www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

مركزية القدس والأقصى: فلسفة الإحساس بالمنطق (الحلقة السادسة)/مصطفى إنشاصي

0

مركزية القدس والأقصى: فلسفة الإحساس بالمنطق (الحلقة السادسة)

ومنذ أن استطاع اليهود تحقيق بعض التقدم في مخططهم في أوروبا بشق الكنيسة الغربية الكاثوليكية

إلى كاثوليك وبروتستانت، التي ستساعد الأخيرة منها على نشوء القوميات الأوروبية والدول القومية الحديثة في أوروبا،

 

على أساس العرق، واللغة، والأرض. منذ ذلك التاريخ وقبل أن تأخذ الأمم القومية والدولة القومية في الغرب شكلها النهائي بدأ اليهود الترويج لفكرة (القومية اليهودية)، أو (الأمة اليهودية)، أو (الشعب اليهودي) بحسب ما سينتهي له المفهوم الغربي للأمة القومية، والعمل على فرضها في الفكر الغربي بأن اليهود (شعب وقومية عرقية) مثلهم مثل أي شعب وقومية أوروبية، وإعطاء (القومية اليهودية) مضمون فكري يرفعها إلى درجة الأيديولوجيا السياسية. ففي منتصف القرن السادس عشر أعلن الحاخام الأرثوذكسي، علماً أن اليهود الأرثوذكس متهمون من فبل العلمانيين العرب أنهم يؤمنون بالعودة السلمية لفلسطين، في الوقت الذي فيه جميع الحركات اليهودية التي طورت مفهوم الخلاص المسيحاني بدءً من انتظار المسيح لإعادتهم سلمياً إلى فلسطين إلى واجب بذل الجهد البشري لتهيئة الظروف لقدوم المسيح خرجت من رحم اليهودية الأرثوذكسية، وأن اليهودية الأرثوذكسية تحالفت مع الصهيونية السياسية منذ بداية نشأتها ودعمتها دينياً في الأوساط اليهودية! أعلن الحاخام الأرثوذكسي (ليفيا بن بلايل) من براج: “إن اليهودية لم تعد تُعرف على أنها دين، بل على أنها (شعب) وأن أوروبا منذ عصر النهضة لم تعد تتصور شكلاً آخر للتنظيم الاجتماعي سوى شكل (الأمة القومية) و(الدولة)” ويرى (ليفيابن بن بلايل) أن المهمة الأولى لليهود هي أن يتكونوا في (قومية) وأن ينشئوا دولة لهم على أراضيهم الخاصة”[1]. قد يسأل البعض: ما علاقة البدء بهذه المعلومة التاريخية عن المخططات اليهودية لإقامة دولة لهم في فلسطين بما سيأتي من الحديث عما حدث من تطور وصراع في الغرب منذ بدايات عصر النهضة الأوروبية غير وجه وواقع الحياة في أوروبا والعالم؟! الإجابة: أن الذي يستطيع تحديد المفهوم الذي سينتهي له الصراع والتطور الفكري للأمة والقومية في أوروبا، وشكل وهيكلية الدولة والنظام السياسي الذي سيقوم في الغرب قبل قرون من الانتهاء إليه، فيه دليل على أنه هو الذي سيقود ويتحكم في عملية التغيير تلك، أو أنه سيلعب دوراً رئيساً فيها وفي توجيه حركتها الوجهة التي تخدم أهدافه وغاياته، ويكون قادراً على التحكم فيها في معظم مراحلها إن لم يكن كلها! وذلك ما سنلقي عليه الضوء.
حركات (الإصلاح الديني) والاختراق اليهودي للغرب
معلوم أنه قامت عدة ثورات وحركات إصلاح دينية ضد الكنيسة ومفاهيمها الضالة الباطلة لم يكتب لها النجاح، وذلك نتيجة تحالف الإقطاعيين مع الكنيسة ضدها. ولكن من الحركات التي كُتب لها النجاح (حركة مارتن لوثر وكالفن). وقد كان من أخطر نتائج تلك الحركات على أوروبا والعالم، وخاصة حركة مارتن لوثر: 1ـ أنها حطمت الوحدة الشكلية للعالم الغربي النصراني، وأضعفت سلطة الكنيسة المركزية بكثرة ما أحدثته من مذاهب وفرق لا حصر لها. 2 ـ وضع الأساس الأول والرئيس لنشوء الدول القومية في أوروبا على أساس اللغة والعرق. 3 ـ إحداث انشقاق ثانٍ في الكنيسة الغربية أدى إلى ظهور مذهباً دينياً جديداً ظاهره أنه مذهب نصراني وفي حقيقته أنه مذهب يهودي كان سبباً في تدمير أمتنا وضياع فلسطيننا وهو المذهب البروتستانتي. 4 ـ ساعدت على نشوء الطبقة البرجوازية في أوروبا، التي دعمت حركات الخروج على الكنيسة والثورة ضد الإقطاع، ولعبت دوراً أساسياً في التحول إلى النظام الرأـسمالي وتشكيل الدول القومية في أوروبا. 4ـ أدت في النهاية إلى عودة العلمانية اللادينية الإغريقية – الرومانية إلى الحياة الأوروبية بأبشع صورها، عبر عنها تحالف السياسي والاقتصادي في نظام رأسمالي لا أخلاقي متغول يؤمن بأن البقاء للأقوى والأقوى هو الأصلح بغض النظر عن ما يسببه من دمار وهلاك للإنسانية والطبيعة!
نشوء الدولة القومية العلمانية
منذ أن تُرجم مصطلح العلمانية وأنصار العلمانية يزعمون أنه مشتق من العلم، في الوقت الذي لا علاقة له بالعلم من قريب أو بعيد، وزعموا لنا ومازالوا أن سبب تقدم الغرب ورفاهيته أنهم علمانيين، وعندما تسألهم: ماذا يعني بعلمانيين؟ يجيبونك: لأنهم فصلوا الدين عن الدولة، ولم يعد الدين عندهم يتدخل في السياسة ولا شئون الحياة! ولا أريد أن أتحدث عن موقف الإسلام من العلمانية، ولا ما أحدثته العلمانية في وطننا وأمتنا من أزمات، وما جلبته علينا من خراب في كثير من نواحي الحياة التي هي مشاهدة ومعاشة ولا تحتاج لدليل، ولكن هي تذكرة فقط الذين يتحدثون عن الإسلام ويصفونه بالتخلف وعدم صلاحيته للعصر وإدارة شئون الحياة، متجاهلين أن الإسلام هو السبب المباشر في حركة النهضة الأوروبية سواء الدينية أو الفكرية أو العلمية، ولنأخذ مثال على ذلك (حركة مارتن لوثر) التي يزعمون أنها أهم حركات (الإصلاح الديني) في الغرب، وأنها هي السبب المباشر لتلك النهضة الأوروبية وتلك الطفرة العلمية والفكرية التي حدثت في الغرب. كما تعلمون أنه قبل تلك الحركة كانت الكنيسة تضطهد أتـباعها بناء على احتكارها الحق في تفسير الدين، وحقها في قراءة الأناجيل، وحق رجل الدين فقط في الاحتفاظ بنسخة من الأناجيل، ويمنعون على عامة المواطنين قراءتها أو الاحتفاظ بنسخة أو جزء منها، ويمنعون ترجمتها إلى اللغات المحلية، وممنوع… وممنوع … وممنوع …! من أين أتى مارتن لوثر بفكرة أنه من حق كل الناس أن تقرأ الأناجيل وتفسرها وتحتفظ بنسخة منها في منازلها؟ من الإسلام، نعم من الإسلام! لأن القرآن الكريم جميع المسلمين يحتفظون بنسخ منه في منازلهم ومن حقهم أن يقرءوه، ومن حق أي مسلم أوتي قدر من العلم في أمور الدين أن يفسره أو يعترض على تفسير أو رأي أحد العلماء إذا رأى أن هناك رأي آخر أرجح منه. ذلك الحق في قراءة وتفسير الأناجيل والحرية في التعبير عن الرأي الذي نادى به لوثر أخذه عن الإسلام، كما أنه ترجم الأناجيل إلى اللغات المحلية الأوروبية بعد أن كانت اللغة الوحيدة التي يُكتب بها هي اللغة اللاتينية، ويُحرم ترجمته إلى اللغات المحلية، تلك الترجمة للغات المحلية ساعدت على نشوء القوميات العرقية في الغرب، وبدأت تؤسس لِما عُرف في الغرب بالفكر القومي، من خلال أن كل الذين يتكلمون (لغة واحدة) هم (قومية عرقية) ذات أصل واحد، وعليهم أن يؤسسوا دولة خاصة بهم مستقلة عن سيطرة الكنيسة ورجال الدين. وقد ساعدهم على ذلك تحالف رجال المال والبرجوازية الأوروبية الناشئة مع فكر لوثر ودعمها لأنصاره، لتحقيق طموحاتها المالية التي تطورت إلى فكرة الاستقلال الوطني عن الكنيسة، فاستغلوا