المؤتمر الصهيوني الرابع والثلاثون
واستغلال اللاسامية والهولوكوست لابتزاز العالم
د. غازي حسين

بعد الاستغلال الفاحش الذي حققته إسرائيل في ألمانيا وفرنسا وسويسرا وبقية الدول الأوروبية من معزوفة الهولوكوست ونفاذ استخدامها لجلب المزيد من الأموال والأسلحة والدعم السياسي قررت الصهيونية وإسرائيل استخدام معزوفة اللاسامية لابتزاز شعوب وحكومات العالم ومنعهم من توجيه الانتقادات لممارسة إسرائيل للإبادة والإرهاب والعنصرية والاستعمار الاستيطاني كسياسة رسمية.
انطلقت الشرارة الأولى لاستغلال معزوفة اللا سامية للحيلولة دون تقديم قادة إسرائيل إلى المحكمة الجنائية الدولية كمجرمي حرب ولمنع انتقاد عنصرية الصهيونية والكيان الصهيوني في القرار 36 الذي اتخذه المؤتمر الصهيوني الرابع والثلاثون في القدس المحتلة في 21 حزيران 2002 وقرر ما يلي:
1 ـ حث الاتحادات الصهيونية لدى الجاليات اليهودية في جميع أنحاء العالم على العمل بقوة ضد آفة اللاسامية ومعاداة الصهيونية.
2 ـ إنشاء فريق متخصص مقره القدس لتنسيق مكافحة اللاسامية ومعاداة الصهيونية.
3 ـ إنشاء مجموعة من الخبراء للعمل مع صانعي الرأي العام ووسائل الإعلام لمحاربة آفة اللاسامية ومعاداة الصهيونية (إغلاق بث محطة المنار من فرنسا باكورة تنفيذ قرارات المؤتمر الصهيوني).
4 ـ إنشاء مجموعات عمل في كل بلد تعمل مع أعضاء المجالس التشريعية لإعداد تشريعات تحرم اللاسامية ومعاداة الصهيونية وإنكار المحرقة. (وكان القانون الأميركي الذي وقعه الرئيس بوش في 24/10/2004 الاستجابة الأولى لقرارات المؤتمر الصهيوني).
5 ـ إنشاء مجموعات من رجال القانون لتقديم الشكاوى وبدء مقاضاة الهيئات السياسية أو الإعلامية التي تنشر اللاسامية ومعادة الصهيونية.
6 ـ إنشاء جهاز بالاشتراك مع الاتحاد العالمي للطلاب اليهود لمراقبة الأنشطة اللاسامية والمعادية للصهيونية في إحرام المعاهد والجماعات للرد على اللاسامية ومعاداة الصهيونية داخلها.
7 ـ تشكيل مجموعات من المربين الذين يفحصون الكتب الدراسية والمعاجم والموسوعات من أجل حذف كل المحتويات اللاسامية والمعادية للصهيونية والمنكرة للمحرقة. (وجاء تغيير المناهج والكتب الدراسية بشكل خاص كتب التاريخ والجغرافية والتربية الوطنية والدينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة والأردن استجابة للموقف الإسرائيلي).
8 ـ تجنيد الشخصيات العالمية الرشيدة والحكومات ومجالس النواب في جميع أنحاء العالم لتحذير الحكومات التي تُظهر ضعفاً في محاربة اللاسامية ومعاداة الصهيونية».
استنفذت إسرائيل أغراضها المالية والعسكرية والسياسية والإعلامية من الهولوكوست وابتكرت بالتعاون مع المؤتمر الصهيوني العالمي بدلاً منها «معزوفة محاربة اللاسامية ومعاداة الصهيونية» لابتزاز حكومات وشعوب العالم أجمع لتبرير إبادتها للشعب الفلسطيني وتهويد وطنه وإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية.
وتنشط اليهودية العالمية حالياً ليل نهار للضغط على أوروبا والبلدان العربية لمنع أي مواطن فيها من انتقاد إرهاب وعنصرية واستعمار الكيان الصهيوني والصهيونية واتهامه باللاسامية.
وتمادت الصهيونية في غيها ووقاحتها وأخذت تشبه نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال والهولوكوست بالإرهاب وبما قام به النازيون ضد اليهود، لتبرير الإرهاب والاستعمار والاحتلال والهولوكوست استبدلت «إسرائيل» معزوفة الهولوكوست النازي بمعزوفة اللاسامية لتوجيهها إلى كل من يجرؤ على الكلام ويعارض سياستها الإرهابية.
لا يجوز لليهودية العالمية احتكار كلمة «السامية»، فاليهود في أوروبا والولايات المتحدة هم من أصل خزري انطلقوا من مملكة الخزر الواقعة على بحر قزوين بعد أن اعتنقوا اليهودية لأن مليكهم اعتنقها وانتشروا في أوروبا الشرقية ومنها إلى جميع بلدان العالم بما فيها فلسطين العربية.
يضاف إلى ذلك أن الشعوب السامية تشمل العرب وغيرهم، فلماذا يريد اليهود حصر أنفسهم بالساميين وهم يؤمنون بأنهم جزء من الغرب وحضارته ومصالحه في منطقة الشرق الأوسط؟
انتهت المنظمات اللاسامية التي انتشرت في أعقاب الحرب العالمية الأولى في النمسا وألمانيا وهنغاريا بالقضاء على النازية والحكم النازي بألمانيا وقيام الدولة الألمانية والاتحاد لأوروبي وتوقيع العديد المواثيق الدولية التي تحرّم وتجرِّم العنصرية والتمييز العنصري.
واستفادت الحركة الصهيونية من اللاسامية ومن النازية وتعاونت معها لعزل اليهود عن مجتمعاتهم ومنع اندماجهم وإدخال الخوف في نفوسهم وتهجيرهم إلى فلسطين.
ووصل التعاون النازي والصهيوني ذروته بعد استلام النازية للحكم في ألمانيا وتوقيع اتفاقية هافارا بين وزارة الاقتصاد في ألمانيا النازية والوكالة اليهودية للتعويض عن أملاك اليهود في ألمانيا وتنظيفها من اليهود تحقيقاً للهدفين النازي والصهيوني.
ووصلت وحشية «إسرائيل» والصهيونية العالمية حداً قاما فيه باتهام العرب والمسلمين عن أوروبا بمعاداة السامية واتهام حكومات دول الاتحاد الأوروبي في التقصير بمكافحة اللاسامية، مما أدى إلى سن قوانين خاصة لمحاربة العرب والمسلمين والإسلام واجتثاثهم من مجتمعاتهم الأوروبية استجابة للمطالب والضغوط الإسرائيلية واليهودية.
وجاءت حملة «إسرائيل» والاستجابة الأوروبية لها بعد الإعلان عن الاستفتاء الذي أجراه الاتحاد الأوروبي وتبين أن 59% من المواطنين الأوروبيين يعتبرون أن إسرائيل تحتل المرتبة الأولى في تهديد السلام في العالم. واعتبرت اليهودية العالمية أن نتائج هذا الاستفتاء تُظهر مدى تغلغل اللاسامية في أوساط الشعوب الأوروبية، مما حمل حكومات البلدان الأوروبية على إصدار تشريعات عديدة لملاحقة العرب والمسلمين وقمع حريتهم الدينية والسياسية، إرضاء لإسرائيل ولليهودية العالمية.
فإسرائيل لا تسمح لأحد في أوروبا أن ينتقد ممارستها للهولوكوست على الشعب الفلسطيني وللإرهاب والعنصرية كسياسية رسمية دائمة لكسر إرادة الشعب الفلسطيني والإرادات العربية وإنجاح المشروع الصهيوني في الهيمنة على البلدان العربية والإسلامية.
وهنا يتبادر للذهن السؤال التالي: هل هناك حقاً كراهية لليهود لأنهم يهودية أم لسياسة دولة إسرائيل، دولة اليهود التي يدعمها جميع اليهود في العالم والدول الغربية.
إن على إسرائيل وعلى اليهودية العالمية التوقف عن وضع إسرائيل فوق القانون الدولي وفوق الشرعية الدولية والتوقف عن إبادة الشعب الفلسطيني وتهويد وطنه والاعتراف بالمسؤولية التاريخية عن تهجيره والتعويض عليه للخسائر البشرية والمادية والنفسية التي ألحقتها به والموافقة على عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم واستعادة أرضهم وممتلكاتهم.
يجب التوقف عن إشهار سلاحها الجديد الفتاك في وجه أي دولة أو زعيم أو مركز دراسات أو شخصية صحفية أو إعلامية يوجه الانتقادات لإبادتها للشعب الفلسطيني وترحيله واغتصاب وطنه وتذويبه في جميع أنحاء العالم لإقامة أكبر غيتو يهودي استعماري وعنصري وإرهابي في قلب البلدان العربية والإسلامية.
