هل بقي شيء للكتابة..؟

هل بقي شيء للكتابة..؟ في خضم الصراعات السياسية والثقافية والتربوية والنفسية والاحتلالات الأمريكية والصهيونية للوطن العربي، التي تهدف إلى تشويه معالم الهوية القومية للإنسان العربي، هل بقي شيء للكتابة؟
الآن أجمل الوجوه قد تهاوت، وأجمل الأشواق هدأت؟
ماذا يعني أن تكتب وأنت تفتح عينيك على فنجان القهوة الذي فقد سحر الشهوة، وعلى تلفاز لايعرف سوى الإعلان عن قائمة القادمين الجدد على ظهر الكورسات الجنائزية يلوحون بالديمقراطية قبل أن يضعوا أول سلة للمهملات والقمامة.
وماذا يعني أن تعلن انتماءك لجيل السبعينيات، جيل ، تحمل قساوة الاستجابات السلطوية المرفوضة، جيل البحث عن ترتيب جديد للأشياء، وربما الخلق.
ماذا تعني الكتابة في عصر الانحطاط الثاني...؟ أهي الملاينة والبحث عن ألفة تخسرك نفسك والأشياء؟ أم هي المحاولة اليائسة للتوفيق بين ما لايوافقك...؟
من قال إن ترتيب الدنيا صحيح..؟ جيل البحث عن مشروعية أخرى للكتابة، كتابة صدرها مفتوح للجرح والورد...
كتابة توقظ الطفل المنهك المسن، الذي لم يفقد ألقه وشوقه الأبدي، هو ذا العمر لعبة فضائحية بالدقائق والساعات والأيام والسنوات.
بعد احتلال وغزو العراق كتبنا نحن المثقفين العرب أشياء أبكت الضمير العربي، كتبنا أشياء أضحكت الضمير العربي، لم يثق بما نكتب حتى أطفال العراق وفلسطين... والأطفال من المحيط، حتى الخليج العربي.
أحرف وكلمات، اكتشاف ومغامرة، عالم من الوهم والورق، انعكاسات خوف مرايا الحلم، حوارات مع كائنات حية مجهولة أو طرق على بوابة الليل والمستحيل أن نكتب ما لم يكتبه أحد في زمن الصمت العربي .
فهل بقي شيء للكتابة...؟ في هذا الزمن العربي الرديء (إنه زمن أزمة القول) والشحاحة الكلامية، وتحت تأثير الخطاب الرسمي المملوء بالفائض البلاغي بشكل يكوّن معه الاختلاف اختلافاً في الدرجة، فهو ينطلق من الوهم ليعمم مجموعة من الحقائق الاجتماعية على الكتاب والمثقفين العرب، رغم المخاطر التي تستهدف هوية الأمة القومية، أبرز الهجوم الامبريالي الأمريكي من الخارج ومحاولة التفتيت من الداخل .
هل بقي شيء للكتابة؟
(62) عاماً على احتلال الصهاينة لفلسطين الحبيبة و(33) عاماً على احتلال الجولان العربي السوري و(6) أعوام على احتلال العراق أرضاً وشعباً، وأبناء عمنا الكتاب والأدباء والصحفيون العرب، قد قلّم الصمت العربي أظافرهم، وأسكت أقلامهم يوم كانوا صوت الشعب العربي الهادر، ورصاصته القاتلة والمحرقة لجسد الإمبريالية الأمريكية ودميتها إسرائيل المجرمة.
هل يغفر الله لمبدع عربي، سواء كان يعيش فوق أرضه العربية أو كان مقتلعاً من تربته، تطوح به الرياح في كل المنافي، هل يغفر له أن يغمض عينيه، ويسد أذنيه، ويعطل كل مراكز الحس فيه، فلا يرى ولا يسمع بالمواجهة المصيرية القائمة بين أمته العربية على اتساع مداها الجغرافي وبين الولايات المتحدة الأمريكية والصهيونية.
هل يجوز لكاتب وقاص ومؤرخ وصحفي ومثقف عربي أن ينطوي على نفسه، ويجتر ما ينفثه كتاب ومثقفو أوروبا وأمريكا ضد العروبة والقومية العربية.
وهل يجوز لمثقف عربي أن يملأ أذنيه بالطين والصلصال، فلا يسمع من بعد ذلك الفحيح الاستعماري الأمريكي يسد آفاق الوطن العربي من مشرقه إلى مغربه في محاولة لإجهاض كل توق عربي للتحرر والانعتاق والخروج بالأمة العربية من ليل التجزئة والتبعية والاستلاب، وتحقيق مشروعها الحضاري ...؟
لاشك ..أن التشرنق والتحصن ضد ارتكاسات وانعكاسات هذا الواقع خيانة للذات وخيانة للرسالة والالتزام البديهي ...؟
فهل بقي شيء للكتابة؟؟ الله أعلم.

د. رحيم هادي الشمخي

http://www.albaath.news.sy/user/?id=1066&a=94512