أفكاري .. و الفخّ اللذيذ
"قد يبدأ الآخر بالتغيّر عندما تتوقف لدينا الرغبة بتغييره ".
هناك طاقتان مهدورتان :
الأولى : طاقة الرغبة بتغيير الآخر
الثانية : طاقة الدفاع عن النفس ضد الطاقة الأولى .
هما طاقتان متعاكستان و الصفر هو المحصلة و هذا التعاكس لا يزيدهما إلا عنفاً و إهدارًا
* * *
تغيير رأي الآخر بطريقتنا هو أمر في غاية الصعوبة و يكاد يكون مستحيلاً ، خاصة إذا توصل الآخر إلى رأيه بطرق منطقية ممزوجة بالعاطفة .
* * *
كيف أكوّن رأيي ؟
هو مزيج معقد جداً من العناصر العقلية و الروحية ( اللغوية منها و اللالغوية ) و التي تلتقي فيما بينها بطرق لا يعرف صاحبها بها . أي أن صاحب الرأي يعرف بمصدر أفكاره و لكنه لا يعرف كيف التقت ببعضها و لا يعرف آلية اللقاء . تماماً كصاحب البيت الذي اشترى مواد البناء الأولية و يعرفها تماماً لكنه لا يعرف كيف تم البناء و لا بأي معايير و لا بأي طريقة . و إذا أراد يوماً معرفة تفاصيل هذا البيت عليه أن يسأل "البنّاء" و لا يكفي أبداً وجود الفواتير التي دفعها لشراء المواد الأولية حتى يعرف الأسرار .
أما هذا "البنّاء العقلي للأفكار " فيعمل برأيي وفق إحدى طريقتين :
- طريقة الشخص "المسؤول "عن حياته
- طريقة الشخص "الضحية "
بين هاتين الطريقتين يختار الإنسان برأيي طريقة بناء أفكاره و آراءه ، ذهاباً إلى شكل الحياة التي يريدها .
في ثقافتنا الدينية العاطفية لا يمكن تغيير رأي أحد مهما فعلنا ، إلاّ عندما يستعد هذا الشخص أن يكون هو بذاته مسؤولاً عن حياته . . إن رفض المسؤولية يجعلنا ننتقل من دور ضحية إلى آخر بسهولة و يسر لأن الآلية التي أبحث فيها عمّن أتهمه هي الآلية الأسهل و الأكثر امتاعاً .
* * *
أنتَ نفسك لا تعرف عن رأيك إلا القليل القليل ، و عندما تريد التعبير عنه فإنك ستختار الشكل الظاهر و الأكثر سطحية منه و الأقرب إلى مفرداتك الأكثر استعمالاً .
و عندما تقول " أنا مؤمن برأيي !!" فهذا يعني أن الجزء العاطفي من المكونات هو الجزء الغالب على أدوات البناء . و إيمانك برأيك هو طريقتك للحفاظ على هذا الجانب العاطفي فيه من الاهتزاز و الضياع .
* * *
يمكن الوصول إلى حرية تعبير مجدية لكل الأطراف إذا كان كل رأي هو لإضافة الجديد و لا يصرف كل طاقته لمخالفة القديم .
لكن .... حرية التعبير هي مصطلح مغشوش فلا يوجد رأي حر ، لأن صاحب الرأي هو مسؤول فقط عن إطلاقه بدون أن يكون مسؤولاً عن صناعته .
هل يوجد رأي مسؤول ، كامل المسؤولية ؟ لا يوجد ... إذا فلا يوجد حرية رأي بهذا المعنى الواسع .
قد تكون الحرية موجودة فقط في التجول في زوايا بيتي لأتعرف عليه و أكتشفه .
الحرية الوحيدة هي حرية الاكتشاف
حرية الرأي وهم لذيذ .
* * *
لقد تغيرت حياتي كثيراً عندما توقفتُ عن رغبتي في تغيير حياة الآخرين و أفكارهم و أسلوب عيشهم . حتى صارت تلك الطاقة المهدورة سابقاً هي وسيلتي لاكتشاف الطريقة التي بُني بها بيت أفكاري و عندما عرفتُ الطريقة صرتُ أكثر رحمة بي و بالآخرين .
لقد اكتشفتُ الكثير من زوايا بيتي الهشة و في بحثي عنها وصلت لنقاط قوية ( وجود النقاط القوية هو الذي سمح لي أساساً بالوصول للنقاط الهشة) .
و وضعتُ رويداً رويداً خطة للمشي في زوايا بيتي بدون أن أزيد النقاط الهشة هشاشة فلا أتعبها و لا أركز عليها .
كل ذلك لم يعد يعطيني الوقت الكافي و لا الطاقة الضرورية لتغيير بيوت الآخرين ( إلا بطلبهم الواضح الشديد الدقة ).
* * *
أنا أرفض أن أدافع عن آرائي في وجه من يرفضها فلا أرد على أي اختلاف لأَنِّي نفسي لا أثق كل الثقة بأفكاري ، فكيف أدافع عن فكرة لا أعرفها تماماً و بكل تفاصيلها .. أنا لا أعرف منها إلا شكلها .
أفكاري هي أكثر عناصري هشاشة
عليّ أن أبقى دائم الشك بها قبل أن أشك بأفكار الآخرين أو أن أذهب أبعد إلى نواياهم
رفيف المهنا
Almhana Rafif