحيزت لقيذار سماحة حاتم * وحكمة لقمان وهمه حاجب
هموا نسل إسماعيل صادق وعده * فما بعده في الفخر مسعى لذاهب
وكان خليل الله أكرم من عنت * له الأرض من ماش عليها وراكب
وتارح مازالت له أريجة * تبين منه عن حميد المضارب
وناحور نحار العدى حفظت له * مآثر لما يحصها عد حاسب
وأشرع في الهيجاء ضيغم غابة * يقد الطلى بالمرهفات القواضب
وأرغو ناب في الحروب محكم * ضنين على نفس المشح المغالب
وما فالغ في فضله تلو قومه * ولا عابر من دونهم في المراتب
وشالخ وأرفخشذ وسام سمت بهم * سجايا حمتهم كل ذار و عائب
و ما زال نوح عندي ذي العرش فاضلا * يعدده في المصطفين الأطايب
ولملك أبوه كان في الروع رائعا * جريئا على نفس الكمي المضارب
ومن قبل لملك لم يزل متوشلخ * يذود العدى بالذائدات الشوازب
وكانت لإدريس النبي منازل * من الله لم تقرن بهمة راغب
ويارد بحر عند آل سراته * أبى الخزايا مستدق المآرب
وكانت لمهلاييل فهم فضائل * مهذبة من فاحشات المثالب
وقينان من قبل اقتنى مجد قومه * وفاد بشأو الفضل وخد الركائب
وكان أنوش ناش للمجد نفسه * ونزهها عن مرديات المطالب
ومازال شيث بالفضائل فاضلا * شريفا بريئا من ذميم المعائب
وكلهم من نور آدم أقبسوا * وعن عوده أجنوا ثمار المناقب
وكان رسول الله أكرم منجب * جرى في ظهور الطيبين المناجب
مقابلة آباؤه أمهاته * مبرأة من فاضحات المثالب
عليه سلام الله في كل شارق * ألاح لنا ضوءا وفي كل غارب
هكذا أورد القصيدة الشيخ أبو عمر ابن عبد البر، وشيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي في تهذيبه من شعر الأستاذ أبي العباس عبد الله بن محمد الناشي المعروف بابن شرشير
http://www.culture-reflection.net/fo...smilies/d5.gif
رد: تعرف على الناشئ الاكبر
قال يمدح الرسول صلى الله عليه وسلم
مدحت رسول الله أبغي بمدحه * وفور حظوظي من كريم المآرب
مدحت امرءا فاق المديح موحدا * بأوصافه عن مبعد ومقارب
نبيا تسامى في المشارق نوره * فلاحت هواديه لأهل المغارب
أتتنا به الأنباء قبل مجيئه * وشاعت به الأخبار في كل جانب
وأصبحت الكهان تهتف باسمه * وتنفي به رجم الظنون الكواذب
وأنطقت الأصنام نطقا تبرأت * إلى الله فيه من مقال الأكاذب
وقالت لأهل الكفر قولا مبينا * أتاكم نبي من لؤي بن غالب
ورام استراق السمع جن فزيلت * مقاعدهم منها رجوم الكواكب
هدانا إلى ما لم نكن نهتدي له * لطول العمى من واضحات المذاهب
وجاء بآيات تبين أنها * دلائل جبار مثيب معاقب
فمنها انشقاق البدر حين تعممت * شعوب الضيا منه رؤوس الأخاشب
ومنها نبوع الماء بين بنانه * وقد عدم الوراد قرب المشارب
فروى به جما غفيرا وأسهلت * بأعناقه طوعا اكف المذانب
وبئر طغت بالماء من مس سهمه * ومن قبل لم تسمح بمذقة شارب
وضرع مراه فاستدَّر ولم يكن * به درة تصغي إلى كف حالب
ونطق فصيح من ذراع مبينة * لكيد عدو للعداوة ناصب
وإخباره بالأمر من قبل كونه * وعند بواديه بما في العواقب
ومن تلكم الآيات وحي أتي به * قريب المآني مستجم العجائب
تقاصرت الأفكار عنه فلم يطع * بليغا ولم يخطر على قلب خاطب
حوى كل علم واحتوى كل حكمة * وفات مرام المستمر الموارب
أتانا به لا عن رؤية مرتىء * ولا صُحْف مُسْتَمُل ولا وصف كاتب
يواتيه طورا في إجابة سائل * وإفتاء مستفت ووعظ مخاطب
وإتيان برهان وفرض شرائع * وقص أحاديث ونص مآرب
وتصريف أمثال وتثبيت حجة * وتعريف ذي جحد وتوقيف كاذب
وفي مجمع النادي وفي حومة الوغى * وعند حدوث المعضلات الغرائب
فيأتي على ما شئت من طرقاته * قويم المعاني مستدر الضرائب
يصدق منه البعض بعضا كأنما * يلاحظ معناه بعين المراقب
