نقد كتاب مبلغ الأرب في فخر العرب
لا يمكن أن نطلق على شهاب الدين أحمد بن محمد، ابن حجر الهيتمي (المتوفى: 974هـ) فى هذا الكتاب اسم المؤلف لأنه لم يؤلف الكتاب وإنما المختصر فالرجل وجد مؤلفا للحافظ العراقى طويلا بسبب كثرة الأسانيد وطرق الروايات فحذف الأسانيد واقتصر على بعض الطرق وفى هذا قال :
"ولما عزمت على هذا المقصد النافع إن شاء الله تعالى رأيت لشيخ الإسلام والحفاظ أبي الحسين عبد الرحمن العراقي تأليفا في ذلك حافلا، لكنه طوله بالأسانيد الكثيرة، والطرق المستفيضة الشهيرة، قصدت اختصاره في دون عشرة فصول، بحيث لا أفوت شيئا من مقاصده، وفوائده، مستعينا بالله تعالى، ومتوكلا عليه، ومستندا في سائر أموري إليه، إنه أكرم كريم، وأرحم رحيم وسميته (مبلغ الأرب في فخر العرب) ، ورتبته على مقدمة وفصول وخاتمة"
وأما سبب اختصار كتاب العراقى فهو :
"فإن كثيرين من الفرق الأعجمية، والطوائف العنادية جبلوا على بغض العرب، فوقعوا في مهاوى العطب جهلا بما اختصهم الله به من المزايا التي لا يؤتوها غيرهم، والعطايا المحققة لعلوا قدرهم، وعظيم خيرهم، حتى بلغنا عن بعض أولياء الله أنه قال: (جاهدت نفسي ستين سنة حتى خرج منها بغض العرب)
قد كثر من جمع جم، لا خلاف لهم إلا الوقيعة فيهم، والإستئثار بحقوقهم، فقصدت أن أتحفهم برسالة مختصرة جدا لتكون إن شاء الله تعالى كافة لمن اطلع عليها، أن يخوض فيهم بأدنى كلمة، وإلا حقت عليه الكلمة، فإن الجاهل قد يعذر بخلاف غيره، فإنه ربما عاجله ما يخاف، ويحذر"
الغريب فى المتعصبون للعرب والعجم على حد سواء أن كل منهم ينسب فضلهم المزعوم لأقوال النبى(ص) والله ورسوله (ص)برىء من الفريقين
استهل ابن حجر الهيتمى كتابه بعنوان كما يقال أول القصيدة كفر فقال:
"مقدمة العرب صفوة خلق الله"
ثم ذكر معتمده فى وصف العرب بصفوة الخلق فنقل الروايات التالية:
"صح عمن لا ينطق عن الهوى أن الله تعالى تخير العرب من خلقه، فقد روى الحاكم وصححه وتابعوه عن ابن عمر قال: قال رسول الله (ص): (لما خلق الله الخلق اختار العرب، ثم اختار من العرب قريشا، ثم اختار من قريش بني هاشم، ثم اختارني من بني هاشم، فأنا خيرة من خيرة)
وفي ثنايا حديث سنده لا بأس به، وإن تكلم الجمهور في غير واحد من رواته: (وخلق الخلق فاختار من الخلق بني آدم، واختار من بني آدم العرب، واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشا، واختار من قريش بني هاشم، واختارني من بني هاشم، فأنا خيار إلى خيار، فمن أحب العرب فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم) وفي حديث سنده حسن: (إن الله حين خلق الخلق بعث جبريل، فقسم الناس قسمين، فقسم العرب قسما، وقسم العجم قسما، وكانت خيرة الله في العرب، ثم قسم العرب قسمين، فقسم اليمن قسما، وقسم مضر قسما، وقسم قريشا قسما، وكانت خيرة الله في قريش، ثم أخرجني من خير ما أنا منه) وروى مسلم: (إن الله اصطفى بني كنانة من بني اسماعيل، واصطفى من بني كنانة قريشا، واصطفى من قريش بن هاشم، واصطفاني من بني هاشم) وفي رواية لأحمد والترمذي وقال: حسن صحيح غريب: (إن الله اصطفى من بني كنانة قريشا، واصطفى من قريش بن هاشم، واصطفاني من بني هاشم) "
الرجل اعتمد على هذا الحديث الذى قال فى أول الكلام عنه" صح عمن لا ينطق عن الهوى أن الله تعالى تخير العرب من خلقه" فى صحة عنوانه ومع هذا قال فى رواته " وإن تكلم الجمهور في غير واحد من رواته"
فكيف يكون الحديث صحيحا وبعض رواته مجروحين
الحديث مملوء بالمخالفات فالله لا يصطفى جماعات أى أسر بأكملها لوجود كفار فيها وإنما يصطفى الرسل (ص) كما قال تعالى "الله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس"
وقريش معظمهم كفر بمحمد (ص) كما كان معظمهم عبدة أوثان لقرون عدة وقتل الكثير منهم فى معارك مع النبى(ص) فهل هؤلاء من المصطفين وكيف يكون أبوه الكافر مصطفى وقد قال فيه "إن أبى وأباك فى النار " كما فى الروايات وكيف يكون جده حسب الروايات كافر سمى ابنه عبد العزى وتمسك باسمه عبد المطلب طوال عمره ويكون مصطفى؟
ثم كيف اختار الله العرب وفد اباد الكثيرين منهم بسبب كفرهم كقوم هود (ص) وهم عاد وقوم صالح (ص) ثمود كما قال تعالى ""ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التى لم يخلق مثلها فى البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذى الأوتاد الذين طغوا فى البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد"
ثم ذكر الرجل فصلا فيمن هو والد العرب فقال:
" الباب الأول فصل في أب العرب:
جاء في حديث الترمذي وغيره وسنده حسن عن سمرة عن النبي (ص) قال: (سام أبو العرب، وحام أبو الحبش، ويافث أبو الروم)
