منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1

    مدارات الحزن في ديوان" سدوم" لمحمد بنطلحة

    " مدارات الحزن في ديوان" سدوم" لمحمد بنطلحة


    تمثل التجربة الشعرية عند الشاعر المغربي محمد بنطلحة رؤيا متحولة للكون وللعالم والإنسان،ووعي عميق بواقع الهزيمة والنكسة والإحباط والخيبة لدى الإنسان العربي عامة المغربي خاصة.
    وبقدر نضج الخطاب الشعري عند محمد بنطلحة بقدر ما تتأسس القناعات،وتترسخ المواقف للكشف عن جوهر هذا الهم الشعري وقدرته على تمثيل الواقع،بلغة شعرية وثوقية ومضامين تحمل في دلا لتها مستويات متعددة لمعرفة شعرية تنحت من مرجعيات متعددة(صوفية وتاريخية وأركيولوجية وفنية) مما يجعل التجربة الشعرية عند محمد بنطلحة تقاوم التباث والسكون والعدمية وفوضى الأشياء،واستنبات أسس جديدة للشعر من خلال بدائل معرفية جديدة تمتح من الثرات الشعري العربي القديم والحدبث وتستلهم تبني المقاربات الغربية في نقد الشعر ونظرياته مما يصبح السؤال معه/سؤال الحداثة الشعرية أمرا مشروعا إن لم نقل ثوريا بصيغة أو بأخرى.
    محمد بنطلحة صوت شعري متميز في الخريطة الشعرية المغربية المعاصرة،
    إذ يتوسل أدوات شعرية أصيلة،ويتقن لغة الحوار الشعري ومفاهيمه من خلال صور شعرية جديدة تجعل المساءلة أمرا ضروريا واستعجاليا للمتلقي للمتن الشعري لمحمد بنطلحة.
    " سدوم" ثورة شعرية جديدة في شعرنا المغربي المعاصرلأنها تراهن على تصور واع وعميق للأشكال الشعرية من جهة،وخلق رؤى شعرية تسبر أغوار المسارات والفجوات لفك معضلات المعرفة المدنية والا نتقال الى معرفة طبيعة الأشياء في بعدها الفلسفي والوجودي واللغوي.
    "سدوم" بيان حقيقة في ومن ملتبس مقنع/مسطح الرؤى والدلالات/ غامض الأطروحات منحرف المعاني.
    " سدوم" ليس مجرد قول شعري مصنف،بل هو كينونة شعرية شرعية في زمن اللاشرعية،إنه أي الديوان بصيغة أو بأخرى فضاء شعري مفتوح على كل الإحتمالات يقتات من روح الشعر وينهل من منابع الشعر الأصيل في أقوى صوره،فمنه ولد وإليه يعود في إباء وشموخ وأنفة.
    " سدوم" مواجهة مفتوحة مع كائنات الدمار الحقيقية التي تأبي المصالحة مع ذاتها ومع الآخر باعتبارها سلعة مغشوشة وماركة مزيفة في بورصة القيم الشعرية الناضجة والواعية.
    "سدوم" با عتبارها تجربة شعرية مهووسة بالوقوف على علامات الخيبة والإنشطار الكلي في مجتمع متفسخ يرفض التحد والتعايش والتسامح والسكينة،في مجتمع الردة المضادة في الزمن الموحش.
    بعيدا عن صخب الجدل البيزنطي والمساجلات المجانية والخطابات الشعبوية يأخذنا محمد بنطلحة الى التفرد والإستمتاع بشعر مغربي نابع من هويتنا وأصالتنا وخصوصياتنا في انفتاح واع على العالم.
    إنه يمدنا بإكسير الحياة، أو ليس الشعر احتفال حقيقي بالذات والنزوع بها نحو المطلق واللانهائي.
    صدرت لمحمد بنطلحة مجموعة من الأعمال الشعرية نذكر منها:
    ـ نشيد البجع: ط1 ـ 1989 ـ الرباط.
    ـ غيمة أو حجر : ط1 ـ 1990.
    ـ سدوم ـ ط1 ـ 1992 ـ دار توبقال للنشر.
    وهي أعمال شعرية متميزة واكبت التحولات النوعية في مجال الشعر ونقلت صورا حية للواقع من خال اسثتمار المعجم الشعري الناضج والمسؤول والملتزم.
    يضم ديوان" سدوم" 52 قصيدة"
    يقول الشاعر:
    لست ألتمس
    الدليل على صواب شبه مهجور وليت أمد كفي
    جفت الأقلام واستوت الحروف على مياه داكنات (ص7)
    تصبح الحياة بلا معنى حينما يفقد الصواب ويضل أرضه في مجتمع بلا بوصلة،وتتحول مخاوف الشاعر من الشفقة الى رفض مد اليد والتوسل بصسغة أو بأخرى.
    هل المثقف ملزم بالتويل للغة لكي تعود الى نضارتها وبهجتها ويصبح جفاف اللغة لدى الشاعر كمن ينحت من صخر لا كمن يغرف من بحر.
    من مواجع الحزن السرمدي أن تجف الأقلام وتتعكر المياه في تلوث يفتقد الصفاء والنقاء.
