مدينة إدلب السورية تغرق في الفساد و«جيش الفتح» يعجز عن ضبط الأمور

محمد إقبال بلو

Oct 27, 2016


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


أنطاكيا ـ «القدس العربي»: توسم الأهالي خيراً بعد تحرير إدلب وطرد قوات النظام السوري منها، ورغم علمهم بأنها ستتعرض للقصف، إلا أنهم قرروا المكوث فيها إذ توقعوا أن تكون ظروف الحياة بعد مغادرة النظام أفضل أمنياً، كما أملوا أن يكون الوضع الخدمي والإغاثي بل والمعيشي أكثر راحةً بالنسبة لهم، لكن معظم الأهالي بدأت أصواتهم تعلو بالشكوى في الآونة الأخيرة، إذ عم الفساد الكثير من جوانب الحياة التي تتحكم فيها أيدٍ أصبحت خبيرة بالاستغلال واقتناص الفرص.
خدعة جديدة ومبتكرة
«لم يجدوني في البيت فخسرت حصتي الشهرية، على الرغم من أنني ذهبت إليهم في اليوم نفسه لكنهم أخبروني أن اسمي قد تم شطبه لأنني لم أكن موجوداً»، أكد أبو ابراهيم وهو أحد النازحين في المدينة، لـ «القدس العربي»، أن سبباً كهذا جعله يخسر حصته الشهرية، ليس لمرة واحدة بل على الدوام، فعدم وجوده في المنزل يعني لهم أنه غير مقيم وبالتالي لا يستحق المواد الإغاثية، على الرغم من أن اسمه مسجل في قيودهم وبدورهم يرفعونه للجهات الداعمة.
يضيف «منظمة (ب) لا يسمون أنفسهم منظمة إغاثية، أو جمعية خيرية، بل في اللفظ المتداول يقولون عنها (شركة) ويبدو أنها كذلك بالفعل، شركة تجني الأرباح، يقومون بتسليم خمس حصص إغاثية لعائلة واحدة تقطن في بيت واحد تحت ذرائع مختلفة، ليتبين الأمر في النهاية أنه خاضع للمحسوبيات والمعرفة الشخصية، كما أنهم بارعون بتدوين أسماء العائلات في قيودهم حتى تلك التي رحلت عن المدينة يتم تسجيلها لديهم».
أما عن طريقة تصريف المواد الإغاثية وبيعها فيحدثنا الرجل عن خدعة مبتكرة يقومون بها فيقول»يقومون بتسليم حصص إضافية بسيطة لبعض الاشخاص الذين يعرفونهم ويثقون بهم، مشترطين عليهم أن يستهلكوا بعضاً منها، وأن يقوموا ببيع البعض الآخر، وهكذا نشأت بجهودهم ظاهرة بيع الحصص الغذائية التي تقدمها شركتهم كما يسمونها، لكن مهما باع الأهالي لن يكون مجموع الفائض الذي يبيعونه معادلاً للكميات الهائلة التي تطرح في السوق».
حسب أبو ابراهيم فإن «الكميات الكبيرة التي تباع في سوق أصبح مخصصاً لبيع مواد الإغاثة، تطرحها هذه المنظمة للبيع عبر سماسرة من خاصتها، أما بالنسبة لما يبيعه بعض الاهالي وبالاتفاق معهم، فهو للتمويه لا أكثر، فلدى سؤالهم عن تلك الكميات الهائلة في الأسواق، يكون ردهم أن هذا دليل واضح لتوزيعهم كميات كبيرة تكفي وتفيض عن الحاجة ما يدفع بالأهالي لبيع الفائض، لكن السؤال المطروح، إن كان فائضاً فمن الذي يشتري؟».

الغاز والمازوت مصدران للسلطة
تصل أسطوانات الغاز إلى ادلب من مدينة حماه التي يسيطر عليها النظام، ويصل الديزل «المازوت» من مناطق تنظيم الدولة عبر مناطق المعارضة في ريف حلب الشمالي فالمناطق الكردية، وللسلعتين قصص وتفاصيل مختلفة، إذ يشرح رمضان رب الأسرة المقيم في ادلب المدينة لـ»القدس العربي» كيف أصبح امتلاك المازوت أو الغاز أحد مصادر السلطة، فيقول «أن تمتلك المحروقات سواء كانت أسطوانات الغاز أو براميل المازوت فأنت صاحب سلطة، حيث تكون معززاً مكرماً من قبل الجميع وأهمهم قادة الفصائل، كونهم يحتاجون للمواد المتـوفرة لـديك، وكونك تقوم بتأمنيها لهم في أي وقت يريدون بل وحتى بأي سعر يريدونه، والمقابـل حمايـتك وتغطـية سـرقتك للاهالي من خلال مضاعفة الاسعار وقتما تشاء دون ان يقوم بردعـك أحد».
يضيف رمضان «صهاريج المازوت الواصلة إلى مدينة ادلب تكفي المدينة وتزيد عن احتياجاتها، لكن في كل مرة، وعند انتشار أية شائعة أو حدوث أي طارئ، وقبل أن تصل صهاريج جديدة يتم رفع أسعار القديمة إلى الضعف تقريباً، منذ أسابيع انتشرت شائعة أن فصائل المعارضة في اعزاز أوقفت عشرات الصهاريج ومنعتها من الذهاب إلى ادلب، فاختفى المازوت من الأسواق، وارتفع البرميل الواحد عشرين ألف ليرة سورية في اليوم الذي تلاه»، وبعد قيام القوات الكردية بقطع الطريق منذ أيام، ومنع الصهاريج من الوصول بالفعل، أكد رمضان أن بعض تجار المازوت لديهم مخزون يفوق المائة برميل، لكنهم سارعوا إلى إقفال مستودعاتهم وإنكار ذلك تماماً، وبعد يومين فتحوا تلك المستودعات ليصبح سعر برميل المازوت 85 ألف ليرة سورية بعد ان كان بسعر يقارب 50 ألفاً».
عبد الرحمن أحد العسكريين في «جيش الفتح»، ولدى سؤاله عن دور الجيش في قمع الفساد، قال: «لا بد أن ندرك أن جيش الفتح هو فصائل قد توحدت عسكرياً لقتال النظام، لكنها ليست بهذا التوحد الذي نتصوره إدارياً، لهذا لا يمكن تشكيل منظومة مراقبة أسعار أو ما شابه من هذا الجيش بسبب تنوع فصائله، كما لا يمكنه التدخل في كل شاردة وواردة، على العكس فإن ذلك قد يثير حفيظة الاهالي ضد الجيش». ويضيف «حتى ولو أراد جيش الفتح أو أحد فصائله كجبهة فتح الشام ضبط الأمور لفشلوا في ذلك، وهم يعلمون أنهم سيفشلون لذا لم يقوموا بهذا الإجراء، إذ أن لكل لص سواء من التجار او المنظمات أو غيرها من المواقع التي يتم استثمارها من قبل الجشعين، طرقاً مختلفة في النصب والإقناع أيضاً، فمنظمات الإغاثة لديها استعداد أن يتم التحقيق معها شهوراً دون فائدة، حيث يقوم الموظف منهم بإظهار أوراق وتقليب أخرى مع مواصلته الحديث عن براءة موظفيه وبراءته من الفساد، ويتمكن من إقناع من يسائله بأسلوب غريب لا يبدع فيه حقيقة سوى من يحترف النصب».