الســــعودية وحــــروب المئـــة عـــام الطائفيـــة


بقلم : د. غازي حسين
قامت الاستراتيجية الغربية والصهيونية في بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين على تغيير الحدود التي رسمتها اتفاقية سايكس ـ بيكو وترسيم حدود جديدة للدول العربية تقوم على تفتيتها وتجزئتها على أسس طائفية ومذهبية وعرقية وإعادة تركيبها لإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد
الذي وضعه دهاقنة الاستعمار الاستيطاني اليهودي، هرتسل وبرنارد لويس وشمعون بيرس، لإنهاء دور العرب في العصر الحديث وتصفية قضية فلسطين ورسم اتفاقية سايكس ــــ بيكو 2.‏
وتهدف الاتفاقية الجديدة إلى تحويل جامعة الدول العربية إلى أداة في أيدي حكام الإمارات والممالك التي أقامتها وتحميها الدول الاستعمارية والصهيونية العالمية لفرض السيطرة اليهودية على المنطقة وبقية بلدان العالم من القدس لفترة طويلة من الزمن تطبيقاً لبروتوكولات حكماء صهيون، والخرافات والأطماع التوراتية.‏
منذ بدء أحداث ما سُمي بالربيع العربي الذي صنعته الإمبريالية والصهيونية لتحقيق مخططاتهما في التجزئة والتفتيت والهيمنة وتصفية قضية فلسطين وإنهاء الصراع العربي الصهيوني وبروز داعش والنصرة والمجموعات التكفيرية الإرهابية الأخرى أخذت حدود الدول العربية الأساسية بالتداعي وبدأ إضعاف جيوشها وسفك دماء مواطنيها وتدمير منجزات دولها ونهب ثرواتها.‏
وطرحت إسرائيل وجوب اعتراف السلطة الفلسطينية بيهودية الدولة لتبرير إقامة دولة الخلافة الإسلامية والدول على أسس طائفية وعرقية لتفتيت البلدان العربية وإشعال الحروب الأهلية والتدخل الخارجي لعدة عقود من الزمن.‏
وأوصى مؤتمر هرتسليا في بيانه الختامي في آذار 2013م تأجيج الطائفية والعرقية في سورية وبقية البلدان العربية تماماً كخنجر إسرائيل والاستراتيجية الإسرائيلية في الثمانينات من القرن الماضي.‏
نشأت الإمارات والممالك العربية على يد الاستعمار البريطاني شريطة خدمة مصالحه وحمايتها وإقامة إسرائيل في فلسطين العربية. وخلقت الدول الاستعمارية العديد من المشاكل الداخلية والحروب العدوانية والتدخل المسلح عن طريق إرسال المجموعات التكفيرية الإرهابية التي تمولها وتديرها وتزودها بالسلاح والعتاد الولايات المتحدة وأتباعها من الأمراء والملوك العرب.‏
حاولت الإمبريالية الأمريكية في مرحلة ما سُمي بالربيع العربي تغيير الجغرافية السياسية في المنطقة والإطاحة بالدولة الوطنية في سورية عن طريق المجموعات التكفيرية المسلحة التي يرسلها أتباعها من حكام الخليج وبتصعيد الفتن الطائفية، وفشلوا في ترسيم حدود سايكس ـ بيكو 2. وسيفشلون في القضاء على طموحات شعبنا وأمتنا في التحرر والسيادة والاستقلال وبناء الدول المدنية والحيلولة دو ن تصفية قضية فلسطين.‏
وبناءً على طلب جامعة الدول العربية بتدخل حلف الناتو في ليبيا للقضاء على نظام الحكم القائم فيها تمت الإطاحة بنظام معمر القذافي في آذار عام 2011، ودعمت السعودية وقطر والإمارات العربية والصهيونية حرب الناتو على ليبيا، وأدى التدخل الخارجي في سورية إلى استمرار الحرب الكونية على الدولة والشعب حتى يومنا هذا وكذلك على العراق وعلى الجيش المصري لتحقيق مخططات التفتيت التي وضعها دهاقنة الاستعمار والصهيونية، مما دفع باليهودي هنري كيسنجر الذي نجح بإخراج مصر من خندق المواجهة مع إسرائيل إبان عهد السادات إلى التنبؤ بأن المنطقة ستشهد حرب المئة عام بين المسلمين على غرار حرب المئة عام بين الكاثوليك والبروتستانت في أوروبا.‏
فهل سيحقق أمراء وملوك السعودية هذه النبؤة اليهودية بحربهم على اليمن ومعاداتهم للمقاومة اللبنانية والفلسطينية والشراكة الأمنية بينهم وبين إسرائيل الآخذة بالتبلور واستبدالهم العدو الصهيوني بعدو مزعوم وهو إيران الصديقة لجميع الشعوب العربية والإسلامية، والتي تعتبر دعم قضية فلسطين وتحرير القدس جزءاً من العقيدة الاستراتيجية الإيرانية؟‏
يقوم جوهر سايكس ـ بيكو 2 والاستراتيجية الأمريكية لبلدان المنطقة بعد موافقة الكونغرس الأمريكي على مشروع برنارد لويس، ومحاولة استغلال الإدارات الأمريكية الحروب العدوانية على أفغانستان والعراق والحرب الكونية على سورية، والحرب السعودية على اليمن والحروب الإسرائيلية على فلسطين لإعادة تقسيم المنطقة وتفتيت دولها وترسيم حدودها طبقاً للاستراتيجية الأمريكية، والتي يشترك اللوبي اليهودي ويهود الإدارات الأمريكية في بلورتها وصياغتها والعمل على تنفيذها.‏
ويتطلب تحقيق سايكس ـ بيكو2 وذريعة تحقيق مخططات التفتيت والتقسيم والإطاحة بالأنظمة الوطنية وتنصيب كرزايات استدعاء التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية لدول المنطقة وإشعال الحروب داخل الدول العربية باسم التحالف الدولي وبغطاء عربي من جامعة الدول العربية والمملكتين السعودية والأردنية وقطر والإمارات العربية. وكانت ضحايا هذه الحروب شعوب المنطقة وثرواتها وجيوشها ومنجزاتها.‏
وتعمل الولايات المتحدة ومعها فرنسا وبريطانيا على الإطاحة بالأنظمة الوطنية وحماية إسرائيل والإمارات والممالك التي أقامها الاستعمار وعلى التدخل العسكري وفرض الحصار والعقوبات الاقتصادية وصولاً إلى تحقيق الاستراتيجيتين الأمريكية والإسرائيلية وترسيم حدود سايكس ـ بيكو 2 الأخطر من سايكس ـ بيكو 1، وتأتي الحرب الكونية على سورية ضمن هذا الإطار والتوجه الاستراتيجي الجديد الذي بدأ بالربيع العربي والفوضى الخلاقة وإرسال المجموعات التكفيرية إلى سورية والعراق وليبيا ولبنان ومصر، مما غيَّر من موازين القوى في المنطقة وأدى إلى زيادة قوة ونفوذ إسرائيل وإقامة دول ما تسمى بدول الاعتدال العربي علاقات تجارية ودبلوماسية وسياسية ووصلت إلى حد حديث نتنياهو عن إقامة شراكة أمنية بين إسرائيل والسعودية، بعد أن أهدى الأردن 16 حوامة عسكرية.‏
وأصبحت الدول العربية تعاني من الانهيار بسبب آل سعود وثاني ونهيان واتفاقات الإذعان في كمب ديفيد وأوسلو ووادي عربة. وجاءت حرب السعودية العدوانية على اليمن والتدخل العسكري السعودي في البحرين لتزيد من هذه الحالة المأساوية التي ستعيد العرب إلى أسوأ من عصر الجاهلية.‏
إن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية الفوضى والحروب والمآسي والويلات التي تعانيها شعوب المنطقة لتدخلها العسكري في سورية والعراق وليبيا ودعمها لحروب إسرائيل العدوانية وللمجموعات التكفيرية الإرهابية المسلحة والإرهاب الصهيوني.‏
وأدى هذا الوضع الذي خلقته الدول الغربية وأتباعها من الحكام العرب إلى المزيد من النفوذ الإسرائيلي والمزيد من تفتيت البلدان العربية لتثبيت وجود إسرائيل في المنطقة من خلال سايكس ـ بيكو 2، وتتحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية دخول الدول العربية مرحلة الانهيار بسبب الحرب العدوانية والقذرة التي ارتكبها بوش وبلير على العراق ودعمها للحرب الكونية على سورية حوالي خمس سنوات، فالفوضى التي تعيشها بلدان الشرق الأوسط هي بسبب الفوضى والحروب التي سببتها الولايات المتحدة وإسرائيل والمجموعات التكفيرية وأتباعهم من الدول العربية لتدمير الوطن العربي من خلال إشعال الحروب الطائفية والمذهبية والعرقية فيه لمئة عام.‏