بالتعاون مع الفلاسفة والمفكرين والعلماء الذين أيضاً هم في شوق للتحرر من سطوة وجمود وتخلف الكنيسة ما تراكم عبر عشرات السنين من تراث شعبي وأدبي وتاريخي وفكري كُتب بتلك اللغات المحلية، بعد أن ترجم لوثر الأناجيل للألمانية وغيرها من اللغات الأوروبية، وجعلوا منه تراث تاريخي مشترك لهم جميعاً يجعلهم يشعرون بأنهم ينتمون إلى بعضهم منذ آلاف السنين، واستغلوه في بلورة شعور وطني وقومي مشترك يميز كل مجموعة عرقية عن غيرها من المجموعات العرقية الأوروبية الأخرى …إلخ.
ثورة مارتن لوثر التخريبية أضاعت فلسطيننا
ولا أعلم لماذا الذين يمجدون مارتن لوثر ويرفعون من شأن ما قام به من عمل ويعتبرونه ثورة (إصلاحية دينية) … لا يقولون لنا أن ما قام به مارتن لوثر وما أحدثه في الغرب هو ثورة تخريبية في الدين النصراني وليس إصلاحية، وأنها هي سبب نكبة أمتنا في هذا العصر وضياع فلسطيننا؟! نعم لا تندهشوا! قبل مارتن لوثر كانت التوراة تعتبر مقدمة تاريخية للنصرانية، وكان جميع ما فيها من أفكار عن (أرض الميعاد والعودة إليها)، وعن (مملكة أورشليم)، تفسر على أن مكانها السماء وليس الأرض، أما فكرة أن اليهود هم (الشعب المختار)، فقد سقطت في عقيدة الكنيسة بعدم إيمان اليهود بعيسى عليه السلام، وإيذائهم له والتآمر عليه وقتلهم إياه بحسب العقيدة النصرانية، لذلك كان اليهود قبل مارتن لوثر في الغرب منبوذون ومحتقرون ومضطهدون، وقد طردوا من كثير من الأقطار الأوروبية أيضاً بسبب جشعهم وحبهم للذهب وسرقة أموال الناس من خلال إقراضهم بالربا. وقد جاء مارتن لوثر ليعيد لليهود اعتبارهم وقداستهم باعتبارهم (شعب الله المختار) وأبناء الله وأحباؤه، إلى درجة أن قال: “علينا أن نلتقط فتات موائدهم لنقتات به”، في إشارة إلى درجة القداسة التي رفعهم إليها في العقيدة البروتستانتية النصرانية الجديد، وجعل الاعتقاد بصحة ما جاء في التوراة شرط من شروط الإيمان البروتستانتي، وأعاد الاعتبار إلى فكرة أن فلسطين هي (أرض الميعاد)، وأنه على جميع النصارى أن يبذلوا كل ما يستطيعون من أجل إعادة (شعب الله المختار) إلى (أرضه الموعودة)، وبعد أن كانت (مملكة أورشليم) اليهودية ترمز إلى مملكة في السماء، وأن (مملكة أورشليم الأرضية) هي للنصارى المؤمنين بالمسيح، أصبحت هي لليهود …إلخ، لذلك يسمى المذهب البروتستانتي بـ(المسيحية الصهيونية)، كإشارة إلى أنه مذهب يهودي أكثر منه نصراني! لم يقل لنا أحد أن ما قام به مارتن لوثر كان مشروع لاهوتي يهودي لتخريب العقيدة النصرانية لاصلح خدمةوتحقيق الغايات التوراتية، وأنه كان هو السبب الأول في نكبتنا وضياع فلسطيننا، وتهديد قدسنا وأقصانا اليوم، لأنه بتلك الأفكار فتحت أوروبا أبوابها على مصارعها لعودة اليهود إليها سادة مكرمين، ليفعلوا بها ما يشاءون بزعم أنهم (شعب الله المختار)، ويطالبوا الغرب بمساعدتهم بشتى الوسائل للعودة إلى (أرضهم الموعودة) تنفيذاً لأمر الرب، إلى أن أصبح اليهود اليوم يحكمون العالم ويتحكمون في مصائر شعوبه، كما أن الجمعيات وأتباع المذهب البروتستانتي هم الأشد تعصباً والأكثر إنفاقاً ودعماً لإعادة بنا (الهيكل الثالث) المزعوم، والأسرع دعماً لهدم المسجد الأقصى. كل ذلك بسبب أفكار مارتن لوثر الدينية!. كما أننا نتساءل: لماذا يحق لمارتن لوثر أن يُخرب ـ لا يُصلح ـ الدين بالدين، لأن ثورته التي صوروها لنا على أنها ثورة ضد الكنيسة كانت في حقيقتها ثورة ضد