الجسيمات الأولية
الحلقة الأولى
نظرة تاريخية
حوالي عام 1550 ق.م ، بدأ الأغارقة (اليونان القدماء ) بإنشاء القواعد الأساسية للمباديء الفيزيائية الحديثة ، مثل مبدأ بقاء المادة ، والنظرية الذرية ، وما شابه ذلك . وفي القرون التي تلت عصر الأغارقة ، حدثت تطورات قليلة في علم الفيزياء . ومع ذلك فإن النهضة الأوروبية ـ التي قامت على اعتماد وتطوير الثقافة العلمية الإسلامية المنقولة عن الإغريق ، والتي قام المسلمون بتطويرها ـ اقتحمت مجال علم الفيزياء منذ ان بدأ كوبرنيكس ومفكرون آخرون برفض الأفكار الفيزيائية الإغريقية ، مفضلين افكارا علمية جديدة تعتمد على الطرق العلمية التجريبية . وبما ان نظريات كوبرنيكس أنهت مفاهيم الحقبة العلمية القديمة ، وبدات الثورةَ العلمية الجديدة ، فإن ذلك أدى إلى اعتباره في عداد المفكرين القدماء . وعودة إلى بدايات النظرية الذرية ، فإن من الممكن إرجاعها إلى " ديموقريطوس 370 ـ 460 ق.م ) ، والذي وضع نظرية تقول بأن الكون يتألف من فضاء فارغ إلا من عدد غير محدد من الجسيمات الأولية الخفية ، والتي تختلف عن بعضها في الشكل ، والموقع ، والترتيب ، وان المادة جميعها تتشكل من جسيمات غير قابلة للتجزئة تسمى الذرات .
الذرة :
حوالي عام 1900م ، كان الناس يظنون ان ذرات المادة عبارة عن كريّات صغيرة جدا ومصمتة كما تبدو في الرسم التالي : نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
ولكن إمكانية تصنيف الذرات وفقا لخواصها الكيميائية المتشابهة ( كما في الجدول الدوري للعناصر ) دلت على ان الذرات ليست الجسيمات الأولية ، بل إن هناك ما هو أصغر من الذرة . وقد ثبت ذلك عندما قام العالم الإنكليزي " رذرفورد " ومعاونيه " مارسْدِن ، و جايجر " ، وذلك في عام 1909م ، بإجراء التجربة الشهيرة المعروفة بتجربة السبيكة الذهبية . لقد كانت تجربة سهلة وبسيطة ، حين اطلق رذرفورد ومساعداه سيلا من دقائق ألفا ( هذه الدقائق ذات كتلة اصغر من كتلة الذرة نفسها ) ، التي يشعّها عنصر الراديوم النقي ( من المعروف ان من اكتشفا عنصر الراديوم المشع هما ، ماري كوري ، وزوجها بيير، عام 1898م ) ، على صفيحة رقيقة جدا من عنصر الذهب يحيط بها حاجز( شاشة ) مغطى بكبريتيد الزنك ( كبريتيد الخارصين ) ، فيه فتحة تمر من خلالها تلك الدقائق ، بحيث أن دقائق ألفا عندما تصدم بالحاجز تترك أثرا فيه ، كما ان هذا الحاجز يومض عند اصطدام الدقائق به . الرسم التالي يوضح بشكل تقريبي تجربة رذرفورد ، حيث تبدو صفيحة الذهب gold foil ، والحاجز( الشاشة ) detecting screen الذي يكشف أثر دقائق الفا عندما تصطدم به
كما يبدو المصدر الباعث لدقائق ألفا alpha particle emitter ، وهو عنصر الراديوم المشع ، ويظهر الشق او الفتحة slit التي في الشاشة المحيطة بصفيحة الذهب ، والذي تمر أشعة الفا من خلاله نحو صفيحة الذهب .

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

بعض من دقائق ألفا اخترقت صفيحة الذهب واصطدمت بالحاجز من خلف الصفيحة في عدة مواقع ، وبعضها ارتد عن الصفيحة وانعكس ليقع على الحاجز في مواقع مختلفة أمام صفيحة الذهب . وهذا يدل على ان دقائق ألفا صادفت في طريقها فراغا في داخل ذرات الذهب ، مما جعلها تنفذ من الصفيحة لتصدم بالحاجز الخارصيني ، كما أن اصطدامها لم يكن في موقع واحد ، مما يدل انها صادفت قوة ما داخل ذرة الذهب حرفتها عن مسارها . أما دقائق ألفا المرتدة فقد دلت ايضا ان ارتدادها تسبب عن اصطدامها بمكونات داخل الذرة اصغر حجما من ذرات الذهب أيضا ، مما جعل رذرفورد يعتقد أن في الذرة جسيمات أصغر منها ، أي أن الذرة ليست كرة مصمتة لا تتجزا إلى ما هو اصغر منها . والرسم التالي يوضح ذرات الذهب ، وفي كل ذرة ما سمي بنواتها ، كما ان الخطوط الحمراء تمثل دقائق الفا التي أطلقت على صفيحة الذهب الرقيقة ، ويلاحظ نفاذ الدقائق البعيدة عن الأنوية ، وارتداد الدقائق المصطدمة بها ، بزوايا مختلفة :

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
لقد بنى رذرفورد نموذجا للذرة نتيجة لأبحاثه ، وابحاث غيره ، ( خاصة طومسون مكتشف الإلكترون عام 1897م ، والذي كان قد قال بوجوب وجود تركيب ذري للذرة ، والذي افترضه بانه إلكترونات متبعثرة في غيمة من الشحنات الموجبة) ، يتلخص في ان الذرة فيها نواة موجبة الشحنة تتألف من بروتونات ونيوترونات ، وأن هناك إلكترونات سالبة الشحنة تدور حول النواة ، وهذا ما يشبه النظام الشمسي ، حيث تدور فيه الكواكب حول الشمس:
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

وفي عام 1913م وضع " بور Bohr " نموذجا للذرة اكثر إقناعا ، وأقل تعرضا للنقد بكثير من نموذج رذرفورد ، معتمدا على هذا النموذج في أساسه ، إلا ان " بور " قد استعان بمفاهيم جديدة قدمتها النظرية الكمومية لتفسير تصرف الجسيمات الأولية ، وبذلك طور نظرية رذرفورد إلى الأفضل ، وساعد في تطوير ميكانيكا الكم ذاتها .
يتبع بعون الله تعالى ..



منقول للفائدة