لتاج تاج مملكين عظام
لتاج تاج مملكين عظام | صوغ الندى والحزم والاقدام |
وتقلد السيف الذي إن يده | داعي الحقيقة لم يكن بكهام |
ستراه أقوى عدة لكريهة | وتراه أقوى عدة لسلام |
لحسام جدك حين أسس ملكه | عنت الرقاب ودان كل حسام |
فتح الفتوح به وبث جيوشه | منصورة مرفوعة الأعلام |
واليوم تلفيه ندى متماسكا | من بعد أن نصل الخضاب الدامي |
أبقى لرايك أن تصرف أمره | والراي قد يغني عن الصمصام |
هل في العلى متبوأ لك بعد أن | بوئت عن غرث أعز سنام |
هيهات يجزيء تالد عن طارف | ومع الإصالة فيك نفس عصام |
عرش أقيم فلم يتم بناؤه | حتى انقضت مئة من الأعوام |
وليته في مبدإ استقلاله | وله من الشورى أشد دعام |
ما اكرم الشورى على ملك يرى | ألا يسوق الشعب سوق سوام |
جمعت حواليك القلوب وخير ما | جمع القلوب العدل في الاحكام |
إما حلفت لها ووعدك صادق | فلمثلها التوكيد بالاقسام |
يا بدر مصر وما برحت هلالها | عجب تمامك قبل آن تمام |
تؤتى الملوك الحزم بعد تجارب | وكأنما تؤتاه بالالهام |
تلك البواكير التي أبديتها | بهرت حلاها وهي في الاكمام |
فلقد شهدنا منك كل فضيلة | شفت عن الغد من أرق لثام |
أدب تشربه النفوس فتنتشي | حتى تخف وما انتشت بمدام |
ملأت محاسنه العيون ونورت | كأزاهر الغصن النضير النامي |
جود يصح الوصف في تشبيهه | بالنبل أو بالعارض السجام |
شمل النواحي فهي راوية بما | تلقاه من صوب النوال الهامي |
حلم وما شرخ الشباب ملحه | رد الأولى سفهوا إلى الحلام |
رأب الصدوع الموهيات بوصله | ما نبت حول العرش من أرحام |
إن كان عفو الطبع أو عن حكمة | فبه يسود أعاظم الحكام |
دين به زنت الحياة وصنتها | من كل شين تتقيه وذام |
كم فيه من بشرى توسما المنى | لفخار مصر وعزة الإسلام |
علم وردت العذب من ينبوعه | ونهلت ما فيه شفاء أوام |
شمل الثقافات الرفيعة وانتحى | أرق ماحيها من الإحكام |
حسا ومعنى لم تدع ما تقتضي | منها العلى لمقوم القوام |
ألمرجع الأسمى بحكمته لما | في الأمر من نقض ومن غبرام |
تتجشم العمال مهما تختلف | رتبا لمعنى فوقها متسام |
وتمارس الآفات لاستبطانها | وتحقق النظرات بالانعام |
تفدي الفراسة في الغرانيق العلى | ربا على الإسراج والإلجام |
ومروضا خيل الخار يحثها | بهدى البصير وجرأة المرامي |
إن يختدم فله الفخار وكل ذي | قدر لسدته من الخدام |
أو يركب الأخطار فهو كميها هل تدرك الأخطار بافحجام |
|
تلك الفضائل هيأته يافعا | ليكون أرشد عاهل وإمام |
ويقر مملكة إليه أمرها | بين الممالك في أجل مقام |
هيهات أن تنسى فواتحه التي | حسنت وراء مطامح الوهام |
وبدت لهل الغرب في إلمامه | لله حكمة ذلك الإلمام |
زار الفرنجة شبل مصر فأبصرت | ما سوف تبلوه من الضرغام |
فملوكها وشعوبها يلقونه | بأعز ما ادخروا من الاكرام |
قطفت بواكير الورود وقلمت | أشواكها لتحية وسلام |
وجرت بأشفى من ربيعي الندى | فوق الطروس أسنة الأقلام |
ناهيك بالزينات مما أبدعت | كف الصناع وفطنة الرسام |
عجبان فوق مواقع الابصار من | حسن وتحت مواطيء الاقدام |
كانت مشاهد لم ترد أشباهها | في فكر مستمع ولا مستام |
قد سرت الضيف العظيم ودونها | في كنه ما يرمي إليه مرام |
صور بعينيه بدت ووراءها | صور بدت للنيل والهرام |
ماذا يروم ولا يزال لداته | يلهون من أمر بعيد مرام |
تنهى الجلالة ربها وربيبها | عن كل موقف سوقة وطغام |
فانظر إليه في المتاحف سائلا | عن حادث من ذخرها وقدام |
أو في المتاجر وهو طالب حاجة | نفسنت فليست تشترى بسوام |
أو في المصانع والمزازع باحثا | عن مبعث الإثراء للأقوام |
هم يساوره لنهضة شعبه | في كل مرتحل وكل مقام |
لا يستقل به على أعبائه | إلا حجى درب وقلب همام |
ذاك الطواف بمنتراي ولم تكن | إلا مكان تروح وجمام |
مهد السبيل فكان أيمن طالع | لنجاح آمال هناك جسام |
أعلام مصر لقوا بها في حلبة | من وجهت دول من العلام |
فتكشفت فيها خفيات المنى | وتساجلت فيها قوى الأفهام |
وأتاح ربك للذين تكلموا | عن مصر نصرا فوق كل كلام |
فكوا قيودا أبرمت أسبابها | وعلى التقادم لم تكن برمام |
ونجوا بعزتها وباستقلالها | من حوزة الآساد في الآجام |
تمت فتوح مذ وليت عزيزة | لم تتسق لموفق في عام |
فتتابعت أعيادها وكأنها | يقظاتها خلس من الحلام |
غمرت صباحتها لياليها فلم | تقع اللحاظ بها على إظلام |
وتنافست بحليها أيامها | فكأنهن عرائس الأيام |
أما جلوسك فهو أوفى بهجة | وأحق بالإكبار والأفخام |
وافى وعيد التاج شبه فريدة | تتلو الفريدة في بديع نظام |
عيدان أعلنت السرائر فيهما | ما أضمرته بأبلغ الإعلام |
يا حسن عودك والبلاد يشفها | ظمأ لطلعة وجهك البسام |
حملت إليك عيونها وقلوبها | جذلى بمقدمك السعيد السامي |
شببنا معا ولعبنا معا | وطاب لنا اللهو إلا ذميما |
وكان الجنى من دعاباتنا | فكاهة من ذاق ذوقا سليما |
تحلم وهو نضير الصبا | فجلل ذاك المحيا الوسيما |
يخال للحيته هيبة | ولحيته لا تنفر ريما |
فكان لنا عجبا أن يرى | على مرح الطبع فيه حليما |
كذاك مضى في كفاح الحياة | وخاض الغمار دؤوبا عزوما |
يسام اضطرابا ويشقى اغترابا | ويأبى على الضيم أن يستنميا |
يجد ويمزح مهما يجشم | ولم يك في العيش إلا غريما |
ألحت فما عبسته الخطوب | ولم تنسه الابتسام القديما |
أمحجوب خطبك راع البلاد | وقد كنت فيها الطبيب العليما |