البعد الدعوي للعمل الإعلامي


--------------------------------------------------------------------------------



البعد الدعوي للعمل الإعلامي** / ذ.نعيمة بنيعيش من المغرب

إذا كان الإعلام في الماضي يتطلب القرب، و الاتصال البشري المباشر. فإن الثورة التي عرفتها علوم وفنون الاتصال في عصرنا الحاضر جعلت من الإعلام اتصالا عن بعد، واتصالا غير مباشر وعبر وسائط متعددة ومتنوعة ومختلفة، تقرب البعيد وتبعد القريب، وأصبح الإعلام اتصالا بين ذوات غير حقيقية وغير واقعية.
و القرآن الكريم ـ منذ خمسة عشر عاما ـ نزل برسالة للبشرية جمعاء تضمنت إعلاما وبيانا وبلاغا مبينا ونبأً عظيما لكل الناس ولكل زمان ومكان. ولذلك فإن الرسالة الإلهية الخاتمة احتوت بعدا إعلاميا جسد الطبيعة الإعلامية للدعوة الإسلامية، ويكفي في ذلك القول بأن القرآن معجزة بيانية وبلاغية.
وفي القرن الواحد والعشرين لم يعد الإعلام مؤسسة للإخبار والتثقيف والترفيه والتوعية، بل أصبح مؤسسة لتشكيل الإنسان وتنميطه وضبطه والتحكم فيه. بل الإعلام أصبح له تأثير كبير وخطير على نفسية الإنسان وحياته الاجتماعية وثقافته بل وعلى وجوده وهويته ومصيره.
في مقابل هذه التحديات والمخاطر التي تتهدد المسلمين والناس أجمعين من قبل مؤسسة الإعلام العابرة للقارات. نجد الإعلام في الوطن العربي والإسلامي ضعيفا وتابعا، والذي يحمل الرسالة الإسلامية لا يرقى إلى منافسة الإعلام الغربي، مع أن رسالة الإسلام هي رسالة للاتصال الفعال والإعلام المبين.فكيف نرقى بإعلامنا إلى مستوى حمل رسالة الإسلام وبيانها للناس وتبليغها لهم؟ وكيف نجعل من الإعلام رسالة تخدم الإسلام بجدارة واقتدار وجودة؟ أو بعبارة أخرى كيف نجعل من الرسالة الإعلامية رسالة إسلامية ومن الرسالة الإسلامية رسالة إعلامية؟ وكيف يمكننا نحن المسلمين أن ندخل عصر الاتصال والإعلام بشخصية إعلامية مستقلة ومبدعة ومؤثرة، لا أن نكون تابعين ومقلدين ومنفعلين ومستهلكين لإنتاج غيرنا وإبداعهم الذي يكتسح ثقافتنا وينسف بناءها وقواعدها؟ وفي المقابل كيف نواجه مخاطر وتحديات الإعلام الغازي و المهيمن على الفرد والمجتمع وعلى الصغير والكبير وعلى الرجل والمرأة؟ وكيف يتجاوز الإعلام الديني الرسمي والشعبي و الحركي ـ إعلام ما قبل الإعلام الحديث الذي لا يرقى إلى مستوى الرسالة الإعلامية للقرآن، ولا إلى قوة الإعلام الغربي ـ الثنائية والازدواجية والتخلف والتبعية ليصبح إعلاما رساليا يعكس قوة وعظمة الرسالة الإسلامية وشمولها؟
I- الإعلام والاتصال بين وحدة المفهوم وتعدد وتقاطع الوظائف:
إن الإعلام قديم قدم الإنسان، قديم بقدم اللغة والمعرفة وقديم بقدم قدرة الاتصال والتواصل والتبادل الرمزي والمادي لدى الإنسان، ومن ثم يمكن القول بأن الإنسان مخلوق إعلامي.
إلا أن الإعلام بمفهومه الحديث المقروء والمسموع والمرئي: حديث مرتبط بالتحديث والحداثة وظهور التقنية والصناعة. ولما كان الإنسان مخلوقا لا يحيا في ذاته ولذاته فقط، وإنما يحيا أيضا مع غيره ولغيره ومن أجل غيره. فهو بذلك يحيا بالاتصال والتواصل والتبادل، ويحيا باستمرار في "تعارف" مع ذاته ومع غيره وهذا يتطلب منه أن يعلم ويعلن عن ذاته، ويستعلم و يستعلن عن غيره.