    بنطلحة يمتح من النص القراني(جفت الأقلام وطويت الصحف)
    هي سمة الخراب التي بدلت كل شيء وعصفت بالخصب فأردته موارد الهلاك.
    كيف تستوي الحروف على مياه داكنات مع العلم انها لا تستوي الا على خريرمياه(طلعها سلسبيلا)
    الا ستواء معلوم والكيف مجهول ومن المتناقضات لا تصنع لغة الشعر ولا قيم الحياة.
    يقول الشاعر:
    وياشمس المدارات الحزينة عززي سخرية
    الأقدار بالشرح الدقيق وباحتمال حدوث اعصار
    بلاغي أمد له لساني مرتين (ص8)
    يخاطب الشاعر شمس المدارات الحزينة للتعبير عن نزعة السخرية من القدرمن حياة مبتذلة رخيصة.
    الحزن الكامن في المدارات/ الحزن النابع من سخرية القدر/الحزن من احتمالات حدوث اعصار بلاغي في زمن اللامبالاة واللاجدوى.
    فالبلاغة بكل تفرعاتها وتشعباتها هي المنقد الوحيد للشاعر من ومن التشيؤ والمحال.
    وعدت من فردوسك المفقود
    بالقبل التي قد لا تحس
    ولا ترى
    عجبا(ص10)
    تجليات الخيبة وتباشير الحزن موشومة بتفاصيل الفردوي المفقود الذي ضاع بين الا سم والعبارة هو فردوس لكنه مستلب.
    وتتوالى الخيبات والعدم من قبلات لا تحس لا تخلق قشعريرة ولاتؤثر في النفي المقبلة.
    وفقدان المعنى في القبل هو ناقوس خطرعلى أن المشاعر الا نسانية
    والا حاسيس الرومانيسة التي لا تحس حرارتها في قبلة مؤشر على موت الفعل ورد الفعل.
    فبنطلحة يرسم لوحات وجودية راقية تخاطب/ الحس/ الكينونة/ اللذة/ الجسد المستفز/ الجسد الخامل/ الجسد الساكن.
    فيا ويحي
    أهذا جدول الأعمال
    أرض مشتهاة؟
    ودليل مستبد؟
    وخيول تائهة
    في بساتين سجون الآلهة (ص13)
    لفظة" يا ويحي" تعبير صريح عن الخيبة المسترة من جداول اعمال عقيمة والأرض المشتهاة في أي مكان تكون؟
    وأعطيت للدليل صفة المستبد في الرأي والتحكم في زمام اللعبة،وهو تشبيه بليغ يفسر القلق الوجودي حتى بالنسبة للحيوانات خصوصا الخيول الجامحة التي تم احتجازها في سجون الا لهة.
    الخيول تحب الحرية والسجون تصطاد هذه الحرية فتغلفها في سياق العبودية والا نغلاق.
    يتميز هذا المقطع الشعري بلغة ايحائية تتجاوز المعنى العادي الى معنى مجازي/تخييلي يؤشر على على التعدد في العطاء.
    فالحمولة اللغوية/البلاغية هي من المهام الأولية التي تستوجب تحقيقها في النص الشعري لدى محمد بنطلحة وتحقيقها يتطلب الإلمام بقواعد اللغة والعروض.
    ولكني سأصقل غبطة المتضرعات
    بكل ما في الدمعة البتراء
    من نزق وزهد فائقين
    وسوف أرطن بانزياح فاجر(ص17)
    تبدو اللغة الشعرية عند بنطلحة مستعصية على التحليل اذ بدون مفاتيح شعرية وقارئ نموذجي متيقظ لن تتحقق الا فادة الشعرية ولن تفهم معاني النص الشعري.
    غبطة المتضرعات سيصقلها الحس الشعري.
    لقد تأسست لدى الشاعر تلك القناعات البلاغية التي تجعل العبارة الشعرية تحتفل بانزياح متعدد الدلالات بدء بالانزياح التركيبي مرورا بالانزياح الدالي والنحوي،مما يضفي على بنية الشعر تألقا وتوهجا تجد ضالتها في تركيبة القصيدة الطلحوية التي تمتح من كل عناصر الشعر ومكوناته.
    فالنزق والزهد يجسدان تمثلا مجازيا لأسطورة المعنى المناقض.
    النزق باعتباه رؤية مبتذلة للواقع المحسوس،والزهد كونه غرضا شعريا يمتزج بمقامات صوفية تؤسس لجدلية الرؤيا/ التوحدنالإشراق /الوجد وهي مفاتيح ترتبط بالحلول.
    فشكلت القصيدة اندماجا بين اللغة المجازية واللغة الصوفية،فتحتل الحمولة الا بداعية عن طريق الانزياح المتفرد.
    نجوم تموت
    على عتبات البيوت
    وأخرى تصب على قدمي المياه
    كأن الشفاه
    رسوم على خنجر
    وكأن السكوت
    وليد يئن
    وأم قنوت(ص46)
    تمثل قصيدة" لا مناص" بعدا وجوديا لتيمة الموت الرمزية وتجسد المفارقات المختلفة لدلالات الموت.
    فموت النجوم هو موت اسثتنائي للكواكب.
