سوسن مكحل
عمان-الغد- لم تكن أم حسن تعرف أن ابنها الأصغر رامي (11 عاما)، ما يزال يعيش حالة من الرعب والخوف جراء مرور جنازة جارهم من أمام المنزل.
رامي الذي أصبح انطوائيا كما تقول والدته، بات يشعر بالخوف من المحيطين، ولا يخرج من المنزل، ما اضطرها إلى عرضه على أكثر من طبيب، لكنهم أكدوا أنه لا يعاني من أي مرض.
بعد نصيحة من الجيران، وبعد البحث الطويل، وجدت أم حسن معالجا شعبيا، يقوم بما يعرف بـ"قطع الخوفة"، فقامت بقطع الخوفة لابنها على مدار يومين متتاليين.
وتقول أم حسن "لم أتوقع نجاح تلك العملية البسيطة، عن طريق التدليك بزيت الزيتون، إلا عندما رأيت ابني يعاود نشاطه في اليوم الرابع مباشرة".
إلا أن الثلاثينية أم علي، لا تقتنع بطرق العلاج هذه، رغم أن جاراتها نصحنها بـ"قطع الخوفة" لابنها البالغ من العمر ثلاث سنوات، كونه يعاني من ارتفاع درجة حرارة جسده بين الحين والآخر، بدون وجود عارض أو مشكلة صحية، لكنها أصرت على رأيها ولم تقم بذلك.
أم علي التي ما تزال ترفض علاج طفلها عند معالج شعبي، تشير إلى أن ابنها يعاني منذ ستة شهور حالة غريبة، فما أن تغرب الشمس، كما تقول، حتى يبدأ بالانعزال وعدم اللعب، ويصبح وجهه شاحبا، وسرعان ما ترتفع حرارة جسده، فتعطيه خافضا للحرارة، فيزيل الألم، لكن لا يلغيه.
الخمسينية أم محمد السيد، التي تعالج بهذه الطريقة؛ "قطع الخوفة"، تذهب إلى أن الأطفال يخافون من أي موقف، فقد يتخوفون من صور معينة عند مشاهدة التلفاز، أو يرون حادثا ما بالصدفة، أو يسمعون قصصا قد ترعبهم.
معرفة الطفل إن كان مصابا بالخوف أم لا تحتاج إلى خبير أو طبيب في رأي أم محمد التي تشير إلى أن الأم يمكنها معرفة ذلك من خلال التغيرات التي تطرأ على ابنها، مضيفة "وهذا يمكن كشفه من خلال خوفه عند مناداته أو الحديث معه، أو تجنبه الاختلاط مع الأطفال الآخرين، وقد يتعرض للكوابيس بكثرة".
أما طريقة "قطع الخوفة"، وفق أم محمد، فتكون من خلال تدليك يدي ورجلي الخائف، من أسفل العمود الفقري باتجاه الجهاز التناسلي للذكر والأنثى باستخدام زيت الزيتون، وبضغط اليدين برفق عند نهاية التدليك.
وتبين أم محمد التي تعلمت طريقة "قطع الخوفة" من عمتها، قبل عقود طويلة أن المصاب بالخوف من الأطفال يكون وجهه شاحبا، ومائلا إلى الإصفرار، نتيجة شعوره بالألم والضغط، وعندما يتم تدليكه يعود إلى طبيعته في اليوم التالي.
وتحدد أم محمد أفضل الأوقات للتدليك، إذ يستحسن أن يكون للأطفال الصغار قبل الغروب، أو في الصباح الباكر مباشرة، بحيث يعودون إلى نشاطهم في اليوم التالي، مشيرة الى أن الأطفال الأكبر سنا قد يحتاجون إلى جلستين أو ثلاثة، لا أكثر لقطع الخوفة لديهم.
وتوضح أن المنطقة التي يتم تدليكها عند المصاب، يتجمع فيها شد الأعصاب، فيكون العلاج طبيعا وكثيرا ما يلجأ إليه المواطنين عند تغيير سلوك أطفالهم وأبنائهم نحو الإنعزال.
