المحكومون بالإعدام
والمحكومون بالاعدام في سوريا عدة ملايين، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، والآجال بيد الله.
والتصريح الأشهر لبشار الأسد مسجل محفوظ يعرفه كل الناس وهو أن هناك نحو مائة ألف إرهابي سوري موجودون على الأرض، ويؤكد في تصريحه أنه يتحدث فقط عن السوريين وليس عن الغرباء، وأن هؤلاء المائة ألف إرهابي سوري لديهم عوائل وأصدقاء ومؤيدون يبلغون عدة ملايين، وهؤلاء الملايين جميعاً هم هدف مباشر لجيشنا المقاوم وبراميله الحكيمة!!
ومنذ ذلك التصريح الذي يعتبر مرسوماً رسمياً بإعدام ملايين المواطنين فقد تولى نسورنا البواسل قصف البيوت والمساجد والمدارس والمشافي والأسواق التي يتكاثر فيها الإرهاب، وفي مؤشر واضح فإن التلفزيون الحكومي يعرض باستمرار ودون توقف منذ خمس سنوات أسماء المدن والبلدات والقرى والمزارع والهضبات والتلول التي استهدفها هذا النظام المتوحش ولا أعتقد أن أي قرية في سوريا من القنيطرة إلى عين ديوار، ومن كسب إلى نصيب لم يمر ذكرها على الشريط الأخباري، ولم يصبها وابل براميل المقاومة والممانعة، ولم تذق نكال هذه الفتوى اللعينة التي يعتبر فيها رئيس قائم على رأس عمله أن عدة ملايين من شعبي العظيم إرهابيون وخونة ويجب إعدامهم.
وفي المقابلة إياها يصرح رأس النظام بقوله: إننا نمارس فشلاً أخلاقياً كاملاً، وفشلاً سياسياً كاملاً وفشلاً اجتماعياً كاملاً.
هل يوجد أحد يصل إلى هذه النتيجة ويعلنها بعظمة لسانه ثم يبقى على رأس عمله؟؟
إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى .. إذا لم تستح فاصنع ما شئت.
لا توجد إرادة دولية حقيقية لوقف لعبة الموت هذه، ويستمر النظام في قصف الحياة والأحياء ويجد من يبرر له جرائمه في الداخل والخارج.
والجدل السياسي في لعبة الموت هذه لا يتوقف، ويتشظى بنسبة الانقسام المريع بين المصالح الدولية في سوريا، ولكن المثير في الأمر هو جدل الدين والفقه وأصحاب العمائم.
ألف حديث وآية يعرفها هؤلاء وكلها من باب الصحيح الذي لا مطعن في سنده: ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون، ومن أعان على قتل مؤمن ولو بشطر كلمة لقي الله مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله، ومن مشى مع ظالم يعينه على ظلمه فقد خرج من الملة .....
لا نطلب المستحيل ولا يحتاج المسلم إلى الانتحار ليؤكد خوفه من الله، فهناك خيارات أمر بها الرسول الكريم وأقرها وهي لا تكلف المرء حياته ولا روحه ولا الخروج من وطنه... انها على الأقل اعتزال الفتن، والدعوة لإلقاء السلاح والتزام السلام، وأن لا يكون الفقيه في خدمة سلطان الجور ورغائب ميليشياته الملحدة التي تقصف المساجد عن عمد وتعذب الناس حتى الموت وتدوس على القرآن وتسب الدين علناً وتمنع الصلاة بكل أشكالها في قطعات الجيش ثم يقال بعد ذلك إنه جيش يتمثل أخلاق الصحابة ويحكي جهادهم؟
في سوريا اليوم علماء كثير لم يواجهوا الشر الذي يمارسه النظام، ولم يقولوا كلمة الحق التي ينتطرها منهم المستضعفون في الأرض، ولكنهم أيضاً لم يكونوا عدة للظالم في جرائمه ولم يقبلوا أن تنطلق ألسنتهم بكلمة من الباطل.
الشيخ الدكتور وهبة الزحيلي الشيخ نور الدين عتر الشيخ عجاج الخطيب الشيخ شكري لحفي.. فقهاء مشهورون في العالم الإسلامي قعدوا في بيوتهم وأنكروا هذا المنكر بقلوبهم واكتفوا بالصلاة والدعاء للفرج والخلاص وقالوا: اللهم إن هذا منكر لا أرضى به ولا أقدر على تغييره.
لم يرفعوا صوتهم بكلمة الحق ولكنهم لم يتورطوا في زخرفة الباطل والطبطبة على ظهر الظالم ولم يقولوا له اضرب بيد من حديد، ولم يذهبوا للثناء على قاتل، ولم يكونوا في وفد مصحف الأوقاف يبررون جرائم الظلم بتأويل نصوصه، ولم يذهبوا ليبيعوا دينهم بالدفاع عن الجرائم المتوحشة بالدعوى الكاذبة المشهورة: مصلحة الدعوة وحماية المعهد الشرعي وطلاب العلم.
لقد كنا نمارس هذا التكاذب بمعية مشايخنا في زمن المظالم المحدودة، وكانوا يقولون: إنا لنبش في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم، واليد التي لا تستطيع أن تقطعها بوسها وادع عليها بالكسر، وكنا نستدل بدخول النبي في جوار المطعم بن عدي وهو كافر، ونظن أننا نمارس ذلك كله من أجل مصلحة الدعوة!
ولكن هذه الثقافة التعيسه وهذا الموقف الهزيل على بؤسه ووهنه في تلك المرحلة لا يمكن أبدأً أن يكون مقبولاً بعد أن أعلن النظام على لسان رئيسه أنه ذاهب لقتال ملايين السوريين، وبعد أن صار قرار الإعدام يصدر وينفذ على الحواجز، وبعد أن شاهد الناس آلاف السوريين يعذبون حتى الموت في سجون الإجرام والفحشاء والمنكر.
لقد خرجت من سوريا حتى لا أقدم للباطل دليلاً جديداً أن الخطاب الديني سلعة رخيصة يضعها الاستبداد حيث يشاء، لقد أردت القول إن ثقافة التجديد والسلام التي أتبناها ليست مجرد سلبية بلهاء، إنها في الواقع تعني اعتزال القتل كله، ورفع الصوت ضد الظلم كله، ورفض تبرير أي لون من القتل مهما كانت ذرائعه.
يقولون في مجالسهم الخاصة، نعلم أنه نظام ظالم وأنه متوحش ولكن لا بد من المداهنة والمداراة حتى نتجنب شره، أليس من الحكمة أن تلزم الهدوء حين ترى الأفعى أو الضبع؟ أليس من العقل أن تحافظ على هدوئه نائماً حتى تعبر بسلام؟
إنها نظرية الديكتاتور الذي يضع رجله على قنبلة الموت ويقول للناس أنا أو الكارثة!!.. وسؤالي: هل إذا كان في بيتك وحش كهذا يحتمل كل يوم أن ينقض لافتراسك وافتراس أطفالك حين يغضب، فهل تجامله وتصانعه وتطبطب له ثم تتركه لأولادك وتوصيهم بمزيد من المداراة والمجاملة والتكاذب وتبرير جرائمه والمحافظة على هدوئه اتقاء لشره وغضبه؟؟ أم أنك مدعو إذن للوقوف بصلابة في وجه غرائزه المتوحشة؟
وإذا لم يكن من الموت بد.... فمن العار أن تموت جباناً