وصف الله خليله إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام، وقال في ذاته بعد أن تخللت محبة الله جميع جوانحه: {إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} الصافات84
فالذي يريد فتح الله وإكرامات الله وعطاءات الله يُركِّز على القلب السليم، ويتأسى في ذلك بالسيد السند العظيم الرءوف الرحيم صلى الله عليه وسلم.

ما الطريق الذي يجب وينبغي أن نسلكه في ذلك؟ بدأ صلى الله عليه وسلم أولاً بمعونة من الله، وتوفيق من الله، ورعاية من الله بتطهير قلبه بالكلية من جميع الأهواء والدناءات والمشاغل الدنيوية، ولذلك لا يُفلح سالك مهما أدَّى من أنواع العبادات، ومهما كابد من أفدح المجاهدات إلا إذا رأى كل ذلك لا يُغني عنه شيئاً عند ربه إلا إذا استمد من فضل الله وقوة الله وحول الله وتوفيق الله الذي يعينه على تحقيق مناه.

فأرشدنا الله على ذلك وإلى ذلك في شخص حَبيبه ومُصطفاه، فقد ورد في صحيح السيرة النبوية أن الله طهره على يد السفرة البررة الكرام من الملائكة أربع مرات.
المرة الأولى وكان عنده أربع سنوات عندما كان يسرح بالغنم مع أخواته في الرضاعة عند أمِّه من الرضاعة السيدة حليمة السعدية رضي الله عنها، ويحكي هو هذا الخبر، أنهم أخذوه وانتبذوه جانباً، وأرقدوه على ظهره، وتقدم أحدهم فشق من صدره إلى منتهى عانته، وتقدم الآخر فأخرج قلبه ووضعه في طست، وأخرج منه شيئاً وألقاه وقالوا: هذا حظ الشيطان، ثم تقدم آخر ورده إلى حالته، وقال له يا حبيب لا تُرع {أي لا تخف}.

والسالك في هذا المقام أول ما يُخرج من قلبه حظ الشيطان من الوساوس، والهواجس، والمكر، والدهاء، والشهوة في حب الظهور، والرغبة في الرياء وغيرها من البضاعة الشيطانية التي أمرنا أن نتخلص منها رب البرية عز وجل، وهذا في مبتدأ الطريق.

إذاً أهل البداية عليهم أولاً التخلص من وساوس الشيطان، وهلاوس الشيطان، وهي سر كل المصائب بين الصغار والكبار، تمر المصائب هذه إلى سوء الظن، وسوء الظن يؤدي إلى الغيبة، وبعدها إلى النميمة، وبعدها إلى القيل والقال، وبعدها إلى السب والشتم، وبعدها إلى القطيعة، وبعدها إلى الهجر والخصام، كل ذلك سببه الأول وساوس الشيطان. فلا بد للسالك أن يقضي على وساوس الشيطان، ويستعين على ذلك بربه، يجاهد نفسه ثم يطلب من الله أن يعينه على ذلك، حتى يجتبيه مولاه فيدخله في قوله: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} الحجر42

فيكون من أهل هذا المقام، وصاحب هذا المقام يفر منه الشيطان، فقد قال صلى الله عليه وسلم في شأن رجل من هؤلاء وهو السيد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: {مَا سَلَكَ عُمَرُ وَادِيًا قَطُّ فَسَلَكَهُ الشَّيْطَانُ}{1}
يفر حتى من الشارع الذي فيه عمر خوفاً من أن تحرقه أنوار الله التي تحصن قلب عمر رضي الله عنه.


{1} تاريخ دمشق لابن عساكر، وفضائل الصحابة لأحمد بن حنبل عن أنس رضي الله عنه