www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

في الطريق إلى اللاعودة …/د. ريمه عبد الإله الخاني.

0

كمحل آيل للتصفية، وجرد البضائع، أمضي في طريقي بإصرار

فقرارك في هجران بعض أمورك إرهاصات لبدايات جديدة مختلفة تماما

بعيدة عن أحلام دون كيشوت دامت عشرون سنة محبطة ،فزماننا ليس زمان القيم والمثل العليا الواضحة بقدر ما يحتاج لبراعة في تقديمها، ولمعان في حماية الأفكار، والسباق المحموم في حلبات التواجد الطاغي والتجاري، التجارة المسكوبة في مسرحية فكرية، غاية في التحضر السفوري، ولو كنت سارقا للأفكار، المهم أن تسبق الجميع.

أن تتقن تسويق نفسك، هو أول مايجب أن تملكه، قبل أن تملك أفكارك العظيمة، وعندما تجد أياديك قصيرة نحو ذلك، فانصرف فورا لمنحى آخر تثبت فيه نفسك بطريقة مغايرة، لا أن تبقى على الباب منتظرا، عليك البحث عن عائض لزمن اتفلت منك بلا ثمرة كبيرة ناضجة تفرحك.

في طريق اللاعودة للأدب، تجرد بضائعك بدقة، ترمي مالا نفع منه ، تستدرك ماتبقى من عمرك، وتتحول بملئ إرادتك لعالم استهلاكي خالص ، تضمنه بعض ذاتك لئلا تفقدها ، ولكن عليك أن تتقن اللعبة جيدا قبل ولوج الحلبة الجديدة.

************
لقد قالها أمير تاج السر منذ عدة أعوام:

الأدب التجاري هو الذي يحتل قائمة الأعلى مبيعا في العادة، في جميع الأماكن، لما يحتويه من بساطة في الفكرة والكتابة، وأدوات التعبير التي يفهمها المراهقون وكبار السن على حد سواء، وأيضا لما يحتويه من غراء لاصق وبهارات تزين الخلطة، وطبعا لا بد من جنس كثير، وإثارة، وخروج عن المعتقدات، وإيحاءات ليست بريئة بأي حال من الأحوال.[1]

هذا لاينفي أن هناك انحشار في التعاون بين الأدباء نفسهم، لأنهم صيادي أفكار غالبا، وعليه، فقد نادى براد شيرمان وليونيل بنتلي، في كتابهما: الملكية الفكرية ومفهومها المعاصر،دراسة كمبردم في حقوق الملكية، وهنا لايعفون أحدا عالميا من سرقة الأفكار أبدا، وكانت دعوة الحزم في أمر الملكية الفكرية، التي مازلت غير منضبطة بحال، وعليه فيجب أن يكون هناك علامة تجارية للأعمال الأدبية المبدعة، أسوة بالإنجازات الأخرى المبتكرة، إن الملكية الأدبية لم تتمكن من حصر الملكية المعنوية في المستندات، وهذا مايدعى حقوق النشر، والتي مازالت محل شك وريبة. لقد ظهر الإبداع حاليا بشكل مخفي جديد، وانتقاله من التعبيري للوصفي، حيث كان من متطلبات الأصالة، وعدم البداهة، حيث كان على طالبي التسجيل، إثباتها بالفعل، وأن أعمالهم المعنية إبداعية حقيقية، بصرف النظر عن أن قانون الملكية الحديث، باتت تخشى من نوعية إبداع معين، والحكم عليه، مما أدرى لتورط في فعاليات خاصة.[2]

الأدب ملون على معظم بلون الهجرة وأنواعها، أما مهجر الأدب، فهو عالم جديد يلجا إليه يتامى الأدب الرفيع، ليدخلوا بكلمتهم عالما خاصا لهم وحدهم، لايسمعون فيه نقيق الضفادع الانتهازية ليتملكون عالما مجديا ومثمرا أكثر، عالم خفي لايعلمه سواهم….