ولا يعارضه خبر البزار: (ولد نوح سام، وحام، ويافث، فولد سام العرب، وفارس، والروم، والخير فيهم، وولد يافث يأجوج ومأجوج، والترك، والصقالبة، ولا خير فيهم، وولد حام القبط والبربر والسودان) وذلك لأنه ضعيف من سائر طرقه"
الخطأ أن نوح(ص) أنجب أولادا هم سام وحام ويافث وهو كذب فالرجل لم ينجب سوى ابنه الكافر الذى غرق فبنى إسرائيل هم نسل من حملوا فى المركب مع نوح مصداق لقوله تعالى بسورة الإسراء "وجعلناه هدى لبنى إسرائيل ألا تتخذوا من دونى وكيلا "فكيف يكون له سام وحام ويافث وهو ليس له بنين بعد غرق ولده الوحيد الكافر فلو كان العرب وبنو إسرائيل نسل سام المزعوم لذكر الله هؤلاء الولد المزعومين ؟
كمت أنه لم يذكر فى الناجين معه من المؤمنين أولادا وإنما ذكر والديه فقط وهو قوله تعالى "رب اغفر لى ولوالدى ولمن دخل بيتى مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات"
ثم ذكر فصلا يوجب على المسلمين حب العرب فقال :
"فصل حب العرب من محبة النبي(ص):
مر عنه (ص) في المقدمة: (فمن أحب العرب فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم) وفي الحديث: (حب قريش إيمان، وبغضهم كفر، وحب العرب إيمان، وبغضهم كفر، من أحب العرب فقد أحبني، ومن أبغض العرب فقد أبغضني) سنده ضعيف، وتصحيح الحاكم له مردود
فصل ينبغي محبة العرب لثلاث
لقوله (ص): لقوله (ص): (أحبوا العرب لثلاث) وفي رواية:
(أحفظوني في العرب لثلاث لأني عربي، والقرآن عربي، وكلام أهل الجنة عربي) سنده ضعيف، وتصحيح الحاكم له مردود أيضا وأصح منه على ضعفه أيضا قوله (ص): (أنا عربي، والقرآن عربي، وكلام أهل الجنة عربي)"
الخطأ هنا مطالبتنا بحب العرب وهم من يتحدثون العربية ويخالف هذا أن كثير من العرب كفار والله لا يحبهم مصداق لقوله "والله لا يحب كل كفار آثيم "وقد نهانا عن اتخاذ الآباء والإخوان العرب وغيرهم أولياء إن فضلوا الكفر على الإسلام وفى هذا قال تعالى "لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان "فكيف نحب من يكره الله ؟
ثم أورد فصلا أن العرب نور في الإسلام فقال :
"فصل يقال العرب نور في الإسلام:
لقوله (ص): (أحبوا العرب وبقاءهم، فإن بقاءهم نور في الإسلام، الحديث في سنده متكلم فيه"
الرجل هنا يذكر الحديث ويقول أنه لا يصح بسبب راوى فيه ومع هذا بنى عليه فصلا والسؤال كيف يكونون نور فى الإسلام إذا كان الإسلام هو النور نفسه كما قال تعالى "الذين يتبعون الرسول النبى الأمى الذين يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التى كانت عليهم فالذين أمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذى أنزل معه أولئك هم المفلحون"
ثم ذكر فصلا بعنوان يدل على الكفر وهو ذل الإسلام فقال
"فصل ذل العرب ذل الإسلام
لقوله (ص): (إذا ذلت العرب ذل الإسلام) وفي سنده ذلك المتكلم فيه"
والغريب أنه نفى صحة الحديث فقال" وفي سنده ذلك المتكلم فيه" ومع هذا بنى عليه حكما يتم تكفيره به فالإسلام لا يذل أبدا لكونه الدين وإنما يذل الناس فقط وهو كلام يتنافى مه تسمية الله كتابه بالعزيز
ثم ذكر فصلا أخر تحت عنوان :
"فصل بغض العرب مفارقة للدين:
لقوله (ص) لسلمان الفارسي: (يا سلمان لا تبغضني يفارقك دينك) فقال: يا رسول الله كيف أبغضك، وبك هداني الله؟ قال: (تبغض العرب) أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن غريب، ورواه أحمد أيضا، ولا انقطاع في طريقه خلافا لما قد يتوهم
فصل حب العرب إيمان وبغضهم نفاق
لقوله (ص): (حب العرب إيمان وبغضهم نفاق) وقال الدارقطني حديث غري بومرت رواية حب العرب إيمان وبغضهم كفر وفي رواية عبد الله بن أحمد: (لا يبغض العرب إلا منافق) وفي أخرى ما في سندها متكلم فيه: (لا يبغض العرب مؤمن، ولا يحب ثقيفا إلا مؤمن) وعن على قال: أسندت النبي (ص) إلى صدري فقال: (يا على أوصيك بالعرب خيرا)
وفي وصية عمر للخليفة بعده لما طعن، بعد توصيته بالمهاجرين، ثم الأنصار، ثم أهل الأمصار(وأوصيه بالأعراب خيرا، فإنهم أصل العرب، ومادة الإسلام، أن يؤخذ من حواشى أموالهم، فيرد على فقرائهم)"
يخالف أن كثير من العرب كفار والله لا يحبهم مصداق لقوله لقوله بسورة البقرة "والله لا يحب كل كفار آثيم "وقد نهانا عن اتخاذ الآباء والإخوان العرب وغيرهم أولياء إن فضلوا الكفر على الإسلام وفى هذا قال تعالى "لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان "فكيف نحب من يكره الله ؟
ثم عقد فصلا بعنوان من غش العرب لم تنله شفاعته فقال:
"فصل من غش العرب لم تنله شفاعته (ص):
لقوله (ص): (من غش العرب لم يدخل في شفاعتي، ولم تنله مودتي) أخرجه الترمذي، وفيه ضعف وغرابة"
والغريب أن الرجل يبنى أحكام بعناوين الفصول ومع هذا يهدمها بذكر ضعف الروايات أو وجود متهمين فيها
والرواية كأنها تبيح غش الناس ما عدا العرب وهو عنصرية مقيتة فالغش محرم على الجميع
ثم عقد الفصل التالى :
"فصل هلاك العرب من أشراط الساعة:
لقوله (ص): (من اقتراب الساعة هلاك العرب) أخرجه الترمذي في جامعة وقال: غريب"
كلام خاطىء فالله أهلك الكثير من العرب فى التاريخ كعاد وثمود وأهل مدين ومع هذا لم تقم الساعة كما أن النبى(ص) لا يعلم الغيب فكيف علم بذلك والله يقول على لسانه "ولا أعلم الغيب"
ومع أن العرب هنا سيهلكون جميها إلا أن الرواية التالية جعلت قليل منهم أحياء حيث عنون الفصل التالى بالعرب عند خروج الدجال قليلون فقال:
فصل العرب عند خروج الدجال قليلون
لقوله (ص): (ليفرن الناس من الدجال في الجبال) قالت أم شريك يا رسول الله فأين العرب؟ قال: (هم قليل) رواه مسلم، ولا ينافيه قول الترمذي إنه حسن صحيح غريب، لأن غرابته لعلها بالنسبة إلى خصوص طريق الترمذي"
وأما الباب الثانى فهو ما سماه أدعية لقبائل عربية فقال :
"الباب الثاني دعاؤه (ص)بدعاء عظيم عموما ثم خصوصا لقبائل شتى:
أخرج الطبراني أنه (ص) قال: (إني دعوت للعرب، فقلت: (اللهم من لقيك منهم معترفا بك، فاغفر له أيام حياته، وهي دعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وإن لواء الحمد يوم القيامة بيدي، وإن أقرب الخلق من لوائي يومئذ العرب) أخرجه البزار والطبراني في الكبير، وسنده جيد وفي رواية: (اللهم من لقيك منهم مصدقا موقنا فاغفر له)
وفي الحديث الصحيح المتفق عليه: (غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله)
وفي رواية صحيحة: (والله ما أنا قلته، ولكن الله قاله) وفي أخرى عند مسلم أنه (ص)قال في صلاة الفجر: (اللهم العن بني لحيان ورعلا وذكوان، وعصية عصت الله ورسوله، غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله)
وصح عنه (ص) أنه قال: (اللهم اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار) زاد الطبراني: (ولأبناء أبناء الأنصار، ولأزواجهم، ولذرياتهم) وفي أخرى صحيحة: (اللهم اغفر للأنصار، ولذرارى ذراريهم) وقال (ص): (لا تسبوا قريشا، فإن عالمها يملأ طباق الأرض علما، اللهم كما أذقتهم عذابا، فأذقهم نوالا، دعا به ثلاث مرات) رواه جماعة
وزعم بعض الحنفية وضعه غلط، أو حسد، فإن أحمد وأضرابه حملوه على الشافعي لأنه لم ينتشر العلم لقرشي في البلاد، ومن الاتباع ما انتشر للشافعي كما هو مشاهد ومعلوم من زمنهم إلى الآن
وفي رواية عند البزار لكنه أشار إلى أن فيها غرابة:
(اللهم فقه قريشا في الدين، وأذقهم من يومى هذا إلى آخر الدهر نوالا، فقد أذقتهم أنكالا)
وقال (ص) في بكر بن وائل: (اللهم اجبر كسيرهم، وآو طريدهم، ولا ترد منهم عائلا) وفي رواية سائلا، رواه الطبراني، وأشار إلى غرابة فيه
وأخرج عبد الله بن أحمد عن عبد الله قال: شهدت رسول الله (ص) يدعو لهذا الحي من النخع، أو قال: يثني عليهم حتى تمنيت أني رجل منهم
وقال (ص): (اللهم اغفر لعبد القيس ثلاثا) أخرجه الطبراني
وفي الصحيحين من حديث جرير البجلى في قصة ذي الخلصة قال: فدعا لنا ولأحمس وفي رواية: (فبرك على خيل أحمس ورجالها خمس مرات)
ودخل عليه (ص) وفد عنزة، فقال: (بخ بخ بخ بخ نعم الحي عنزة، مبغى عليهم، منصورون، مرحبا بقوم شعيب، وأختان موسى) ثم لما أرادوا الإنصراف قال: (اللهم ارزق عنزة كفافا لا فوتا، ولا إسرافا) أخرجه الطبراني وصح خبر: (اللهم أهد دوسا وائت بهم) وخبر: (اللهم اهد ثقيفا)
الغريب هنا أنه عنون الباب بالدعاء للقبائل من العرب مع أنه ذكر أنه دعا على بعضهم فى القول" اللهم العن بني لحيان ورعلا وذكوان، وعصية عصت الله ورسوله"
ثم عقد بابا أخر بذكر فضائل القبائل العربية فقال:
"الباب الثالث فصل قبائل لها فضائل
الأولى قريش
في الصحيحين: (الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم تبع لمسلمهم، وكافرهم تبع لكافرهم، والناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)
وخبر: (لا يزال هذا الأمر في قرش ما بقى منهم اثنان)
وخبر: (قريش والأنصار، وجهينة ومزينة وأسلم وغفار وأشجع موالى ليس لهم مولى من دون الله ورسوله)
وفي البخارى خبر: (إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين)
وفي مسلم خبر: (الناس تبع لقريش في الخير والشر)
وخبر: (لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم أثنا عشر رجلا كلهم من قريش)
وخبر: (لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثنى عشر خليفة كلهم من قريش)
وخبر: (لا يزال هذا الدين منيعا إلى إثنى عشر خليفة كلهم من قريش)
وخبر: سمعت رسول الله (ص) يوم جمعة عشية رجم الأسلمى، فقال: (لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة، ويكون عليكم اثنا عشر خليفة) "
والخطأ العام فى الروايات السابقة تخصيص قريش بالحكم وهو الملك وهو الإمارة وهو ما يخالف أن الله جعل الأمر وهو الحكم فى كل المسلمين فقال "وأمرهم شورى بينهم "أى وحكمهم مشترك بينهم وقد خص الله المهاجرين والأنصار ومن أسلم وجاهد معهم قبل الفتح بتولى المناصب فقال "لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا "
ثم نقل الرجل آراء البعض فى ملك قريش فقال :
"قال الزين العراقي: وليس المراد بالإثنى عشر خليفة على الولاء، بل المراد من اجتمعت عليهم الكلمة من قريش، وكانوا أهل عدل، والظاهر أن آخرهم المهدى، فإنه بملك جميع الأرض، وبعده يقع الهرج، ويدلل لذلك خبر أبى داود (وكلهم تجتمع عليه الأمة)
إذ قرينته أن من لم تجتمع عليه ليس منهم كيزيد بن معاوية، بخلاف عمر ابن عبد العزيز، بل عد من الخلفاء الراشدين
وخبر أيضا: (لا يزال هذا الدين عزيزا إلى اثنى عشر خليفة كلهم من قريش) فكبر الناس وضجوا، فلما رجع إلى منزله أتته قريش، فقالوا: ثم يكون ماذا؟ قال: (ثم يكون الهرج)
فإذا تبين أن الخلفاء الإثنى عشر ليسوا على الولاء، وأن آخرهم المهدى، ففيه بشارة لهذا الأمة أن الدين في هذه الأزمان عزيز، قائم ولله الحمد في بلاد الإسلام العامرة، وقد كان شيخ شيوخنا الإمام العلامة القونوى يقول: إن مصر والشام مسجد الأرض، وقد كان آخر القرن السابع، ورأى ما حدث في تلك البلاد من التغير والمنكرات، وهي تدل أنهم ليسوا على الولاء، والخبر الصحيح: (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبريا فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت)
ومما يدل على تخلل أمراء الجور بين أمراء العدل الحديث الحسن: (لا يلبث الجور بعدى إلا قليلا حتى يطلع، فكلما طلع من الجور شيء، ذهب من العدل مثله، حتى يولد في الجور من لا يعرف غيره، ثم يأتي الله تبارك وتعالى بالعدل، فكلما جاء من العدل شيء ذهب من الجور مثله)
ولا ينافي ذلك الحسن أيضا: (خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يكون ملكا)
لأن المراد خلافة النبوة الأولى جمعا بين الحديثين على أن الأولى أصح، والمراد بخلافة النبوة الأولى، ومدة الخلفاء الأربعة، فإنها ثلاثون سنة لإنقضائها سنة أربعين من الهجرة، وقد عين بعض الأثنى عشر في حديث: (يكون بعدى أثنا عشر خليفة منهم أبو بكر الصديق، لا يلبث بعدى إلا قليلا، وصاحب رحا دارة العرب، يعيش حميدا، ويموت شهيدا)
قالوا: ومن هو؟ قال: (عمر بن الخطاب، ثم التفت إلى عثمان فقال: إن ألبسك الله قميصا، فأرادك الناس على خلعه فلا تخلعه) رواه الطبراني، وأشار إلى غرابة فيه، والذهبي وقال: العجب من يحيى بن معين مع جلالته ونقده كيف يروى مثل هذا الباطل، ويسكت عنه، واحتج بأن في أحد رواته صاحب مناكير وعجائب، ورد بأن كثيرين وثقوه"
وكعادة القوم حاول الرجل التوفيق بين الذى لا يمكن التوفيق بينه فحاول تطبيق الثلاثين سنة على التاريخ المزعوم وتلك الروايات التى تقول بوجود 12 خليفة صالح منهم فلم يقدر على التوفيق زد على هذا أن تلك الروايات تتعلق بالغيب الذى منعه الله حتى عن رسوبه(ص) فقال "ولا أعلم الغيب "وقال "لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء"
ثم عاد الرجل لرواية روايات حكم قريش فقال :
"وروى عبد الله بن أحمد في زوائد المسند عن علي - كرم الله وجهه - قال: سمعت أذناى، ووعى قلبى من رسول الله (ص): (الناس تبع لقريش صالحهم تبع لصالحهم، وشرارهم تبع لشرارهم)
وصح أنه (ص) قام على باب بيت فيه نفر من قريش، وأخذ بعضادني الباب فقال: (هل في البيت إلا قرشي؟) فقيل: يا رسول الله غير فلان ابن أختنا فقال: (ابن أخت القوم منهم، ثم قال: إن هذا الأمر في قريش، ماإذا استرحموا رحموا، وإذا أقسموا قسطوا) الحديث
وصح أيضا خير: (الأمراء من قريش ما فعلوا ثلاثا: ما حكموا فعدلوا واسترحموا فرحموا، وعاهدوا فوفوا) الحديث
وخبر: (الأئمة من قريش إن لهم عليكم حقا، ولكم عليهم حقا مثل ذلك، ما إذا استرحموا رحموا، وإن عاهدوا فوفوا، وإن حكموا عدلوا) الحديث
وفي خبر، في سنده غرابة: (الأئمة من قريش أبرارها أمراء أبرازها، وفجارها أمراء افجارها، ولكل حق، فآتوا كل ذي حق حقه، وإن أمر عليكم عبد حبشي فاسمعوا له وأطيعوا، ما لم يخير أحدكم بين إسلامه وضرب عنقه، فإذا خبر بين إسلامه وضرب عنقه، فليمدد عنقه ثكلته أمه، فلا دنيا له، ولا آخرة بعد ذهاب دينه)
وصح: الخلافة، وفي رواية: (الملك في قريش والحكم في الأنصار)
وفي رواية: (القضاء في الأنصار والدعوة في الحبشة)
وفي رواية: (الأذان في الحبشة) الحديث
وفي رواية: (والشرعة في اليمن، والأمانة في الأزد)
وفي خبر حسن: (الناس تبع لقريش في الخير والشر) وفي آخر حسن: (إن خيار أئمة قريش خيار أئمة الناس) "
والخطأ وجود القضاء فى الأنصار والآذان فى الحبشة والأمانة فى الأزد وهو يعارض التالى أن القضاء وهو الفقه فى كل قوم مصداق لقوله تعالى بسورة التوبة "فلولا نفر من كل فرقة منهم ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم "كما أن الأمانة صفة لكل المسلمين مصداق لقوله تعالى بسورة المؤمنون "والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون "وهو يناقض قولهم "أبو عبيدة أمين هذه الأمة "رواه مسلم فهنا أبو عبيدة قرشى ومع هذا أمين وهو يناقض كون الأمانة فى الأزد ويناقض قولهم "نحن الأمراء وأنتم الوزراء "فهنا الأنصار الوزراء وفى القول القضاة وهو تناقض ويناقض قولهم أيها الناس إن قريشا أهل أمانة "رواه الشافعى فهنا قريش أهل الأمانة وفى القول الأزد وهو تناقض
ثم ذكر الروايات التالية:
"وروى الطبراني خبر: (أمان لأهل الأرض من الغرق القوس، وأمان لأهل الأرض)
وفي رواية: (أمتى من الإختلاف الموالاة لقريش، قريش أهل الله)
وفي رواية أنه قال هذا ثلاث مرات: (فإذا خالفتها قبيلة من العرب صاروا حزب إبليس) في سنده مختلف فيه
قال الزين العراقي: وأحسن ما قيل قول أبي حاتم الرازي: صالح ليس بالمتين وفي خبر حسن: (من يرد هوان قريش أهانة الله)
وفي رواية سندها حسن أيضا عن عمرو بن عثمان - رضي الله عنهما - أن أباه قال له: يا بني إن وليت من أمر الناس شيئا فأكرم قريشا، فإني سمعت رسول الله (ص) يقول: (من أهان قريشا أهانة الله) وفي رواية: (أهانه الله قبل موته)
وصح خبر جمع رسول الله (ص) قريشا فقال: (هل فيكم من غيركم؟) قالوا: لا، إلا ابن أختنا وحليفنا ومولانا فقال: (ابن أختكم منكم، وحليفكم منكم، ومولاكم منكم، إن قريشا أهل أمانة وصدق، فمن بغى لها العواثر كبه الله في النار لوجهه)
وصح أيضا أن (ص) قال لعمر: (اجمع لي قومك) فجمعهم عمر عند بيت رسول الله(ص)، ثم قال: (ألا تسمعون إن أوليائي منكم المتقون، فإن كنتم أولئك فذلك، وإلا فأبصروا، ثم أبصروا يأتين الناس بالأعمال يوم القيامة، وتأتون بالأثقال، فيعرض عنكم، ثم رفع يديه فقال: يا أيها الناس إن قريشا أهل أمانة فمن بغى لهم العواثر كبه الله لمنخريه، قالها ثلاث مرات) "
والخطأ هنا وجوب عدم إهانة أى إبغاء العواثر قريش وهو يخالف مقاتلة النبى (ص)لقريش وقتله منهم وأسرهم وهى أكبر الإهانات كما أن الله أهان قريش بإنزال العذاب الممثل فى الدخان عليهم كما ورد بسورة الدخان كما أن الله وصفهم بالكفر فقال بسورة الفتح"هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام "ومن واجبات المسلمين قتالهم بسبب عدوانهم وظلمهم
ونقل الروايات التالية:
"وصح خبر: (لولا تبطر قريش لأخبرتها بما لها عند الله)
وصح أن رجلا نال منهم فقال (ص) (لا تسبن قريشا فإنه لعلك أن ترى منهم رجالا تزدرى عملك مع أعمالهم، وفعلك مع أفعالهم، وتغبطهم إذا رأيتم، لولا أن تطغى قريش لأخبرتهم بالذي لهم عند الله تعالى)
وفي خبر سنده مرسل جيد أن أبا قتادة الأنصاري قال لخالد بن الوليد يوم فتح مكة: (هذا يوم يذل الله فيه قريشا) فقيل يا رسول الله ألا تسمع ما يقول أبو قتادة، فقال (ص): (مهلا يا أبا قتادة إنك لوزنت حلمك مع حلومهم، لحقرت حلمك مع حلومهم ولوزنت رأيك مع آرائهم لحقرت رأيك مع آرائهم، ولوزنت فعلك مع أفعالهم لحقرت فعلك مع أفعالهم، لا تعلموا قريشا، وتعلموا منهم، فلولا أن تبطر قريش لأخبرتهم بما لهم عند رب العالمين)
وصح خبر: (إن الرجل من قريش قوة رجلين من غير قريش) أي من حيث الرأي، قاله الزهرى
وفي حديث حسن: (أيها الناس لا تقدموا قريشا فتهلكوا، ولا تتخلفوا عنها فتضلوا، ولا تعلموها، وتعلموا منها فإنهم أعلم منكم، لولا أن تبطر قريش لأخبرتها بما لها عند الله)
وفي آخر حسن أيضا: (التمسوا الأمانة في قريش، فإن أمين قريش له فضل على أمين من سواهم، وإن قوى قريش له فضل على قوي من سواهم)
وفي خبر في سنده مقال: (قدموا قريشا، ولا تقدموها، وتعلموا من قريش ولا تعلموها، لولا أن تبطر قريش لأخبرتها بما لخيارها عند الله) "
الخطأ أن قريش لها عند الله أجر عظيم وهو جنون لأن قريش كما هو معلوم كفرة ومسلمين فكيف يستوى الكل فى الأجر الخفى ؟ألا يخالف هذا قوله تعالى "هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون "ودخول أبو لهب القرشى وزوجته النار كما بسورة المسد وقتلى بدر وأحد والأحزاب وغيرها من المواقع مع قريش الكافرة
ثم عاد فكرر روايات سابقة فقال :
"وفي خبر حسن: (العلم في قريش، والأمانة في الأنصار)
وخبر: (الأمانة في الأزد، والحياء في قريش) في سنده مجاهيل"
ونقل حديثا عن عدى بن حاتم ثم ذكر نقده له فقال :
"وأخرج الطبراني عن عدى بن حاتم قال: كنت قاعدا عند النبي (ص) حين جاء من بدر، فقال رجل من الأنصار: وهل لقينا إلا عجائز كالجزر المعلقة فنحرناها، فتغير وجه رسول الله (ص)حتى رأيته كأنه تفقا فيه حب الرمان، ثم قال: (يا ابن أخي لا تقل ذلك، أولئك الملأ الأكبر من قريش، أما لو رأيتهم في مجالسهم بمكة لهبتم، فوالله لأتيت مكة فرأيتهم قعودا في المسجد في مجالسهم فما قدرت أن أسلم عليهم من هيبتهم، فذكرت قول رسول الله (ص): (لو رأيتهم في مجالسهم لهبتم)
قال عدى بن حاتم فقال رسول الله (ص): (يا معشر الناس أحبوا قريشا، فإن من أحب قريشا فقد أحبني، ومن أبغض قريشا، فقد أبغضني، إن الله حبب إلى قومي، فلا أتعجل لهم نعمة، ولا استكثر لهم نعمة، اللهم إنك أذقت أول قريش نكالا، فأذق آخرها نوالا، ألا إن الله تعالى علم ما في قلبي من حبي لقومي فسرني فيهم، قال الله عز وجل: (وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون)
فجعل الذكر والشرف لقومي في كتابه: (وأنذر عشيرتك الأقربين، واخفض جناحك بمن اتبعك من المؤمنين) ، يعني قومه، والحمد لله الذي جعل الصديق من قومي، والشهيد من قومي، والأئمة من قومي، إن الله تعالى قلب العباد ظهرا وبطنا فكان خير العرب قريش، وهي الشجرة المباركة التي قال الله تعالى: (مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة) قريش (أصلها ثابت) يقول: أصلها كريم، (وفرعها في السماء) يقول الذي أشرف شرفهم الله بالإسلام الذي هداهم له، وجعلهم أهله، ثم أنزل فيهم سورة محكمة في كتابه: (لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف)
قال عدى: ما رأيت رسول الله (ص) ذكرت عنده قريش بخير قط إلا سر، حتى يبين السرور في وجهه، وكان يتلو هذه الآية ب (وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون)
أعل هذا الحديث بأن فيه وهما من بعض رواته، فإن إسلام عدى بن حاتم تم متأخرا، ولم يقدم على النبي (ص) حين جاء من بدر كما وقع في هذا الحديث، وإنما جاء إلى النبي (ص) في شعبان سنة تسع من الهجرة، ولأن في سنده من لا يعرف"
وعاد فكرر روايات سبق ذكرها فقال :
"أخرج الطبراني في خبر: (أحبوا قريشا، فإن من أحبهم أحب الله عز وجل) وفيه عبد المهيمن منكر الحديث
ومر حديث (حب قريش إيمان، وبغضهم كفر)
وفي خبر حسن: (بغض بني هاشم والأنصار كفر، وبغض العرب نفاق)
وفي خبر: قيل للنبي (ص) إن فلانا الثقفي قتل، وقد أسلم، فقال: (أبعده الله إنه كان يبغض قريشا)
وفي مرسل صحيح ذكر للنبي (ص) رجل من ثقيف مات يوم حنين، وهو كافر، فقال: (أبعده الله، فإنه كان يبغض قريشا)
لا منافاة بين هذا، وما قبله لاحتمال أنهما رجلان مسلم وكافر، وأنه (ص) دعا على كل منهما
وفي حديث آخر في سنده مقال: وقف (ص) على رجل من ثقيف مقتول فقال: (أبعدك الله، فإن كنت تبغض قريشا بسبع خصال لم يعطها أحد بعدهم، فضل الله قريشا: بأنى منهم، وأن النبوة فيهم، وأن الحجابة فيهم، وأن السقاية فيهم، ونصرهم على الفيل، وعبدوا الله عشرين سنة، لا يعبده غيرهم)
أي باعتبار الغالب، فلا يرد مثل أبي ذر ممن أسلم قديما وليس منهم، (وأنزل فيهم سورة من القرآن لم تنزل في أحد غيرهم) "
نلاحظ الخبل هنا وهو أن النبى (ص) وهو ليس بالقطع يدعو على مسلم ويدخله جهنم لأنه يبغض قريش الكافرة
ثم عاد لذكر روايات أخرى كلها تتعارض مع القرآن أو مع بعضها وبعض منها سبق ذكرها فقال:
"وصح أن صحابيا قال عند عمرو بن العاص سمعت رسول الله (ص) - قال: لئن قلت ذلك إن فيهم - أي قريش - خصالا أربعة إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيركم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة، وأمنعهم من ظلم الملوك)
وورد نحو هذا مرفوعا إلى النبي (ص)، وجاء عن عمرو موقوفا عليه أيضا: (قريش خالصة لله من نصب لها حربا، أو حاربا سلب، ومن أرادها بسوء خزى في الدنيا والآخرة)
ومر خبر (واختار من مضر قريشا (وخبر (واصطفى من بني كنانة قريشا) وخبر (وكانت خيرة الله في قريش) وخبر (الدعاء لهم بالنوال والهداية والتفقه في الدين) "
ثم ذكر ما سماه فضائل ألأوس والخزرج فقال :
الثانية الأنصار الأوس والخزرج
صح عن أنس أنه قيل له: أرأيتم اسم الأنصار كنتم تسمون به أم سماكم الله؟فقال: بل سمانا الله عز وجل
وأخرج الطبراني أنه (ص) قال: (إن الله أيدني بأشد العرب ألسنا وأذرعا يا بني قيلة الأوس والخزرج)
وأخرج بسند ضعيف أيضا عن أبي واقد الليثي قال: كنت جالسا عند رسول الله (ص) فأتاه آت فالتقم أذنه، فتغير وجه رسول الله (ص)، وأثار الدماء في أساريره، وقال: (هذا رسول عامر بن الطفيل يتهددني، ويتهدد من بأزائي، فكفانيه الله بالابنين من ولد إسماعيل بابنى قيلة) يعنى الأنصار
وصح في البخاري أنه (ص) رأى نساءهم وصبيانهم مقبلين من عرس فقام، وقال: (اللهم أنتم من أحب الناس إلي)
وفيه وفي مسلم جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله (ص) ومعها صبي لها فكلمته، فقال: (والذي نفسي بيده، إنكم لأحب الناس إلى مرتين)
وصح أنه (ص) مر ببعض المدينة فإذا الجوارى يضربن بدفهن، ويقلن نحن جوار من بنى النجار يا حبذا محمد من جار فقال (ص): (اللهم بارك فيهن) وأخرج الشيخان وغيرهما أنه (ص) قال: (الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله)
وأنه قال: (آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار)
وصح خبر: (إن هذا الحي من الأنصار حبهم إيمان، وبغضهم نفاق)
وخبر: (حب الأنصار إيمان، وبغضهم نفاق) وخبر: (لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله ورسوله)
وفي رواية للبزار: (من أحبني أحب الأنصار، ومن أبغضني، فقد أبغض الأنصار، لا يحبهم منافق، ولا يبغضهم مؤمن، من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله، الناس دثار، والأنصار شعار ولو سلك الناس شعبا، والأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار)
وفي خبر حسن: (لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله تعالى عليه، ولا يؤمن بي من لا يحب الأنصار)
وفي رواية للطبراني وغيره، فيها غرابة: صعد النبي (ص) المنبر فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: (أيها الناس لا صلاة بلا وضوء، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه، ولم يؤمن بالله من لم يؤمن بي، ولا يؤمن بي من لا يحب الأنصار)
وصح خبر: (من أحب الأنصار أحبه الله، ومن أبغض الأنصار أبغضه الله)
وخبر: (والذي نفسي بيده لا يحب رجل الأنصار حتى يلقى الله تبارك وتعالى وهو يحبه، ولا يبغض الأنصار رجل حتى يلقى الله تبارك وتعالى وهو يبغضه) "
الروايات السابقة التى تصف من يبغض الأنصار بالنفاق يناقض قولهم آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان وقولهم أربع من كن فيه كان منافقا خالصا 000وقولهم آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم فلا يوجد فيهم حب الأنصار أو بغضهم
وقد بين الله أن الكراهية وهى الغل أى البغض تقع بين المسلمين ولكنها تزول فى الجنة كما قال تعالى "إن المتقين فى جنات وعيون ادخلوها بسلام آمنين ونزعنا ما فى صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين "
ثم ذكر حديثا يبدو أنه مؤلف فقال :
"وصح عن أنس رضى الله تعالى عنه قال: افتخرت الحيان من الأنصار: الأوس والخزرج، فقالت الأوس للخزرج: منا غسيل الملائكة حنظلة بن الراهب - أي لأنهم غسلوه يوم أحد لموته جنبا، كان يجامع أهله فسمع الدعاء للقتال فخرج، واستشهد - ومنا من اهتز له عرش الرحمن سعد بن معاذ، ومنا من حمته الدبر عاصم بن ثابت، ومنا من أجيزت شهادته شهادة رجلين خزيمة بن ثابت
وقال الخزرجيون: منا أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله (ص)، ولم يجمعه غيرهم: زيد بن ثابت، وأبو زيد، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل) "
الغريب أن الجمع هذا لم يعرف فى التاريخ إلا بعد موت النبى (ص) والمسلمون لا يفتخرون على بعضهم البعض لأنه عصبية منتنة
ثم ذكر الرجل حديثا مشهورا فقال :
وأخرج الشيخان وغيرهما عن أنس قال: قالت الأنصار يوم فتح مكة: أعطى قريشا، والله إن هذا لهو العجب، سيوفنا تقطر من دماء قريش، وغنائمنا ترد عليهم، فبلغ ذلك النبي (ص) فدعا الأنصار، وقال: (ما الذي بلغني عنكم؟) وكانوا لا يكذبون، فقالوا: هو الذي بلغك فقال: (أو لا ترضون أن يرجع الناس بالغنائم إلى بيوتهم، وترجعون برسول الله (ص) - وكرم ومجد وشرف وعظم وفخر - إلى بيوتكم، لو سلكت الأنصار واديا أو شعبا لسلكت وادى الأنصار أو شعبهم)
وفي رواية صحيحة: (والذي نفسي بيده لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلكت الناس شعبا، والأنصار شعبا، لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار) فبكى الأنصار حتى خضبوا لحاهم، وقالوا رضينا برسول الله (ص) قسما وحظا
وفي البخارى: (لو أن الأنصار سلكوا واديا أو شعبا لسلكت وادى الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار)
وصح أنه (ص) قال على المنبر: (ألا إن الناس دثار، والأنصار شعار، ولو سلك الناس واديا، وسلك الأنصار واديا لسلكت شعب الأنصار، ولولا الهجرة كنت امرأ من الأنصار، فمن ولى أمر الأنصار فليحسن إلى محسنهم، وليتجاوز عن مسيئهم، ومن أفزعهم، فقد أفزعني)
وروى الطبراني في أكبر معاجمه بسند فيه مقال: أنه (ص) قسم غنائم حنين، ففضل كثيرا من قبائل العرب، فبلغه من الأنصار ما سبق، فقال: (يا معشر الأنصار ألم يمن الله عليكم بالإيمان، وخصكم بالكرامة، وسماكم بأحسن الأسماء أنصار الله وأناصر رسوله، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس واديا، وسلكتم واديا لسلكت واديكم، أفلا ترضون أن يذهب الناس بهذه الغنائم الشاة والغنم والبعير، وتذهبون برسول الله (ص)فلما سمعت الأنصار قول رسول الله (ص) قالوا: رضينا قال: أجيبوني فما قلب؟ قال الأنصار: يا رسول الله صلى الله عليك وعلى آلك وصحبك وسلم وجدتنا في ظلمة، وأخرجنا الله بك إلى النور، ووجدتنا على شفا حفرة من النار فأنقذنا الله بك، ووجدتنا ضلالا فهدانا الله بك، فرضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، فاصنع يا رسول الله ما شئت في أوسع الحل فقال رسول الله (ص): (أما والله لو أجبتموني بغير هذا القول لقلت صدقتهم، لو قلتم ألم تأتنا طريدا، فآويناك، ومكذوبا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك، وقبلنا ما رد الناس عليك، لو قلتم هذا لصدقتم) فقال الأنصار: بل لله المن علينا، والفضل على غيرنا، ثم بكوا وكثر بكاؤهم، وبكى النبي (ص) معهم"
وفي آخر حسن أيضا أن أبا سعيد الخدري قال: قال رجل من الأنصار لصحابه: أما والله لقد كنت أحدثكم أنه قد استقامت الأمور، لقد آثر عليكم، فردوا عليه ردا عنيفا، فبلغ ذلك النبي (ص) فجاءهم، فقال لهم أشياء لا أعرفها، قالوا: بلى يا رسول الله قال: (فكنتم لا تركبون الخيل) ، فكلما قال لهم شيئا، قالوا: بلى يا رسول الله قال: فلما رآهم لا يردون عليه شيئا، قال: (أفلا تقولون خذلك قومك فنصرناك، وأخرجك قومك فآويناك) قالوا: نحن لا نقول ذلك يا رسول الله، أنت تقوله
قال: (يا معشر الأنصار ألا ترضون أن يذهب الناس بالدنيا، وتذهبون برسول الله (ص) قالوا: بلى يا رسول الله
قال: (ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، الأنصار كرشى، أهل بيتي وعيبتي التي أوبت إليها، فاعفوا عن مسيئهم، واقبلوا من محسنهم)"
والمعضلة فى الحديث هو أن النبى(ص) كان سيكون من الأنصار لولا الهجرة وكيف سيكون من الأنصار ولولا الإسلام ما كان هنالك أنصارى
والمعضلة الثانية سلوك النبى(ص) طريق الأنصار وهو ما يناقض أن الله طالبه أن يسلك طريق الله وهو وحلا الله المنزل عليه وليس طريق الناس أيا كانوا حيث قال "اتبع ما أوحى إليك من ربك"
ثم ذكر الرواية التالية:
"وفي البخاري عن ابن عباس قال: خرج رسول الله (ص) وعليه ملحفة متعطفا بها على منكبيه، وعليه عصابة دسماء، حتى جلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (أما بعد، أيها الناس فإن الناس سيكثرون، وتقل الأنصار حتى يكونوا كالملح في الطعام، فمن ولى منكم أمرا يضر فيه أحدهم أو ينفعه، فليقبل من محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم)
وأخرج الشيخان عن أنس قال: مر أبو بكر والعباس - رضي الله عنهما - بمجلس من مجالس الأنصار، وهم يبكون، فقال: ما يبكيكم؟ قالوا: ذكرنا مجلس النبي (ص)، فدخل على النبي (ص) فأخبره بذلك، قال: فخرج النبي (ص)، وقد عصب على رأسه حاشية برد، قال: فصد النبر، ولم يصعده بعد ذلك اليوم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشى وعيبتي، وقد قضوا الذي عليهم، وبقى الذي لهم فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم)
وفي خبر حسن: كتب أبو بكر إلى عمرو بن العاص أن رسول الله (ص) قال في الأنصار: (اقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم)
وصح أنه (ص) قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه، واستغفر للشهداء الذين قتلوا بأحد، ثم قال: (إنكم يا معشر المهاجرين تزيدون، والأنصار لا يزيدون، وإن الأنصار عيبتي التي أويت إليها، أكرموا كريمهم، وتجاوزوا عن مسيئهم، فإنهم قد قضوا الذي عليهم، وبقى الذي لهم)
وصح أيضا: أنه (ص) خرج عاصبا رأسه فقال في خطبيته: (أما بعد يا معشر المهاجرين إنكم أصبحتم تزيدون، وأصبحت الأنصار لا تزيد على هيئتها التي هي عليها اليوم، وإن الأنصار عيبتي التي أويت إليها، فأكرموا كريمهم، وتجاوزوا عن مسيئهم)
وفي رواية: (إن لكل بني عيبة وعيبتي هذا الحي من الأنصار، ولولا الهجرة كنت امرأ من الأنصار، والأنصار شعار، والناس دثار، فمن ملك من الأمر شيئا فليحسن إلى محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم) "
الخطأ علم النبى(ص) بالغيب ممثلا فى قلة الأنصار وزيادة المهاجرين وهو ما يخالف قوله تعالى على لسان النبى(ص)"ولا أعلم الغيب" وقوله " لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء"