قتلوا آية الله هاشمي رفسنجاني وشيعوا تابوتا فارغا دفنوه بجوار أستاذه الخميني، وفي خلفيات الساحة السياسية ووراء الكواليس في إيران يدور لغط كبير حول وفاة رفسنجاني، أسبابها وكيفيتها وتداعياتها. خاصة وأن توقيت وفاته يثير تساؤلات كثيرة، فقد جاء إعلان وفاته بعد أيام قليلة من إعلان إصابته بنوبة قلبية مفاجئة، وفي قمة اشتداد الصراع بينه وأنصاره من ناحية وبين الأصوليين والزعيم خامنئي من ناحية أخرى، وكثرت الاتهامات له، والهجوم عليه بسبب موقفه السياسي من النظام، مع اقتراب انتخابات رئاسةالجمهورية، وتأكيده على دعم مرشحه حجة الإسلام والمسلمين حسن روحاني في مواجهة كل التيار الأصولي وأحزابه وجبهاته وتكتلاته، والذي بنجاحه في هذه الانتخابات يستكمل مسيرة الاعتدال التي رسمها رفسنجاني، ويصبح بعد ذلك مؤهلا لخلافة الزعيم خامنئي.
تأتي المشاكل التي وضعها رفسنجاني أمام النظام الحاكم في إيران، والتي جعلت الزعيم خامنئي في موقف حرج يهدد استمراره في منصب الزعيم، سببا دافعا للتخلص منه قبل انتخابات رئاسة الجمهورية، وعلى سبيل الاحتياط عمل خامنئي على إعداد خليفة له يسير مسيرته ويسمع توجيهاته، وهو آية الله إبراهيم رئيسي الذي ولاه أغني وأقدس منطقة في إيران، وهي منطقة المشهد الرضوي شرق إيران، في حماية أعداء أقوياء لرفسنجاني في النظام، وبرغم مداراة الزعيم خامنئي كراهيته للموقف الذي يتخذه رفسنجاني من النظام، إلا أن ما واجهه رفسنجاني من مضايقات، على رأسها عزله عن منصب خطيب جمعة العاصمة طهران، التي يعبر فيها عن رأيه صراحة، بل وصلت المضايقات إلى حد سجن أبنائه لتعبيرهم عن رأيهم، يشير إلى توجيه غير مباشر للزعيم خامنئي إلى أنصاره في السلطة للقيام بعمليات تأديب متوالية، ربما تجعل رفسنجاني يعيد النظر في مواقفه، ويقلل من هجومه على النظام وسياسته.
كان لهذه المضايقات رد فعل كبير لدى رفسنجاني حيث استطاع أن يشكل جبهة قوية معارضة لسياسة النظام، ضمت العديد من علماء الدين في الحوزات العلمية الدينية، وشخصيات لها نفوذ وتأثير على الجماهير والساحة السياسية، ومعهم حسن الخميني حفيد الإمام الخميني مؤسس النظام، وتدعيمه لقضية خروج النظام على خط جده. كما وقفت جبهة رفسنجاني وراء حجة الإسلام والمسلمين حسن روحاني ليس في نجاحه تولي رئاسة الجمهورية فحسب، بل في سياسته الداعية إلى التعامل مع الغرب، وقيادة مباحثات معه، وقد أدت هذه السياسة التي يرفضها الأصوليين إلى توقيع الاتفاق النووي مع الغرب، وإحراج الزعيم آية الله خامنئي. كل هذه الأسباب وغيرها مما سيتم بحثه في صفحة الدراسات الإيرانية المعاصرة كانت سببا في التخلص من رفسنجاني الذي أسماه الأصوليون “رأس الفتنة”.
منقول عن:
د. السعيد عبد المؤمن