تشريح بيت

--------------------------------------------------------------------------------



الخبب إيقاع مستقل بذاته يختلف عن بحور الشعر جميعا بأنه لا يحوي أوتاداولا زحاف فيه باعتبار الزحاف حذف ساكن السبب الخفيف.
الخبب أسباب ثقيلة وخفيفة متكافئة.

يقول الدكتور أحمد رجائي كتابه القيم ( أوزان الألحان – ص 58 )

تصنف أعاريض الشعر في العالم إلى ثلاثة أنواع: العروض العددي والعروض النبْري والعروض الكمي." وفيما يلي تلخيص عن كل نوع:
العروض العددي: كما في العروض الإيطالي والفرنسي والإسباني ويتألف من مقاطع متساوية في الطول، بعدد متعارف عليه، والمقطع لديهم متحرك فساكن أي على وزن فعْلن وهو بذلك على شكل جزء من الخبب في العربية.وهذه هي صفات الخبب في الشعر العربي
العروض النبْري:وهو يعتمد على عدد المقاطع ذات النبرات القوية بغض النظر عما [إهمال ما] يتخللها من مقاطع ذات نبرات لينة، كما في الأشعار الألمانية ذات الأصل الشعبي، والنبرة موجودة في العربية، ولم يعرها العروض اهتماما حيث المهم فيه موضوع البنية لا لكنة الكلام وإن كنا نطبق في لفظ أي كلمة تقوية الجزء المناسب منها [بداهةً وحسب ما يقتضي المعنى والوزن] وتلطيف الباقي. [دون إهماله]
العروض الكمي: وتعبير "الكمي" تعبير غربي ومعناه التمييز بين كميات الزمن بين المقاطع القصيرة والطويلة، ويدخل في هذا العروض الإغريقي والرومي القديم.
"ونستنتج من كل ما سبق قوله، أن الإيقاع الموسيقي العربي بالأشكال التي استقر عليها اليوم هو عددي ونبري وكمي في آن واحد وهو قد يكون موصّلا أو مفصلا أو مختلطا يضم النوعين معا، فموقعه يغطي كل أنواع العروض في كل أنحاء العالم عبر التاريخ الإنساني كله، بل ويزيد عليه بما تضيفه مقومات الموسيقى إلى مقومات الشعر [بل لعل الأدق أن يقال إن هذه اللغة وعروضها مكتملان ولا يعدو سواهما أن يكون على درجة ما من سلم يرقى إليهما أو ينحدر منهما]
4-الموصل والمفصل وببعض التجاوز يمكن القول عن الموصل في الإيقاع الموسيقي أنه ما تكوَّن من أسباب خفيفة متوالية ويكون إيقاعها رتيبا ، والمفصل ما كان فيه أسباب خفيفة وأوتاد أو ما كان فيه سبب أو أسباب ثقيلة وينتقل بذلك إلى التنوع والانسيابية والتموج، ومن وسائل الحصول على المفصل من الموصل ما يعرف بالتمخير (ص179) "الذي يعني بكل بساطة، باللغة العروضية إحلال الأوتاد محل الأسباب، وهذا بالضبط ما يسميه موسيقيو عصرنا السنكبة، أي إدخال السنكوب على بنية الإيقاع بدون تغيير مدته."وفي الكلام عن الموصل والمفصل والتمخير تقاطع مع الأوزان الخببية والسببية في الشعر.
4-(أوزان الألحان-ص68) :"وزحاف الفاصلة يكون في الشعر بتسكين المتحرك الثاني منها، وبذلك تتحول (لِمَ لا) إلى (لِمْ لا) [211تكافئ 22 الإضمار أو العصب]، أي أن زحاف الفاصلة [زحاف هنا حسب المفهوم التقليدي] يحولها إلى سببين خفيفين، أما في الموسيقى فقد سبقت الإشارة إلى أن الفاصلة يمكن اعتبارها سببين أحدهما ثقيل والآخر خفيف. كما أشرنا إلى أن من المسموحات الارتجالية إجراء التبادل بينهما نظرا لتساويهما في المدة الزمنية التي يستغرقها كل منهما. غير أن زحاف الفاصلة في الشعر هو التحول من الثقيل إلى الخفيف، ويجب أن نعرف أن العكس، أي إحلال السبب الثقيل محل الخفيف غير مسموح به في الشعر." ثم جاء في الهامش: "ونرى ذاك مباحا عندما يقصد قول الشعر على وزن الإيقاع الموسيقي، وقد فعل فعل هذا بعضهم في قصائد من بحر الخبب، وجملته (فعِلن)، ومنهم نزار قباني في قصيدته المغناة:

زيديني عشقا زيديني ........ يا أحلى نوبات جنوني
22 22 22 22 ....... 22 22 112 22
ويتجلى ذلك في حركة الجيم في "جنوني" حيث يقتضي الوزن العروضي أن يكون محلها ساكنا. وقبلها قال نزار في قصيدته المغناة "قارئة الفنجان":


قالت يا ولدي لا تحزن ....... فالحب عليك هو المكتوب
22 112 22 22 ........ 22 31 31 22 5

ويتجلى ذلك في حركة اللام في "ولدي". وهذا التصرف منتقد عروضيا مقبول موسيقيا. وإن المرء ليستحي أن ينتقد شعرا سحر الجماهير."

وقد مر معنا أن ذلك جائز في الخبب على الإطلاق فهل ثمة من توفيق بين القولين، أرى ذلك في ما ورد من أن الخبب قد يكون أصلا لجميع الأوزان فلعله جاء في مرحلة الأصول كما يقول إخوان الصفا ( أوزان الألحان - ص108):"إن أصول الوزن الشعري والإيقاع واحدة." فبقيت فيه هذه الخاصية المشتركة مع الموسيقى لقرابتهما الأوثق، وانتقلت هذه الخاصية جزئيا إلى (الرجز – الكامل) وهما أشبه ما يكونان ببحر واحد نتج من الخبب مبكرا فحمل من صفاته الفاصلة التي ينتقل سببها الأول من خفيف لثقيل وبالعكس وما (الوافر –الهزج) إلا تدوير للبحر المذكور.
واستكمالا لهذا الموضوع أضم الرابط :
http://www.geocities.com/khashan_kh/28-khabab.html

كانت هذه المقدمة ضرورية كخلفية للموضوع التالي وما فيه من عمليات جمع مباشرة لأعداد الوزن، ومجرد الجمع بدون تمييز لضبط الوزن يعني التساوي بين أصناف المجموع. وهي هناالأسباب، فالشرط هنا هو ( الكم وحده ) ، ولا يجوز ذلك في بحور الشعر لاختلاف المعدود بين سبب ووتد، صحيح أن مجموع الشطرين قد يكون واحدا، وهذا يعني أهمية الكم ولكنه كم منضبط بأنساق معينة من الترتيب بين الأسباب والأوتاد. فهنا شرطان ( كم ونسقْ )

انصبّ البحث حول وزن البيت التالي للشاعرة نوال نصر في أحد المنتديات مطلعها:


بالبعدِ فما أقسى إبعاديَ عنْ قمـرٍ فـي ليـلِ السـاري

وهو من قصيدة مطلعها :


عنواني الأولُُ والتالي ......وخيـالٌ يسكـن افكـاري
رحماكَ بقلبٍ انت لهُ....... كوجـودِ المـاءِ لأزهـارٍ

حيث يتكون كل شطر من ثمانية أسباب خفيفة وثقيلة على النحو التالي ( ما بين القوسين سبب ثقيل ):


عنواني الأولُُ والتالي ......وخيـالٌ يسكـن افكـاري
عنْ وا نلْ أوْ (وَلُ )وتْ تا لي .............................(وخَ ) يا لنْ دا (عَبَ) أفْ كا ري
الصدر = 8 أسباب.......................................العجز = 8 أسباب


جاء في الحوار :


السر في عدم الارتياح لوزن البيت المذكور هو أن البيت يُقرأ على النحو التالي:

بالبعدِ فما أقسى إبعاديَ عنْ قمـرٍ فـي ليـلِ السـاري
بل بعْ (دِف) ما أقْ سى إبْ عا (دِيَ ) عن (قَمَ ) (رِنْ) في ليْ لسْ سا ري

2 2 (2) 2 2 2 2 2 (2) 2 (2) 2 2 2 2 2 2

مجموع الأسباب في البيت = 17 والوزن مجموعه 34
وبقية الأبيات أسبابها 16 ومجموع وزنها = 32

هذا جانب، يتعلق بخلل طفيف في أصل النص، أماالجانب الآخر فهو أنه حتى لو كان عدد أسباب البيت = 16 ومجموع وزنه =32 فإن الشعور بالقلق تجاه الوزن سيبقى في نفس القارئ. كيف ؟

سأعدل البيت لأجعله 16×2=32



بَعْدَكَ ما أقسى إبعاديَ عنْ ............ قمـرٍ فـي ليـلِ السـاري
بعْ (دَكَ) ما أقْ سى إبْ عا (دِيَ ) عن ........(قَمَ ) (رِنْ) في ليْ لسْ سا ري

2 (2) 2 2 2 2 2 (2) 2.......... (2) 2 2 2 2 2 2
الصدر = 9×2=18...................العجز =7×2=14

البيت يقرأ شطرين بتوقف بينهما على النحو المتقدم، والحق أن شطري البيت هما


بَعْدَكَ ما أقسى إبعاديَ ............ عنْ قمـرٍ فـي ليـلِ السـاري
2 (2) 2 2 2 2 2 (2).......... 2 (2) 2 2 2 2 2 2
الصدر = 8×2=18...................العجز =8×2=16

فلماذا تختلف قراءتنا لشطري البيت عن واقعه فيبدو وزنه مختلا. ؟

الجواب هو ما يشبه التدوير في هذا البيت، بل لعله التدوير بتعريف جديد.

وقد عرّفوا التدوير بأنه :" كون صدر البيت الشعريّ متصلاً بعجزه بكلمة "

آخر كلمة في الصدر ( إبعادِيَ ) ، وتنتهي بالسبب الثقيل (دِيَ ) ولا يمكن التوقف على الياء المتحركة التي تمسك بتلابيب (عن ) التي مكانها أول العجز فتضمها ضما قبل التوقف ، ولهذا يشعر القارئ أنه قد قرأ شطرين مختلفي الوزن:

الصدر الظاهري = بَعْدَكَ ما أقسى إبعاديَ عنْ = 2×9 = 18
العجز الظاهري = قمـرٍ فـي ليـلِ السـاري = 2×7= 14
فيحس القارئ بهذا الخلل الناجم عن اختلاف في طول لشطرين ظاهريين يحسبهما لا شعوريا حقيقيين .

بقي أن أقول إن بعض صدور الأبيات إنتهت ب 31 وبعضها الآخر ب 22 وهذا موضوع آخر.

دائما أنصح بكتابة البيت شطرين، لعل إغفال الشاعرة لتلك النصيحة عاد بهذه الفائدة.

--------------------

وما خطر لي ولأخي الأستاذ محمد الحريري خطر شيء قريب منه للدكتور محمد توفيق أبو علي في تصدير كتابه (علم العروض ومحاولات التجديد) إلى حوار -كان أحد طرفيه -حول ما اعتبره وجود خلخلة إيقاعية ما في وزن البيت:
قدموس قد سرقوا الحروف وخانوا بعدما زلت بك القدم
واعتبره ثغرة في عروض الخليل.
وقد قمت بتناول ذلك وإبداء الرأي فيه على الرابط:

http://arud.jeeran.com/thaghrah.htm

أتمنى أن أكون بهذا قد أنصفت الجميع وأولهم الشاعرة الكريمة وقدمت فكرة عن فائدةالرقمي.