ملحمة النبي
أي نـجوى مـخضلة الـنعماء | رددتـهـا حـناجر الـصحراء |
سمعتها قريش فا نتفضت غضبى | وضـجـت مـشبوبة الأهـواء |
ومـشت في حمى الضلال إلى | الـكعبة مـشي الطريدة البلهاء |
وارتـمت خـشعة عـلى اللات | والعزى وهزت ركنيهما بالدعاء |
وبـدت تـنحر الـقرابين نحرا | فـي هـوى كـل دمية صماء |
وانـثنت تضرب الرمال اختيالا | بـخـطى جـاهـلية عـمياء |
عـربدي يا قريش وانغمسي ما | شـئت فـي حمأة المنى النكراء |
لـن تزيلي ما خطه الله للأرض | ومـا صـاغه لـها مـن هناء |
شـاء أن يـنبت النبوة في القفر | ويـلقي بـالوحي مـن سـيناء |
فـسلي الربع ما لغربة عبد الله | تـطوى جـراحها فـي العزاء |
مـا لأقـيال هاشم يخلع البشر | عـلـيها مـطـارف الـخيلاء |
انـظريها حـول الـيتيم فراشا | هـزجا حـول دافـق الـلالاء |
وأبـو طالب على مذبح الأصنام | يـزجي لـه ضـحايا الـفداء |
هـو ذا أحمد فيا منكب الغبراء | زاحــم مـنـاكب الـجوزاء |
بـسم الـطفل للحياة وفي جنبيه | ســر الـوديـعة الـعصماء |
هـب مـن مـهده ودب غريبَ | الـدار فـي ظـل خيمة دكناء |
تـتبارى حـليمةٌ خـلفه تـعدو | وفـي ثـغرها افـترار رضاء |
عـرفت فيه طلعة اليمن والخير | إذا أجـدبـت ربــى الـبيداء |
وتـجلى لـها الـفراق فاغضت | فـي ذهـول وأجـهشت بالبكاء |
عــاد لـلـربع أيـن آمـنةٌ | والحب والشوق في مجال اللقاء |
ما ارتوت منه مقلة طالما شقت | عـلـيه سـتـائر الـظـلماء |
يـا اعـتداد الأيتام باليتم كفكف | بـعـده كـل دمـعة خـرساء |
أحـمد شـب يـا قريش فتيهي | في الغوايات واسرحي في الشقاء |
وانفضي الكف من فتى ما تردى | بــرداء الأجــداد والآبـاء |
أنـت سـميته الأمين وضمخت | بـذكـراه نــدوة الـشـعراء |
فـدعي عـمه فـما كان يغريه | بـما فـي يـديك مـن إغراء |
جاءه متعب الخطى شارد الآمال | مـابـيـن خـيـبة ورجــاء |
قال هون عنك الأسى يابن عبد | الله واحـقن لـنا كـريم الدماء |
لا تـسفه دنـيا قـريش تبوئك | مــن الـمـلك ذروة الـعلياء |
فـبكى أحمد وما كان من يبكي | ولـكـنـها دمــوع الإبــاء |
فـلـوى جـيده وسـار وئـيدا | ثـابت الـعزم مـثقل الأعـباء |
وأتـى طـوده الـموشح بالنور | وأغـفى فـي ظـل غار حراء |
وبـجفنية مـن جـلال أمـانيه | طـيـوف عـلـوية الإسـراء |
وإذا هـاتف يـصيح بـه اقرأ | فـيـدوي الـوجود بـالأصداء |
وإذا فـي خـشوعه ذلك الأمي | يـتـلـو رسـالـة الإيـحـاء |
وإذا الأرض والـسـماء شـفاه | تـتـغنى بـسـيد الأنـبـياء |
جـمعت شـملها قريش وسلت | لـلأذى كـل صـعدة سـمراء |
وأرادت أن تنقذ البغي من أحمد | فــي جـنـح لـيـلة لـيلاء |
ودرى سـرها الـرهيب عـلي | فـاشتهى لـو يكون كبش الفداء |
قـال : يـا خاتم النبيين أمست | مـكـة دار طـغـمة سـفهاء |
أنـا بـاق هـنا ولـست أبالي | مـا ألاقـي من كيدها في البقاء |
سـيروني على فراشك والسيف | أمـامـي وكـل دنـيا ورائـي |
حـسبي الله فـي دروب رضاه | أن يــرى فـيّ أول الـشهداء |
فـتـلقاه أحـمد بـاسم الـثغر | عـليما بـما انطوى في الخفاء |
أمـر الـوحي ان يـحث خطاه | فـي الـدجى لـلمدينة الزهراء |
وسـرى واقـتفى سراه أبو بكر | وغـابا عـن أعـين الـرقباء |
وأقـاما في الغار والملأ العلوي | يـرنـو إلـيـهما بـالـرعاء |
وقـفت دونـه قـريش حيارى | وتـنزهت جـريحة الـكبرياء |
وانـثنت والرياح تجار والرمل | نـثير فـي الأوجـة الـربداء |
هـللي يـا ربـا المدينة واهمي | بـسـخي الأظـلال والأنـداء |
واقـذفـيها الله أكـبـر حـتى | يـنتشي كـل كـوكب و ضاء |
واجمعي الأوفياء إن رسول الله | آت لـصـحـبة الأوفــيـاء |
وأطـلّ النبي فيضا من الرحمة | يـروي الـظماء تـلو الـظماء |