لقد قالها الدكتور اسماعيل مهنانة، وهو يفند أدب المهجر العربي، حتى غدا الأدب كله هجرة، منذ لقد امتدّت فكرة الهجرة والترحال في الأدب العربي منذ القدم حتى «أدب الرحلة» علامة مُميّزة للأدب العربي القديم منذ العصر الأموي، وهو أدب أنثروبولوجي بالمعنى الحديث للكلمة، حيث كان ظهوره مرافقاً لامتداد الفضاء الإمبراطوري الإسلامي، كما سيكون الفضاء الإمبراطوري الحديث شرطاً لظهور الكثير من الأنساق المعرفية كالأنثروبولوجيا والإتنولوجيا والاستشراق. إنه السياق التاريخي نفسه الذي مكننا أن نقرأ فيها رحلات «ابن بطوطة» والحسن بن فضلان ، وحسن الوزّان (ليون الإفريقي) بالأدوات المعرفية المعاصرة.

وإذا كانت الهجرة والرحلة علامة قوّة وهيمنة في العصر الإسلامي الأول، فإنها أصبحت علامة ضعف وأزمة إنسانية وتاريخية في العصر الحديث، حيث صارت الهجرة قسرية وجماعية وهروباً من الحروب والتشتت والاستعمار، لقد ظهر «أدب المهجر» بداية القرن العشرين نتيجة التهجير الجماعي الذي تعرّضت له أقليّات دينية وثقافية عربية، حيث هاجر الكثير من الكتّاب إلى روسيا والدول الغربية ليخلّدوا تجاربهم في المنفى داخل أدب عربي.[3]

تقول شذى مصطفى:

إن الأعمال الأولى عن الهجرة، غلبت عليها صورة الضعيف المنبهر بالقوي، أو الغارق في المقارنات لحد السخرية، أو المنتقم من مستدمر ما زال يجثم على صدره. لكن الوضع تغير اليوم، وصار للأدباء صورة مسبقة عن الغرب بحكم وسائل الإعلام، التي خففت من وقع صدمة الاختلاف، وإن كانت هناك أزمات جديدة تطل برأسها تؤرقهم وتظهر في أعمالهم.[4]

كان قد أصدر عمر الشارني أستاذ الفلسفة بالجامعة التونسية وكذا جامعةClermont –Ferrand الفرنسية في عام 2011، كتابا بالفرنسية بعنوان:

Figures de L’émigration dans la littérature arabe contemporaine : le moi assiégé.

الهجرة في الأدب العربي المعاصر: الذات المحاصرة.

وقد لفت نظري فيه عدة محاور تكلم عنها، وفندها سعيد بو خليطة [5]منها:

إذا كان تقليد خلق مؤسسات ثقافية، تهتم بالترجمة لا زال ضعيفا إن لم يكن منعدما في البلاد العربية من أجل التعريف بالثقافة العربية. مع العلم أن الرهان على المعرفة، يزداد حجمه يوما بعد يوم ي عالمنا المعاصر. فإن الأمر يبقى داخل سياقنا الثقافي مقتصرا على كتابات واشتغالات ومبادرات فردية لمبدعين أخذوا على عاتقهم تقديم نماذج من تفكيرنا إلى الغرب.

********

أعتقد بأنه من الأمور الزائفة في بعض النقاشات التي سادت الثقافة العربية، هو النقاش المغلوط أساسا المرتبط بمسألة الكتابة بلغة أجنبية؟ ما دام أن الأمر، حسب هذا الرأي يتعلق بمظهر استعماري يسعى إلى تغليب لغة أجنبية (الفرنسية، والإنجليزية بالخصوص) على حساب اللغة العربية، لأن ذلك يمس “بهيبة”  “وقيمة” العربية في مضمار تصارعها مع اللغات الأخرى، وانطلاقا كذلك من التصور الذي يؤكد بأن اللغة تعكس الفكر، وبالتالي فالاشتغال بلغة أجنبية يعبر  عن رؤية أهل تلك اللغة للعالم، ومحاولة عكس طريقة تفكيرهم  على ثقافتنا مما يؤدي إلى زعزعة مرجعيتنا الفكرية وثوابت عقيدتنا… ! ! !

***************

لماذا نهاجر؟ ونركب قطار  الرحيل؟ كيف يمكننا أن نترك  بسهولة تلك القطعة الجغرافية والمكان  الحميمي، لكي نمتطي أحلام الاجتثاث؟.لا شك أن مفهوم الهجرة، لا يتوقف فقط على لعبة المكان ولكنه يتجاوز ذلك إلى أبعاد فلسفية عميقة تتجاوز الذات والمكان والزمان والناس.

كل واحد منا يهاجر! نهاجر داخل اللغة والجسد والسؤال والآخر والأفكار والآفاق والقناعات  والمبادئ والاختيارات: ببساطة الإنسان قضية رحيل دائم.

بين الحياة والموت هجرة، ومن الحياة إلى الحياة هجرة، وداخل مساحة الموت والميتات هجرة. قد نهاجر و لا نترك أثرا، وبالتالي يتحول التاريخ إلى ضجيج، بل فراغ خواء.

****************

الهجرة قضية، إنها مادة للأفكار. مضمونها التراجيدي في معظم الأحيان جعل منها سبيلا وأفقا للمغايرة الوجودية. ولا شك أنها محور للغة عبثية قد تأخذنا من أو إلى أنفسنا والعالم والآخر. يكون هذا الآخر دائما سياقا للهجرة. الآخر “جحيم” قبل الرحيل، و “جحيم” كذلك عند الاستوطان، الذي سيتحول بدوره إلى رحيل ثان، وهكذا دواليك.

يورد من ضمن الأفكار المترابطة،  انحسار الجهود الجدية في تصدير ثقافتنا للخارج، هل هو اهتزاز بعامل الهوية؟ أم هناك علة أخرى؟، أمام جهود غير جدية وغير مجدية، خاصة ونحن نهاجر بهويتنا الشوهاء. لذا قال في الفقرة التالية، بأن  للهجرة أبعاد فلسفية، عميقة تتجاوز الذات والمكان والزمان والناس.

أن تتغلب على تيار الغربة الفكرية، لهو أهم من التغلب على تيار الاشتغال باللغة، ولعل الاشتغال باللغة تطبيقا حياتيا، أهم من الاشتغال باللغة في مناسبات لانخرج منها بقضايا عملية تعمم على المؤسسسات جميعا والتي تهتم باللغة العربية والأدب العربي الهادف.

إن الهجرة الفكرية أكثر ضررا من الهجرة الزمكانية، والتي تغير جغرافية الجسم، وتشعل عواطفه فتجعله يتمسك بتلابيب لغته.

طريق اللاعودة يبدأ من الصغر عندما لا يجد الطفل هواء وفضاء واسعا من الخيارات الثقافية المحلية ترحب به وترفع من قدره. تضع له سقفا منخفضا، وعوزا مضحكا، وعالما مليئ بتجار الكلمة.

28-3-2019

 

 

 

[1] أمير تاج السر، الأدب التجاري وباختين.

http://thaqafat.com/2015/03/25488

آخر زيارة للنص، 28-3-2018

[2] براد شيرمان وليونيل بنتلي، في كتابهما: الملكية الفكرية ومفهومها المعاصر،دراسة كمبردم في حقوق الملكية، الصفحة 298

[3] د. اسماعيل مهنانة، الهجرة والمنفى والأدب.

http://thaqafat.com/2015/10/28451

آخر زيارة للرابط 28-3-2019

[4] شذى مصطفى، «أدب الهجرة» الجديد ساحة لمعارك خفية

http://archive.aawsat.com/details.asp?section=19&issueno=11244&article=535335#.XJx_zZgzbIU

آخر زيارة للرابط:28-3-2019

[5] سعيد بو خليطة، الهجرة في الأدب العربي المعاصر.

https://thakafamag.com/?p=1689

آخر زيارة للرابط 28-3-2019

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.