ولما كان الإنسان كائنا اجتماعيا طبيعته ترتكز على الاتصال والتواصل والتبادل وبالتالي تقوم على الإعلام والاستعلام عن الذات وعن الغير. فما معنى الإعلام والاتصال والتواصل والتبادل؟ وماهي طبيعة العلاقة بين تلك المفاهيم؟
1) تحديد المفاهيم: إن ضبط و تحديد المفاهيم مرحلة لابد منها لأي علم من العلوم، و لأي مجال من مجالات المعرفة و التقنية و العمل، و إن غموض المصطلحات و عدم وضوحها ينعكس على مجالي العلم و العمل.
و من المفاهيم التي ينبغي ضبطها و توضيحها مفهوم الإعلام الإسلامي
و علاقته بمفاهيم الاتصال و التواصل و التبادل، و علاقة تلك المفاهيم بمفهوم الدعوة.
أ- مفهوم الإعلام: الإعلام هو علم و فن يقوم على توصيل المعلومة إلى الناس، فهو فن نقل الرموز و الرسائل إلى الناس، و يعتمد على قاعدتين: الأولى وجود معلومة يراد إيصالها إلى الناس، و يشترط فيها أن تكون صادقة و إلا فهي خيال أو أكاذيب لأن المعلومة مشتقة من العلم. و الثانية فن التوصيل و هذا أمر عظيم التعقيد لأن النفس البشرية تستهويها طريقة العرض الفنية فيتحصل الإنسان على المعرفة و المتعة معا، و الإعلام فيه أنواع متعددة منها:
* الإعلام المضلل: الذي يخلط الحقائق بالأباطيل مثل الإعلام الصهيوني الذي يظهر اليهود ضحايا و يظهر الفلسطينيين إرهابيين و مثل الإعلام الغربي الذي يشوه صورة الإسلام و المسلمين عند الغربيين.
* الإعلام غير الهادف: وهو الإعلام الذي يدغدغ العواطف و يحرك الغرائز لضبط الجماهير و التحكم فيها أو لكسب المال، و هو الإعلام السائد في جل الوسائط الإعلامية العربية و الغربية.
* الإعلام الهادف: وهو الإعلام الذي يتميز بالصدق و الأمانة. و يهدف إلى ما فيه صالح الناس و منفعتهم، إنه إعلام راشد، صالح و مصلح ليست غايته الأولى هي الربح، و لا يخفي الحقائق و يقتصر على نقل المزايا و إخفاء العيوب و بالتالي فهو ليس إعلام دعاية غرضه كسب عواطف الجمهور و ربح المال.
و يشترط في الإعلام أن يكون: ضابطا للمعلومة، عارفا بشخصية المستقبل، عارفا بالواقع بتنوعه و تعقده و تغيره، عارفا بفن التوصيل.
كما أن المعلومة أو الرسالة التي يوصلها الإعلام تتناول كل المجالات مثل الأفكار و العقائد و الأخلاق و السياسة و التجارة و الرياضة و العلم...الخ.
ب- مفهوم الاتصال: إن الاتصال هو عملية تبادل و تقاسم و اشتراك في الأدوار بين المرسل و المستقبل.و هذا المفهوم يعطي للمستقبل مكانة رئيسية في العملية الإعلامية و الاتصالية. فالمستقبل أو المرسل إليه ليس مجرد أداة لاستقبال المعلومات و الرسائل، و إنما هو فاعل و متفاعل في العملية التواصلية و الاتصالية بما فيها الإعلام، كما أن الاتصال ليس إعلاما خارجيا فقط بل مفهومه الشامل و الواسع يشمل مفهوم العمل الاقتصادي و العلمي و الإعلامي و السياحي و ليس كل القطاعات. و الاتصال عملية شاملة و مستمرة و تكون مباشرة و غير مباشرة، و تشمل الاتصال الفردي و الجماهيري و الحضاري....الخ
ج – التواصل: التواصل هو الحصيلة الناتجة عن العملية الاتصالية أو الإعلامية بين الذات نفسها أو بين الأفراد أو بين الجماعات وهو تواصل بين طرفين أو أطراف غريبة أو محايدة، أو متعارفة و بينها علاقة سابقة إما علاقة سلم أو حرب، أو صداقة أو عداوة أو تعاون أو صراع ...الخ. و التواصل هو دخول الذات مع نفسها أو الأفراد أو الجماعات مع بعضهم البعض في تفاعل و علاقة ايجابية أو سلبية.
و العملية التواصلية تكون ناجحة أو فاشلة بحسب طبيعة المرسل، و طبيعة الرسالة و طبيعة المستقبل و طبيعة السياق.
