موسيقا معاصرة لستيفان هول
و حســـــــان طـــــــه في كفــــرسوســـــة

في أول ورشة عمل موسيقية، للموسيقا المعاصرة بين سورية والنمسا، رعتها وزارة الثقافة السورية والسفارة النمساوية بدمشق-كإطار للتعاون الثقافي بين المعهد العالي للموسيقا-ومؤسسة الفن المعاصر والموسيقا في فيينا والفضاء الثقافي النمساوي، قدم طلبة المعهد العالي للموسيقا بدمشق بقيادة المايسترو إيفالد دونهوفر -النمسا، أعمالاً موسيقية للمؤلف الموسيقي النمساوي ستيفان هول تمثلت بمقطوعات من «اللوحة الشتائية»، العاصفة الثلجية، رقصة ندف الثلج، الانهيار الثلجي، من العزلة والرغبة، أمل جديد فيما يخص السكينة-و«الجوهر» والعملان معدان لاوركسترا وترية و«7نقرات متبّلة» وهي نسخة معدلة للبيانو والآلات الايقاعية-بيركشن، فيما قدمت عملين للمؤلف السوري الشاب حسان طه الأول «رباعي وتري رقم1» و«ماري» للقانون والاوركسترا.
شارك في الاوركسترا- 11كمان و3 فيولا و2 فيولانسيل3 كونترباص و2فلوت و2أوبوا و2 هورن و2بيركشن 1بيانو و1قانون.
الموسيقا المعاصرة التي قدمت الينا، كانت بروحين الأولى لستيفان هول«اللوحة الشتائية-الجوهر» ومثلت التعبير الذي يوفره هذا الفن بيسر وسهولة، رغم تجربتيها وهي أقرب من ناحية التقييم الى مؤلفات بروكوفيف وآرنست بلوخ ووليم والتن التي تعطيك إحساساً بنضارة الأوان وتذوق الرنين الآلي، حيث جاءت مقاطع اللوحة الشتائية أقرب الى الشعور والاحساس، وذات دلالات عقلية وانفعالية.. الى صورة الاعتقاد بوجود عاصفة وحدوث انهيار وسقوط ندف الثلج والاحساس بالعزلة ومن ثم الحاجة الى السكينة.
لقد استخدم المؤلف هول ما هو أقرب الى الصلات الجمالية في الموسيقا التعبيرية مما تقدر ان تمنحنا إياه أوركسترا وترية، لذا لجأ الى استخدام تقنيات صوتية صممها ديفيد مونلر منحت موسيقاه مزيداً من اللون الصوتي جعلتها تحظى بجاذبية مباشرة وخصائص تعبيرية فعالة- نبضات القلب في «الجوهر».
أما «سبع نقرات متبلة» لهول والمعدة للبيانو والايقاع فجاءت على نمط الموسيقا المعاصرة الصعبة نوعاً ما وهو النمط الثالث لهذا النوع الموسيقي المعروف في أوروبا والأقرب الى روح بارتوك وميلهود ووليام شومان، التي تتطلب تذوقاً عالياً للرنين الحاد المحترف وآذاناً كونتر بانتية ومزيداً من الاسئلة مثل ماهو هدف المؤلف من هذه المقطوعة؟ لانها ببساطة تحتاج الى جهد غير مألوف في تحليل التعبير الموسيقي.
أما المؤلف السوري حسان طه، فهو الآخر قدم لنا عملين مختلفين تمام الاختلاف، الأول بعنوان«ماري» استخدم فيها أوركسترا وترية مع اضافة آلات نفخية كالهورن والفلوت والاوبوا مع القانون الشرقي في ابتكار موسيقي تخيلي استحضر خلالها صوراً تعود الى حضارة ماري التي نشأت على نهر الفرات قبل الميلاد حيث صاغ تركيباً حراً يعتمد الصورة الحسية التي تقارب واقعاً ما، من هنا تبدو أهمية الطريقة التي اتبعها حسان طه في تأليف«ماري» عبر اعتماد نظرية التوقيع الايقاعي في التدوين بالتوافق مع المسافات والتآلفات والهارموني التي ميزت النص والتي شكلت تركيبات صورية جديدة ابدع في ابرازها عازفون من أمثال عازف القانون توفيق ميرخان وعازفي الهورن فؤاد شلغين وبشار محمد من خلال حساسية اللمس ضغطاً واهتزازاً ونفخاً على مواقع الدرجات الصوتية على الآلة الموسيقية على النحو الذي خدم دقة التعبير الموسيقي.
أما مؤلف طه الثاني«رباعي وتري» فهو مقطوعة حديثة تضج بمشكلات عسر الفهم حيث لم يتعود المتلقي الشرقي وان كان محباً للموسيقا الكلاسيكية الغربية على هذا النوع من الاسلوب اللامألوف ويشعر بتنافر مكوناتها، حيث يكون المحتوى الميلودي سبباً للتشويش وتصيب المستمع بالحيرة فالتنوع اللوني وحساسية الخلط فيما بينها تزيد من درجة التوتر وعدم الراحة، الأمر الذي راكم من الحاجة الى تكرار الاستماع لمثل هذا النوع من المؤلفات اذا اردنا بالفعل الحصول على اكتشاف جمالي مختلف، فحسان طه مؤلف مبدع ولا شك لديه مفردات تعبير فني حقيقي، حري بنا اكتشافها وقبول نوع مختلف من الموسيقا بخصائصها التعبيرية المعاصرة.
ما قدم في هذه الامسية، كان فعلاً موسيقياً تجريبياً جميلاً، أثار فضول المتلقين، حرك المشاعر والعاطفة، ولو ان بضعة ملاحظات سلبية لا تؤثر على الانطباع العام الذي خرج فيه الجمهور منها ان مسرح المركز الثقافي في كفرسوسة لا يلائم عرضاً موسيقياً من هذا النوع، فالمسرح أشبه بصندوق مفتوح لا حسابات لارتداد الصوت وانعكاسه أو تشتته فيه..والطامة الكبرى فإن جميع أنوار الصالة ظلت مفتوحة طوال مدة العرض وهو مالم يحدث في مسرح مرة.
عبد الكريم العبيدي
جريدة البعث-العدد: 13405 - تاريخ: 2008-05-07