www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

الوعي الذي هزم الفاجعة/بقلم علي بدوان

0

 

التاريخ: الثلاثاء 21 أغسطس 2012

أظهر المواطنون الفلسطينيون في مخيم اليرموك بالقرب من مدينة دمشق وعياً وطنياً وسياسياً وأخلاقياً عالياً

، بعد المحنة المؤلمة والقاسية التي تعرض لها المخيم إثر سقوط عدد من قنابل مدفعية الهاون (المورتر) من عيار 120 ملمتر،

على حي مكتظ بالسكان من أحياء المخيم قبيل أذان الإفطار في اليوم الثالث عشر من شهر رمضان المبارك الموافق للثاني من أغسطس 2012، وقد تسببت تلك القذائف الغادرة واللعينة في استشهاد أربع وعشرين مواطناً من أبناء المخيم وجرح أعداد مضاعفة منهم.

 

الوعي الذي أظهره عقلاء المخيم، ورجالاته وعموم أبنائه فوت على اللاعبين بالنار فرصة جر المواطنين الفلسطينيين المقيمين في سوريا إلى آتون الأزمة الداخلية في البلاد، وأظهرهم على حقيقة موقفهم الوطني المنادي بالحياد الإيجابي الحقيقي القائم على التضامن مع سوريا ومع شعبها، والمنادي بالمحافظة على وحدة البلاد والعباد، في ظل تشابكات اللعبة الإقليمية والدولية الخطيرة التي لا تريد الخير لا لسوريا ولا لشعبها.

لقد كانت فاجعة اليرموك، مؤلمة بكل المقاييس، فقد نزفت دماء بريئة من شبان ورجال وأطفال مخيم اليرموك لا ذنب لأصحابها، واختلطت دماء أبناء سوريا وأبناء فلسطين معاً مثلما اختلطت على الدوام على أرض فلسطين والجولان ولبنان. فيما قام أهالي المخيم وحكماؤه ومتعقلوه بلملمة الجراح، والإسراع بدفن الشهداء، وإحكام العقل والحكمة في معالجة الأمور، وإبعاد ونفي لغة وسلوك الغرائز والتفلتات حفاظاً على الناس وعلى دمائهم، وعلى الأمن المجتمعي، وعلى دور مخيم اليرموك الإيجابي في جواره المحيط والمتميز باكتظاظه السكاني من مختلف مناطق سوريا.

فلماذا هذا الاستهداف اللئيم والغادر لمخيم اليرموك ولعموم الفلسطينيين في سوريا، خصوصاً وان عمليات الاستهداف طالت في وقت سابق عددا من ضباط وجنود جيش التحرير الفلسطيني؟

أغلب الظن، أن الموقف الوطني العاقل والمتعقل المُتخذ فلسطينياً وبإجماع وطني وعلى كل المستويات ومن قبل جميع القوى والفصائل من حركة حماس إلى حركة فتح وما بينهما، وعموم المؤسسات والهيئات الشعبية والمجتمعية الفلسطينية، لا يروق للكثيرين ممن يَدعون وينظّرون لزج الفلسطينيين في آتون اللهيب المشتعل في سوريا، تحت عناوين براقة ولمّاعة، لكنها عناوين تجانب الحكمة والبصيرة والتبصر والتعقل، وتصب في مسار لا يخدم لا القضية الفلسطينية ولا حتى القضية السورية ولا مطالب الشعب السوري الشقيق.

إن للفلسطينيين قضية حية متقدة منذ أكثر من ثمانين عاماً إبان صدور وعد بلفور اللئيم، وهي أنبل قضايا العصر والإنسانية، تفترض عليهم على الدوام الانشداد لحلقتها المركزية المتمثلة بالصراع مع الاحتلال الصهيوني داخل الوطن الفلسطيني المحتل، إضافة للتركيز على دور فلسطينيي الشتات في توفير الجبهة الثانية في تدعيم وتطوير العملية الكفاحية الفلسطينية في الداخل بعد انتقال ثقل الحركة الوطنية الى قلب فلسطين.

إن وعي الفلسطينيين، وارتقاءه وسموه، يُشكّل الآن سلاحاً هاماً للنأي بهم عن مسارب مخيفة ومظلمة لا سمح الله في أزمات طاحنة تعيشها المنطقة ككل ومنها سوريا على وجه الخصوص. ويدفع بهم هذا الوعي الراقي في سموه وفي نباهته وحذقه الرفيع لمساعدة سوريا وشعبها الشقيق من أجل وقف نزف الدماء، وفتح الدروب أمام التغيير الحقيقي في بلد كان ومازال موئلاً لفلسطين وشعبها.

فالحكمة تقضي أن يبقى اللاجئون الفلسطينيون في سوريا خارج معادلة الأزمة السورية، لا لأنهم لا يأبهون لما يجري في سوريا الشقيقة، بل لأن دخولهم في آتون تلك الأزمة من شأنه أن يضيّع اتجاه بنادقهم، ويعقّد المشهد السوري أكثر ولا يقدم أي مساعدة للشعب السوري ولسوريا، ولا يخدم على الاطلاق مشروع التغيير والإصلاح في سوريا.

لقد تعلم الفلسطينيون من تجربتهم، ومن كيسهم خلال العقود الأخيرة من عمر الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، وقد تاهت سُفنهم في فترات معينة بأزمات فُرضت عليهم في أكثر من مكان من بلاد العرب، فدفعوا الأثمان الباهظة والمكلفة، وكان أخرها ما جرى معهم في الكويت.

وفي العراق حيث ضاقت أرض العرب بثلاثين ألف مواطن فلسطيني على اتساعها، فلم يجدوا لهم مكاناً في دنيا العرب سوى التوسل للمنظمات الإنسانية والدولية التي استطاعت نقل غالبيتهم للهجرة الى بلاد نائية وبعيدة عن كل منطقة الشرق الأوسط، إلى تشيلي ونيوزلندا وكندا والأرجنتين وماليزيا وغيرها من أصقاع المعمورة الممتدة بين الشرق والغرب وبين الشمال والجنوب.

إن الغيرة الفلسطينية على سوريا وشعبها، والتضامن اللصيق والتعاضد النهائي مع الشعب السوري وسوريا، أمر مطلوب وواجب من منطلق الوفاء، ومن موقع الحرص على شعبٍ وعلى بلد أنجب قائد الثورة الفلسطينية الكبرى عامي 1935/1936 الشهيد عز الدين القسام، ابن مدينة جبلة الواقعة على الساحل السوري جنوب مدينة اللاذقية.

وعليه، فإن ما أبداه أهالي مخيم اليرموك من شبابه ورجاله وعموم أبنائه في محنتهم الأخيرة، يشكّل رسالة طيبة، ورائعة في الحكمة، وفي المعالجة الحية الدقيقة والحساسة لمسائل طارئة بدت في مراحل حرجة من حياة سوريا الشقيقة والشعب السوري الطيب النبيل.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.