تتهم اليهودية العالمية انتقاد الصهيونية وإسرائيل باللاسامية ولكنها تغض النظر عن مؤسسها تيودور هرتسل الذي تعاون مع اللاساميين الروس وبشكل خاص وزير داخلية روسيا القيصرية بليفي للتخلص من اليهود وتهجيرهم إلى فلسطين واعتبر هرتسل أن اللاسامية مفيدة لليهود. وتعاونت عصابة إتسل اليهودية الإرهابية قبل الحرب العالمية الثانية مع القادة اللاساميين في الجيش البولندي لتدريب أعضائها. وتعاون د. حاييم وايزمان والإرهابي جابوتنسكي مع الفاشية الإيطالية ومع موسوليني لتحقيق الأهداف الصهيونية وتدريب أعضاء من البيطار على البحرية في إيطاليا.
ويجب ألاّ يغيب عن الذهن أن اللورد بلفور المعروف بأنه من كبار اللاساميين هو الذي منح وعد بلفور للحركة الصهيونية وبالتالي كان بلفور لا سامياً وبنفس الوقت كان صهيونياً.
ويعتبر العديد من الصهاينة أن اليهودي كارل ماركس كان لا سامياً لأنه وضع كتاب «المسألة اليهودية» وبيّن فيه عبادة اليهودي للذهب وأكد فيه أن حب الذهب والمال هو الدين الحقيقي لليهودي.
ويتحمل اليهود حتى اليوم وغداً وبعد غد مسؤولية التلاعب بالبورصة العالمية وهبوط أسعار الأسهم وارتفاعها والتلاعب بالنظام المصرفي وأسعار العملات والتجارة العالمية، مما ألحق ويلحق أفدح الأضرار بمصالح جميع الشعوب في العالم.
هل يجوز اعتبار اليهودي الذي ينتقد الصهيونية وإسرائيل مثل نعوم تشومسكي لا سامياً؟
لماذا أقر المؤتمر الصهيوني أن انتقاد الصهيونية يعني اللاسامية وأن اللاسامية تصاعدت في أوروبا؟
من المؤكد أن عدد اللا ساميين في أوروبا انخفض بشكل ملحوظ بسبب القوانين التي تصدرها الحكومات لمكافحة ظاهرة نمو وتصاعد الحركات القومية وبشكل خاص في ألمانيا وبقية البلدان الأوروبية.
ولكن الذي تصاعد في بلدان الاتحاد الأوروبي هو انتقاد أعمال إسرائيل والعنصرية والإرهابية والإبادة الجماعية والتدمير الذي ترتكبه بحق الشعب الفلسطيني حتى أن جون كيري اتهمها بأنها تشبه نظام الأبارتايد في جنوب إفريقيا.
علق الإسرائيلي بوري افنيري حول الاستفتاء الأوروبي الذي يعتبر أن إسرائيل أكبر تهديد للسلام في العالم «أن هناك تفسير بسيط لذلك: فالأوروبيون يشاهدون كل يوم على شاشات التلفزيون ما يقومون به جنودنا في المناطق الفلسطينية المحتلة... يبدو الكفاح الفلسطيني، المسمى في إسرائيل إرهاباً أشبه في أعين الأوروبيين، بالكفاح الفرنسي ضد الاحتلال الألماني».
إن الذي تصاعد في أوروبا وازداد حجمه ليس معاداة السامية وإنما انتقاد ممارسات إسرائيل الإرهابية والاستعمارية والعنصرية.
ولكي تقمع إسرائيل بمساعدة اليهودية العالمية والإمبريالية الأمريكية وبقية الدول الغربية تصاعد الانتقادات لها قرر المؤتمر الصهيوني أن انتقاد إسرائيل والصهيونية يعني اللاسامية، نظراً لأن الشعوب والحكومات الأوروبية تقمع ظاهرة اللاسامية بشدة منقطعة النظير وعلى الرغم من قلتها.
أما في السعودية وبقية بلدان الخليج والأردن فالوضع يسير لصالح تطبيع العلاقات مع إسرائيل وعقد اتفاقات ومعاهدات سلام معها لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني. واعتمدت هذه الحكومات العربية «استراتيجية سلام الشجعان» للتوصل إلى تسويات برعاية الولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي للعدو الصهيوني.
ولكن إسرائيل كعادتها تبتز بعض الحكومات العربية وتزعم بتصاعد اللاسامية فيها للمزيد من الضغط والابتزاز.
فماذا تريد إسرائيل من المواطنين العرب بعد الخراب والدمار والقتل والاغتيالات وتدمير حتى محطات توليد الكهرباء واغتصاب الأرض والحقوق والمياه والثروات؟
هل تريد من المواطنين العرب تقديم الشكر والامتنان لها لأنها هي التي عرقلت تطور وتنمية البلدان العربية المحيطة بفلسطين ـ وتشكل أكبر التهديدات للأمن والاستقرار والتنمية والازدهار في منطقة الشرق الأوسط.