وعجز الورى عن أن يجيئوا بمثل ما * وصفناه معلوم بطول التجارب
تأتى بعبد الله أكرم والد * تبلج منه عن كريم المناسب
وشيبة ذي الحمد الذي فخرت به * قريش على أهل العلى والمناصب
ومن كان يستسقي الغمام بوجهه * ويصدر عن آرائه في النوائب
وهاشم الباني مشيد افتخاره * بغر المساعي وامتنان المواهب
وعبد مناف وهو علم قومه اشتطاط * الأماني واحتكام الرغائب
وإن قصيا من كريم غراسه * لفي منهل لم يدن من كف قاضب
به جمع الله القبائل بعد ما * تقسمها نهب الأكف السوالب
وحل كلاب من ذرى المجد معقلا * تقاصر عنه كل دان وغائب
ومرة لم يحلل مريرة عزمه * سفاه سفيه أو محوبة حائب
وكعب علا عن طالب المجد كعبه * فنال بأدنى السعي أعلا المراتب
وألوى لؤي بالعداة فطوعت * له همم الشم الأنوف الأغالب
وفي غالب بأس أبي البأس دونهم * يدافع عنهم كل قرن مغالب
وكانت لفهر في قريش خطابه * يعوذ بها عند اشتجار المخاطب
وما زال منهم مالك خير مالك * وأكرم مصحوب وأكرم صاحب
وللنضر طول يقصر الطرف دونه * بحيث التقى ضوء النجوم الثواقب
لعمري لقد أبدى كنانه قبله * محاسن تأبى إن تطوع لغالب
ومن قبله أبقى خزيمة حمده * تليد تراث عن حميد الأقارب
ومدركة لم يدرك الناس مثله * أعف وأعلى عن دني المكاسب
وإلياس كان إلياس منه مقارنا * لأعدائه قبل اعتداد الكتائب
وفي مضر يستجمع الفخر كله * إذا اعتركت يوما زحوف المقانب
وحل نزار من رياسة أهله * محلا تسامى عن عيون الرواقب
وكان معد عدة لولية * إذا خاف من كيد العدو المحارب
ومازال عدنان إذا عد فضله * توحد فيه عن قرين وصاحب
وأد تأدي الفضل منه بغاية * وأرث حواه عن قروم أشايب
وفي أدد حلم تزين بالحجا * إذا الحلم أزهاه قطوب الحواجب
ومازال يستعلي هميسع بالعلى * ويتبع آمال البعيد المراغب
ونبت بنته دوحة العز وابتنى * معاقله في مشمخر الأهاضب
وحيزت لقيذار سماحة حاتم * وحكمة لقمان وهمه حاجب
هموا نسل إسماعيل صادق وعده * فما بعده في الفخر مسعى لذاهب
وكان خليل الله أكرم من عنت * له الأرض من ماش عليها وراكب
وتارح مازالت له أريجة * تبين منه عن حميد المضارب
وناحور نحار العدى حفظت له * مآثر لما يحصها عد حاسب
وأشرع في الهيجاء ضيغم غابة * يقد الطلى بالمرهفات القواضب
وأرغو ناب في الحروب محكم * ضنين على نفس المشح المغالب
وما فالغ في فضله تلو قومه * ولا عابر من دونهم في المراتب
وشالخ وأرفخشذ وسام سمت بهم * سجايا حمتهم كل ذار و عائب
و ما زال نوح عندي ذي العرش فاضلا * يعدده في المصطفين الأطايب
ولملك أبوه كان في الروع رائعا * جريئا على نفس الكمي المضارب
ومن قبل لملك لم يزل متوشلخ * يذود العدى بالذائدات الشوازب
وكانت لإدريس النبي منازل * من الله لم تقرن بهمة راغب
ويارد بحر عند آل سراته * أبى الخزايا مستدق المآرب
وكانت لمهلاييل فهم فضائل * مهذبة من فاحشات المثالب
وقينان من قبل اقتنى مجد قومه * وفاد بشأو الفضل وخد الركائب
وكان أنوش ناش للمجد نفسه * ونزهها عن مرديات المطالب
ومازال شيث بالفضائل فاضلا * شريفا بريئا من ذميم المعائب
وكلهم من نور آدم أقبسوا * وعن عوده أجنوا ثمار المناقب
وكان رسول الله أكرم منجب * جرى في ظهور الطيبين المناجب
مقابلة آباؤه أمهاته * مبرأة من فاضحات المثالب
عليه سلام الله في كل شارق * ألاح لنا ضوءا وفي كل غارب
هكذا أورد القصيدة الشيخ أبو عمر ابن عبد البر، وشيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي في تهذيبه من شعر الأستاذ أبي العباس عبد الله بن محمد الناشي المعروف بابن شرشير
http://www.culture-reflection.net/fo...smilies/d5.gif
المزيد
http://rhilaabas.jeeran.com/rhila49/archive/2008/9/668443.html