د – التبادل: إن التبادل فاعلية بشرية تفتح الإنسان على غيره من الناس، يتبادل معهم الموارد و الخدمات و الأدوار من أجل تحقيق لمنفعة ما، أو إشباعا لحاجة أو إرضاء لرغبة تجد مصدرها في الحياة الاجتماعية المعقدة.
إنه علاقة تقوم بين فردين أو جماعتين، يقدم كل واحد منهما إلى الأخر شيئا يعادل ما تسلمه أو يتعداه، و التبادل لا يقتصر على الأشياء المادية فحسب بل يتعداها إلى تبادل الأشياء الرمزية مثل الكلام و الأفكار و المشاعر...الخ، كما أن الإنسان لا يتبادل الأشياء مجردة خالصة، بعيدة عن الإيرادات الكامنة فيها، بل هو يتبادلها مسكونة بقوى و إرادات و تبعا لرؤية معينة للعالم، فالتبادل انخراط في عالم و بناء له ،وهو أساس التفاعل الاجتماعي ، وهو الذي يجمع الفرد بالجماعة و الرجل بالمرأة والكبير بالصغير،والمواطن بالأجنبي. و التبادل يتم فيه استحضار قواعد السلوك و الأعراف و التقاليد للتشجيع عليه أو التحذير من ممارسته أو الإباحة أو المنع. و لما كان التبادل فاعلية خاصة بالإنسان – لأن الحيوان لا يقدم هدية لحيوان أخر ولا يتفاوض معه...الخ- وضرورة من ضرورات الحياة الاجتماعية، فقد تطلب ذلك وجود الاتصال والإعلام و التواصل بين الناس.
هـ - الدعوة: إن الدعوة هي عملية تبليغ الأفكار و القيم و العقائد و المشاعر والسلوكات من أجل إقناع الغير بهدف تصحيح أو تعديل أو تغيير أو إصلاح أفكاره أو عقائده أو عباداته أو أخلاقه أو تشريعاته.. و بالتالي فالدعوة تستهدف تصحيح أو تغيير نظرة الإنسان إلى الحياة و سلوكه في الحياة و إذا تأملنا في تاريخ دعوة الرسل و العلماء نجدهم لم يتركوا وسيلة من الوسائل المتاحة في عصرهم إلا اتبعوها في دعوتهم لقومهم و من هنا يمكن القول إن الدعوة عملية تبادلية تتطلب الاتصال و الإعلام و التواصل.
2) – تعدد و تقاطع وظائف المفاهيم: تستعمل مفاهيم الإعلام و الاتصال و التواصل و التبادل أحيانا بنفس المعنى، و لكن يوجد بين تلك المفاهيم اشتراكا واختلافا في المعنى في نفس الوقت، فهي جميعا تدل على وجود علاقة بين طرفين أو أكثر، و تدل على وجود اتصال. و لكن بينها تعدد في المعنى واختلاف في الوظائف مع وجود تداخل و تقاطع بينها. فالإعلام منذ تأسيسه في العصر الحديث كان يدل على نقل المعلومة في اتجاه واحد من المرسل إلى المستقبل بهدف التأثير عليه وضبطه و التحكم فيه. و لذلك كانت المؤسسات المسؤولة عن الإعلام تابعة مئة بالمائة للدولة و تسمى بوزارة الأخبار أو الأنباء أو الإعلام. و مع تطور الدولة الحديثة نحو الديمقراطية و التعددية أصبح مفهوم الإعلام أقرب إلى الاتصال الذي هو أعم و أشمل من الإعلام. فلم يعد الإعلام في اتجاه واحد من المرسل إلى المستقبل بل أصبح في الاتجاهين وأصبح يعتمد الاتصال المباشر إلى جانب الاتصال غير المباشر، و لذلك أصبحت مؤسسات الإعلام تسمى بوزارات الاتصال، و ظهر الإعلام الخاص و المستقل عن الدولة.
كما أصبح الإعلام عملية تبادلية و تواصلية و تشاركية بين الجمهور و القائمين على المؤسسات الإعلامية، أو بين فئات من الجمهور عبر الوسائط الإعلامية، و ساهم في كل ذلك تقدم تكنولوجيا الاتصال و الإعلام.
و إذا كانت الدعوة تبليغا لرسالة بكل الوسائل و الوسائط، و كانت الدعوة إلى الله تتلخص في صدق القول و العمل فإن الإعلام الجيد يعتبر أعظم جسر لتوصيل الدعوة إلى الناس، و هذا يتطلب تبادل الأفكار و المشاعر و القيم بمنطق التسامح و الحوار المتجرد من الأحكام المسبقة و هذا ما نجده في قوله تعالى: " قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم ..." آل عمران - 64 - و قوله تعالى " وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال كبير، قل لا نسأل عما أجرمنا و لا تسألون عما تعملون " سبأ - 24، 25 - و الاتصال بالناس و دعوتهم إلى رسالة الإسلام أعظم الأقوال و الأعمال، قال الله تعالى: " ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين" فصلت - 33 -. ولذلك فإن الدعوة تتداخل فيها كل الأبعاد النفسية و الاجتماعية والثقافية و الفكرية و السياسية. وهي عملية تبادلية تتطلب الاتصال المستمر المباشر وغير المباشر والإعلام بكل وسائطه ووسائله، كما تتطلب التواصل الدائم القائم على التفاعل النفسي و الاجتماعي وعلى بناء العلاقات الإنسانية القوية و العميقة.
نستخلص من خلال تحديدنا لمفاهيم الإعلام و الاتصال و التواصل و التبادل أنها مفاهيم متداخلة في معانيها، ومتقاطعة ومتكاملة في أبعادها ووظائفها، فالإعلام بمعناه المعاصر أصبح اتصالا، ويتجلى ذلك واضحا في ظهور التلفزة التفاعلية. كما أن العمل الدعوي يتكامل و يتقاطع مع العملية الإعلامية و الاتصالية و التواصلية و التبادلية. ولذلك لا يمكن للدعوة أن تنجح دون التمكن من علوم و تقنيات الاتصال و الإعلام.
Ii - إعلام ما قبل الإعلام الحديث:
لقد استخدم الإنسان القديم قبل ظهور الكتابة رموزا متعددة ـ أدوات ووسائل ـ ليعلم ويعلن عن ذاته الفردية والجماعية , ويحدد بواسطتها المسافة ـ طبيعة العلاقة : قرب ـ بعد ـ بين ذاته والذوات الأخرى الفردية والجماعية . وتتجلى تلك الرموز في النار والأصوات ـ البشرية وأصوات الطبول والمزامير الخ ـ والحركات الجسدية والألوان والأعلام والأشياء المقدسة التي تعلق على الأجسام أو الأشجار أو الأحجار أو الذبائح... الخ بالإضافة إلى الكلام. وقد أضيف إلى تلك الرموز الكتابة بعد اكتشافها فأصبحت أداة هامة ورئيسية للاتصال والإعلام عن الأفكار والمشاعر والمواقف من خلال الرسائل والكتب والإعلانات التي تكتب على جذوع الأشجار أو على الأحجار أو الجلود وتعلق في الطرق الرئيسية. وبواسطة تلك الرسائل والمنشورات يتم الإعلام عن الحرب أو السلم وعن القرارات والمواقف, بالإضافة إلى مذيع البلاط (البراح) الذي يتجول في المدن والقرى والأحياء والأزقة ويعلم الناس بقرارات الحاكم. وفي الماضي كانت المعابد والأسواق والمسارح محطات إعلامية يتم فيها تداول الأخبار والمعلومات وكان المرسلون فيها هم العلماء والشعراء والممثلون. وقد لعب الإنسان والحيوان في مرحلة ما قبل ظهور الإعلام الحديث دورا كبيرا في نقل الأخبار عبر البريد , فحاملوا البريد كانوا يعتمدون أساسا على الفرس ، كما اعتمد الإنسان في الإعلام عن الأخبار على نقل البريد بواسطة الحمام . (المسلمون والإعلام المقروء: رسائل الرسول صلى الله عليه وسلم). ومع اكتشاف الطباعة تطور الاتصال والإعلام بتطور فن الكتاب والبريد وظهور الصحافة . ومع اكتشاف المذياع تطور الإعلام ولم يعد منحصرا في الإعلام المكتوب، وأصبح يصل إلى جمهور أكبر وأوسع، وينقل الفنون ـ الموسيقى ـ الغناء ـ المسرح ـ إلى جانب الأفكار والأخبار.. الخ .
Iii. الرسالة الإعلامية للقران:
إن القرآن الكريم بصفته كلام الله عز وجل هو رسالة الله للعالمين ورسالته للإنسانية. فالله تعالى هو المرسل، والقرآن الكريم هو الرسالة، والرسول هو المرسل من الله، والإنسان هو المرسل إليه أو المستقبل. والمميز للرسالة الإعلامية القرآنية هو أن الله تعالى هو مرسل بالأصالة ، والرسول صلى الله عليه وسلم مرسل إليه أي مستقبل لرسالة القرآن ، وفي نفس الوقت هو مرسل لها بالنيابة عن الله تعالى ، والإنسان (الناس جميعا) مرسل إليه ، أي مستقبل لرسالة القرآن ، وفي نفس الوقت فالإنسان (المؤمنون) مرسل لها بالنيابة عن الرسول صلى الله عليه وسلم . إن الإنسان بإيمانه بالله واعتناقه لرسالته يتحول من مجرد مستقبل لرسالة الله إلى مرسل لها أي إلى فاعل ومتفاعل في مجال الوجود ومجال المعرفة ومجال القيم، أي فاعل ومتفاعل مع الغير. وهذا الأمر يجعل من الإنسان المستقبل لرسالة الله والمتفاعل معها تفاعلا إيجابيا أي الإنسان المؤمن إنسانا إعلاميا أو إنسانا حاملا لرسالة إعلامية، تتمثل في تبليغ رسالة الله وبيانها للناس، أي تتمثل في الدعوة إلى الله عبر الدلالة عليه والهداية إليه. وتتميز الرسالة الإعلامية للقرآن بالمبادئ والخصائص التالية :
1) مبادئ الإعلام الإسلامي :
أ ـ مبدأ التوحيد: إن الإعلام الإسلامي إعلام عقائدي يرتكز على المبدأ الأساسي في العقيدة الإسلامية ألا وهو مبدأ التوحيد، فهو منطلقه وهو غايته. إنه إعلام يستمد مبادئه وأسسه وقواعده من الوحي ، ويوجه الإنسان نحو الخالق سبحانه . ولذلك فهو إعلام يخدم وحدة الأصل الإنساني المرتبط بوحدة الخلق، ويخدم وحدة الإنسانية ووحدة المصير، ووحدة الفرد والأسرة والمجتمع والإنسانية. وهذا المبدأ التوحيدي لا يؤسس للإيمان بالله وحده فقط ، وإنما يؤسس لنظرية في العلم والمعرفة ونظرية في الأخلاق والجمال ، ونظرية في التاريخ والمجتمع والثقافة والحضارة ، وبالتالي فهو يؤسس لنظرية في الإعلام ، ألا وهو الإعلام الرسالي .
ب ـ مبدأ الإنسانية: وهذا المبدأ مرتبط بمبدأ التوحيد، فالإعلام الإسلامي غايته الارتقاء بالإنسان أي خدمة إنسانية الإنسان ، وبالتالي فهو إعلام يرفض التعاطي مع الإنسان من منظور عرقي أو طائفي أو طبقي يفرق الإنسان ، ويخلق الصراعات والحروب .
ج ـ مبدأ الحق: إن الإعلام الإسلامي هو لسان الرسالة الإسلامية وما دامت رسالة القرآن هي الحق، فهذا الإعلام ينطلق من الحق أي ينطلق من تلك الرسالة، ويبتغي الحق غاية. ولذلك فهو إعلام لا ينافق ولا يكذب ولا يكتم الحق. وهذا المبدأ هو بدوره مرتبط بالمبدأين السابقين التوحيد والإنسانية، لأن الإيمان بوحدانية الله تعالى هو إيمان بأن الله هو الحق وأن الله له دعوة الحق وأن كل دعوة من دونه هي الباطل. والإعلام الإسلامي ينبني ويتأسس على الحق أيضا لأنه لا يضلل الناس، وإنما يبصرهم بالحق بطرق تفتح القلوب والعقول للحق. وهذا يتطلب من الإعلامي المسلم أن يكون أمينا فيما ينقله....
د ـ مبدأ الرسالية : إن الإعلام الإسلامي هو إعلام يقوم على مبدأ الرسالية ، إنه ليس إعلاما من أجل الإعلام ، ولا إعلاما من أجل المتعة لذاتها ، ولا إعلاما تجاريا غايته جني الأرباح بأية وسيلة ، ولا إعلاما حزبيا ولا عرقيا ولا طائفيا ، ولا دينيا بالمعنى الضيق والتقليدي . وهذا ما يجعل هذا المبدأ مرتبطا بدوره بمبادئ التوحيد والحق والإنسانية. والرسالية تعني أن يكون الإعلامي المسلم في خدمة التوحيد وخدمة الحق وخدمة الإنسانية، أي أن يكون في خدمة الله وخدمة الناس وخدمة الكون .
هـ ـ مبدأ الواقعية : إنه إعلام يخاطب الناس ويتوجه إليهم بلسانهم ولغتهم ، أي بمنطق عصرهم المنسجم مع منطق الحق ، ويراعي الخصوصيات العمرية والجنسية والثقافية والاجتماعية والدينية للأفراد والجماعات . بمعنى أن الرسالية تراعي خصوصيات كل واقع. فالإعلامي المسلم لا يوجه خطابه خارج الزمن وخارج العصر، وإنما يخاطب في مكان معين وزمان محدد.
2- خصائص الإعلام الإسلامي: الإعلام الإسلامي يتميز عن الإعلام الغربي بمجموعة من الخصائص نحدد أهمها فيما يلي:
أ- الالتزام: إن الإعلام الإسلامي إعلام ملتزم بمبادئ التوحيد و الرسالية والحق. ملتزم بقيمة الجمال وفق الضوابط الإسلامية، وملتزم بالقيم الأخلاقية وبقضايا الإنسانية. والالتزام يراد به أن الإعلام الإسلامي إعلام مسؤول يعطي الأولوية للقيم و المبادئ الأخلاقية، و للحقيقة و الدفاع عنها. ويؤمن بحق الإنسان في الإعلام.
ب- الحرية: إن الإعلام الإسلامي يؤمن بالحرية ويمارسها في الاتجاهين، فالإعلام الإسلامي لا يكتم الحق. ولا يخاف من قول الحقيقة ولا يزيفها. وإنما يمارس قول الحقيقة وتبليغها بكل حرية وجرأة ويدافع عن تلك الحرية. كما أنه لا يمارس الإكراه على الجمهور بل يتصل بهم ويتواصل معهم عبر الحوار المتسامح ليتبادل معهم الرموز (الأفكار، العقائد...) ويقنعهم بها تاركا لهم حرية الاختيار و القرار. قال تعالى: « أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين » يونس - 99 - و بالتالي فهو إعلام يؤمن بالتعددية الإسلامية و الإنسانية في الدين و الفكر و الثقافة...
ج- الوسطية: ومعناها أن الإعلام الإسلامي ليس إعلاما دعائيا هدفه التأثير على الناس بأي وسيلة وإنما هو إعلام يقوم على الحوار والتسامح وعلى التعايش، وقبول الرأي المعارض و المخالف. و يلتزم الصدق و الأمانة مع القريب و البعيد ومع الذات و الغير، فلا يقبل الباطل و الخطأ إن كان لدى الذات، ولا يرفض الحق و الصواب إن جاء من عند الغير. وهو إعلام جاد وممتع، وجديته لا تعني الرهبانية و القطيعة مع الجمال ومع الذوق الرفيع، ومع اللهو النظيف، وإمتاعه لا يعني الإسفاف و الإغراء والإغواء، والانسياق مع الأهواء و الشهوات.
Vi. عالمية الرسالة الإسلامية وضعف الإعلام الإسلامي:
إن الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله تعالى للناس كافة، والوحي المتمثل في القرآن الكريم هو الرسالة المعبرة عن هذا الدين. وقد اقتضت مشيئة الله تعالى أن يكون الإسلام دين كل الموجودات وكل الخلائق. وشاء الله أن يكون هذا الدين دينا عالميا وأمميا وليس دين سلالة أو عرق أو طائفة أو قومية . كما اقتضت مشيئة الله سبحانه أن تكون المعجزة الخالدة بعد خاتم الأنبياء والرسل محمد صلى الله عليه وسلم ليست معجزة كمعجزات الرسل السابقين تتعلق بالظواهر الكونية الخارقة . وإنما كانت المعجزة هي الكلام الإلهي والوحي الإلهي نفسه أي هي الخطاب الإلهي والرسالة القرآنية ببيانها وبلاغها، إنها معجزة البلاغ المبين، وعندما أنزل الله تعالى الوحي على نبيه صلى الله عليه وسلم وكلفه بالرسالة أمره بالقيام بواجب البلاغ المبين مخاطبا رسوله الكريم بقوله تعالى « وما على الرسول إلا البلاغ المبين» النور - 54 - وقوله تعالى: (( يا أيها المدثر ، قم فأنذر ، وربك فكبر، وثيابك فطهر، والرجز فاهجر، ولا تمنن تستكثر ولربك فاصبر )) المدثر ـ6ـ وقوله تعالى ((يا أيها النبيء بلغ ما أنزل إليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس )) المائدة - 67 -.
