لا يخفـــــف وطأة حمى الرمز إلا الحريـــــة.. د. علي سلطان: من يكتب في التاريخ وهو بعيد عن قلبه لن ينال الا الصدود
انكفأ نص الافكار...
وانتصر نص الاكروبات


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي




بين الكتابة المسرحية التي دخل محرابها متأخراً والكتابة القصصية التي تعد اولى كتاباته والتاريخ الذي بدأ الاهتمام به اكاديمياً والرواية التي كتبها لمرة واحدة تنوعت كتابات د. علي سلطان الذي يعكف الآن ومنذ اكثر من 13 سنة على كتابة كتاب يتناول التاريخ العربي.. وقد التقته «البعث» وكان الحوار التالي :
< تلجأ في بعض الاحيان الى الاسلوب الرمزي في كتابة مسرحياتك، متى تعتمد هذا الاسلوب وما مبرره ومتى يصبح الرمز عبئاً على النص والمباشرة عيباً واضحاً..؟
< < الرمز في كتابة المسرح اعترف به كواحد من اساليب الكتابة التي امارسها في كتاباتي المسرحية وهو احد الاساليب المنتشرة في معظم
كتابات الاخرين ولا يخفف من وطأة حمى الرمز على الكتابة الا الحرية في القول الكتابة... ولهذا فمن يقرأ كتاباتنا الرمزية بعد خمسين سنة او مئة سيعرف المعاناة التي فرضت التخفي وراء الرمز، هذا وقد قرأ احد اصدقائي مسرحيتي« القلعة والسور» وقال لي «لو لم تكن هذه المسرحية منشورة في اتحاد الكتاب العرب لما تجرأت على قراءتها الا اذا كان ذلك في مكان منفرد ومنعزل ولا يدري احد ما أقترف» اما المباشرة وخاصة المتطابقة تماماً مع السلوك والحديث العادي عن الاشياء العادية التي يتحدث عنها الجميع فهي عيب كبير في الكتابة وأحاول جاهداً ألا اتبع مثل هذا الاسلوب ولكن الكتابة بالرمز عن اشياء تشبه اموراً حقيقية لا تعني المباشرة لأنه يمكن بكل سهولة ان نجد شيئاً في هذا التشابه في كل الكتابات القديمة والجديدة وتستطيع جدة الموضوع ان تلغي تأثير هذه المباشرة وخاصة اذا عالجت الموضوع بطريقة لا تشبه اخرى غيرها.
< انت مقل ككاتب مسرحي حيث اصدرت ست مسرحيات عبر سنوات طويلة، فكيف تفسر ذلك ...
< < السبب وراء اقلالي بالكتابة للمسرح انني بدأت بها متأخراً وذلك بعد ان تجاوزت الثلاثين، وكان ذلك صدفة حيث كانت اول كتاباتي قصة قصيرة كتبتها في الشيخ حسن وكان اسمها «وأمطرت ثلجاً» وكان ذلك عام 1966 وكنت قد حصلت على اجازة في التاريخ قبل سنة.. وأشير إلى انني كنت قارئاً محترفاً ومعروفاً بشيئين يرافقاني ابداً: الكتاب والراديو وافضل فيه الموسيقا الكلاسيكية الغربية كما حفظت معظم ديوان المتنبي في السنة الرابعة الابتدائي...المهم وضمن ظروف صعبة جداً كتبت النص المسرحي الذي يقوم على الغضب والحقد والشتائم التي لم يسلم منها احد والبداية كانت ثلاث مسرحيات منها« مدينة بلاد الذهب- جزيرة الليل الاحمر وكذلك لا انكر اهتمامي في فترة من الفترات بكتابة التاريخ فأنا أحمل شهادة دكتوراه في التاريخ من الجزائر 1974 كما حصلت على دكتوراه دولة في التاريخ من جامعة إكس آن بروفان في فرنسا سنة 1985.

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي





< جربت مرة كذلك الكتابة الروائية من خلال رواية «عنب وحب وذهب» ماذا تحدثنا عن هذه التجربة اليتيمة وكيف وجدت الفارق بين الكتابة الروائية والاخرى المسرحية...؟
< < الكتابة متشابهة في كلا النوعين ولكن تبقى الكتابة المسرحية تعنى بصراع الافكار فيما تعنى الرواية بوصف الافكار والاحداث والاجواء وهي بهذا أيسر من المسرحية ومن لا يملك القدرة على ابداع الافكار والموضوعات تظل كتابته من نوع الانشاء في الحالتين وتمتد الكتابة في الرواية طويلاً بينما لا تتجاوز المسرحية حدود الزمن المعقول فيما لو تم عرضها على المسرح.
< ماذا ترد على من يقول ان كتاباتك المسرحية هي كتابات ادبية اكثر منها فنية صالحة للعرض وما هو النص المسرحي الصالح للعرض برأيك؟
< < ما يخص نوع المسرحية ان كانت ادبية لا تصلح كثيراً للعرض المسرحي او مكتوبة لتمثل على المسرح هي مسألة لا تتعلق بالكتابة والكاتب فقط لأن المخرج الجيد يستطيع ان يحول المسرحية الادبية الى مسرحية للعرض وبالعموم أنا افضل كتابة المسرحية كتابة ادبية سواء كانت للقراءة او لأن تمثل لأن الكتابة الادبية تعطي ذلك السحر الجميل عندما ينطلق من افق الممثلين ولولا الاسلوب الادبي العظيم لشكسبير وبرناردشو وتشيخوف وغيرهم لما استطاع التمثيل وحده ان يسمو بالعمل الى المستوى الرفيع وبالتالي مهما كان الموضوع جيداً فإن الاسلوب الرديء لن يجعل منها مسرحية رنانة على المسرح ويمكن تشبيه ذلك بقراءة شعر جميل من كتاب بالمقارنة مع الاستماع له من صوت جميل مدرب ومرافق بالموسيقا وهذا دائماً امتع بكثير من سماع الشعر كالحديث العادي ... اما عن امكانية تمثيل مسرحياتي فيكفي ان اقول ان صديقاً لي قدم مسرحية الى المخرج اسعد فضة وعندما قابلته قال إني متأثر بكتابة شكسبير؟!
وعندما سألته عن عرضها على المسرح اجاب انها تصلح لكنها تحتاج الى جهد وممثلين كثيرين ، كما اذكر انني عرضت مسرحياتي على طلاب واساتذة جامعيين وعلى مهتمين بالادب وكانوا راضين جداً عنها الا صديقاً لي فقد عتب عليّ لأني نشفت ريقه الى اخر كلمة بالمسرحية.
اما النصوص المسرحية التي تصلح للعرض برأيي يجب ان تضم مواضيع كبيرة وعميقة تتصاعد في تطورها نحو ذروة ترقى بالنفس ولا اعتقد انه توجد مثل هذه النصوص التي لا تتناسب مع واقع حرية الافكار ومع نوعية المتفرجين الذين يأتون للتسلية فقط... ومثلما اخذت الصورة تحل محل الكلمة اخذت النصوص تتراجع وتضمحل لصالح العرض البصري القائم على عرض الاجساد.. لقد انكفأ النص، نص الافكار وانتصر نص الاكروبات... شاهدت مرة مسرحية من هذا النوع وانتهت المسرحية دون ان اسمع كلمة واحدة ؟! حيث اقتصر العرض على الرقص ولا اظن ان احداً من المخرجين المحليين يفتش او يقرأ مسرحيات جادة مميزة ولا حتى سمع بها فالسوق الآن ليس لذلك .
< كتبت التاريخ ودخلت عالم الرواية والمسرح فكيف تصف نفسك ككاتب..؟
< < اكتب التاريخ كتابة علمية اي كما سجلته الوثائق عن احداث - حضارة- دول - حروب- واستعمار...الخ ذلك لأن التاريخ هو ذاكرة الانسانية ...اما مسرحياتي التي تخيلتها وكتبتها فهي مسرحيات كأنها التاريخ نفسه، وهذا ينطبق على روايتي فأنا من هذا الصنف الذي يهوى ويكتب التاريخ.
هناك فرق شاسع بين كتابة التاريخ وكتابة المسرح فكتاب موثق مثل كتابي تاريخ سورية اخذ مني سبع عشرة سنة قرأت خلالها آلاف الصفحات والوثائق والملفات المختلفة في حين ان الكتابة المسرحية لا تحتاج الا لأسابيع وبالتالي فأنا ومنذ 13 سنة مازلت اكتب كتاباً آخر في التاريخ العربي وفضلت قضاء هذا الوقت الطويل في كتابة تاريخ اكثر بقاء واكثر فائدة للناس وارى ان ذلك افضل من حرق الاعصاب في كتابة غير حقيقية تعطي خيالاً وظلالاً بعيدة عن الحقائق ولا تستند الى الوثائق الى جانب قناعتي بأنه من حق الامة معرفة ما جرى وما حدث وما زور وزيف .
إن الامة التي تحفظ تاريخها قادرة على اضافة احداث جديدة في الحضارة والتاريخ واي قادم جديد لا علم له بتاريخ امته لن يقدم نفعاً ولا فائدة ولا حضارة لتاريخ منسي لم يعرفه الناس حق المعرفة ..ان مسرحياتي جزء حقيقي من التاريخ الذي كتبته واشعر وأنا اكتب هذا التاريخ كيف كان يصنع هذا التاريخ .
< وصفك الباحث المسرحي عبد الفتاح قلعه جي في دراسة له عنك بأنك كاتب مسرحي تكتب على حافة التاريخ وتكتب ما لا يكتبه التاريخ فماذا كان يقصد بذلك ..؟ ثم لماذا لم تكتب رواية تاريخية..؟
< < اثارني قول الاديب والاستاذ عبد الفتاح قلعه جي بأني اكتب على حافة التاريخ وذلك لأنه صحيح وحقيقي.. نعم نا اكتب في التاريخ نفسه في قلبه وعلى اطرافه وهوامشه وأرى ان من يكتب في التاريخ وهو بعيد عن قلبه وهامشه لن ينال الا الصدود ....
اما عبارة حافة التاريخ فهي لسد الفراغ بين الرؤية والواقع وقد تثير الكتابات التاريخية الحوار لدرجة انه يلوم التاريخ لأنه لم يكتب كذا وكذا والتي تبدو انها حقائق.
اما لماذا لم اكتب رواية تاريخية ؟ فأرى انها ليست مهمة صعبة ولا ادري ان كنت سأقوم بمثل هذا العمل مستقبلاً ولكن ليس من سبب يجعلني لا افعل ذلك وانا لم افعل ذلك حى الآن ربما الزمن لم يكن كافياً وشغلت بما كتبته في التاريخ والمسرح.


حوار أمينة عباس-جريدة البعث


__________________________


د. علي سلطان


< دكتوراه في التاريخ - الجزائر- 1974
< دكتوراه دولة في التاريخ - جامعة اكس آن بروفان - فرنسا -1985
< كتب له : في المسرح نذكر منها: ورد وأروى- مدينة بلاط الذهب - دولة الشيطان -بين القلعة والسور- وغيرهم، عنب وحب وذهب «رواية» وكتب تاريخية نذكر منها: تاريخ سورية 1908- 1920 «كتابان» وتاريخ سورية مطلع القرن العشرين- تاريخ الدولة العثمانية- تاريخ العرب الحديث 1516- 1918.