الدين وليس ضد الكنيسة والبابا ورجال الدين، فهو لم يجدد في الدين ولم يطوره بما يتناسب مع مقتضيات العصر عقائدياً، ولكنه انتكس بالدين إلى رجعية وظلامية أسوأ مما كانت عليه، وإلى عقائد وأفكار دينية أقدم من عصره بأكثر من ألف سنة، وجمع فيها بين متناقضات لا يقبلها العقل، عندما جمع بين الإيمان والاعتقاد بأوامر إله اليهود (يهوه) الخاص بهم من دون كل البشر ومنهم النصارى بالطبع، وبين الإيمان بالمسيح الذي هو (ابن الله) و(إله)؛ الذي قتله أتباع (يهوه) بحسب العقيدة النصرانية؟! لماذا يأنُطالب بأن نمجد عمله ونعتبره عمل مشروع ومن أعظم الأعمال التي ساعدت على حدوث النهضة الأوروبية، في الوقت الذي كل الأمور الإيجابية في ثورته التخريبية أخذها من الإسلام وعن المسلمين، وعندما أتحدث كمسلم عن الدين وأطالب بالتمسك به والالتزام بتعاليمه على الرغم من أن النهضة الأوروبية كانت بفضل ما أخذوه عن الإسلام وعلوم المسلمين، اتهم بالتخلف والرجعية والعودة إلى عصور الظلام والتغني بأمجاد الماضي …إلخ؟! لماذا يحق لمارتن لوثر أن يُخرب – يُصلح – الدين بالدين ويستبدل عقيدة المسيح بعقيدة يهودية أقدم من المسيح بأكثر من ألف سنة وأنا لا أطالب إلا بنبذ الدين والحفاظ عليه كعلاقة وجدانية بيني وبين الله فقط؟!.
لوثر على خطى قسطنطين
كما أن التحالف الذي حدث بين مارتن لوثر وبعض الأمراء ورجال المال ضد الكنيسة كان تحالف مصلحة على حساب الدين، كما حدث من الإمبراطور قسطنطين عندما تحالف مع الكنيسة النصرانية المُوثنة للحفاظ على إمبراطوريته، وكان التحالف من رجال الكنيسة على حساب الدين النصراني وتحريفه وإدخال كثير من العقائد الوثنية عليه، التي أخرجته عن أصله السماوي! فالذين دعموا مارتن لوثر من الأمراء هم الذين شعروا بالخطر على سلطانهم وتهددت عروشهم وأصبحوا تحت رحمة البابا، بعد خرافة (صكوك الغفران) التي أطلقتها الكنيسة لتحكم سيطرتها على أتباعها، لذلك أرادوا أن يتحرروا من هيمنة الكنيسة واستعبادها لهم وذلهم للبابا ورجال الدين. أما البرجوازيين ورجال المال الذين دعموا لوثر وحركته لم يكن حباً في الدين ولا دفاعاً عنه، ولكن حرصاً على مصالحهم وطمعاً في القضاء على النظام الإقطاعي المتحالف مع الكنيسة، الذي يحرمهم من الأيدي العاملة الرخيصة التي يحتاجونها لتشغيل آلاتهم الصناعية الجديدة، ويحرمهم من استغلالهم أصحاب المهن المختلفة، لأن حاجتهم إلى الأيدي العاملة وأصحاب المهن المهرة متوفرة في الريف، والإقطاعي كان يملك الأرض ومن عليها من البشر ولا يسمح لهم أن يذهبوا للعمل مع منافسيه بل أعدائه آنذاك البرجوازية الجديدة. وتلك المصلحة التي جمعت بين الأمير الإقطاعي الذي يريد التحرر من سطوة الكنيسة وبين البرجوازي الذي يريد تحرير الأيدي العاملة التي يحتاجها من قبضة رجال الإقطاع، جعلتهم يغضون الطرف عما أحدثه مارتن لوثر من تغيير جذري على العقيدة النصرانية من أفكار وعقائد دينية وصلت إلى درجة هدمها لصالح عقيدة دينية أقدم وأشد تخلفا ووثنية، هي اليهودية! بمعنى أن ذلك التحالف كان نتيجة أو استجابة للظرف التاريخ والتطور الاجتماعي الذي حدث في الغرب، والذي اقتضى التخلي عن عقيدة الكنيسة الكاثوليكية إلى الكنيسة البروتستانتية، والغاية هي الدنيا والمال!. الأحد 17/10/2010

[1]روجيه جاردوي، فلسطين أرض الرسالات الإلهية، مرجع سابق، ص265.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.