    هل المقصود بالنجوم تلك الأنوار المتلأ لئة في السماء ام نجوم المشاهير.
    من يقتل النجومظ ومن يعلن موتها؟
    هذه النجوم المتعالية النائية المنفردة ببريقها تنحني في صمت لرهبة الموت وجلاله،تطأطئ رأسها على عتبات الموت.
    موت النجوم يقابله نجوم أخرى تصب على قدم الشاعر الماء.
    وحتى تكتمل مدارات الحزن تتحول الشفاه الى رسوم على خنجر،فالمشبه به(رسوم) هي شكل من أشكال تمثيل الألم في الشفاه.
    إنها رمزية شعرية وفق محمد بنطلحة في توظيفها في قصيدة" لا مناص" للكشف عن استراتجية انتماء الا نسان الى محور المأساة بالفعل والقوة.
    فلحفة لا مناص معناها لا هروب..لا مفر من حتمية الموت وجبروته وهيمنته المطلقة.
    فالسكوت مكون من مكونات البؤس الا جتماعي بكل تمظهراته وتجلياته.
    نحن اجترأنا على النون
    في غيبة الكاف
    ثم عقرنا زهاء قطيعين
    من غرر الذكريات التي لم تعش
    قط (ص58)
    يتجسد النص القرآني في بعده التناصي مع الشعر في صيغة" كن" التي حورها الشاعر بلغة الشعر الا نزياحية الضاربة في جذورها بالأمر الا لهي" كن"
    فالتجرؤ على النون والانبهار بها يمنح للقارئ لذة السؤال والمساءلة نون ماذا؟
    نون النسوة ام النون ذلك الحوت الذي التقم نبي الله يونس.
    وللحروف في الشعر دلا لات مستقاة من الخطاب الصوفي الذي يسثتمرالنص القراني في تدعيم مواقفه الصوفية ذات الصبغة الروحية با متياز.
    فالألف واللام والكاف والنون من الحروف المفضلة لدى المتصوفة باعتبارها حروف تحمل رمزية خاصة للبحث في كنه هذا الوجود واستكناه باقي الا بعاد الأخرى المرتبطة بالعالم الماورائي،العالم الميتافيزيقي الغير المرئي الذي يظل مجاورا لمفاهيم الدهشة والحسرة والبحث والتقصي عن سرالموجودات والوجود.
    مع كل مقطع شعري طلحي(نسبة الى محمد بنطلحة) تطالعنا تجربته المتميزة المليئة بالألغاز والمعميات.
    هذه التجربة الشعرية المعمقة محتاجة الى أدوات نقدية ناجعة،ومفاهيم لها ارتباط قوي بمرجعيات الشعر لفهم طبيعته العميقة وسبر أغواره الإيقاعية والدلالية والتركيبية والنصية.
    من الحقيقة الى المجاز تصبح صور الماضي عبارة عن قطيعين تم نحرهما با عتبارهما جزء من الذكريات من الأرشيف/الذكرى التي لم تعش.
    الذكريات التي تم اجهاضها عملية عيشها من طرف الصغار والكبار.
    شيء ما اسمه الماضي والذكريات تم اغتصابه في زمن الحرب والنسيان،أو زمن الفقراو زمن الا ضطهاد.
    الذكريات المستلبة التي عبر عنها من طرف الشاعر باعتبارها(ذكريات مغتال)
    والإغتيال الرمزي هنا او الضمني هو افصح بكثير من الا غتيال الصرح او المباشر.
    الإغتيال والفقر والذبح والنسيان كلها مفاهيم ترتبط باستئصال أجمل مرحلة في حياة الا نسان.
    الذكرى اةو الذكريات/الماضي والماضون،والحنين تلك الفترة من العمربصخبها وضجيجها وعنفوانها.
    كأنه
    بين يدي
    شوكة
    تسعل
    في غباري
    كأنه منفاي
    فخي
    بل
    تميمتي
    وداري(ص80)
    تظل الا ستعارات والتشبيهات لغة أخرى متحولة تؤسس لفعل الا نفجار الشعري في الرؤية للوجود والا نتقال من مداالسكون الى جولات الدينامية والتحول.
    الشوكة التي تسعل،فتضفي على فعل الجماد فعلا انسانيا بامتياز.
    وسط الغبار يمتد السعال،فينتج عنه اختناق ليس في الصدر فقط بل في المناخ العام السائد.
    هذا الا ختناق ينصهر وراء منفى الشاعر،يجعل الأفق الشعري مظلما في ظل التهافت الأعمى على انتاج الرداءة في الشعر،وتنتفي معه جمالية القصسدة وحسن المعنى.
    المنفى والتميمة والفخاخ مؤشرات على أزمات في الذات وفي الوجود،وانتكاسات متلاحقة لعلها لعنة الخيبة والدمار،واجهاض الاحلام الكبيرة والمتعددة.
    بأس شراع
    إذن
    سوف تكتحل اللغة الواصفة؟
    ألم ينشإ الرعد
    من فخذ الحرف
    بعد؟
    ومن سرة خائفة
    ألم تنشإ العاصفة (81)

    يقول الشاعر:
    شعاعا
    من العسل الفظ
    صدت أباريقهم غرفة الفجر
    عن جثة غيمها الرند
    والزمهرير المقل
    وسقف يفسر أصل الأساطير(ص94)

    * الهوامش:

    محمد بنطلحة" سدوم" ط الاولى 1992 / دار توبقال للنشر

  2. #2

  3. #3
    الى الفاضل فراس الحكيم: شكرا لمرورك الكريم.

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 10-31-2012, 01:13 PM
  2. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-13-2012, 07:03 AM
  3. "فيسبوك" أكبر أداة تجسس عالمية.. و"ياهو" و"جوجل" واجهتان لـ"cia"
    بواسطة شذى سعد في المنتدى فرسان التقني العام.
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 10-21-2011, 06:52 AM
  4. دراسة نقدية " بلا غة الجسد وإ بدالات الخطاب في ديوان" حياة صغيرة"
    بواسطة خالد عبد اللطيف في المنتدى فرسان الأبحاث والدراسات النقدية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 01-29-2008, 04:04 PM
  5. دراسة نقدية " دلا لة "السفر" في ديوان" رأس المسا فـر" للشاعرسيف الرحبي"
    بواسطة خالد عبد اللطيف في المنتدى فرسان الأبحاث والدراسات النقدية
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 05-20-2007, 07:27 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •