الأسماء
ودلالاتها الدرامية

لكل مسمى من اسمه نصيب.. مقولة تدل على تطابق الاسم مع الشخصية بما تحمله من مواصفات تميز كل شخص عن الآخر، حتى لو تشابه بهذا الاسم مع غيره، فإنه يبقى مختلفاً عنه بمكوناته النفسية والفكرية والسلوكية، وبالتالي فالأسماء انعكاس ليس للشخصية فقط، وإنما لعقلية المجتمع الذي تنتمي إليه هذه الشخصيات، إذ تحمل في مضمونها شيئاً من تقاليد هذا المجتمع وثقافته.
هذه الفكرة ليست جديدة فمنذ القديم اعتمد اليونانيون في مسرحهم الدلالات والمضامين للأسماء، يحملونها الأفكار التي يودون تقديمها عبر هذا المسرح، ورغم بدائية هذا الأسلوب الذي طرأت عليه الكثير من التطورات إلا أنه مازال أسلوباً متبعاً في كثير من الفنون التي نضمنها أفكارنا بأسلوب تضميني رمزي، ونجد هذا الأسلوب متبعاً في الدراما كثيراً، إذ يعتمد كتّاب الدراما على تضمين نصوصهم الكثير من الأفكار التي تستقرأ من سياق العمل في خطوة لاعطاء المشاهد فرصة التفاعل مع هذا العمل وقراءته حسب فهمه وثقافته، ويرتقي العمل عن المباشرة ليأخذ دلالات متعددة ومختلفة، وهذا ما نلمسه بشكل جلي وواضح لدى الكاتبة "ريم حنا" في أعمالها الدرامية، فقد أجادت في عمليها الدراميين "ذكريات الزمن القادم" و "رسائل الحب والحرب" لعبة الأسماء التي نراها تحمّل كل شخصية من شخصياتها تاريخاً نفسياً واجتماعياً، وتعطيها أسماء ومدلولات تشكل إشارات لمقولات ذات بعد رمزي يسبغ على العمل حالة من الجذب والتشويق، قدمت بأسلوب إخراجي حرفي متقن، ففي "ذكريات الزمن القادم" تقدم لنا العائلة الفلسطينية التي تسكن المخيم كرمز للمنفى والتشرد، تلك العائلة المكونة من الأم "أم يوسف" التي ترمز لفلسطين بما تمثله من قيم وعادات وتقاليد يحملها الشعب الفلسطيني في وجدانه أينما رحل، ويعتز بها، وضياع هذه الأم في نهاية المسلسل مؤشر على ضياع فلسطين، وهنا تبث الكاتبة روح الأمل بانتصار القضية وعودة الأهل لديارهم من خلال عثور الأولاد على أمهم التي كادت تضيع منهم، وهناك الابن الأكبر الذي فقد ذراعه في حرب لبنان مما أعاقه عن متابعة نشاطه، حيث يرمز إلى توقف نشاط المقاومة الفلسطينية خارج فلسطين لأسباب كثيرة، وأيضا "خالدة" التي تحمل في اسمها أبعاداً واعية ترمز لخلود فلسطين وبقائها حية في ضمائر أبنائها، وهي مثال حي للجيل الذي يسعى وبدأب من أجل العودة والحرية والاستقلال، و قد ربطها الحب والهم الوطني ب"مطر" هذا الشخص المتخلي عن قيمه ومبادئه من أجل مصالحه، وأن ما عاشه من حياة نضالية سابقاً أصبحت ذكريات للماضي والحاضر والمستقبل، بسبب ما يعانيه الشعب الفلسطيني من استعمار وحروب ومنافٍ وغربة، وفي نهاية العمل تؤكد الكاتبة عبر بطلتها كاتبة السيناريو عبلة، وأخيها الفنان التشكيلي أن الثقافة هي الطريق لبناء مجتمع سليم، والمثقف بهذا المعنى يجب أن يكون فاعلاً ومؤثراً بمن حوله.
وفي مسلسل "رسائل الحب والحرب" كان واضحاً الايحاء الذي قصدته الكاتبة من اختيارها للأسماء التي حملت معانيها ومدلولاتها معها، فلم يخف على المشاهدين معنى اسم نيسان، وناظم ، وعروبة، وجلال، وفارس، حيث بدت كل شخصية بمحمول اسمها ومدلوله ذات أفعال وردود أفعال عاشتها هذه الشخصيات عبر صراعات وأحداث جسدت تاريخاً نسجته ريم حنا بحرفية وحب.

سلوى عباس