ولهذا فالرسالة الإسلامية رسالة عالمية لكل إنسان دون النظر إلى لسانه أو لونه أو عرقه أو دينه وطائفته، أو طبقته. وهذه الرسالة مقدسة، لأن مرسلها هو الله تعالى وهو الحق سبحانه، ومبلغها هو رسول الحق محمد صلى الله عليه وسلم، و الرسالة ذاتها هي الحق لأنها وحي من عند الله تعالى وكلامه سبحانه، و المؤمنون بالرسالة المستقبلون لها بإيمان، و المرسلون بها ومبلغوها لغيرهم هم أهل الحق، إذا فهموها الفهم الحق وعملوا بها بحق. ولكن المؤمنين بالرسالة لا يكتسبون القدسية لأنهم مستقبلون ومرسلون ( مبلغون) لرسالة مقدسة، نظرا لطبيعتهم البشرية الموسومة بالقصور و الخطأ، غير أنهم مطالبون بتحقيق أحسن وأجود الوسائل و الأدوات و الطرق وتقنيات تبليغ الرسالة الإسلامية.
فهل الوسائط و الوسائل الإعلامية الإسلامية ترقى إلى مستوى عالمية الرسالة الإسلامية وعظمتها؟ ولماذا لا يمتلك المسلمون سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي وسائط ووسائل إسلامية قادرة على خدمة الرسالة الإسلامية وخدمة قضايا المجتمعات الإسلامية و الإنسانية؟ وما هي العوائق التي تحول دون تقديم الإعلام الإسلامي ليصل إلى مستوى الإعلام الغربي؟.
في البداية ينبغي التمييز بين الإعلام الصادر في المجتمعات و البلدان الإسلامية، والإعلام الإسلامي. فليس كل إعلام صادر في تلك المجتمعات هو إعلام إسلامي، فقد يكون إعلاما علمانيا أو اشتراكيا أو صهيونيا أو صليبيا... وبالتالي فالإعلام الإسلامي ليس هو الإعلام الذي يصدر بلسان معين أو من بلد معين. فقد يكون الإعلام إسلاميا رغم أنه يصدر بلغات غير عربية، ومن بلدان غير إسلامية. ولذلك فإن معيار الإعلام الإسلامي لا يتحدد في اللسان أو البلد أو القوم وإنما في المبادئ و القيم التي يصدر عنها وينطلق منها ويعمل على تجسيدها.
كما ينبغي التمييز بين الإعلام الديني بالمعنى التقليدي و الإعلام الإسلامي. فالأول موجود حتى في الوسائط و الوسائل الإعلامية العلمانية و اليسارية، وموجود في الإعلام الرسمي للبلدان الإسلامية ذات التوجه الليبرالي أو العلماني أو الاشتراكي. و الإعلام الديني التقليدي قد يخدم الإسلام أحيانا وقد يسيء إليه أحيانا أخرى. ولذلك فإن الإعلام الإسلامي يواجه عدة مشكلات داخلية و خارجية أهمها:
1- تقليدية الإعلام الإسلامي: إن الإعلام الإسلامي الرسمي (إعلام الدولة) يتناول الرسالة الإسلامية من منظور ديني تقليدي فلا يخصص لها إلا وقتا ضعيفا وتقنيات هزيلة في مقابل ما يخصص لبرامج الغناء و الرقص...، أما الإعلام الإسلامي الشعبي و الذي تتبناه الحركات الإسلامية فهو لا يزال تقليديا هو بدوره، نظرا لأن الدولة لازالت تحتكر الإعلام ( وإن كانت بدأت تبرز بعض القنوات الإسلامية الجادة و الهادفة و التي استفادت من فرصة القنوات الفضائية ولكنها لازالت في بداية التجربة، وقليلة و غير كافية، ولا ترقى إلى منافسة الإعلام غير الإسلامي). ونظرا لتخلف المجتمعات العربية و الإسلامية و الفجوة العلمية و التقنية بينها وبين الغرب، وكذلك نظرا لأن جماعات الدعوة الإسلامية الحاملة للرسالة الإسلامية لا تمتلك رؤية متكاملة ومنسجمة حول المشروع المجتمعي، وحول قضايا الطفولة و الشباب و المرأة، و الصراعات الدولية و البيئة...الخ
2- فئوية الإعلام الإسلامي: إن الإعلام الإسلامي على ضعفه وقلته لا يعكس ولا يمثل رسالة الإسلام العالمية، وإنما يعكس الجماعة التي تصدره. فكل دولة تتناول الإسلام من منظور توجيهاتها الإيديولوجية و السياسية، وكل جماعة تتناول الإسلام انطلاقا من تصوراتها، فهذه تصور الإسلام زهدا وتقشفا وروحانية منعزلة عن الواقع، وتلك تصور الإسلام تفسيقا للناس وتكفيرا لهم وتصوره منغلقا وجامدا. وتلك تصور الإسلام مسايرة للغرب، بلا هوية ثابتة، وأخرى تصور الدين قتالا و جهادا فقط...