خلّدتْ اليهودية العالمية مسؤولية الأجيال الألمانية القادمة عن جرائم النازية وأجبرت أوروبا والعالم على عدم نسيان هذه الجرائم وتريد بمساعدة الإملاءات الأميركية على بعض الحكومات العربية إجبار الشعوب العربية على نسيان مجازرها في دير ياسين وكفر قاسم وصبرا وشاتيلا وقانا وبحر البقر وداعل.
ولا تزال تحيي ذكرى جرائم نازية جرت المبالغة فيها حتى اليوم وتريد إجبار المواطنين والحكومات العربية عدم ذكر مجازرها بالأمس واليوم بحق العرب كمجزرة المسجد الإبراهيمي في الخليل ومجزرة الأقصى ومجزرة قانا؟
المطلوب إزاء القرار الصهيوني باعتبار انتقاد إسرائيل والصهيونية «باللاسامية» أن تدعم الحكومات العربية مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وأن يكشف الإعلام العربي من تغطيته للممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية وعدم الرضوخ للابتزاز الأميركي والإسرائيلي.
آن الأوان بعد مرور أكثر من ست وستين عاماً على نكبة فلسطين المستمرة أن تواجه وتتصدى الحكومات والنخب العربية لممارسة إسرائيل للإبادة والعنصرية والاستعمار الاستيطاني والاغتيالات ولا تستجيب لابتزازها بمعزوفة اللاسامية.
تعتبر إسرائيل أن ذكر المجازر الجماعية التي ارتكبتها وترتكبها بحق الفلسطينيين والعرب، ودعم مقاومة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، وانتقاد الممارسات والأفكار والتصريحات العنصرية للحاخامات ورجال الفكر والسياسية اليهود يقود إلى بث الكراهية وإلى التحريض ضدها. وتطالب الحكومات العربية وقف ما تسميه بث الكراهية والتحريض عليها في أجهزة الإعلام العربية وفي المناهج الدراسية وفي الوقت نفسه تتمسك بجميع المقولات التوراتية والتلمودية والصهيونية التي تحرّض اليهود على احتقار العرب وإبادتهم والاستيلاء على أوطانهم.
كيف يسمح اليهودي لنفسه بالعمل الدائم والمستمر على تخليد مسؤولية الشعب الألماني الأبدية عن جرائم النازية التي ارتكبت قبل أكثر من 66 عاماً بينما يعمل إلى إجبار الشعوب والحكومات في العالم على عدم التحدث عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وضد السلام التي ترتكبها إسرائيل في بداية القرن الحادي والعشرين ووصف ذلك باللا سامية؟
أن تبني الولايات المتحدة الأميركية للموقف الإسرائيلي وإصدار القانون الأميركي لمكافحة العداء للسامية في 14 تشرين الأول 2004، والذي سيكون العرب والمسلمين الذين ينتقدون الصهيونية وإسرائيل من ضحاياه يظهر بجلاء معاداة الولايات المتحدة وإسرائيل للرأي والرأي الآخر وتصميمها على الاستمرار في ممارسة الإرهاب والإبادة والعنصرية، ويضعها فوق القوانين الداخلية وفوق القانون الدولي. ويعني موافقة الولايات المتحدة على قرار المؤتمر الصهيوني بملاحقة العرب والمسلمين بأكذوبة اللاسامية.
تاجرت ولا تزال تتاجر اليهودية العالمية وإسرائيل بضحايا النازية من اليهود الاندماجيين والفقراء على الرغم من التعاون الرسمي بين ألمانيا النازية والحركة الصهيونية وبين ألمانيا الاتحادية وإسرائيل.
ذهبت الأموال الأسطورية التي لا مثيل لها في تاريخ العلاقات الدولية التي حصلت عليها إسرائيل ليس في مصلحة ضحايا النازية وإنما لمصلحة تقوية طاقات إسرائيل العسكرية والاستيطانية والاقتصادية لشن الحروب على فلسطين وبقية البلدان العربية وتهويد القدس وفلسطين والجولان.
واليوم وبعد أن استنفذت معزوفة الهولوكوست أغراضها استبدلتها بالمعزوفة الجديدة معزوفة اللاسامية بعد أن جسّدت المعاقبة على اللاسامية في قوانين في معظم البلدان الأوروبية.
فهل سيأتي اليوم الذي يُمنع فيه إحياء ذكرى نكبة فلسطين بذريعة وقف بث الكراهية والتحريض، بمعزوفة اللاسامية وقوانين حكومة نتنياهو العنصرية؟.