فى المقهى
شعر
د. جمال مرسى
في مقعدٍ هادئٍ في الركـنِ مُستَتِـرِ=نَأَىَ بعيداً عنِ الفوضى ، عنِ النَّظَرِ
عيناهُ في مدخـلِ المقهـى تُراقبُـهُ=هذا يروحُ ، وذا يرتادُ فـي خَفَـرِ
وذا يميلُ مع الألحانِ فـي طَـرَبٍ=وذاك يَغرِقُ في بحرٍ مـن الفِكَـرِ
طوراًَ يُحَمْلِقُ في الجُدرانِ ، يرسُمُها=وتارةً راكزاً عينيـه فـي السُّتُـرِ
يكادُ تفضِحُهُ عينُ الهـوى ‘ و فَـمٌ=يُتَمتِمُ اسمَ التـي أَعيَتـهُ بالسَّهَـرِ
والوقتُ يمضي كما يمضي بمُذنِبَـةٍ=سِيقَت إلى غُرفةِ الإِعدامِ في خَـوَرِ
يا أيُّها النـادلُ السَّاعِـي لخِدمَتِنـا=هلاَّ أَتَيـتَ بِفنجـانٍ مـن الصَّبَـرِ
فقد شربتُ كؤوسَ الإنتظارِ ‘ ومـا=هلََََّت حبيبةُ قلبي ، مُهجتى ،عُمُري
أرى المكانَ وقـد غابـت مُعَلِّلَتِـي=أمسى كمثلِ الدُّجَى في غَيبَةِ القَمَـرِ
فلا جَمَالٌ ، و لا نُورٌ أُحِـسُّ بِـهِ=ولا أَشُمُّ أَرِيجَ العِطرِ فـي الزَّهَـرِ
و لَستُ أسمَعُ من أنغـامِ صادحـةٍ=هُناكَ ، غيرَ صدى الآلامِ و الضَّجَرِ
يا أيها النادِلُ الغادي بقهوتِهِ ، زِدني=فإنِّـي أرى مُكثـي إلـى السَّحَـرِ
مالي أراكَ و لم تبرح تُحَـدِّقُ فـي=مُتَيَّـمٍ بلهيـبِ العشـقِ مُستَـعِـرِ
أمُشفِقٌ أنتَ ؟ أم أبْصَرتَ مُعجـزةً=كما يُرى اْلماءُ في عينٍ من الحَجرِ
أَما رُمِيتَ بسهمِ العشقِ فـي كَبِـدٍ=مِثلي ، فصرتَ أسير الهُدبِ والحَوَرِ
أما أُسِرتَ ، و بعضُ الأسرِ نعشقُهُ=نسعى إليهِ بلا حِـرصٍ و لا حَـذَرِ
أما رأيتَ التـي رقَّ الفـؤادُ لهـا=و ليسَ يُشبِهُها نفـسٌ مـن البَشَـرِ
لو كُنتَ أبصَرتَها ، ما كُنتَ تَعذلُنِي=و لا وَصَفتَ الهَوى بالحُمقِ و الهَذَرِ
شَعرٌ تَدَلَّى علـى أكتافِهـا مَرِحـاً=يزهو بِسُمرَتِـهِ ، يَـزدَانُ بالـدُّرَرِ
كأنَّـهُ مَوجـةٌ تجـري و تَتبَعُهَـا=أُخرى فَتَهرُبُ لِلشُطـآنِ و الجُـزُرِ
و العَينُ غَيمَةُ عِشقٍ أَمطَرَت عَسَلاً=عَلَى حَدِيقـةِ كَـرزٍ باسِـمٍ نَضِـرِ
و الثَّغرُ نَهرٌ مِنَ الحِنَّاءِ ، رَاقَصَـهُ=ضَوءُ النَّهارِ على ترنيمـةِ الوَتَـرِ
يا لائِمِي فِي الهَوَى ، إنَّ الهَوَى قَدَرٌ=إن كُنتَ تُؤمنُ ، في دنياكَ ،بالقَـدَرِ
فاذهَب و دَعنِي وحيداً في تَرَقُّبِهـا=حانَ اللقاءُ ، لقاء الأرضِ بالمَطَـرِ
من المجموعة الشعرية ( أنهار لا تعرف الخوف ) للشاعر : د.جمال مرسى