ومضة من زكي مبارك : مناجاة الليل
هذه ومضة من أحد كتب الدكاترة زكي مبارك .. أو إحدى زفراته .. كتب يقول :
( أيها الليل
خذ السواد من قلبي إن أعوزك السواد.
خذ الظلام من حظي،إن أعوزك الظلام.
خذ من قلبي ومن حظي ذخيرتك للأحقاب المقبلات.
خذ مني ما تشاء،أيها الليل،فلن تجد مشتهاك عند إنسانِ سواي.
خذ مني ما تشاء بلا منِ عليك : فما أخذتُ السواد إلا منك،ولا ورثتُ الظلام إلا عنك.
ومثلي يحفظ الجميل.
***
أيها الليل!
لا تجزع من العُزلة،فأنا هنالك أسامرك وأناجيك.
لا تفزع من الوحدة ففي قلبي ظلمات تساير ما تحمل من ظلمات.
عندي آلامي،وعندك آلامك. والجريح يأنس بالجريح ،يا ليل!
أنا أعرف من أنا في دنياي،فمن أنت في دنياك،يا ليل؟
أنت جزء من الزمان هجرته الشمس فأظلمت دنياه.
وأنا جزء من الوجود هجرته الشمس فأظلمت دنياه.
إن شمسي تغرب في الزمالك أو في بغداد ،فأين تغرب شمسك؟
إن شمسك تغرب ثم تعجز عن الصبر على فراقك فترجع إليك.
فليت حظي كان مثل حظك،يا ليل!
والمقادير تترفق بك فتسوق القمر والنجوم لإيناسك.
وأنا أعاني الظلام المطلق حين تغيب الشمس التي تعرف.
فليت حظي كان مثل حظيك،يا ليل!
والناس يخافون بأسك فيتقربون إليك بالقناديل والمصابيح.
وأنا مأمون الجانب فلا يتقرب أحد إليّ بشيء.
فليت حظي كان مثل حظك،يا ليل!
من اسمك يا ليل جاء اسم ليلى،ففيها طُغيانك،وفيها ظلامك،فلا عفا الحب عنها ولا عنك!
****
هذه داري،وهذا وطني،ولكن أين أحبابي؟
إن قلبي يستحق التأديب ،فليتلق من الضيم ما هو له أهل :
ألم يتلق رسائل الشوق من بغداد فسكت عنها سكوت الغادرين؟
ألم يتلق رسائل الشوق من باريس فسكت عنها سكوت الجاحدين؟
ايها الليل !
قد اقترب صباحك ،فمتى يقترب صباحي؟
لك خلاص من ظلماتك،فأين الخلاص من ظلماتي؟
ستمضي لشأنك وتتركني،يا ليل!
إن الظلمات تقتل شبابي،وتحيي شبابك.
إن الظلمات تصيرك أقوى وأعنف،والظلمات تصيرني أرق وألطف،والرقة واللطف من بواكير الفناء.
ايها الليل!
لقد عرفتُ قسوتك في بلاد كثيرة من الشرق والغرب ،وما كنت أعرف أنك أقسى ما تكون في داري وفي وطني.
أما بعد فأنا أعترف بأن قلبي يستحق التأديب
***
أيها الليل في مصر الجديدة!
أنا على كل حال رفيقك وأخوك.
وستمضي الأعوام والدهور،ولا تعرف أصدق مني){ ص 55 – 58 جـ3 ( ليلى المريضة في العراق : د.زكي مبارك /شركة نوابغ الفكر / القاهرة / الطبعة الاولى 1433هـ = 2012 }



استومضها لكم : س/ محمود المختار الشنقيطي المدني
س : سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب