www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

ركائز استراتيجية المشروع الغربي/ محمد أسعد بيوض التميمي

0

بسم الله الرحمن الرحيم
ركائز استراتيجية المشروع الغربي الصليبي في العالم الإسلامي

((وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ* فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ)) ] ابراهيم:46[
منذ أن سـيطر الغرب الصليبي

على العالم الإسـلامي بالكامل بعد الحرب العالميـة الأولى،

عمل على وضع اسـتراتيجيـة تقوم على أربعـة ركائز أسـاسـيـة للتعامل مع العالم الإسـلامي،

 

لضمان بقائـه في حالـة خضوع وخنوع كاملـة لإرادتـه، وقام بوضع عشـرات الخطوط الحمراء حول هذه الركائز؛ فهي تُعتبر لديـه من المقدسـات والمحرمات التي لا يُسـمح لأحد الإقتراب منها أو المسـاس بأي منها، لأن المسـاس بها أو بإحداها يعني المسـاس بالمحرمات، لذلك فكل من يُحاول أن يجتاز الخطوط الحمراء التي وضعها تُفتح عليه أبواب جهنم الحمراء ودون هوادة، ويُصبح “إرهابياً ومتطرفاً ومهدداً للسـلم العالمي” وتُحشـد ضده الجيوش وتُسـلط عليه وسـائل الإعلام ويُصبح “شـيطاناً رجيماً”!!
وهذه الاستراتيجية قد تم وضعها في مؤتمر (هنري بنرمان) والذي استمر انعقاده مدة عامين كاملين: ما بين عامي 1905 و1907 وهو أطول مؤتمر في التاريخ، وهذا يدل على خطورته وخطورة أهدافه ونتائجه، وقد سُمي بمؤتمر (هنري بنرمان) نسبة إلى رئيس وزراء بريطانيا يومئذٍ الذي دعا إليه جميع علماء أوروبا في التاريخ والجغرافية والإجتماع والإقتصاد والمفكرين والسياسيين، وكان الهدف من وراء هذا المؤتمر بحث بند واحد ولا يوجد غيره على جدول أعماله وهو:
ما هو الخطر الذي يُهدد الحضارة الغربيـة؟؟؟
فكان جوابهم أن الخطر الوحيد الذي يُهدد الحضارة الغربيـة ويمنع تمددها في العالم الإسـلامي هو الإسـلام والحضارة الإسـلاميـة، لأن الحضارة الإسـلاميـة تُمثل وحدة واحدة متجانسـة دينياً وسـياسـياً وجغرافياً وديموغرافياً ومتمثلـة في الدولـة العثمانيـة الإسـلامية، آنذاك.
ومن الغريب العجيب أن هذا المؤتمر لا يتم التطرق إليه على الإطلاق لا في المناهج التعليمية ولا عند المثقفين ولا الكُتاب، ويوجد عليه تعتيم كامل لأنه يوضح حقيقة وأهداف المشروع الصليبي في العالم الإسلامي، حيث أن جميع المصائب التي حلَّت على العالم الإسلامي كانت من نتائج وقرارات هذا المؤتمر، ومن هذه النتائج، عزل السلطان عبد الحميد والحرب العالمية و(سايكس بيكو) ووعد (بلفور) وهدم الدولة العثمانية وتجزئة أملاكها وقيام الكيان الصهيوني ـــــ اليهودي كان من نتائج هذا المؤتمر.
وفيما يلي هذه الاستراتيجية وركائزها:
أولاً: إسقاط الدولة العثمانية والتي كانت تُشكل الإطار الجامع للمسلمين جغرافياً وديموغرافياً والسيطرة المباشرة على العالم الإسلامي، وبالفعل عندما تم إسقاطها في عام 1918 عمل الغرب فوراً على تفتيت وتشطير هذا الإطار بشكل يمنع إعادته إلى ما كان عليه، ومنع لُحمته ووحدته من جديد من أجل إبقاء المسلمين في حالة تشتت وتشرذم وضعف ومنع عودة المسلمين  أمة واحدة لهم  دولة واحدة… فكانت إتفاقية (سايكس بيكو) بين الإنكليز والفرنسيين في عام 1916 أثناء الحرب العالمية الأولى أكبر شاهد على هذه الاستراتيجية، والتي تم تنفيذها مباشرة بعد الحرب، حيث تم تجزئة العالم الإسلامي وإقتسامه بينهما بعد تجزئته إلى دول ودويلات منزوعة الإرادة وإقامة حدود وسدود بينها، وأوضح ما يكون ذلك في بلاد الشـام؛ حيث كانت بلاد الشـام وحدة واحدة جغرافياً وبشـرياً عبر التاريخ، ومن أجل الحفاظ على هذه التجزئة تم إنشاء جامعة الدول العربية من قِبل بريطانيا في عام 1945 لتكون الحارس الأمين على التجزئة، ولتكون التجزئة جزءاً من دساتير الدول العربية وأن أي عمل يستهدف إزالة هذه الحدود أو عدم الإعتراف بها يُعتبر عمل عدائي وعدوان على جميع الدول العربية يجب التصدي له بحزم وحسم وعدم تهاون..!!
ثانياً: مُحاربة الإسلام ومنع عودة الخلافة والحكم  بشرع الله، فاستراتيجية الغرب تقوم على محاربة أي جماعة أو حزب أو حركة إسلامية صادقة تتبنى عودة الإسلام وإقامة دولة إسلامية تحكم بالقرآن والسنة ودون هوادة، فالغرب يتسـامح مع كل المبادئ والمعتقدات والأديان إلا الإسـلام الصحيح الذي يعتبر الجهاد ذروة سـنامـه، لذلك فكل حركة جهادية تُطالب بأن تكون كلمة الله هي العليا في الأرض هي مصنفة عند الغرب حركة “إرهابية تكفيرية متطرفة ومهددة للسلم العالمي”، وهذه الحرب بدأت منذ مطلع القرن التاسـع عشـر بواسـطـة ما يُعرف بالغزو الفكري والثقافي من خلال الجمعيات والمدارس والجامعات التبشـريـة التي خرَّجت جيوشـاً جرارة من تلاميذ هذا الغزو، وقاموا بإنشـاء أحزاب علمانيـة بعناوين شـتى من أقصى اليمين إلى أقصى اليسـار… من أحزاب شيوعية إلى أحزاب قومية إلى أحزاب ليبرالية إلى أحزاب “وطنية” عملت في الأمة هتكاً وفتكاً ونخراً، فجميع هذه الأحزاب ليس لها عدو إلا الإسلام ولا هدف لها إلا محاربة الإسلام أولاً وأخيراً ومنع عودته للحكم، فهذه الأحزاب جميعها صناعة الصليبية العالمية وهي ألد أعداء أمة الإسلام ومعظم قادة هذه الأحزاب ومؤسيسيها هم من اليهود والصليبيين.
ثالثاً: زرع الكيان الصهيوني ـــــ اليهودي في فلسـطين الذي هو عبارة عن مشـروع صليبي غربي تم زرعـه في قلب العالم الإسـلامي، من أجل أن يكون حاجزاً بين مشـرق العالم الإسـلامي ومغربـه وشـمالـه وجنوبـه، ومن أجل أن يبقى خنجراً في ظهر المسـلمين، وزرع هذا الكيان في الأرض المباركة حاضنة أولى القبلتين ومسرى محمد صلى الله عليه وسلم ومعراجه إلى السماء وثالث المساجد في الإسلام هو أكبر إذلال للمسلمين، فالغرب الصليبي جاء باليهود ليكونوا نواب عنه في اغتصاب الأرض المباركة من المسلمين.
وتجزئة العالم الإسلامي هي أكبر حاضنة لهذا الكيان والتي توفر له أسباب البقاء والعيش والاستمرار، فهذا الكيان يُعتبر جزء لا يتجزأ من أمن دول الغرب واستراتيجيتهم في المنطقة والحفاظ عليه هو في مقدمة أولياتهم.
رابعاً: السـيطرة على منابع النفط والتحكم بها إكتشـافاً وإنتاجاً وتسـويقاً؛ فمنذ اكتشـاف البترول في العالم الإسـلامي وخصوصاً في الجزء العربي منـه، والغرب يعتبر البترول مُلكاً لهُ وجزءً لا يتجزأ من أمنـه القومي؛ فهو لا ينظر إلى البترول بقيمتـه الماديـة الماليـة النقديـة أي بثمنـه بالدولارات وإنما يعتبره إكسـير الحياة بالنسـبـة لـه؛ فهو بمثابـة الدم الذي يجري في شـرايين وعروق الثورة الصناعيـة الماديـة الغربيـة.
فمنذ اكتشاف البترول منذ حوالي 150 عاماً حدثت في الغرب ثورة صناعية علمية تكنولوجية هائلة لم تشهدها البشرية منذ وُجدت؛ فالبترول كان سبباً أساسياً لكثيرٍ من الإختراعات، فبسبب البترول تم اكتشاف الطائرة والسيارة والآلة والدبابة والصاروخ والصعود إلى القمر، فلا يمكن أن تطير طائرة بدون بترول أو تسير سيارة أو تدور ماكنة أو ينطلق صاروخ بدون بترول، فمن يُسيطر على البترول يُسيطر على العالم ويتحكم بخناقه ويُخضعه لإرادته، لذلك فالغرب يعتبر الدول التي تُنتج البترول في العالم الإسلامي جزءً لا يتجزأ من أمنه القومي لا يُسمح الاقتراب منها، وكل من يُحاول ذلك تُفتح عليه أبواب جهنم، وهذا ما حصل مع صدام حسين، فعندما تجاوز الخطوط الحمراء وضم الكويت إلى العراق وتمرد هو على الغرب صار تحت يده ثُلثي إحتياط النفط في العالم، فكان لا بد من إسقاطه وتدميره.
وهذه هي ركائز استراتيجية الغرب في التعامل مع العالم الإسلامي منذ مائة عام ويزيد. ولكن علينا أن نعلم بأن هذه الركائز ليست قدراً لا يُمكن تغييرها وإزالتها وهدمها، بل يمكن إزالتها وتحطيمها إذا ما قررنا ذلك!
 
محمد أسعد بيوض التميمي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.