وأخيرا ...عثرتُ على هذه الكُليمة الضالة!! نشرتها سنة 1431هـ ..وتاه الأصل الورقي .. وضاعت النسخة الإلكترونية في بحار . . بل محيطات هذه الشبكة العنكبوتية .. مترامية الأطراف .. قريبة المأخذ .. بعيدة المنال .. في آن معا .. لا كجلمود صخر حطه السيل من علٍ ,, بل كسراب .. في بعض الأحيان .. إلخ.
أبو أشرف : محمود الشنقيطي 30 / 30 / 1439هـ
تحية إجلال "للكُوَيْتَيْنِ"
لا يوجد خطأ،كما توهم (المصحح اللغوي .. الآلي) فهذه التحية موجهة للكويتين ( الكويت الرسمي،والكويت الشعبي) أو بالتعبير الآخر حكومة وشعبا.
أما السبب في التحية فيكمن في مشاهدتي لمهرجان دعم الكاتب الكويتي محمد عبد القادر الجاسم،عبر قناة (الجزيرة مباشر)،كان الموقف مشرفا ويدعو للفخر – على قاعدة "خليجنا واحد".
كان لابد لي أن أتساءل من أين للكويتيين هذه المساحة من الحرية؟! الحقيقة أن البحث عن الإجابة لم يتعبني،وذلك بمصادفة عجيبة .. حيث تتكرر معادلة (الشنقيطي والكويت) .. مرة أخرى (الكويت الشنقيطي).
أقرأ هذه الأيام – من ضمن ما أقرأ – كتابا بعنوان : ( الشيخ محمد أمين الشنقيطي : حياته – مذكراته – علاقته بملوك وشيوخ الجزيرة العربية)،لمؤلفه عبد اللطيف الدّليشي الخالدي،والكتاب من منشورات الدار العربية للموسوعات،في طبعته الأولى 1429هـ = 2009م.
لم أنه الكتاب بعد،ولكن مشاهدتي لمهرجان مناصرة الكتاب (الجاسم)،جعلتني أعود لبعض ما ورد في الكتاب عن "الكويتين" فهناك تكمن جذور ما نراه الآن،والذي يتلخص في الطريقة التي يكتب بها المؤرخ الكويتي تأريخ الكويت،ونقلَه وجهة نظره،وإن خطأ (الشيوخ)،أو خالفهم!!!!! وسوف نأخذ ثلاث لقطات :
اللقطة الأولى : أراد الشيخ مبارك الصباح – أمير الكويت – أن يساعد صديقة الشيخ خزعل – شيخ المحمرة – فطلب من ابنه جابر إرسال قوة مسلحة من الكويتيين. وهنا ينقل مؤلف الكتاب عن مؤرخ الكويت عبد العزيز الرشيد { تأريخ الكويت – الطبعة الثانية – ص 175} :
(ولكن الكويتيين،وقد علموا أنهم سيقاتلون إخوانهم،أظهروا العصيان،وجاهروا بالامتناع،سيما والعلامة المحدّث الشيخ الشنقيطي،والشيخ حافظ وهبة المصري (..) فكانا يطوفان المجالس،ويغشيان الأندية لتحذير الناس من الطاعة وأن من انقاد فقد يحكم عليه بالردة عن الدين. فأثار ما قالاه الحماس في النفوس،حتى صمم القوم على الإباء مهما نزل بهم من بلاء،وذهبوا إلى جابر وقد تأبطوا مسدساتهم،فقالوا له عندما أمرهم بالمسير : لا نسمع ولا نطيع.
فقال جابر : لماذا؟ فقالوا : لأن الطاعة في هذا الأمر معصية،والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" (..) وقد أخلد جابر إلى السكوت،غير أنه بادر بإخبار أبيه ..){112 - 113}. بطبيعة الحال تم طرد الشيخ الشنقيطي،من قبل الشيخ مبارك بعد عودته إلى الكويت،وبعد أن دار حوار بينه وبين الشيخين (وهبة) و (الشنقيطي).
اللقطة الثانية : مرة أخرى تم طرد الشيخ الشنقيطي،ولكن هذه المرة من قبل الشيخ سالم الصباح،وهنا تتجلى (اللقطة)،حيث نجد مؤرخ الكويت،ينتصر للشيخ الشنقيطي (الأجنبي)!!! فيقول في (تأريخ الكويت – ص 206 ) :
( إن هذه الحادثة من سالم – وهو الرجل الصالح،التقي – لمحزنة جدا،بل لنراها من أعظم سيئاته {نستغفر الله من هذه العبارة التي تتردد في المسلسلات الكويتية : يا كبرها عن الله!!-محمود} سيما والأستاذ لم يأت بما يستحق عليه هذا العقاب الفظيع،لنعذره في ما فعل. نعم إن سالما توهم أمورا جسمها له تخوفه،{بسبب العلاقة التي تربط بين الشيخ الشنقيطي والشيخ أحمد بن جابر الصباح،والذي تولى الحكم - في 14 رجب سنة 1339هـ - بعد وفاة الشيخ سالم - محمود} ولو فرضنا أنها صحيحة،فلا تبرر ما عمل،إذ ليس مثل الأستاذ من يستحق الطرد والنفي،وهو العالم الفذ،والمحقق البحاثة،والتقي الورع){161}.
اللقطة الثالثة : من مؤرخ الكويت عبد العزيز الرشيد،نذهب إلى مقالة – عن سبب القضاء على الجمعية الخيرية سنة 1914م - كتبها الأستاذ سيف مرزوق الشملان،في مجلة (مرآة الأمة) الكويتية في عددها الخامس والعشرين،وبتاريخ 15 / رمضان / 1391هـ ( نوفمبر 171م) على الصفحة (14) :
(الصحيح أن الشيخ مبارك قضى على الجمعية الخيرية لأسباب سياسية،وتتركز في هاتين النقطتين :
(الأولى ) : كانت ميول أصحاب الجمعية من رجال الكويت تتجه نحو الدولة العثمانية حاملة لواء الخلافة الإسلامية،وهذا الاتجاه لا يرضي الشيخ مبارك الصباح الذي كان يميل إلى بريطانيا لمصالحه الخاصة،خوفا من الدولة العثمانية،حيث عقد معاهدة مع بريطانيا عام (1899م) لحمايته،فكان يعمل ما يرضي السياسة البريطانية في منطقة الخليج العربي وفي العراق (..).
(الثانية) : في العام الذي قضى فيه على الجمعية عام 1332هـ (1914م) حدثت أحداث جسام لاسيما في منطقة الخليج العربي والعراق،زد على ذلك أن العالم نفسه كان مضطربا،وكان على أبواب حرب ضروس،,هي الحرب العظمى،وكانت السياسة البريطانية تعمل عملها،والذي زاد الطين بلة أن الجمعية استقدمت من البصرة والزبير شخصين من غير المرغوب فيهما لدى الشيخ مبارك والإنجليز،وهما : الدكتور أسعد،وهو طبيب تركي كان يعمل في البصرة(..) وأحضر معه صيدليا،ولا أعلم هل الصيدلي هذا عربي أو تركي؟.
لم يكن الشيخ مبارك مرتاحا من الدكتور أسعد،فليس من مصلحته أن يكون طبيب الجمعية تركيا،خشية تأثيره على الأعضاء،وعلى المراجعين بجعلهم يميلون إلى الدولة العثمانية،فلهذا أمر الدكتور أسعد بمغادرة الكويت،فغادرها إلى البصرة،وبعد ذلك أغلقت الجمعية أبوابها،وقضي عليها.
2 – الشيخ الشنقيطي كان يميل إلى الدولة العثمانية من ناحية إسلامية،وظل الشنقيطي في الكويت حتى بعد إغلاق الجمعية ببضعة أشهر،فكان يعظ الناس،ويرشدهم في المساجد،ولما اشتعلت نيران الحرب العظمى،وخاضت الدولة العثمانية غمارها في شهر نوفمبر / تشرين الثاني 1914م،أخذ الإنجليز يلاحقون أنصار الدولة العثمانية،وطبعا لم يكونوا مرتاحين من وجود الشنقيطي في الكويت،فلهذا أبعده الشيخ مبارك عن الكويت إلى الزبير،وقد اشترك في معركة الشعيبة الطاحنة،التي وقعت بين الدولة العثمانية والإنجليز ( وأسفرت عن هزيمة الدولة العثمانية). فغادر الشنقيطي الزبير إلى نجد،ومكث بها طيلة أيام الحرب،وبعد الهدنة غادرها إلى الكويت،فأبعده الشيخ سالم المبارك،فرجع إلى الزبير،وفي أول حكم الشيخ جابر أحمد الجابر زار الشنقيطي الكويت وأقام له النادي الأدبي {قدم إلى الكويت بدعوة من النادي الأدبي،تلقاها في رمضان سنة 1343هـ = 1924م - محمود} حفلة شيقة للترحيب به.){107 - 109}.
.. وبعد فالذين اجتمعوا لمناصرة الكاتب الكويتي ،هم أحفاد من دافعوا عن (الشنقيطي)،نفس الفكرة،نفس القدرة على إبداء وجهة النظر .. ذرية بعضها من بعض.
أمين وليس الأمين!!!!!
كما قلت من قبل لم أكمل قراءة الكتاب الذي يؤرخ سيرة عن الشيخ أمين الشنقيطي {1293 – 1351هـ = 1876 – 1932م} لذلك لن أتحدث هنا عن الشيخ – ربما أفعل إذا انتهيت من القراءة،وإذا أذن الله سبحانه وتعالى – ومع ذلك فأنا متعجب من كون اسمه (محمد أمين) وليس (محمد الأمين)،كما هي عادة الشناقطة في الأسماء!!!!!!! ولعل غياب (الــ) التعريف،تفرق بين هذا الشيخ،وبين الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ،صاحب كتاب (أضواء البيان)،رحمهما الله – ورحم والديّ – وأجزل مثوبتهم.
الكويت وقناة الجزيرة
وأنا أختم هذه الكلمة .. تذكرت أنني شاهدت مهرجان دعم الكاتب الكويتي،عبر (قناة الجزيرة)،وذلك – حقيقة – ذكرني بالدور الرائد الذي لعبته الكويت في ثقافتنا،حين كانت تصدر المجلات،والسلاسل،والتي تباع بأرخص الأثمان .. ولكن الفرق .. أن (الجزيرة) تقدم (صورة) بينما قدمت الكويت (ثقافة ورقية) .. لأمة يقال أنها لا تقرأ.
فهذه تحية إجلال – مرة أخرى – "للكويتين".
محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة في 29/6/1431هـ
ــــــــــــــــــــــ
وهذه إضافة أخرى .. لا تخرج عن "السياق"
رسالة إلى سمو أمير الكويت
يا صاحب السمو إن الأساس الذي بايعتك عليه الأمة لدى أول يوم من توليك الحكم هو (جعل الحكم بينك وبينها على أساس الشورى التي فرضها الإسلام ومشى عليها الخلفاء الراشدون في عصورهم الذهبية)
.
غير أن التساهل الذي حصل من الجانبين أدى إلى تناسي هذه القاعدة الأساسية كما أن تطور الأحوال والزمان واجتياز البلاد ظروفا دقيقة بعث المخلصون من رعاياك أن يبادروا إليك بالنصيحة راغبين التفاهم وإياك على ما يصلح الأمور ويدرأ عنك وعنهم وادي الأيام وتقلبات الظروف ويصون لنا كيان بلادنا ويحفظ لنا استقلالنا، غير قاصدين إلا إزالة الشكوى وإصلاح الأمور من طريق التفاهم مع المخلصين من رعاياك متقدمين إليك بطلب تشكيل مجلس تشريعي مؤلف من أحرار البلاد للإشراف على تنظيم أمورها. وقد وكلنا حاملي كتابنا هذا ليفاوضوك على هذا الأساس والله تعالى نسأل أن يوفق الجميع لما فيه صالح البلاد.،،،
30 ربيع الثاني 1357هـ جماعتك المخلصين
وذيلنا هذا الكتاب بكلمة (جماعتك المخلصين) كيلا يعلم الأمير أسماء وعدد الجمعية السرية (الكتلة الوطنية) التي كان الناس يبالغون في كثرتها.
وفي الصباح توجه الوفد إلى سمو الشيخ في قصره الكائن على ساحل البحر (قصر السيف) حيث كان يجلس جلسته المعتادة إلى زواره والمترددين عليه، وهناك رجوا من سموه الاجتماع به على حدة، حيث ناولوه الرسالة آنفة الذكر وكاشفوه في الغاية التي وفدوا من اجلها. وفي هذا الاجتماع تكلف سموه مجاملتهم وأبدى ارتياحه إلى تحقيق الفكرة التي جاؤوا من اجلها وقال انه ليسره على الدوام أن يصارحه المخلصون بما فيه صالح الكويت ثم قال انه سيرسل عليهم غدا في مثل هذا الوقت ليتداولوا معهم في الأمر ويعطيهم رأيه فيه.
وقد حضر هذا الاجتماع متعمدا فقط الشيخ فهد السالم الصباح اخو ولي عهد الإمارة الثاني من أبيه. وبعد انصراف الوفد من سمو الأمير أرسل الشيخ عبد الله السالم الصباح ولي العهد أخاه فهد إلى ديوان الشيخ يوسف بن عيسى طالبا إليه تبليغ الجماعة (أعضاء الوفد) تأييده هو وأخيه لمؤازرة الجماعة واستعداده للتعاون معهم في تحقيق مطالبهم، فكانت هذه الروح الطيبة من البوادر الجميلة التي شجعت عزائم الوطنيين وبشرتهم بالنجاح. وقد أرسل الأمير على أعضاء الوفد رسوله في اليوم التالي يدعوهم إلى الاجتماع به، وقد وجدوا معه في انتظارهم سعادة الشيخ عبد الله السالم الصباح الذي طلب الأمير حضوره إلى جانبه وأبدى سموه موافقته على تشكيل المجلس وإنما اشترط أن يكون الشيخ عبد الله السالم رئيسا للمجلس المنتظر.
فرد عليه أعضاء الوفد كل بدوره محاولين الإيضاح لسموه أن أمر رئاسة المجلس من اختصاص أعضائه الذين ستنتخبهم الأمة بكامل حريتها وانه ليس في مكنتهم البت فيها منذ الآن وقالوا أن مهمتهم تقتصر على مفاوضة الأمير واخذ موافقته على تشكيل المجلس والأمر بإجراء الانتخابات، والواقع أن أحدا من هؤلاء ما كان يفكر في ترشيح غير سعادة الشيخ عبد الله السالم الصباح لرئاسة المجلس العتيد لاسيما بعد أن ظهر منه التأييد الكامل لهم غير أنهم رأوا أن لا تفرض على الكويتيين هذه الرئاسة فرضا وإنما تجري على سنن الانتخابات، فرد الأمير وهو يحاول جس نبضهم: "ومتى قلنا لكم انه ليس عندنا لكم مجلس ولا غير مجلس ماذا تفعلون؟"
فنهض عندئذ رئيس الوفد الحاج محمد ثنيان عن كرسيه غاضبا وهو يقول: "نقول في أمان الله". غير إن سمو الأمير وهو المشهور بسعة حلمه ودماثته المعروفة تدارك الأمر قائلا: "العفو أنا امزح معكم.. استرح يا أبا عبد اللطيف، إنكم أحرار في انتخاب رئيسكم ولكم أن تباشروا بالانتخاب فورا". وتكلم الشيخ عبد الله السالم فقال: "أنا من رأيي التعجيل بالانتخابات حالا كيلا تحصل تحزبات عنصرية وغيرها"، وكان يخشى حفظه الله تكتلات العجم وغير ذلك.
وعندها خرج أعضاء الوفد من لدن سموه شاكرين مستبشرين واجتمعوا فورا بأعضاء الكتلة الوطنية حيث عرضوا عليهم نتيجة المفاوضة، فاستحسن الجميع دعوة الشيخ يوسف بن عيسى والحاج أحمد الحميضي وهما ابرز وجهاء الكويت ليطلعوهما على ما حصل.
فأشار الشيخ يوسف بن عيسى بضرورة الإسراع بالانتخابات قبل أن تبدر بوادر تحزبية غير مستحسنة واتفق الجميع على أن تتألف لجنة للإشراف على الانتخابات من بعض وجهاء البلد (الشيخ يوسف بن عيسى، الحاج أحمد الحميضي، محمد ثنيان الغانم) ولم يكن بالإمكان العمل بغير ذلك خاصة وان أحدا في الكويت لا يشك مطلقا في نزاهة هؤلاء المختارين، واجتمعت اللجنة ظهر ذلك اليوم في ديوان يوسف مرزوق المرزوق حيث هيئوا قائمة أسماء ثلاثماية وعشرين ناخبا من مختلف العائلات في الكويت ومنهم فريق من الحساوية والعجم الذين استوطنوا الكويت لسنين طويلة، ودعوا جميع هؤلاء للحضور بعد صلاة العشاء ليلا في ديوان آل الصقر حيث يباشروا باجراء الانتخابات فورا بحضور الجميع. ) مذكرات العدساني