V- الإعلام الغربي في عصر العولمة:
إن القرن الواحد و العشرين هو قرن الإعلام بامتياز وعصر الثورة المعلوماتية وقد تجلى ذلك في تطور الإعلام الفضائي المتمثل في القنوات الفضائية، وشبكات الإنترنيت، وظهور المكتبات الإلكترونية و الصحافة. وقد تفوق الغرب علينا في هذا المجال تفوقا هائلا، نتيجة الفجوة الكبيرة بينه و بيننا في مجال العلم و التكنولوجيا والصناعة. وأضحى هذا الإعلام الغازي المتطور و المدعوم بآخر نظريات علوم النفس وعلوم الاجتماع والإعلام و الاتصال يشكل تحديا كبيرا وخطرا حقيقيا على مبادئنا وقيما وثقافتنا أكثر من الغزو العسكري. وهذا الخطر يطال الأطفال و الشباب و الرجال و النساء.
إن عصر العولمة هو عصر الهيمنة الشمولية للقطب الواحد اقتصاديا وعسكريا وسياسيا، وتشكل الهيمنة الإعلامية والثقافية دعامة تلك الأشكال من الهيمنة. لقد أصبح الإعلام وحشا يفترس الجميع، وتتجه كثير من وسائطه ووسائله إلى تحطيم الأديان و الأخلاق و الأسرة، والدعاية لمجتمع بلا قيود ولا ضوابط، و الترويج للحرية المتوحشة من خلال قنوات الجنس و الشعوذة و الغناء و الرقص... والعمل على تشييئ الإنسان وتحويله إلى بضاعة وإلى أداة للاستهلاك الجنوني.
إن الدين و الأخلاق و الأسرة يعلمان الإنسان الاقتصاد و العفة، وهذا يتعارض مع مصالح آلهة العولمة المتمثلة في الشركات متعددة الجنسيات و العابرة للقرات. ولذلك فإن تلك الشركات التي غدت هي المتحكمة في العالم توجه الإعلام لإزالة العقبات التي تشكلها مؤسسات الدين و الأخلاق والأسرة في طريقها. و لتجاوز تلك المخاطر و التحديات ينبغي القيام بواجب وفريضة الوقت وهي النهوض بالإعلام الإسلامي ليصبح في مستوى عالمية الرسالة الإسلامية، ويصبح ندا للإعلام الغربي المتقدم.
الخاتمة:
في ختام هذا العرض يمكن الإشارة إلى أن هناك تجارب مشرقة للإعلام الإسلامي، بدأت تخطو خطوات ثابتة في مجال الإعلام التلفزي الفضائي ومجال الإنترنت و الصحافة. بل إن بعضها بدأ ينافس الإعلام الغربي. وحتى ينتقل إعلامنا إلى مستوى الريادة و النجاح نطرح عشرة أسس يقترحها خبراء الإعلام وهي:
1. إعداد خطة إستراتيجية إعلامية واضحة المبادئ و المنطلقات و الأهداف و المراحل لمدة تتجاوز الخمس سنوات.
2. إعداد قيادة تفهم الرؤية و الرسالة وقادرة على بناء العلاقات.
3. تحديد الجمهور المستهدف بدقة.
4. إعداد منهج فكري واضح المعالم يكون مرجعا موجها.
5. الدقة في الإعداد و البحث عن النجوم و التطوير المستمر.
6. التدريب الدائم و المستمر للأطر.
7. اعتماد آخر التقنيات في الإخراج و التسجيل.
8. اعتماد الأنشطة الجيدة و المتميزة و الخدمات النوعية.
9. تبني مبدأ الإبداع المستمر و التجديد الدائم.
10. اختيار الموقع الملائم و المكان المناسب لمقر الإصدار و البث.
و الحمد لله رب العالمين.


** ورقة عمل مقدمة في إطار الفعاليات العلمية لمؤتمر الإصلاح الخامس، والذي عقد بالبحرين بتاريخ 24 و 25 نوفمبر 2007، وذلك تحت شعار"من أجل إعلام دعوي متفوق"

منقول -رابطة الواحه الثقافيه