اختصاصي دماغ وأعصاب رشيد محمد يستبعد أن يكون ما يسمى بـ "قطع الخوفة"، مرتبطا بتجمع وتكتل الأعصاب نتيجة خوف أو صدمة وغيرها، إضافة إلى كون كافة من يتعرض إلى الصدمات أو ضرر وخلل بالأعصاب حالته تختلف عن الأخرى.
ويرد انتشار مثل تلك الظاهرة بين الناس، إلى الجهل غير المواكب لتطورات العلم، والتخصصات الحديثة المتعلقة بعلم الطب، وعلاج مختلف الأمراض، وتشخيص أسبابها.
وتشكّل الالتهاب، وفق محمد، يختلف من شخص لآخر، وعلاجه يتطلب تشخيص الحالة وعلاجها سواء بالأدوية أو بعلاجات متطورة، إلا أن اعتماد الطب الشعبي على تشخيص جميع الحالات بأنها حالة واحدة أمر خاطئ، وقد يلحق الضرر أكثر من النفع.
ويشاطر أستاذ علم الاجتماع في جامعة اليرموك دكتور منير كرادشة، الرأي الطبي، ويعتبر أن العلم تطوّر، وأن التطورات الطبية تفي بالغرض للكشف عن كافة الأسباب المؤدية إلى الأمراض المختلفة.
ويعزو كرادشة تعّلق الناس في علاج الأمراض المختلفة مثل الانفلونزا، والخوفة من خلال أسلوب تقليدي، إلى العقلية البسيطة التي يفكّر بها بعض الأفراد، ولا تنم عن تطوّر فكري وحضاري، لافتا الى أهمية الوعي والادراك والتعلّم الذي يقوي العقلانية.
إلا أن خبير التراث نايف النوايسة يبيّن أن الإنسان يخاف من المجهول وإذا لم يجد طريقة علميا لمواجهة أسئلة هذا المجهول، يلجأ إلى الغيب لمعالجة الكثير من المسائل وخصوصا المتعلقة بالطب الشعبي، مؤكدا أن المداوي الشعبي بجمع ما وجده بالأديان في الغالب مع ما لديه من معتقدات في معالجة موضوع الرعبة أو الخوفة "الخريعة".
والخوفة، وفق النوايسة، تعالج من خلال سيدة غالبا تستخدم ماء خاصا أو زيت زيتون، تقرأ عليه بعض الآيات لذهاب الرعبة، منوها إلى وجود "طاسة الرعبة" التي تستخدم لذهاب الخوفة.
وكل ذلك عامل نفسي يعتمد على الشخص المستقبل أو "المريض"، في رأي النوايسة الذي يؤكد أن طريقة العلاج هذه ما تزال موجودة حتى اليوم عند الكثير من السيدات ومنهن المتعلمات، موضحا "وهذا نتاج جهل مجتمعي".
وتتفق المعالجة أم محمد مع النوايسة، في أن علاج "قطع الخوفة"، أمر نفسي، مؤكدة أنها لا تتقاضى لقائه أي أجر، كونه تدليكا بسيطا.
وتتحدث في إطار خبرتها ومشاهدتها للكثير من الحالات، أن قطع الخوفة لا يكون للأطفال فقط، انما قد يتعرض له الكبار بالسن ونتيجة معايشتهم لموقف أو صدمة نفسية.
وتروي حادثة فتاة متزوجة توفيت والدتها أمامها، ومنذ ذلك الوقت لم تستطع أن تشعر بمن حولها، فدائما شاحبة الوجه، وبعد "قطع الخوفة" لها، تأقلمت مع الأمر.
وينصح كرادشة المجتمع بعدم اللجوء لمثل تلك الطرق في العلاج من الأمراض، مبينا أهمية زيادة الوعي حيال القضية وقراءة الكثير من الدراسات عن ما وصل اليه العلم، ليصل الفرد بالمجتمع المحلي إلى قناعة وسلوك عقلاني.