الغرب والإسلام
لماذا زور الغرب تاريخ أوروبا العربي (51)
مصطفى إنشاصي
وعن الأسباب التي دفعت العالم الغربي إلى اتخاذ موقف عدائي من العرب وثقافتهم ولغتهم يرجعه إلى:
الكنيسة الرومانية والعلماء الذين جعلوا من أديرتهم حصوناً لتفسيرات كتابية، وقد ظهر ذلك "منذ القرنين الرابع والخامس اللذين شهدا مواجهة الكنيستين الشرقية والغربية في الصراعات الحادة لدراسة السيد المسيح حول النساطرة والقائلين بطبيعته الواحدة ... منذ ذلك الوقت البعيد كانت روما في حرب ظاهرة ومستترة ضد الجدليين العرب. ذلك يعني أنهم فسروا تاريخ العالم ليس استناداً إلى معلومات وحقائق تاريخية إنما استناداً إلى الأسطورة التوراتية بكل ما جمعته من في كتاب التوراة وفي الأناجيل من أساطير الشعوب القديمة وخرافاتها، التي أسس الغرب عليها أصول منظومته المعرفية عن تاريخ العالم.
ولم يقف عداءهم لحضارة وثقافة العرب قبل الإسلام إنما امتد إلى وقتنا الحاضر لدرجة أن "الصليبيون الذين كان عليهم فيما بعد أن يستعملوا القوة الجبرية ضد الإسلام لم يكونوا مدفوعين ضد الإسلام فحسب، بل ضد جميع الأنماط الدينية والفلسفية المستوحاة من الفكر العربي، تلك الأنماط التي أثارت الشرق، أو تلك التي استعملتها مجتمعات أسبانيا وروسيا وفرنسا في العصور الوسطى. فالمؤلفات القديمة تسمي (عرباً) سكان الأكيتين واالباسك والأندلسيين أو القشتاليين المتأثرين بالمسيحية المؤمنة بالثالوث المقدس المنفتحة على اليهودية بقدر ما هي منفتحة على الإسلام". فكان خطأ الكنيسة أنها انطلقت من "بديهية ناتجة قليلاً أو كثيراً عن تعليم مستعار من المسيحية أو من معرفة مبتورة من التراث القديم. إننا حين فعلنا ذلك قد بسَّطنا، إلى أصغر حد، التراكم الثقافي الضخم المنجز في عالمنا المتوسطي قبل الألف الرابع أو الخامس قبل الميلاد".
وتلك النظرية لم يوافق عليها جميع العلماء وكانت هنا وهناك أصوات معارضة "وأن هناك نقاداً وقفوا ضد هذه الادعاءات الشاذة للنظريات المعترف بها، ولكنه من المتعارف عليه أن الجامعة جسم يحمي أعضاءه المؤمنين به من جهة، ويقسو على معارضيه من جهة ثانية. لذلك سكت النقاد عندما لم يسكتهم معارضوهم قسراً".
ويرى أنه لمن غير المنطقي أن يفرض علماء الغرب الموسوعيون عن طريق فكرهم العلمي، ميثولوجيا مؤسسة على الأساطير التوراتية، أو عن طريق مخطوطات مزعومة، إغريقية أو رومانية، مكتوبة (مَن كتبها)؟ بعد قرون عديدة من الحوادث التي رووها بالتفصيل، وإنها لفضيحة كذلك أن يُعطوا الحياة والمادة لشخصيات حلم أقاموا هم أنفسهم أعمدة عقيدتها، وإنها لمرفوضة نظرية عرقية اللغات هذه التي اخترعوها، مقسمين العالم تعسفاً، إلى ساميين وآريين، أي إلى شعوب لم يستطع أي تحليل علمي أن يثبت وجودها. وإنه لمن الحمق كذلك، أن يُعطوا هولاء العلماء أنفسهم، انطلاقاً من وثائق لا وجود لها، أو مشكوك فيها، أو لا معنى لها ... من الحمق أن يُعطوا لأنفسهم الحق في إعادة الحياة لعصور كاملة مفقودة في ليل الزمان، إنه ادعاء وابتذال أو أحكام مسبقة من التشهير ضد الشرق، وإنها روح استعماري أبوي تحاول فرض نفسها. تلك هي الأفكار الرئيسة التي جعلت جياد الباحثين الأوروبيين تتجه، بحجة العلم، نحو كتابة التاريخ.
ويقدم مثالا لتلك الروح الاستعمارية الأبوية بأنها دفعت المؤرخ الفرنسي أرنست رينان واضع أسس نظرية (سيادة الرجل الأبيض على العالم) أن يتجرد من العلمية والموضوعية ويقول في كتابه "تاريخ اللغات السامية": "أن الآريين والساميين (يقصد اليهود) لم يعرفوا أبداً (بفضل حالة خاصة) (المرحلة الوحشية)، وأنهم وجدوا أنفسهم دفعة واحدة محمولين إلى أعلى مستويات الثقافة". مثل طفرة دارون التي حولت الحيوان لإنسان!